هالة الخياط (أبوظبي)
قضى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، عمره في خدمة الإنسان والإنسانية، ولم تمنعه المسافات من تقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين والمنكوبين في أي مكان في العالم، لم يهتم يوماً بالعِرق أو الديانة أو اللون أو الجنس، فصارت مبادرات «زايد» ومواقفه حديث القاصي والداني، وترك مسيرة من الخير والعطاء مستمرة على يد أبنائه من بعده.
وبدأ نموذج العطاء الإنساني الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى العالم مع نشأتها عام 1971 واستمد مبادئه من رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، التي تعلي قيمة التضامن الإنساني وتحث عليه.
وتمكن الشيخ زايد من أن يجعل من الإمارات عاصمة عالمية للإنسانية وعمل الخير، بمأسسة العمل الإنساني، وإكسابه صفة الشمولية، بحيث لا يقتصر على تقديم المساعدات المادية فقط، وإنما يمتد إلى التحرك لمناطق الأزمات الإنسانية، والتفاعل المباشر مع مشكلاتها، الأمر الذي جعل الإمارات تأتي دائماً في صدارة الدول والجهات المانحة للمساعدات الخارجية.
وتفاخر الإمارات العالم بالإنجازات الخيرية التي صنعها المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وما قدمه لشعوب العالم، حيث كان شديد الحرص على تلمُّس احتياجات الشعوب الضرورية، من مستشفيات ومدارس ومساجد، وبنى تحتية، لخدمة الناس، لينعموا بحياة كريمة، وغرس بذرة الخير في ربوع الإمارات والعالم، إلى أن أصبحت الإمارات واحدة من ضمن أهم عشرين دولة من كبار المانحين للمساعدات الإنمائية الرسمية نسبةً إلى الدخل القومي الإجمالي بالعالم، حيث واصل أبناء زايد نهج التسامح ومد يد العون للجميع.
وسطّر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، علامة فارقة في جهود العمل الإنساني على مستوى العالم، وأسس لمسيرة واعدة ومستمرة من المساعدات الخارجية، ومد يد العون لكل محتاجٍ في مختلف أنحاء العالم، حتى أصبحت مثالاً ونموذجاً يحتذى به في العطاء بين دول العالم، حيث أسس الشيخ زايد، رحمه الله، خلال عام 1971 صندوق أبوظبي للتنمية، ليكون عوناً للأشقاء والأصدقاء في الإسهام في مشروعات التنمية والنماء لشعوبهم.
كما أنشأ في 1992 مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية لتكون ذراعاً ممتدة في ساحات العطاء الإنساني داخل الدولة. ونجحت المؤسسة منذ انطلاقتها بتقديم المساعدات إلى أكثر من 166 دولة حول العالم، والتي تركزت على الصحة والتعليم والإغاثة والمساعدات المتنوعة، إيماناً بدورها في دعم مسيرة الخير والعطاء، وتأكيدها على أن الإنسان هو أساس أي عملية حضارية، وهو محور كل تقدم حقيقي.
عنصر فاعل
وأصبحت الإمارات عنصراً فاعلاً في جهود المواجهة الدولية للتحدّيات الإنسانية، وباتت حاضرة بقوة في مجال المساعدات الإنسانية ومساعدات الإغاثة الطارئة وطويلة الأمد في مناطق العالم كافة، وذلك لتنوّع الأنشطة التي تؤديها في هذا السياق، والتي تتضمّن تقديم التبرعات والمعونات المالية والعينية إلى البلدان المتضرّرة، سواء بالتعاون مع أجهزة الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها، أو عن طريق ترتيبات ثنائية مباشرة مع تلك البلدان، ومساعدتها على بناء إمكاناتها الوطنيّة في مواجهة الكوارث مستقبلاً.
وأصدر البنك الدولي في عام 2010 تقريراً بعنوان «40 عاماً من المساعدات التنموية من قبل الدول العربية»، أشار فيه إلى أن دولة الإمارات هي من أكثر دول العالم المانحة سخاءً في تقديم المساعدات التنموية الرسمية، فقد قدمت الدولة أكثر من 12% من مجموع المساعدات التنموية الرسمية العربية ما بين عامي 1973 - 2008.
الاستجابة المباشرة
وتشمل جهود دولة الإمارات في مجال الإغاثة الإنسانية الاستجابة المباشرة والسريعة لحالات الطوارئ، فضلاً عن المساهمات المقدمة إلى المنظمات متعددة الأطراف للتخفيف من معاناة الشعوب المنكوبة.
وتنقسم المساعدات الخارجية الإماراتية إلى ثلاث فئات: تنموية وإنسانية وخيرية، وتشير المساعدات التنموية إلى البرامج التي تهدف إلى تحسين الرفاهية الاقتصادية أو الاجتماعية، بينما تشير المساعدات الإنسانية إلى الأنشطة التي تسهم في إنقاذ الأرواح، بما فيها الاستجابة إلى حالات الطوارئ وعمليات الإغاثة، وتشمل المساعدات الخيرية المشاريع ذات الطابع الديني أو الثقافي.
