دينا محمود (لندن) 
بتجربة ملهمة وفريدة في بذل الغالي والنفيس، دعماً لكل من يضطلع بالمهام الإنسانية والخيرية في شتى أنحاء المعمورة، شاركت دولة الإمارات دول العالم كافة، أمس، في الاحتفال بـ «اليوم العالمي للعمل الإنساني».
ففي اليوم نفسه من عام 2003، لقي 22 من عمال الإغاثة الإنسانية، بمن فيهم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق سيرجيو فييرا دي ميلو، حتفهم جراء هجوم بالقنابل استهدف فندقاً في بغداد. وتكريماً لذكرى هؤلاء الضحايا، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد خمس سنوات، قراراً جعلت فيه ذلك اليوم، موعداً سنوياً لتكريم العاملين في المجال الإنساني، في جميع أنحاء العالم، ممن يواجهون المخاطر والمشاق، وهم يعكفون على إغاثة المحتاجين في كل مكان.
مسيرة عطاء 
وإذا كانت البيانات تفيد بأن 2023 كان من بين الأعوام الأكثر صعوبة وخطورة بالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، في ظل ما واجهوه خلاله من أزمات في غير بقعة من العالم، فإن شهوره شَكَلَّت، على الجانب الآخر، برهاناً جديداً، على أن «إمارات الخير»، لا تزال تتربع على رأس قائمة الدول التي تمد جسور البذل والعطاء، في مشارق الأرض ومغاربها. ومع تسارع وتيرة الجهود الإنسانية والمبادرات التنموية، احتفت الإمارات خلال 2023 بـ «عام الاستدامة»، كما استضافت المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، الذي استهدف تعزيز قدرة البشرية على التعامل مع التحدي المناخي.
منظومة متكاملة 
ويعزز الحضور الإماراتي الفاعل والاستثنائي على ذلك الصعيد الإنساني، حقيقة أن العمل الخيري والاجتماعي بين جنبات الدولة، يمثل منظومة مؤسسية متكاملة تنظيمياً وتشريعياً، عبر وجود أكثر من ألف مؤسسة نفع عام على مستوى الإمارات، تنشط في المجالات الإنسانية والاجتماعية والخيرية والثقافية والبيئية وغيرها. وتضم هذه المؤسسات في عضويتها أكثر من نصف مليون منتسب إليها.
وعلى ضوء هذه المعطيات، لم يكن مستغرباً أن تصبح الإمارات، ولسنوات طويلة، الجهة المانحة الأولى للمساعدات الخارجية في العالم مقارنة بدخلها القومي، وذلك بنسبة بلغت 1.31% من إجمالي دخلها، وهي ضعف النسبة العالمية المطلوبة، التي حددتها الأمم المتحدة بـ 0.7%. وقاد ذلك، إلى أن تبلغ المساعدات الخارجية الإماراتية مستوى قياسياً، وصل منذ تأسيس الدولة وحتى عام 2021، إلى قرابة 320 مليار درهم، وُجِهَت لأكثر من 200 دولة.
ولسنوات طويلة، وفرت دولة الإمارات المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة للمنكوبين بالأزمات الأخطر حول العالم، وتبوأت مكانة مرموقة، بين الدول المانحة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عبر دعم شديد السخاء، أسهم في تمكين المنظمات الإغاثية، من تقديم الإمدادات الحيوية في مجالات الصحة والغذاء، وخدمات الحماية والتعليم وغيرها، للمتضررين من مثل هذه الأزمات.
مبادرة مُلهِمة 
وبين احتفال العالم بـ «اليوم العالمي للعمل الإنساني» في أغسطس 2023 واحتفائه به في الشهر نفسه من هذا العام، جرت مياه كثيرة في نهر العطاء الإماراتي المستمر والممتد. 
ففي أواخر مارس الماضي، أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإطلاق «مبادرة إرث زايد الإنساني»، بقيمة 20 مليار درهم، والتي تُخصص للأعمال الإنسانية، في المجتمعات الأكثر حاجة حول العالم.
