كرَّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بحضور سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، صناع الأمل الأربعة المتأهلين لنهائيات مبادرة صناع الأمل بمكافأة مالية بقيمة مليون درهم لكل منهم، لتبلغ قيمة جائزة صناع الأمل 4 ملايين درهم.

وتوج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، العراقية تالا الخليل بلقب «صانعة الأمل» الأولى في الدورة الرابعة من المبادرة الأكبر من نوعها لتكريم أصحاب العطاء في الوطن العربي، بعدما حصلت على أعلى نسبة تصويت في الحفل، ووجه سموه بأن يكون جميع صناع الأمل الأربعة المتأهلون إلى نهائيات المبادرة فائزين باللقب، وهم إضافة إلى تالا الخليل: العراقي محمد النجار، والمغربي أمين إمنير، والمصرية فتحية المحمود.

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «صناعة الأمل هي صناعة للحياة في منطقتنا، ولا يمكن مواجهة التحديات من دون تكاتف جميع الجهود».
وأضاف سموه «الشعوب تحيا على التفاؤل والأمل بغدٍ أفضل.. والأجيال الجديدة مسؤولة عن صناعة واقع أفضل في مجتمعاتهم».
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن «نشر اليأس هو أكبر تحد تواجهه شعوبنا العربية، ولا بد من الاستمرار في صناعة الأمل والتفاؤل والإيجابية في الأجيال الجديدة».

وتوّج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تالا الخليل بلقب «صانعة الأمل» الأولى على مستوى الوطن العربي، وذلك عن مبادرتها الخاصة بمداواة أرواح أطفال متلازمة «داون» والمصابين بالسرطان.
وشهد الحفل سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، عضو مجلس دبي، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين وحشد من الإعلاميين.

ثروة إنسانية
من جانبه، أكد معالي محمد القرقاوي، الأمين العام لمؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية» أن مبادرة «صناع الأمل» تجسد رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في ترسيخ ثقافة الخير والعطاء في العالم العربي، والاحتفاء بأصحاب المشاريع والمبادرات الهادفة إلى تغيير حياة المجتمعات، وإلهام الأجيال الجديدة لصناعة مستقبل أفضل.
وقال معاليه «كشفت الدورة الرابعة من صناع الأمل عن مبادرات خيرية وإنسانية فريدة لخدمة المجتمعات العربية ومساعدة عشرات آلاف البشر في دول عدة حول العالم، وقد أثبت أكثر من 58 ألف صانع أمل عربي أن منطقتنا تمتلك ثروة كبيرة في الجانب الإنساني، ما يعزز الثقة بقدرتها على مواصلة رحلتها الحضارية وتقديم نموذج عالمي في العطاء والالتزام بمساعدة الإنسان بعيداً عن تصنيفات اللون والعرق والدين».
وأشار معالي القرقاوي إلى أن مبادرة «صناع الأمل» مستمرة في دعم البرامج التطوعية والرؤى الهادفة إلى تحسين الحياة في المجتمعات العربية، وإبراز كل جهد إنساني يستهدف خدمة الآخرين والتخفيف من معاناة الفئات المحتاجة والضعيفة، بما ينسجم مع أهداف مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، في تعزيز ثقافة الأمل في الوطن العربي ومساندة أصحاب الأفكار المبتكرة لتمكينهم من تحويلها إلى مشاريع مستدامة.

تفاعل جماهيري
شهد الحفل العديد من الفقرات الفنية التي شارك فيها نخبة من أبرز الفنانين في الوطن العربي، مثل أحلام وحسين الجسمي وأصالة، كما شارك في فقرات الحفل عدد كبير من نجوم الوطن العربي من فنانين وإعلاميين.
وتفاعل جمهور الحفل مع عرض قصص المرشحين الملهمة من خلال فيديوهات مؤثرة لخصت تجربة كل منهم، وجسدت البعد الإنساني، حيث كشفت عن أبطال حقيقيين ملهمين تفانوا في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم وكل إنسان يحتاج إلى المساعدة.