وتلتزم دولة الإمارات بتقديم الاحتياجات الأساسية في حالات الطوارئ للمتضررين بالطرق المثلى، ويتطلب هذا الأمر توفير قدر كبير من المساعدات الإنسانية للشرائح الأكثر ضعفاً «النساء والأطفال»، حيث يتم تقديم هذه المساعدات بناء على المبادئ الإنسانية العالمية المقبولة والمعمول بها.
ولعل مبادرات الإمارات المتعددة للتعامل مع كارثة الجفاف، التي تعرضت لها منطقة القرن الأفريقي عام 2011، دليل على هذا الدور الحيوي، فقد كان لتحركها السريع أكبر الأثر في حشد الجهود الدولية وتنسيقها لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية، واحتواء تداعياتها الكارثية على الصُّعُد المختلفة، وهذا هو الذي جعلها عنواناً للخير والعطاء، وأكسبها، قيادةً وشعباً، التقدير والاحترام على المستويين الإقليمي والعالمي.
وقامت الجهات المانحة الإماراتية على مدار الأعوام الماضية بحشد مستلزمات الطوارئ والدعم الطبي، من أجل ضحايا الزلازل والعواصف والفيضانات والمجاعات التي ضربت إندونيسيا والفلبين وهايتي وباكستان والصومال.
المساعدات بالأرقام
ومنذ تأسيس الدولة عام 1971 وحتى عام 2014، وصل إجمالي عدد الدول التي استفادت من المشاريع والبرامج التي قدمتها المؤسسات الإماراتية المانحة إلى 178 دولة عبر العالم، وبلغت قيمة هذه المساعدات 173 مليار درهم.
وحرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، «طيب الله ثراه»، على مأسسة قطاع المساعدات الخارجية للارتقاء بالجدوى وتعزيز المسؤولية وتصويب مسيرة العطاء، لتنطلق من الإمارات اليوم أكثر من 40 جهة مانحة ومؤسسة إنسانية وخيرية تغطي مساعدتها كافة دول العالم والشعوب المحتاجة والمتأثرة.
ووفقاً لتقرير المساعدات الخارجية لعام 2022، فقد حافظت الإمارات على مكانتها كونها في قائمة أبرز شركاء التنمية على مستوى العالم، واشتهرت بأنها واحدة من أكثر الدول سخاء فيما يتعلق بنسبة المساعدات الإنمائية الرسمية نسبة إلى دخلها القومي الإجمالي.
ووصلت القيمة الإجمالية للمساعدات الخارجية المقدمة من دولة الإمارات خلال عام 2022 إلى 12.67 مليار درهم، وفقاً لآخر تقرير عن المساعدات الخارجية لدولة الإمارات الصادر عن وزارة الخارجية مما يعكس زيادة ملحوظة تقدر بنحو 12% مقارنة بالمساهمات الإماراتية المقدمة في العام 2021. وبلغت القيمة الإجمالية للمساعدات الخارجية المقدمة من دولة الإمارات ما بين عامي 2018 و2022 ما يقدر بنحو 92.22 مليار درهم إماراتي.
وفيما يتعلق بالمساعدات الإنمائية الرسمية، بلغ إجمالي الدعم الإماراتي المقدم لصالح قضايا دولية 6.51 مليار درهم بما يمثل 0.33% من الدخل القومي الإجمالي.
الفارس الشهم
من أهم المساعدات العاجلة التي بادرت بتنفيذها الدولة خلال العام الجاري والماضي عملية «الفارس الشهم 2» لمساعدة المتضررين من زلزال سوريا وتركيا، وعملية «الفارس الشهم 3» لتقديم المساعدات الإغاثية لأهالي غزة والتي ما زالت الدولة ملتزمة بتنفيذها، حيث أقامت دولة الإمارات في إطار عملية الفارس الشهم 3 العديد من المبادرات تضمنت إنشاء مستشفيين ميدانيين الأول داخل قطاع غزة والثاني مستشفى عائم قبالة ساحل مدينة العريش إضافة إلى إقامة 5 مخابز أوتوماتيكية، كما تم توفير الطحين لعدد 8 مخابز قائمة في غزة إضافة إلى إنشاء 6 محطات تحلية تنتج مليوناً و200 ألف غالون يوميا يجري ضخها إلى قطاع غزة ويستفيد منها أكثر من 600 ألف نسمة.
كما أطلقت قيادة العمليات المشتركة مؤخراً عملية «طيور الخير» وذلك لإسقاط المساعدات الإنسانية على المناطق المعزولة والتي لا تصل إليها المساعدات في شمال القطاع حيث بلغ إجمالي المساعدات التي تم إسقاطها حتى يوم الأربعاء الماضي إلى 574 طناً من المساعدات الإغاثية والإنسانية.