وأُطلقت هذه المبادرة الرائدة، تزامناً مع «يوم زايد للعمل الإنساني»، وفي الذكرى العشرين لرحيل القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بهدف توفير حياة أفضل للمجتمعات الأكثر احتياجاً لبناء مستقبل مزدهر، وتحقيق التنمية المستدامة.
ويجمع الخبراء، على أن إطلاق «مبادرة إرث زايد الإنساني»، يُكسب احتفال العالم هذا العام بـ «اليوم العالمي للعمل الإنساني» أهمية خاصة، في ظل ظروف معقدة إقليمياً ودولياً.
فالمبادرة، التي وُصِفَت بأنها «هدية إماراتية للبشرية»، تُشَكِّل بفضل حجم تمويلها، شريان حياة لا غنى عنه للمنظمات الإنسانية غير الحكومية، التي استُنزفت مواردها على مدار العاميْن الماضييْن، على وقع اشتعال نيران أزمات شتى بشكل متزامن، في أنحاء لا حصر لها من المعمورة.
ويفسر ذلك الحفاوة البالغة، التي لاقاها ذلك التحرك الذي يدعم العمل الإنساني في شتى البقاع، بما يعزز قدرة المنظمات الإغاثية المختلفة، على إيصال المساعدات الحيوية إلى ملايين البشر، دون تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي، كديدن الإمارات دائماً.

تعاون مثمر 
وبعد أشهر قليلة من إطلاق هذه المبادرة، كانت الأيادي البيضاء للإمارات تسارع بمد يد العون للأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، بعد اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر الماضي. 
فمنذ الأيام الأولى للمعارك، حرصت الإمارات، على أن تكون في صدارة الجهات التي تقدم الغوث والعون للمدنيين المنكوبين بالقتال، خاصة الفئات الأكثر احتياجاً وضعفاً من بينهم. وتعاونت الإمارات في هذا السياق، مع وكالات ومنظمات إنسانية تابعة للأمم المتحدة، من بينها برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، وأيضاً كبيرة منسقي المنظمة الأممية للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة.
ومنحت الدولة لكل هذه الجهات دعماً مالياً سخياً، قُدِرَّ بعشرات الملايين من الدولارات لتقديم المساعدات الغذائية لسكان غزة، وتوفير العلاج والرعاية الطبية، للجرحى والمصابين.
«الفارس الشهم 3» 
كما شملت أوجه التعاون الإماراتية الرامية لغوث فلسطينيي غزة، جهات إنسانية تابعة لدول مختلفة في العالم ومنظمات غير حكومية، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والوكالة الأميركية لمساعدة اللاجئين في الشرق الأدنى، ومؤسسة المطبخ المركزي العالمي ومنظمة «أوبن آرمز»، وذلك لتأمين إيصال آلاف الأطنان من الإمدادات الأساسية إلى سكان القطاع.
وفي 15 أكتوبر 2023، أطلقت الإمارات، حملة تضامن تحت اسم «تراحم من أجل غزة»، بهدف جمع مواد غذائية وملابس ومستلزمات طبية وإرسالها للقطاع، إضافة إلى توفير دعم مالي عاجل للفلسطينيين، قاربت قيمته 50 مليون درهم. وفي إطار الالتزام الراسخ لدولة الإمارات وقيادتها الرشيدة بدعم الشعب الفلسطيني في غزة، أطلقت الدولة في الخامس من نوفمبر الماضي، عملية «الفارس الشهم 3» الإنسانية، لتعزيز جهود مساندة سكان غزة، وللتعبير عن قيم التضامن والتآزر مع الأشقاء الفلسطينيين.
وخلال هذه العملية، أرسلت الإمارات 40 ألف طن من المساعدات إلى القطاع، على متن 8 بواخر و1271 شاحنة، بجانب 414 رحلة جوية، من بينها أكثر من مئة من عمليات الإسقاط الجوي داخل القطاع، خاصة في المناطق التي تحول التعقيدات اللوجستية والصعوبات المرتبطة بالقتال والمعارك، دون إيصال الإمدادات إليها براً، وذلك عبر عملية «طيور الخير».