ضمت قائمة المرشحين الأربعة الذين بلغوا النهائيات واستعرضوا مبادراتهم في الحفل الذي استضافته قاعة «كوكا كولا أرينا» بدبي وسط حضور 12.000 شخص، كلاً من تالا الخليل من العراق، ومحمد النجار من العراق، وفتحية المحمود من مصر، وأمين إمنير من المغرب.
وأطرب الفنان الكويتي حمود الخضر، جمهور الحفل الختامي بأغانيه التي تحمل الطابع الإنساني ذا المعاني العميقة والمحفّزة على الخير، والتي تحمل كلمات ملهمة، وأغلبها باللغة العربية الفصحى.

شهد الحفل الختامي مشاركة الدكتور خالد غطاس، الخبير في السلوك البشري، والكاتب والفيزيائي، الذي كرس حساباته على «فيسبوك» و«يوتيوب» لنشر الوعي حول البحث العلمي من ناحية، والسلوك البشري وعلم النفس الإيجابي، واتخاذ القرار والتنوع الثقافي والشعر والفلسفة والفن من نواحٍ أخرى.
 تحدث غطاس، بأسلوبه غير التقليدي الذي ينطوي على الكثير من الدعابة، عن الأمل من منظور علمي، حيث شرح تركيبته، مجيباً عن تساؤل هل شعور الأمل يضاهي أحياناً غريزة الحياة والنجاة؟، وتمكن غطاس من إيصال رسائله الإيجابية بطريقة آسرة نالت تفاعل حضور الحفل الختامي.
وحظي الأوبريت الغنائي الشهير «الحلم العربي» الذي أعادت مبادرة «صناع الأمل» إحياءه وتطويره، بتفاعل كبير من جمهور الحفل الختامي لمبادرة صناع الأمل، والذي شارك فيه 12 من كبار الفنانين العرب وهم: أحلام، وماجد المهندس، وأصالة، ووليد توفيق، وصابر الرباعي، وبلقيس، وعاصي الحلاني، وعمر العبدلات، ومحمد عساف، وأحمد فتحي، وإيهاب توفيق، وأبو، وهو من كلمات الدكتور مدحت العدل، وألحان صلاح الشرنوبي.
كما استمع حضور الحفل لفيديو الأغنية الجديدة التي أطلقها الفنان ماجد المهندس بمناسبة الاحتفاء بتتويج الفائزين في الدورة الرابعة من «صناع الأمل»، والتي كتب كلماتها الشاعر أحمد علوي، ولحنها وليد الشامي. تجسد الأغنية الجديدة المعاني العميقة للأمل، وحاجة الإنسان لصناعته، باعتباره أساس الطموح وأولى الخطوات الواقعية لتحقيق الأحلام، كما تعلي كلمات الأغنية من شأن الأمل في حياتنا باعتباره سر امتلاك العزيمة الكافية لمواجهة تحديات الحياة، وقهر المستحيل.

4 قصص ملهمة
لم يكن يتخيل الكثيرون ممن يعرفون العراقي الدكتور محمد النجار (37 عاماً)، أن فقدانه لساقه في عام 2014، سيكون بادرة أمل لكثير من مبتوري الأطراف في العراق، بعد أن حول النجار، المستطيل الأخضر، إلى دافع قوي يجدد عبره الأمل ويستعيد به الثقة بالنفس والحلم بحياة جديدة بعد أن وضعت الحرب في العراق أوزارها.
 بدأت الحكاية الملهمة لصانع الأمل العراقي بعد أن فقد ساقه نتيجة تطوعه للقتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، حيث أصيب برصاصة في ساقه نتجت عنها مضاعفات عرضت حياته للخطر، وأدخلته في غيبوبة لأكثر من شهرين، لكنه ما إن استفاق حتى قرر أن يخلق لنفسه فسحة من الأمل مهما ضاقت به الأماكن، حيث قرر تحويل هذا الحادث المفجع إلى ذكريات بعيدة، والانطلاق في مجال العمل الإنساني الذي اتخذه أسلوب حياة ومنهج عمل، وبوصلة ترشده على طريق الأمل.
