إبراهيم سليم 

حث القرآن الكريم على قيام الليل، والتهجد، وهو من الأعمال الفاضلة، وواظب النبي ﷺ عليه، ولما كانت التقوى مقصد الصائمين، فقد وصف الله -عز وجل- المتقين بأنهم (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ...)، «سورة السجدة: الآية 16». وقيام الليل صفة أهل التقوى تأسياً برسول الله ﷺ، وقيام رمضان يكفر ما تقدم من الذنوب، وعلى كل مسلم الحرص على إحياء العشر الأواخر من رمضان، تأسياً برسول الله ﷺ. وحث أهل البيت من الزوجة والأبناء على إحياء سنة قيام الليل. ويقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، «سورة الذاريات: الآيات 15 - 18».
عن بلال رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد»، (سنن الترمذي، 3549).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»، (الموطأ، 112).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله»، (صحيح البخاري، 2024).
وعنها أيضاً رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ، قال: «تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، (صحيح البخاري، 2017).
وجعل النبي ﷺ قيام الليل هو الطريق إلى المراتب العليا في جنات النعيم، وحث على إشراك الأسرة في هذا الميدان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت، نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، وأيقظت زوجها، فإن أبى، نضحت في وجهه الماء»، (سنن أبي داود، 1308).
وفي رمضان جعل النبي ﷺ القيام بصلاة التراويح من أسباب المغفرة الشاملة، والتطهر من الذنوب. ولما كان قد مضى من رمضان أكثره، فقد جعل الله -سبحانه- العشر الأواخر مناسبة لاستدراك ما فات، ففيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، ولذلك كان النبي ﷺ يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، فيشد مئزره لإحياء لياليها، ويوقظ أهله للقيام فيها.
فلنحرص على فضيلة قيام الليل في هذا الشهر الفضيل، خاصة في العشر الأواخر منه، ولنحافظ على صلاتي العشاء والفجر في جماعة، فإنه من فضل الله -سبحانه- أن جعل فضيلة قيام الليل تتحقق بصلاتي العشاء والفجر في جماعة، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»، (صحيح مسلم، 260).

صلاةُ التهجُّد
من النوافل التي يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى الصلاة بالليل، وتسمى «تهجُّداً»، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾. 
والتهجدُ مستحبٌّ استحباباً مؤكَّداً، وجاءت في فضله آياتٌ وأحاديثُ، من ذلك قوله تعالى : ﴿‌إِنَّمَا ‌يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه رأى رؤيا فقصها على أخته حفصة -رضي الله عنها- فقصتها على النبي ﷺ فقال: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِن اللَّيْلِ»، فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام من الليل إلَّا قليلاً.
وأفضلُ أوقات التهجُّد: الثلثُ الأخير من الليل، قال ﷺ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ».
وأقل التهجد: ركعتان، وأفضلُه: عشر دونَ الشفع والوتر، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»، ولا حدّ لأكثره، فكلَّما زاد الشخص من النافلة زاد أجرُه.
ومن فضلِ الله وكرمه أنَّ العبد إنْ كانت له عبادةٌ يحافظ عليها، فنام عنها أو سافر أو مرض كُتِبَ له أجرُها، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً»، وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلَاةٌ بِلَيْلٍ، يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ، إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرَ صَلَاتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً».
فهنيئاً لمن وفقه الله تعالى لإحياء هذه السنة المستحبة، وواظب عليها، خاصة في شهر رمضان، لما فيها من الفضل العظيم، والخير العميم، فعن عَلِيٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَغُرَفاً تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هِيَ ‌لِمَنْ ‌أَطَابَ ‌الكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ».
وننتهي إلى أن صلاة التهجد سنة مستحبة، ينال صاحبها شرف المنزلة، ورفعة المكانة، وعلو الدرجة، وهي باب من أبواب الخير، يحرص عليه المتّقون، ويستثمره المؤمنون.