هالة الخياط (أبوظبي)
تحت شعار «أرضنا مستقبلنا» تشارك دولة الإمارات غداً دول العالم الاحتفال بيوم البيئة العالمي 2024، بسجل حافل من الإنجازات والمبادرات التي عززت ريادتها في مجال استعادة الأراضي ووقف التصحر. وحظيت قضية مكافحة التصحر باهتمام كبير في الإمارات، حيث مثلت أحد مرتكزات نهج الدولة في حماية البيئة والحفاظ على مواردها وضمان استدامتها. ويأتي الاحتفال بيوم البيئة العالمي كتأكيد على الدور الريادي لدولة الإمارات في مجال الحفاظ على البيئة، الذي هو في الأساس موروث وثقافة أصيلة، أرست لها حكومة الدولة تشريعات ونظماً للعمل بها ونشر الوعي بأهميتها، فالإمارات تنظر إلى مسألة الحفاظ على البيئة نظرة استراتيجية، تنبع من منطلقات علمية واجتماعية وثقافية واقتصادية.
وفي الخامس من يونيو من كل عام، يُحتفل باليوم العالمي للبيئة، وهي مناسبة عالمية تهدف إلى رفع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة وتحسينها، حيث يدعو يوم البيئة العالمي 2024 إلى العمل الجماعي لحماية كوكبنا وضمان مستقبل أكثر اخضراراً.
ويرتبط موضوع هذا العام بثلاثة أهداف رئيسية من أهداف التنمية المستدامة: وتتمثل في الهدف رقم 6 لضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتها إدارة مستدامة، والهدف 13 لاتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، والهدف 15 الذي يسعى إلى حماية النظم الإيكولوجية البرّية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام.
 وانتهجت دولة الإمارات، التي تشكل الصحراء نحو 80% من مساحتها، رؤية استباقية وسياسة حكيمة للتصدي لمشكلة التصحر والتحديات الناجمة عنها، ارتكزت على المحافظة على البيئة الصحراوية وثرواتها وتنوعها، وفي الوقت نفسه الحد من العوامل المؤدية لتصحر الأراضي ومعالجتها، حيث انضمت الدولة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر في عام 1998. وتم إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر 2030 والتي تهدف إلى ضمان نظم بيئية صحية واستخدام مستدام للأراضي بهدف تحييد آثار التغير المناخي وتدهور الأراضي والجفاف. 

رؤية استباقية
وشكلت الرؤية الاستباقية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ملامح الواقع البيئي للإمارات، واحتياجاته الملحة والمستقبلية، باعتبارها المحرك الرئيس لمنظومة عمل متكاملة لمكافحة التصحر وزيادة المساحات الخضراء، ما أسهم في تحقيق إنجازات بارزة خلال العقود الماضية في تطويق آثار مشكلة التصحر، والحد من تداعياتها البيئية الضارة، على الرغم من قساوة الظروف المناخية التي تعاني منها الدولة، والمتمثلة في درجات الحرارة العالية، وارتفاع معدلات الرطوبة وقلة معدلات سقوط الأمطار.
واهتمت دولة الإمارات في مرحلة مبكرة بإنشاء مجموعة من الغابات الاصطناعية في إطار أهدافها بمكافحة التصحر وزيادة الرقعة الخضراء، وتوفير موائل للأنواع البرية وتحسين المناخ، بالتركيز على استخدام النباتات المحلية والنباتات المقاومة للملوحة. وتبلغ مساحة الغابات الاصطناعية في الدولة حوالي 318 ألف هكتار.
كما شملت الجهود التي قامت بها دولة الإمارات خلال العقود الماضية اعتمادها منظومة تشريعية متكاملة، وأطلقت العديد من البرامج والمبادرات الهادفة إلى تعزيز جهودها في مكافحة التصحر، والحد من ظاهرة الرعي الجائر والاحتطاب والممارسات الزراعية غير الرشيدة، إضافة إلى الاهتمام ببحوث الاستمطار، وإنشاء السدود، وتعزيز استخدام المياه المعالجة، وتنفيذ العديد من برامج رفع الوعي بمشكلة التصحر وسبل المساهمة في الحد منها. 