لم يستسلم النجار وبدأ مرحلة التعافي وعاد إلى عمله في وزارة النفط العراقية، وتمكن من الحصول على بعثة لدراسة الدكتوراه في لندن، بعد أن تكيف مع الطرف الاصطناعي الذي تم تركيبه له وبدأ بالعودة للمشي وأداء أعماله اليومية والاهتمام بأسرته.
ورغم انشغال النجار بدراسة الدكتوراه في القانون في بريطانيا عام 2016، إلا أنه لم يفقد يوماً شغفه بكرة القدم، حيث كان يحلم بأن يكون لاعباً يترك بصمة وذكريات لدى الجماهير، إلا أن تنظيم «داعش» الإرهابي أجهض هذا الحلم، لكنه عاد إليه مرة أخرى بعد أن علم أن هناك فريقاً لمبتوري الأطراف في مدينة بورتسموث البريطانية التي يدرس فيها ويحمل الاسم نفسه، فكتب إليهم، وأراد الانضمام إليه، وهو ما حدث بعد ذلك.
بعد أن تحقق حلمه وعاد إليه شغفه، وأصبح جزءاً من فريق بورتسموث، شارك معه في الكثير من المباريات على مدار 4 سنوات هي مرحلة دراسته ببريطانيا. من هناك، حاول وضع نواة لفريق عراقي من مبتوري الساق، لكن هذه الفرصة لم تحن إلا بعد عودته إلى بغداد. وتمكن صانع الأمل العراقي مع فريق بورتسموث من الحصول على كأس دوري إنجلترا في عام 2018، وقد ازدادت شهرته بين العرب والعراقيين في مدينة بورتسموث بعد حصوله على لقب أفضل لاعب في النادي عام 2019، الأمر الذي حفزه أكثر على نقل التجربة إلى وطنه، بعد أن أعادت له كرة القدم ثقته بنفسه ولياقته البدنية. ولم يكن الأمر سهلاً على صانع الأمل العراقي في بادئ الأمر، لأنه لم يتمكن من إيجاد الأشخاص المطلوبين، حتى قرر أن يكلف زميلاً له، يعمل على صناعة الأطراف الصناعية، لنشر الخبر والبحث عن لاعبين. وبالفعل، بعد اختبارات عديدة للمتقدمين، اختار نحو 50 لاعباً سبق وأن مارسوا كرة القدم.

خلال هذه الفترة، لم يستطع أي من التحديات إيقاف النجار عن خططه، حيث حاول ولأكثر من سنة مع الفريق الذي كانت تتراوح أعمار لاعبيه بين 14 و40 عاماً، المشاركة في مباريات ودية دولية عديدة، رغم عدم اعتراف الجهات المعنية في العراق بالفريق في بادئ الأمر، لكن حصوله على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة قدم مبتوري الأطراف سهل المهمة. ولأن النجار انتهج طريقة العمل بروح الفريق الواحد، نجح الفريق العراقي وخلال عام واحد فقط من مولده في التأهل لكأس العالم لمبتوري الأطراف التي استضافتها تركيا في شهر أكتوبر الماضي، وتمكن من تحقيق ثلاثة انتصارات على منتخبات أوروغواي وإيرلندا وألمانيا، وخسر ثلاثاً أخرى، ووضعت هذه الإنجازات تصنيف فريق العراق لكرة القدم لمبتوري الأطراف في الترتيب الـ19 عالمياً من أصل سبعين فريقاً على الرغم من حداثة التجربة العراقية والتنافس مع فرق لها باع طويل في اللعبة. وبالطبع، لم يكن طريق النجار في هذه الفترة مفروشاً بالورود، بل عمل على إعادة الروح إلى هذه الشريحة المثخنة بالجراح، بعد أن فقد بعضهم الشغف في الحياة وتملكه اليأس، لكنه كان يؤكد لهم دوماً أنهم وكما ضحوا بجزء من أجسادهم من أجل الحفاظ على وحدة وأمن العراق سيضحون مرة أخرى، ومرات من أجل رفع اسم دولتهم في المحافل العالمية.
لم يكتف النجار ببث الحماس بين فريق العراق، بل تكفل في بداية الأمر بنفقات الفريق من تأجير ملاعب، وشراء الزي الرسمي. لكن وبمرور الوقت، وجد رعاة يودون مساعدة الفريق في خطواته، التي ألهمت عدداً من الأندية العراقية ودفعتها إلى تكوين فرق محلية لكرة القدم لمبتوري الساق.
