هالة الخياط (أبوظبي)
أكد خبراء في مجال البيئة والطبيعة أن دولة الإمارات انتهجت رؤية استباقية وسياسة حكيمة في التصدي لمشكلة التصحر والتحديات الناجمة عنها، منطلقةً من توجهها للحفاظ على البيئة الصحراوية وثرواتها وتنوعها، وفي الوقت نفسه الحد من العوامل المؤدية لتصحر الأراضي ومعالجتها، بما يساهم في تحييد آثار التغير المناخي وتدهور الأراضي والجفاف.
ولفتوا في تصريحات لـ«الاتحاد»، بمناسبة يوم البيئة العالمي الذي يصادف اليوم، وينطلق تحت شعار «أرضنا مستقبلنا معاً نستعيد كوكبنا نحو مستقبل أكثر اخضراراً»، إلى أن الإمارات نجحت في تحقيق إنجازات بارزة خلال العقود الماضية، ساهمت في تطويق آثار مشكلة التصحر، والحد من تداعياتها البيئية الضارة، حيث اهتمت في مرحلة مبكرة بإنشاء مجموعة من الغابات وزيادة الرقعة الخضراء، وتوفير موائل للأنواع البرية بالتركيز على استخدام النباتات المحلية والنباتات المقاومة للملوحة، بالإضافة إلى اعتماد منظومة تشريعية متكاملة، وإنشاء السدود، وتعزيز استخدام المياه المعالجة، وتنفيذ العديد من برامج رفع الوعي بمشكلة التصحر وسبل المساهمة في الحد منها.

وقال الدكتور أحمد صبيحي، الأستاذ بجامعة الأفق بمدينة الشارقة الجامعية، إن دولة الإمارات قدمت مثالاً يحتذى به في المنطقة في مكافحة التصحر ومواجهة تحديات تغير المناخ، واتخذت خطوات رائدة على الصعيدين المحلي والدولي للتصدي لهذه التحديات البيئية، مشيراً إلى أن المضي قدماً في هذه الجهود سيساهم في تحقيق مستقبل مستدام للأجيال القادمة. 
ومن المشاريع البيئية الكبرى، يرى الدكتور صبيحي أن إعلان المحميات، ومنها «محمية القرم الساحلية»، يساهم في زيادة المساحات الخضراء وتعزيز التنوع البيولوجي، بما ينعكس إيجاباً على المساعدة في استعادة النظام البيئي وتقليل آثار التصحر.
كما أن الدولة انتهجت وسائل الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة لمراقبة التصحر وتغير المناخ، كمشروع «الزراعة العمودية» الذي يستغل المساحات بشكل فعال ويقلل من استهلاك المياه، إلى جانب الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة، بما يسهم في تقليل انبعاثات الكربون، وتوفير حلول مستدامة لمواجهة التغير المناخي.
وأكد الدكتور صبيحي أن الدول يجب أن تركز على التوعية والتثقيف لتعزيز الوعي البيئي بين أفراد المجتمع، من خلال حملات التوعية والبرامج التعليمية، والتركيز على أهمية الحفاظ على البيئة، وأثر التصحر على الحياة اليومية. إضافة إلى دعم الأبحاث والدراسات البيئية لتطوير تقنيات جديدة لمكافحة التصحر، وإيجاد حلول مستدامة، ويجب أن يكون للجامعات ومراكز الأبحاث دور محوري في هذا المجال.

من جانبه، قال الأستاذ الدكتور رياض الدباغ، خبير البيئة الدولي، رئيس أكاديمية مانشستر الدولية: «إن اهتمام دولة الإمارات بالبيئة ليس وليد اللحظة، فقد كان مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رجل البيئة الأول. فقد كان ارتباطه بالأرض ارتباطاً وثيقاً».
وأضاف: إنه على الرغم من رأي الخبراء باستحالة غرس الأرض وزراعتها، إلا أن القائد المؤسس لم يتوقف عن عزيمته الصادقة، فتغلب الأمل على اليأس حينها وغرس الأرض بيديه، حتى أضحت الإمارات جنةً خضراء. فاستحق بذلك لقب «فارس الصحراء». فهو القائل: «إننا نولي بيئتنا جُل اهتمامنا لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا.. لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض للمحافظة عليها، وأخذوا منها قدر احتياجاتهم فقط وتركوا ما تجدُ فيه الأجيال القادمة مصدراً ونبعاً للعطاء». لتعكس هذه المقولة وعيه الفطري بالبيئة وأهمية المحافظة على الأرض ومواردها.

