إبراهيم سليم
وعد الله عباده المؤمنين بالجنة، وقال سبحانه وتعالى: (... وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ)، «سورة غافر: الآية 40»، والإيمان والعمل الصالح سبب لدخول الجنة، فضل الصلوات الخمس، وضرورة الالتزام بها وأدائها كما شرع الله ورسوله، فذلك مما يدخل الجنة.
عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أن أعرابياً جاء إلى رسول الله ﷺ ثائر الرأس، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟ فقال: «الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً»، فقال: أخبرني ما فرض الله عليَّ من الصيام؟ فقال: «شهر رمضان إلا أن تطوع شيئاً، فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله ﷺ شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك، لا أتطوع شيئاً، ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئاً، فقال رسول الله ﷺ: «أفلح إن صدق، أو: دخل الجنة إن صدق»، (صحيح البخاري 1792).
ذكرت الآية أن الإيمان إذا اقترن بالأعمال الصالحة، فإنه سبب لدخول الجنة، ثم بين النبي ﷺ ما هو واجب من تلك الأعمال، فذكر الشهادتين والصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع.
ثم إن النبي ﷺ راح يؤكد ذلك فأشار إلى فضائل تلك الأعمال، وأن المحافظة عليها سبب من أسباب دخول الجنة.
ومن الأعمال التي تدخل الجنة التقرب إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فقال ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة»، (صحيح البخاري 5964).
وإحصاء تلك الأسماء بالمعرفة والمعاملة يقود المسلم إلى استشعار لذة المناجاة والاستغفار، قال النبي ﷺ: «سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت، إذا قال حين يمسي فمات دخل الجنة أو كان من أهل الجنة، وإذا قال حين يصبح فمات من يومه مثله»، (صحيح البخاري 6323).
ومن أسباب دخول الجنة: الصبر على المصائب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «من مات له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث، كان له حجاباً من النار، أو: دخل الجنة»، (صحيح البخاري، 1315).
ثم أوصى النبي ﷺ بعمل لو تحلى به المسلم فهو سبب للجنة، وهو حفظ الجوارح عن المحرمات.. وأخيراً فإن كل عمل صالح هو سبب لدخول الجنة، جعلنا الله من أهلها.
الليالي المباركة
اغتنام هذه الأوقات والأيام والليالي من العشر الأواخر من رمضان واجب على كل مسلم، إذ أنها من أفضل الأيام عند الله تعالى، وكان النبي يحرص على اغتنام بالقيام وذكر الله... ومن أعظم فضائل العشر ليلة القدر التي يفوق أجرها ألف شهر، فحري بالمسلم أن يجتهد في طلبها وتلمس فضلها. كان رسول الله يخصُّ العشر الأواخر من رمضان بمزيد من العبادة، ويضاعف فيها الأعمال الصالحة، ويجتهد فيها بأنواع من القرب والطاعات، فعن السيدة عائشة -رضي الله عنها-: «كَانَ رَسُولُ اللهِ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ»، وكان يحيي فيها الليل، ويوقظ أهله للصلاة والذكر، حرصاً على اغتنامها بما هي جديرة به من العبادة، فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كَانَ النَّبِيُّ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ».
فلا ينبغي للمسلم أن يفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يُدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات الله تعالى، فتكون سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة. وأهم ما يُطلب من المسلم في هذه الأيام: إحياء هذه الليالي المباركة بالصلاة والذكر وقراءة القرآن وسائر القربات والطاعات، وقد جرت السُّنة أن يلتمس المؤمنون ليلة القدر في هذا العشر، وأخبر النبي أنها في الأوتار من العشر الأواخر من رمضان، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: أنَّ رسول الله قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»، وسألت أم المؤمنين عائشة النبي عما تقوله في ليلة القدر، فقال: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». وقد بلغ من عظيم شأن ليلة القدر أن ثواب العبادة فيها خير من ألف شهر، قال الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، وأخبر النبي أن قيامها إيماناً بثوابها، واحتساباً لأجرها سبب لغفران الذنوب، فقال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».