مواقع التواصل.. بوابة للعطاء
حوّل صانع الأمل المغربي أمين إمنير حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إلى بوابة جديدة للعطاء، بهدف تحسين نوعية الحياة والارتقاء بالمستوى المعيشي للأسر الأقل حظاً في المملكة المغربية، ورغم إيمانه بأن هذا الطريق ليس سهلاً، لكنه لم ييأس وأصر على مواصلة صناعة الأمل، حيث يؤكد دوماً بأنه نذر حياته لمساعدة أبناء بلده. وتبنى صانع الأمل المغربي رئيس جمعية «أفتاس للتنمية والتعاون»، الكثير من المبادرات والحملات الإنسانية التي تسعى إلى التخفيف من معاناة أبناء وطنه، حيث يقوم بتنظيم العديد من الحملات الإغاثية لتوزيع المساعدات على المحتاجين في المملكة المغربية، إذ تشمل هذه المساعدات الإغاثية توزيع الأضاحي والسلال الغذائية وحفر الآبار وبناء الجسور وغيرها من أعمال الخير.
لا يكل صانع الأمل أمين إمنير ولا يمل في العمل على توفير المساعدات المالية من فاعلي الخير في كافة أنحاء البلاد، من أجل استخدامها في توزيع المواد الغذائية للمحتاجين وحفر الآبار في المناطق النائية والقرى وحتى تأمين المساعدات الطبية والأدوية وإجراء العمليات المجانية للمرضى وكبار السن وغيرها من الأمور.

ويحرص إمنير على توثيق كافة نشاطاته الإنسانية عبر قناته «فيسبوكي» على «يوتيوب»، من أجل تحفيز الآخرين للسير على دروب العطاء، ونشر ثقافة العمل الإنساني عبر نقل صور بسيطة وعفوية من المبادرات الإنسانية التي تعمل عليها جمعيته، والتي استفاد منها أكثر من 150 ألف شخص في مختلف مدن المملكة المغربية. وحققت جمعية «أفتاس للتنمية والتعاون»، عدداً من الإنجازات منها توزيع 800 أضحية على العائلات المحتاجة منذ عام 2020، وحفر أكثر من 100 بئر وتوزيع أكثر من ألف لوح لإنتاج الطاقة الشمسية، وتوزيع أكثر من 4500 سلة غذائية على الأسر المحتاجة والأرامل والأيتام، وتشييد جسر فوق واد لفك العزلة عن 3 مناطق تتعرض لفيضانات، وإجراء 217 عملية جراحية خلال 2023، وزراعة 2800 شجرة مثمرة.
أم اليتيمات
تجسد تجربة المصرية فتحية المحمود الملقبة بـ«أم اليتيمات» و«ماما فتحية»، نموذجاً ملهماً لاحتضان الأمل وتنشئته في مراحل تكوينه الأولى، من منطلق إيمانها بأن تعهد رعاية صناعة الأمل منذ مرحلة الطفولة يثمر عطاء في الكِبر، الأمر الذي دفعها لاستقبال 34 طفلة يتيمة في بيتها، لتكتب منذ العام 2005 فصول قصة سيدة ملهمة ونموذجاً لجنود الخير الذين وهبوا حياتهم لخدمة الفئات الأقل حظاً.
تزوجت فتحية المحمود، قبل 30 عاماً، ولكنها لم تُرزق بأطفال، ورغم أنه كان حلمها الوحيد إلا أنها رضيت بقضاء الله وقدره، لكن وأمام رغبتها الكبيرة هي وزوجها في سماع كلمة «ماما وبابا»، قررا تبني 34 فتاة، والإشراف على رعايتهن وتعليمهن وتربيتهن، معتمدين في ذلك على مدخراتهما التي جمعاها من رحلة عمل طويلة في بلاد الغربة.