وقال الدكتور معتصم نور، أستاذ مشارك ومدير للعلاقات الخارجية بكلية الهندسة والعلوم الفيزيائية في جامعة هيريوت وات بدبي: إن «دولة الإمارات العربية المتحدة قطعت خطوات كبيرة في الحفاظ على البيئة، ومن إحدى الأولويات التي تعاملت معها التركيز على الاستدامة ومكافحة التصحر. وتدرك القيادة الرشيدة في الدولة أهمية تحقيق التوازن بين النمو والإشراف البيئي، حيث خططت ونفذت الحكومة سياسات ومبادرات مختلفة لحماية الموارد الطبيعية، والحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز الطاقة المتجددة». 
وفي مواجهة التصحر، قال الدكتور نور: إن دولة الدولة اتخذت إجراءات عدة لإعادة تأهيل وحماية المناظر الطبيعية القاحلة. وبدأت الحكومة مشاريع تشجير واسعة النطاق، حيث زرعت ملايين الأشجار لتثبيت الكثبان الرملية ومنع تآكل التربة. وكانت شجرة الغاف، وهي نوع محلي مناسب تماماً للبيئة الصحراوية، نقطة محورية في هذه الجهود. وتهدف حملة «تخضير الصحراء» إلى توسيع المساحات الخضراء وتحسين التنوع البيولوجي.
علاوة على ذلك، نفذت دولة الإمارات ممارسات زراعية مستدامة لمكافحة التصحر. ويتم الترويج لتقنيات مثل الزراعة المائية والزراعة العمودية لتحسين استخدام المياه وزيادة إنتاج الغذاء في المناطق القاحلة. وتعمل المؤسسات البحثية في دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط على دراسة التصحر وتطوير حلول مبتكرة لمواجهة تحدياته.
وفيما يخص الطاقة المتجددة، لفت الدكتور نور إلى أن أحد الجوانب الرئيسية للاستراتيجية البيئية لدولة الإمارات هو التزامها بالطاقة المتجددة، حيث أطلقت استراتيجية الإمارات للطاقة النظيفة 2050، والتي تهدف إلى التخفيف من تغير المناخ وانبعاثات الكربون. كما استثمرت الدولة بكثافة في الطاقة الشمسية، من خلال مشاريع بارزة، مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وهو يُعد من أحد أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم. وتهدف هذه المبادرة إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة الخطة الوطنية لتغير المناخ، والتي تحدد استراتيجيات التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ.

وأشار الدكتور إبراهيم علي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة، إلى أن دولة الإمارات تحرص على الاستفادة من الحلول المستندة إلى الطبيعة للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها، ومن خلال إعلان خطتها نحو زراعة 100 مليون شجرة بحلول 2030، فهي بذلك تعزز مكانتها الرائدة عالمياً في الاعتماد على الحلول المستندة إلى الطبيعة في مواجهة تحدي التغير المناخي، ومكافحة التصحر. 
وقال: إن حرص الإمارات على إنشاء المحميات الطبيعية واعتماد التقنيات الحديثة في الزراعة، يؤكد اهتمام الدولة الكبير بالحفاظ على التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة ومكافحة تغير المناخ، وتحسين جودة الحياة.
ولفت الدكتور إبراهيم علي إلى «ريادة» دولة الإمارات في مواجهة التحديات البيئية، لا سيما أنها تعد إحدى الدول السباقة في دعم خطط واستراتيجيات الحفاظ على البيئة، ومواجهة التغير المناخي بعدد من المبادرات والإنجازات، منها التحول بشكل كبير إلى الطاقة المتجددة، والتركيز على تعزيز الاستدامة في مشروعاتها التنموية.
وأشار إلى أن جهود الإمارات عابرة للحدود في مواجهة آثار التغير المناخي، فلم تقتصر جهودها على الاستراتيجيات المحلية، وإنما امتدت لتصل للعديد من الدول النامية والفقيرة، عبر تقديم مساعدات ومبادرات تنموية تهدف إلى التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وما ينجم عنها من أزمات إنسانية تواجه الملايين من سكان تلك الدول.