عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة»، (سنن الترمذي، 2680).
وقد ذهب سفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعبدالرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، والأوزاعي إلى أن عالم المدينة المقصود في هذا الحديث هو مالك بن أنس، رحمه الله.
هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الحميري، ثم الأصبحي، صاحب الموطأ، ينسب إليه المذهب المالكي، قال أبو مصعب: «كان مالك لا يحدث إلا وهو على طهارة إجلالاً للحديث».
طلب العلم وهو ابن بضع عشرة سنة، وتأهل للفتيا، وجلس للإفادة وله إحدى وعشرون سنة، وحدث عنه جماعة، وهو حي شاب طري، وقصده طلبة العلم من الآفاق في آخر دولة أبي جعفر المنصور، وما بعد ذلك، وازدحموا عليه في عهد الرشيد، ومالك إمام دار الهجرة، وأمير المؤمنين في الحديث، وكان قدوة في تعظيم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعظيم حديثه.
ومن شيوخ الإمام مالك بن أنس حميد الطويل، ربيعة الرأي، أيوب السختياني، صفوان بن سليم، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، عبد الرحمن بن القاسم، عبد الكريم الجزري، عطاء الخراساني، الزهري، محمد بن المنكدر، ونافع.
ومن أقرانه: معمر، وابن جريج، وأبو حنيفة النعمان، والأوزاعي، وشعبة، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وابن أبي الزناد، وابن علية [إسماعيل بن إبراهيم]، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، ووكيع، والوليد بن مسلم.. والشافعي وأبو داود الطيالسي، وأبو عاصم النبيل، وعبد الرزاق، وأبو مسهر الدمشقي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعلي بن الجعد، وسعيد بن منصور، ويحيى بن بكير، وقتيبة بن سعيد، وإسحاق بن الفرات، وخالد بن خداش، وسعيد بن أبي مريم، وأبو نعيم، ومحمد بن عمر الواقدي، وأبو الأحوص محمد بن حبان البغو.
وقد أكثر العلماء الثناء على الإمام مالك، وألفوا في سيرته المؤلفات: قال الشافعي: إذا ذكر العلماء فمالك النجم، وقال الشافعي أيضاً: لولا مالك، وابن عيينة لذهب علم الحجاز.. وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: «هو إمام في الحديث وفي الفقه»، وقال يحيى القطان: كان مالك إماماً في الحديث.
وقال ابن وهب: قيل لأخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته؟ قالت: المصحف والتلاوة، وكان، رحمه الله، وقوراً، قال عبدالرحمن بن مهدي: ما رأيت أهيب من مالك، ولا أتم عقلاً، ولا أشد تقوى.
وقال ابن وهب: الذي نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه، (تاريخ الإسلام للذهبي، 4/ 721).
وقال الإمام النووي: «أجمعت طوائف العلماء على إمامته، وجلالته، وعظم سيادته، وتبجيله، وتوقيره، والإذعان له في الحفظ والتثبت، وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، (تهذيب الأسماء واللغات للنووي، 2/ 72).
وكان -رحمه الله- يكره اللغو ومجالسة السفهاء، وقد قال: ما جالست سفيهاً قط. وكان يحب الجمال ويعتني بمظهره، قال قتيبة: كنا إذا دخلنا على مالك خرج إلينا مكحلاً مزيناً مطيباً قد لبس من أحسن ثيابه. وقد حدث عن مالك عدد من شيوخه: منهم عمه أبو سهيل، والزهري، ويحيى بن سعيد القطان.