وبذلك تجاوز حجم الدعم الإنساني والإغاثي الذي تواصل الإمارات تقديمه لأكثر من مليوني غزيّ، ما يربو على 2.6 مليار درهم، وُجِهَ جانب منه كذلك، لإقامة مستشفييْن، أحدهما ميداني في مدينة رفح الفلسطينية بجنوب غزة، والآخر مستشفى عائم متكامل، يوجد على متن سفينة، ترسو قبالة سواحل مدينة العريش المصرية.
كما أنشأت الإمارات ست محطات لتحلية المياه بالعريش، تتولى إمداد الغزيين يومياً، بأكثر من مليون جالون من الماء الصالح للشرب، وأقامت عدداً من المخازن التي تحتوي على مواد غذائية وأدوية وملابس، على الجانب المصري من الحدود، بهدف توفير هذه المستلزمات لسكان القطاع، فضلاً عن إرسال خمسة مخابز أوتوماتيكية، لتلبية احتياجات أكثر من 72 ألف شخص، بالإضافة إلى توفير الطحين لثمانية من المخابز القائمة في غزة.
عرفان وتقدير 
وفي مايو الماضي، جاء حصول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على جائزة «الشخصية الإنسانية العالمية»، من برلمان البحر الأبيض المتوسط، ليجسد القدر الكبير من العرفان والتقدير الدولييْن لدور سموه، كأحد أبرز الشخصيات العالمية المُلهِمة في مجال العمل الإنساني، والتي تمتلك مسيرة حافلة في إغاثة الشعوب والدول الشقيقة والصديقة خلال أوقات الأزمات والكوارث، ودعم المشروعات والبرامج الخيرية والإنسانية في العالم أجمع.
 فقوافل الخير الإماراتية شقت طريقها، بتوجيهات سموه ودعمه وإسهاماته المستمرة في جهود الإغاثة الإنسانية حول العالم، لتذرع الكرة الأرضية طولاً وعرضاً، حاملة في رحالها الغوث للمعوزين، ما جعل استجابة دولة الإمارات عنصراً ثابتاً وجوهرياً، في مواجهة أغلب الأزمات الإنسانية التي شهدتها السنوات الماضية.
وخلال جائحة «كوفيد - 19» التي تشكل أحد أصعب التحديات الصحية المعاصرة على مستوى العالم، قدمت الإمارات، أكثر من ألفيْ طن من الإمدادات الطبية، على متن نحو 200 رحلة جوية، توجهت إلى 135 دولة، بجانب إنشائها مستشفيات ميدانية وعيادات متنقلة، في بُلدان أفريقية وآسيوية وعربية عدة.
أذرع الخير 
ومن أبرز الجهات المانحة والمؤسسات الإنسانية والجمعيات الخيرية الإماراتية التي تشارك في هذه الجهود الخيّرة التي لا تتوقف، «الهلال الأحمر الإماراتي»، الذي تعمل الدولة من خلاله، على توصيل مساعداتها الإغاثية إلى جميع بُلدان العالم، وتغطي أنشطته أكثر من 100 دولة سنوياً.
وتشمل القائمة أيضاً، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية التي تشكل إحدى أبرز وأهم أذرع العمل الخيري والإنساني الإماراتية، وتقدم مساعداتها إلى 166 دولة، وذلك جنباً إلى جنب مع مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية التي تعمل على خدمة مواطني عشرات من دول العالم، من خلال برامج تستهدف دعم أهل العوز والكفاف وخدمة المحتاجين، ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي، وتشجيع العمل التطوّعي، والدعم المعنوي لأصحاب المبادرات الإنسانية المتميزة.
راية العطاء ذاتها، تحملها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية التي تقدم العون للفقراء والمرضى والأيتام في الداخل والخارج، ما جعلها إحدى المؤسسات الرائدة في مجالها، والتي تؤلف مع مثيلاتها من الجهات الإغاثية الإماراتية، لبِنةَ في صرح استراتيجية الدولة في دعم العمل الإنساني، ما كرس الإمارات بحق عاصمة لعمل الخير ومنارةً للإنسانية في العالم بأسره.