بدأت حكاية «ماما فتحية»، التي أسست جمعية «لمسة أمل لرعاية الأيتام»، للاعتناء بالفتيات، أثناء وجودها في عزاء صديقتها، حيث شاهدت ابنتها وهي تجتهد في الدعاء لها، وهنا تبادر إلى ذهنها سؤال «من سيدعو لي بعد وفاتي؟!»، فوجدت أن هناك الكثير من الأطفال الأيتام بلا مأوى، ولا توجد دور كافية تحتويهم وتعتني بهم، وتمنحهم الاهتمام اللازم والحضن الدافئ لتخرج من داخلهم مواهب وطاقات تجعلهم مميزين بين أقرانهم في المجتمع، وتحقق لهم التوازن بين حالتهم النفسية والاجتماعية، فقررت البحث عن أطفال لكي تتبناهم.

ورغم أن مسؤولية تربية 34 فتاة بعضهن وصل إلى مرحلة سنية تحتاج إلى رعاية خاصة، أمر ليس بالهين ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، إلا أنها تجد في تلك المسؤولية الثقيلة متعة خاصة، حيث تحرص على القيام بكافة واجباتها تجاه بناتها بكل شغف ودقة. وتعمل «ماما فتحية» على غرس ثقافة العطاء في بناتها الـ34 من منطلق إيمانها بأن كل جهد شخصي يبذل في العطاء وفعل الخير، سيحدث فرقاً كبيراً في حياة المجتمعات والمحتاجين، وسيعود على فاعله بسعادة غامرة لا تعادلها كنوز العالم، وهو ما كان دافعاً وحافزاً لها على امتلاك المعرفة بشؤون التربية وتفاصيلها، وكيفية تقديم الرعاية المناسبة لهؤلاء البنات في البداية، الأمر الذي ساعدها على تجاوز الكثير من الضغوط النفسية والتحديات، حيث تعلمت من التجربة لدرجة أكسبتها القدرة على فهم احتياجات بناتها فقط من نظرة عين.
يبدأ يوم «ماما فتحية» بعد صلاة الفجر، بعد أن قررت أن تكون هي فقط وزوجها المسؤولان عن تربية بناتهما، وذلك بعد أيام وليالٍ من التدقيق قضياها في اختيار من يتولى شؤون البنات، وكذلك مديرات للمنزل، والأمهات البديلات، حيث انتهت رحلة البحث إلى قناعة شخصية من جانبهما بأنه لن يعتني أحد ببناتهما بالشكل الكافي غيرهما، فتوليا في مقر «لمسة أمل» كافة تفاصيل تربية الفتيات. ولم تكتفِ «ماما فتحية» بتأسيس جمعية «لمسة أمل لرعاية الأيتام»، بل عملت هي وزوجها على تكريس جهودهما لتحسين الرعاية الصحية للأيتام وأصحاب الهمم، عبر إنشاء مستشفى مجاني في منطقة حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة يوفر الرعاية الصحية لهذه الفئات.
ماما المحاربين الصغار
لم تكن تعرف صانعة الأمل العراقية الدكتورة الصيدلانية تالا الخليل، أن اللحظة التي تطلب فيها إحدى الأمهات مساعدتها لإقناع طفلها بتناول طعامه وعلاجه، ستكون فارقة في مسيرة حياتها. فبعد أن تعلمت في دراستها خلط المركبات للحصول على دواء يعالج أوجاع البشر، أدركت أنها منذ هذه اللحظة أن عليها تعلم خلط أنواع أخرى من المركبات التي تعالج أرواح من أطلقت عليهم اسم «المحاربين من الأطفال أصحاب الهمم»، حيث كتبت معهم فصول قصة ملهمة بدأتها بتأسيس «أكاديمية المحاربين» في البصرة، وهي مؤسسة مجانية لرعاية ومساعدة الأطفال من أصحاب الهمم في العراق.
واستهلت تالا الخليل رحلتها مع عالم صناعة الأمل في عام 2015، عندما خصصت «كرفاناً» في مستشفى الأطفال التخصصي في البصرة لاستقبال مرضى السرطان من الأطفال لغرس الأمل وتجاوز الكثير من التحديات والتي أبرزها عدم قدرتهم على استكمال الدراسة، أو الاندماج في المجتمع، أو حتى إيجاد مساحة أمل لحياتهم، لأنهم محاطون فقط بالمرض والدواء، وجدران المستشفى الصماء، فكان هذا «الكرفان» بمثابة فسحة جديدة، أعادت إلى قلوبهم الأمل. ومن هنا، جاءتها فكرة تأسيس مشروع الأكاديمية.
