طه حسيب (أبوظبي)
تزداد أهمية التنوع البيولوجي كعنصر محوري يضمن حماية الطبيعة والحفاظ على الأصناف المعرضة للخطر، وهذا ما يجعله - حسب وصف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو »- أشبه بنسيج حي يشكل كوكبنا، لذلك يصبح اختلال هذا التنوع مصدر خطر على الطبيعة والبشر. ويحدد «المنتدى الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النُّظم الإيكولوجية» (IPBES)، عوامل مسببة لخسارة التنوع البيولوجي، تتمثل بالتغير المناخي، والاستغلال المفرط للموارد الطبيعية، والتلوث والتوسع الحضري.. وأعلنت الأمم المتحدة 22 مايو يوماً عالمياً للتنوع البيولوجي من أجل تقديم فهم أوسع ومعرفة أعمق بالقضايا المتعلقة بالتنوع البيولوجي، ومن المهم التركيز على دور الأفراد في حماية التنوع من أجمل نتائج يمكن تحقيقها على نطاق واسع. 
الاحتفال بالتنوع البيولوجي والتذكير بأهميته يأتي بمناسبة ذكرى اعتماد نص اتفاقية التنوع البيولوجي يوم 22 مايو 1992، وذلك في العاصمة الكينية نيروبي، والاحتفاء بهذه الذكرى فرصة فريدة لتعزيز الدعم الواسع النطاق للاتفاقية وبروتوكولاتها وأطر العمل الخاصة بها. 
ويقع مقر أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي في مدينة مونتريال الكندية، ومهمتها مساعدة الحكومات في تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي. وتوجد هيئة إدارية للاتفاقية تعرف بـ«مؤتمر الأطراف»، حيث تجتمع «الهيئة» التي تضم الدول الموقعة على الاتفاقية، كل عامين لتحديد الأولويات وخطط العمل، وتُعد حماية هذا التنوع وصفة سحرية لاستدامة الموارد وحماية الطبيعة، وتحصين المجتمعات من تداعيات التغير المناخي.  

الإمارات.. جهود كبرى
الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات للبيئة جعل من حماية التنوع البيولوجي هدفاً يسهل تحقيقه في إطار رؤى تتم ترجمتها إلى سياسات وقوانين ومبادرات للحفاظ على الطبيعة، حيث تحتض الإمارات 49 محمية طبيعية (16محمية بحرية و33 محمية برية)، وتدشن حملات توعوية لحماية الأنواع المهددة بالانقراض.

وفي حوار مع «الاتحاد»، أكد آندرو جاردنر، مدير إدارة حماية التنوع البيولوجي، بجمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، أن أهمية اليوم العالمي للتنوع البيولوجي تكمن في أنه يذكرنا بأهمية التنوع البيولوجي لاستمرار حياتنا، وأنه ضرورة مُلحة لوقف تدهوره، ومن خلال هذا اليوم نجدد الالتزام بالعمل معاً على تنمية هذا التنوع وضمان ازدهاره. 

«كن جزءاً من الخطة»
وأشار «جاردنر» إلى أن شعار هذا العام هو «كن جزءاً من الخطة»، وفيه دعوة للجميع لوقف فقدان التنوع البيولوجي والعمل على حمايته، من خلال دعم تنفيذ «إطار كونمينغ-مونتريال العالمي» للتنوع البيولوجي. ويأتي ذلك من خلال تشجيع الحكومات والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية وواضعي السياسات وقطاع الأعمال وأيضاً الأفراد على تسليط الضوء على الطرق التي يدعمون بها تنفيذ خطة التنوع البيولوجي. فكل شخص له دور يلعبه، وبالتالي يمكنه أن يكون جزءاً من الخطة. 

نظم بيئية نادرة 
أضاف جاردنر: نفقد الطبيعة والتنوع البيولوجي بوتيرة متسارعة، ونحن في الإمارات العربية المتحدة محظوظون لأن الدولة موطن للعديد من النظم البيئية المتنوعة والحياة الفطرية الفريدة، بدءاً من الجبال وأشجار القرم إلى الصحراء والساحل. 
وأكد «جاردنر» أنه في عام 2024 تتعاون الجمعية مع شركائها من الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وكذلك الأعضاء النشطين من المجتمع المدني على تنفيذ عدد من المشاريع، التي تركز على تعزيز التنوع البيولوجي واستعادة النظم البيئية الطبيعية في الدولة.

أشجار القرم
أشار مدير إدارة حماية التنوع البيولوجي، بجمعية الإمارات للطبيعة إلى مشروع «الحلول المستندة إلى الطبيعة»، الذي يركز على حماية واستعادة وإدارة النظم البيئية الساحلية المهمة، والتي تشمل أشجار القرم والأعشاب البحرية والسبخات وأحواض المحار وغيرها. 
وحسب «جاردنر»، يتم تمويل المشروع من بنك HSBC فرع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا وHSBC Holdings plc، وبالشراكة مع هيئة البيئة - أبوظبي والمركز الدولي للزراعة الملحية. 
وأضاف «جاردنر» أن مشروع «تحالف كوكب لا يقدر بثمن»، وهو مبادرة عالمية، أبرمت جمعية الإمارات للطبيعة من خلالها شراكة مع «ماستركارد» وPPC لاستعادة وتجديد 50000 من أشجار القرم والأنظمة البيئية الساحلية المرتبطة بها في دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال اتباع نهج قائم على النظام البيئي. يتم تنفيذ هذا المشروع بدعم من الهلال الأحمر الإماراتي. 