استراتيجية التصحر
وضعت دولة الإمارات الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر 2030 بهدف التصدي للتصحر وتدهور الأراضي والجفاف، والتركيز على زيادة إنتاجية الأراضي، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، والحفاظ على الموارد المائية لضمان استدامتها، وتحقيق عدة أهداف بحلول 2030 تتمثل برفع كفاءة نظم الإنتاج المحلية بنسبة 40%، وإعادة تأهيل واستعادة ما لا يقل عن 80% من الأراضي المتدهورة، ورفع كفاءة استهلاك المياه وزيادة نسبة إعادة استخدام المياه المعالجة إلى 60%. 
ولتحقيق ذلك، تضمنت الاستراتيجية 33 مبادرة رئيسية قصيرة وطويلة المدة، وأجندة عمل حتى العام 2030 تعمل من خلال خمسة محاور استراتيجية تنطلق من الحفاظ على النظم البيئية وتحسين حالة الأراضي القاحلة والجافة، والتخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي على النظم البيئية المتأثرة بالتصحر، وتعزيز التوعية والتثقيف وبناء القدرات على المستوى الوطني فيما يتعلق بظاهرة التصحر، وتبني التقنيات الحديثة وتطبيقها، وتعزيز تكامل البحوث العلمية في مجال مكافحة التصحر، بالإضافة إلى تعزيز دور الشراكات وترسيخ مبدأ التعاون على المستوى الوطني والإقليمية والدولي.
وترتبط الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر بالاستراتيجيات الوطنية الأخرى ذات العلاقة، وأهمها استراتيجية الأمن الغذائي 2051 التي تهدف إلى جعل دولة الإمارات مركزاً رائداً عالمياً في مجال الأمن الغذائي القائم على الابتكار، واستراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036 لضمان استدامة واستمرارية الوصول للمياه خلال الظروف العادية والطارئة، والسياسة العامة للبيئة.

ونجحت دولة الإمارات في تحويل مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية إلى مسطحات خضراء وحدائق ومزارع، حيث بلغ إجمالي عدد المزارع في دولة الإمارات، وفقاً لإحصاءات وزارة التغير المناخي والبيئة، 38 ألف مزرعة تتبع أساليب زراعة متنوعة ونظم إنتاج زراعية عدة، منها مزارع تتبع أساليب الزراعة العضوية وقائمة على مساحة 46 ألف دونم، وأخرى مزارع تتبع أساليب الزراعة المائية (من دون تربة) وقائمة على مساحة 1000 دونم، ويقدر إنتاجها من الخضراوات بنحو 156 ألف طن سنوياً، وما يزيد على 500 ألف طن من المحاصيل الحقلية والأعلاف، ويقدر إنتاجها من الفاكهة بنحو 200 ألف طن. 
محميات طبيعية
تتعدد جهود دولة الإمارات على صعيد مكافحة التصحر، لتشمل إنشاء العديد من المحميات الطبيعية والتي وصل عددها إلى نحو 49 محمية برية وبحرية، تمثل نحو 15.53% من إجمالي مساحة الدولة، وهو ما ينسجم مع الجهود الوطنية للحد من تدهور الأراضي، والمحافظة على البيئة واستدامة عناصرها. كما يتم بشكل متواصل إطلاق مبادرات لزراعة الأشجار، ما أسهم في زيادة أعداد أشجار النخيل والأشجار الحرجية والمثمرة، إضافة إلى ما أعلنته دولة الإمارات مؤخراً ضمن التزاماتها المحددة وطنياً تجاه الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ، عن زراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول 2030.
التقنيات الحديثة
يشكل توظيف التقنيات الحديثة توجهاً عاماً في دولة الإمارات بهدف إيجاد حلول مبتكرة لمكافحة التصحر، حيث تم الاعتماد على نظم الزراعة الحديثة من الزراعة المائية والعمودية، إضافة إلى النجاح المميز لتجارب زراعة الأرز في البيئة الصحراوية للدولة باستخدام تقنيات حديثة في الري تضمن خفض معدلات استهلاك المياه لأقل درجة ممكنة.
كما نفذت وزارة التغير المناخي والبيئة مشروعاً لاستخدام الطائرات من دون طيار في إجراء مسح شامل للمناطق الزراعية في الدولة لتعزيز استعادة المناطق المتدهورة، وحماية المساحات الزراعية الحالية وتنميتها، كما وظفت الوزارة الطائرات من دون طيار في نثر وزراعة ستة ملايين و250 ألفاً من بذور الأشجار المحلية «الغاف»، و«السمر» في 25 موقعاً مختاراً على مستوى الدولة.