جاءت فكرة الأكاديمية بعد أن تعرضت صانعة الأمل تالا الخليل لصدمة، نتيجة طلب إحدى الأمهات إقناع طفلها بتناول علاجه. بعد محاولات عديدة منها دون استجابة، أبلغتها الأم أن طفلها صاحب همة أصم، الأمر الذي سيطر على تفكيرها وطرح لديها الكثير من التساؤلات التي بحثت عن إجابات لها، والتي مثلت لها في الوقت نفسه حافزاً بأن تنشئ مؤسسة متخصصة لعلاج أصحاب الهمم، وكان ذلك في عام 2018. والآن، ترعى وبمجهود شخصي منها أكثر من 200 طفل من مصابي متلازمة داون والسرطان.

ونجحت تالا الخليل في الحصول على دعم من البنك المركزي العراقي، لتوفير مبنى مؤثث بشكل متكامل لمدة 3 سنوات، حيث انطلقت الأكاديمية في البداية بـ100 محارب من المرضى وأصحاب الهمم، تسعى إلى إعدادهم لمواجهة تحديات الحياة بكل ثقة في النفس. ولم يكن الطريق سهلاً أمام تالا الخليل التي واجهت الكثير من التحديات والتي تمكنت من التغلب عليها، حتى توفر لمنتسبي الأكاديمية من الأطفال الذين ينادونها ب«ماما» مقراً آمناً وظروفاً صحية ونفسية جيدة، الأمر الذي ساعدها على سرعة اكتشاف مهاراتهم والتركيز عليها، وتطويرها، من أجل وضعهم على الطريق الصحيح. وتعمل صانعة الأمل تالا الخليل على تقديم الدعم النفسي للأطفال لإيمانها بأن هذا الدعم يرفع نسبة الشفاء، وأنّ للحالة النفسية الجيّدة كبير الأثر في تقوية جهاز المناعة، ومقاومة هذا المرض الشرس. ومن أجل ذلك، استخدمت الفنون لرفع مناعة الأطفال المصابين بالسرطان أو متلازمة داون.
معايير وشروط
سجلت الدورة الرابعة من مبادرة «صناع الأمل»، التي تنضوي تحت مظلة مؤسسة «مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، أكثر من 58 ألف مشاركة. وتوزعت مبادرات ومشروعات «صناع الأمل» على قطاعات ومحاور متعددة، إذ تصدرت المبادرات المعنية بخدمة المجتمع العدد الأكبر من المشاركات بـ 14.060 مشاركة، تلتها مبادرات المساعدات الإنسانية والإغاثية بـ 12.726 مشاركة، ثم نشر التعليم والمعرفة بـ 6.311 مشاركة، ومبادرات تمكين الشباب ب 5.303 مشاركات، والقصص الملهمة بـ 5.018 مشاركة، ومبادرات الصحة ومكافحة الأمراض بـ 3.505 مشاركات، والثقافة والفنون بـ 2.592 مشاركة، ومجالات أخرى بـ 8.784 مشاركة. وخضعت كافة الترشيحات لعملية فرز وتقييم، وفق معايير وشروط حكمت اختيار صناع الأمل المؤهلين للقب.
الفن يصنع الأمل
شهدت النسخة الرابعة من «صناع الأمل»، شراكة بين المبادرة ومنصة ET بالعربي لبلورة رؤية مشتركة عنوانها «الفن يصنع الأمل»؛ بهدف إشراك المشاهير العرب في فعل الخير، وترسيخ صورتهم مثالا يحتذى في العمل الإنساني، ودعم وتمكين العمل الخيري من خلال التعاون مع شخصيات تتمتع بمكانة مرموقة فنياً واجتماعياً، حيث شارك فنانون وصناع محتوى، في مشروعات إنسانية، لمساعدة المحتاجين والتخفيف من معاناتهم في دول عدة. وفتحت «الفن يصنع الأمل»، والتي توفر فرصة لمشاهير وفنانين معروفين في العالم العربي المساهمة في مشاريع ومبادرات إنسانية متنوعة، الباب أمام مشاركة المجتمع لمواكبة أنشطة وبرامج النجوم العرب من خلال الوسم (#الفن_يصنع_الأمل) الذي تم إطلاقه بالتعاون مع منصة ET بالعربي، حيث تسعى «الفن يصنع الأمل» إلى التعاون مع مشاهير العالم العربي لتبني مبادرات إنسانية متنوعة في بلدان عدة، بهدف نشر قيم الخير والعطاء، وترسيخ ثقافة الأمل والإيجابية في المجتمعات العربية، انطلاقاً من التأثير الكبير الذي يمتلكونه في مجتمعاتهم.

300 ألف صانع أمل
استقبلت مبادرة صناع الأمل أكثر من 300 ألف صانع أمل عربي خلال أربع دورات، الأمر الذي يظهر أن هناك تعطشاً كبيراً لدى أبناء الوطن العربي للمساهمة في العطاء وإرساء الأمل كفعل حقيقي. 
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، قد أطلق الدورة الأولى من مبادرة صناع الأمل، في عام 2017، من خلال إعلان مبتكر نشره سموه على حساباته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، يعرض فيه وظيفة لصانع أمل، شروطها أن يتقن المتقدم مهارات البذل وخدمة الناس، وأن يكون إيجابياً ومؤمناً بطاقات من حوله من أبناء الوطن العربي، وأن تكون لديه خبرة تتمثل في قيامه بمبادرة مجتمعية واحدة على الأقل، وذلك نظير مكافأة قيمتها مليون درهم، علماً بأن التقدم لوظيفة صانع الأمل متاح لأي شخص دون تحديد عمر معين.
ولقي إعلان سموه تفاعلاً كبيراً في الوطن العربي، وبلغ التصفيات النهائية 20 صانع أمل من مختلف أنحاء الوطن العربي، تبنوا مبادرات متنوعة تغطي مختلف المجالات الإنسانية والمجتمعية، ومن بين هؤلاء نوال الصوفي، من المغرب والمقيمة في إيطاليا، التي كرست نفسها لإنقاذ اللاجئين الفارين إلى أوروبا عبر البحر مساهمة في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ. وبرزت في الدورة الأولى مبادرة هشام الذهبي، من العراق، الذي تبنى قضية أطفال الشوارع مقدماً لهم كل أشكال الرعاية من خلال البيت العراقي للإبداع، الذي أسسه خصيصاً لهم.
أكاديمية صناع الأمل
في الدورة الثانية من مبادرة صناع الأمل، كرّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صنّاع الأمل الخمسة المتأهلين لنهائيات المبادرة بمكافأة مالية بقيمة مليون درهم لكل منهم، لتبلغ قيمة جائزة صناع الأمل خمسة ملايين درهم. كما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن تأسيس أكاديمية صناع الأمل بـ50 مليون درهم بهدف دعم صناع الأمل في الوطن العربي، وتوفير حاضنات إنسانية لمشاريعهم، ونقل الخبرات العلمية العالمية في المجال الإنساني لمشاريعهم، وتوفير دورات تدريبية تنفيذية وقيادية لهم بالتعاون مع أفضل الخبرات والمعاهد العالمية المتخصصة.
وبرزت في هذا الموسم مبادرة محمود وحيد، التي حملت عنوان «معانا لإنقاذ إنسان» المعنية بإيواء المشردين في الشوارع من كبار السن، وتوفير جميع أشكال الرعاية الصحية والنفسية لهم وتأهيلهم لاستعادة حياتهم الطبيعية والسعي للم شملهم مع أسرهم، بمساعدة عدد من المتطوعين الذين يعملون معه. كما برزت مبادرة نوال مصطفى من مصر التي كرست نفسها لقضية السجينات وأطفالهن، حيث تبنت العديد من المشاريع والبرامج لإعادة تأهيل السجينات ومساعدتهن وتدريبهن على حرف ومهن يدوية لإعالة أنفسهن وأسرهن، كما أسست جمعية رعاية أطفال السجينات لتسليط الضوء على الأطفال الذين يعيشون داخل أسوار السجن مع أمهاتهن النزيلات، ومتابعة أوضاعهن وتلبية احتياجاتهن.

دعم مرضى القلب
في الدورة الثالثة من مبادرة صناع الأمل، كرّم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صنّاع الأمل الخمسة المتأهلين لنهائيات المبادرة بمكافأة مالية بقيمة مليون درهم لكل منهم، كما أعلن سموه رصد ريع الحفل الختامي لمبادرة صنّاع الأمل لصالح مشروع بناء مستشفى مجدي يعقوب الخيري لعلاج أمراض القلب في مصر، والذي سيعمل على توفير العلاج المجاني وإجراء أكثر من 12000 عملية جراحية سنوياً لمرضى القلب في العالم العربي وتحديداً الأطفال الذين سيخصص المستشفى الجديد 70% من عملياته لهم دون مقابل. وشهد الحفل تقديم مساهمات من عدد من رجال الأعمال والشركات في الإمارات لدعم إنشاء وتجهيز مستشفى الدكتور مجدي يعقوب، فيما أعلن سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، تقديم مساهمة لدعم المستشفى تساوي إجمالي مساهمات رواد الأمل من رجال الأعمال، ليتم مضاعفة المبلغ إلى 88 مليون درهم.
وقلّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم البروفيسور مجدي يعقوب وشاح محمد بن راشد للعمل الإنساني لقاء جهوده في العمل الخيري والإنساني وإنجازاته الطبية والعلمية التي منحت على مدى أكثر من 50 عاماً الأمل والحياة للملايين من المرضى حول العالم.
وفي الموسم الثالث، برزت مبادرة الدكتور مجاهد مصطفى علي الطلاوي من مصر الذي يقدم الرعاية الصحية للمساكين والفقراء منذ عقود برسم رمزي أو دون مقابل، ويدعم الفقراء والمحتاجين والأيتام في قريته طلا في صعيد مصر. كما برزت مبادرة ستيف سوسبي الصحفي الأميركي الذي حصل على الجنسية الفلسطينية لقاء جهوده مع أطفال فلسطين ممن فقدوا أطرافهم وتشجيعه فرق الأطباء والمتطوعين من مختلف أنحاء العالم على مساندة الطواقم الطبية الفلسطينية، مؤسساً صندوق إغاثة أطفال فلسطين.
محاربة اليأس
تنطلق مبادرة «صناع الأمل» من رسالة أساسية مفادها نشر الأمل في المنطقة ومحاربة اليأس والإحباط والتشاؤم، وتعزيز قيم التفاؤل، وترسيخ ثقافة العطاء وتعميم الخير، وإتاحة فرصة لسُعاة التغيير الإيجابي لترجمة طموحاتهم وتطلعاتهم عبر تبني مبادراتهم ودعم مشاريعهم التي تهدف إلى غرس الأمل بكل صوره. تستهدف مبادرة «صناع الأمل» الأفراد والفرق والمؤسسات غير الربحية الذين لديهم مبادرات أو برامج تعليمية أو صحية أو بيئية أو خدمية أو تنموية أو تثقيفية، موجهة إلى فئة أو شريحة مجتمعية بعينها، بهدف إحداث فرق إيجابي في حياتها والمساهمة في بناء واقع أفضل لها، الأمر الذي ينعكس على استقرار المجتمع وتعزيز أواصر التعاضد والتكافل الإنساني والمجتمعي ككل.
تندرج مبادرة صناع الأمل تحت مظلة «مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية»، وتتبنى رؤية المؤسسة الساعية إلى صناعة الأمل في المنطقة والعالم، وتغيير واقع العالم العربي إلى الأفضل، ودعم الجهود الرامية إلى خلق فرص للعطاء، وفتح نوافذ للعمل والإبداع والابتكار، وحشد الموارد والطاقات للنهوض بالمجتمعات في شتى المجالات التنموية، والاستثمار في القطاعات التي تسعى إلى بناء الإنسان وتمكينه، والعمل من أجل توفير مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً ونماءً.