تنوع النظم البيئية البحرية 
ومن بين المشروعات أشار «جاردنر» إلى مشروع «الاقتصاد الأزرق المستدام» الذي تتعاون جمعية الإمارات للطبيعة من خلاله مع حكومة أم القيوين ووزارة الاقتصاد، ونقوم من خلاله على تطوير مجموعة من المبادئ التوجيهية لاستراتيجية الاقتصاد الأزرق المستدام لعدد من القطاعات الرئيسية، وهي السياحة والترفيه والبيئة العمرانية، والأغذية البحرية. وأكد «جاردنر» أن هذا المشروع خطوة رئيسة في بناء اقتصاد بحري مستدام يحافظ ويستعيد تنوع النظم البيئية البحرية وإنتاجيتها ومرونتها لضمان الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للأجيال القادمة. 
وفي إطار جهود «جمعية الإمارات للطبيعة» يأتي مشروع «بناء مجتمعات ريفية مرنة»، فالجمعية تتعاون فيه مع ديوان ولي العهد في الفجيرة، وهيئة البيئة في الفجيرة، و«مغامرات الفجيرة»، و«مجلس الإمارات للتنمية المتوازنة»، و«بلدية مصفوت»، وبدعم غير محدود من المجتمعات المحلية في وادي شيص بإمارة الشارقة والبثنة في إمارة الفجيرة ومصفوت في إمارة عجمان. وحسب «جاردنر» يركز المشروع على اعتماد نهج زراعي بيئي وإيجابي تجاه الطبيعة للزراعة في القرى الجبلية في جبال الحجر، مع الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، حيث تعتبر القرى الجبلية ومزارعها موطناً لمجموعة متنوعة من الحيوانات والنباتات. وأكد «جاردنر» أن الهدف يكمن في تعزيز إمكانات السياحة البيئية والزراعة المستدامة، والحفاظ على التنوع البيولوجي. ويشمل ذلك تجديد الأنظمة التقليدية للري بالأفلاج، وإدخال أنظمة الري الحديثة الموفرة للمياه واستخدام الطاقة الشمسية، وإنشاء مسارات تراثية غنية بالمعلومات.
وأضاف «جاردنر»: نشجع نمو الأشجار المحلية لدعم التنوع البيولوجي والحشرات التي تقوم بتلقيح النباتات وإنتاج العسل، وزراعة شجرة الشوع المحلية لأنها لا تحتاج إلى الكثير من المياه. 

حماية النظم البيئية الجبلية
وتطرق مدير إدارة حماية التنوع البيولوجي، بجمعية الإمارات للطبيعة، إلى مشروع «مراقبة الطبيعة»، موضحاً أن الجمعية تتعاون من خلاله مع هيئة البيئة بالفجيرة وبنك المشرق لتوثيق التنوع البيولوجي للنظم البيئية الجبلية، وخاصة الأنواع المهددة بالانقراض، بما في ذلك الوشق، وثعلب بلاندفورد، وبومة النسر العربي، والطهر العربي. وأشار «جاردنر» إلى مجموعة متنوعة من طرق التوثيق يتم استخدامها بالتعاون مع المتطوعين، بما في ذلك مصائد الكاميرا ومسجلات الصوت والموجات فوق الصوتية.

مسؤولية جماعية
يرى مدير إدارة حماية التنوع البيولوجي، بجمعية الإمارات للطبيعة، أن التقلبات المناخية تحمل رسائل متعددة، من بينها أن التغير المناخي واقع لا بد من التكيف معه وحماية الطبيعة تتطلب جهداً مكثفاً لمنع تضرر المجتمعات، سواء السكان أو الكائنات الحية نباتية برية أو بحرية. 
وأكد «جاردنر» أن مواجهة  التغير المناخي وبناء مستقبل مستدام ليست مسؤولية جهة بمفردها، بل تقع على عاتق كل واحد منا، وقال: «من خلال برامج المشاركة المجتمعية التي نقدمها في جمعية الإمارات للطبيعة، أسعدتنا رؤية الآلاف من الأفراد والشباب في الدولة يتقدمون ويساهمون في جهود حماية الطبيعة».

جهود المتطوعين
أبدى مدير إدارة حماية التنوع البيولوجي، بجمعية الإمارات للطبيعة سعادته عندما رأى متطوعين في منطاق عديدة بالدولة يعملون يداً بيد مع خبراء الحفاظ على الطبيعة، مشمرين عن سواعدهم ويقومون بإزالة آثار الأمطار الغزيرة وإصلاح قنوات الري بالأفلاج، لضمان استمرار تدفق المياه العذبة إلى الأراضي الزراعية المحيطة. ولدى جاردنر قناعة بأن عمل هؤلاء المتطوعين لا يستهدف تحقيق تأثير وقتي فقط، بل كان له أثر على المدى الطويل، وهو دعم جهود التكيف مع التغير المناخي لبناء مرونة المجتمعات الريفية، ومساعدتها على مقاومة التأثيرات المناخية، مثل أنشطة زراعة أشجار الشوع العربية المحلية التي تساعد في تحسين صحة التربة، وتعزيز استقرار النظام البيئي.

جاردنر.. خبير في علوم البيئة 
د. أندرو جاردنر، خبير الحفاظ على الحياة الفطرية والتنوع البيولوجي، ومدير إدارة حماية التنوع البيولوجي في جمعية الإمارات للطبيعة. وهو عالِم متخصص في دراسة الحيوان وعلوم البيئة، وشغوف بالحفاظ على الحياة الفطرية والكائنات الحية التي نشاركها كوكبنا.
لأكثر من 30 عاماً، عمل أندرو أستاذاً جامعياً وباحثاً في المملكة المتحدة وسلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة وأستراليا، قام بتأليف أكثر من 70 منشوراً بحثياً علمياً أصلياً حول علم الحيوان والبيئة والحيوانات والنباتات في المنطقة، بالإضافة إلى الكتيب القياسي عن البرمائيات والزواحف في  سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة.