سعيد أحمد (أبوظبي)
تمتلك الإمارات حضارة عريقة متجذرة، وشواهد أثرية تدل على قوة تاريخها ومكانتها في المنطقة منذ العصور السابقة، وأنها أرض زاخرة بالسكان والاستيطان البشري، حيث أظهرت عمليات التنقيب والحفريات، وجود المئات من المواقع والمباني الأثرية في مختلف مناطق الدولة. وأولت الحكومة الرشيدة، اهتماماً كبيراً في اكتشاف الآثار والحفاظ عليها، من خلال استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة، وربطها بالأجيال الحاضرة والقادمة، لتكون شاهدة على تاريخ هذا الوطن الذي يمتد لآلاف السنين، حيث ترك الأجداد إرثاً عظيماً من القطع الأثرية الثمينة، والدلالات على أن سكان الإمارات شاركوا في بناء الحضارات، وأن لديهم روابط مع مختلف الثقافات المحيطة بهم.
وتقف الإمارات شامخة بهذه الاكتشافات العظيمة التي تدل على مسيرة نهضتها وتقدمها ورقيها وازدهارها عبر السنوات الماضية، مما جعلها محل إعجاب الكثير من دول العالم، ومقصداً مهماً للسياحة والاقتصاد والاستثمار، في ظل ما تنعم به من أمن وأمان بفضل الله عز وجل.
العصر البرونزي
تحتضن إمارة أبوظبي، العديد من المواقع والمباني الأثرية، التي تؤكد أهمية الدور الرئيس الذي تلعبه في التجارة الإقليمية والعالمية، حيث تسلط الاكتشافات الحديثة الضوء على مرونة وابتكارات مجتمعات العصر البرونزي التي استوطنت المنطقة، وتساعد على بناء صورة أكثر وضوحاً واكتمالاً لتاريخ آثار الدولة.
وتشير الاكتشافات الجديدة في جزيرة ساس النخل، إلى أنها ليست سوى جزء صغير مما يتوقع اكتشافه من ثقافة العصر البرونزي في منطقة «أم النار» بأبوظبي، والتي كانت سائدة في الحقبة الزمنية ما بين 2700 و2000 قبل الميلاد.
وقادت عمليات التنقيب الأثرية في ثلاث مناطق في العين وهي الخريس والقطارة والهيلي، إلى اكتشافات أثرية تعود للعصر الحديدي، حيث عثر على ضريح حجري ضخم من العصر البرونزي، وما لا يقل عن 35 قبراً لأفراد من فترة ما قبل الإسلام تحتوي على مخابئ لأسلحة حديدية، بالإضافة إلى مواقع أثرية ومصنوعات يدوية، تغطي الفترة الزمنية الممتدة من 1300 قبل الميلاد إلى 600م.
قيمة تاريخية
تعد إمارة الشارقة غنية بالمواقع الأثرية، ذات القيمة التاريخية الكبيرة التي تسطر تاريخ سكان المنطقة على مدار قرون من الزمان، وتخلد العادات والتقاليد الإنسانية العريقة، والإنجاز البشري في مختلف مجالات الحياة، وتشكل الاكتشافات الأثرية إرثاً حضارياً إنسانياً، يجسد ذاكرة وماضي الشعوب السابقة.
وتضم الشارقة أكثر من 36 موقعاً أثرياً في مختلف مناطق الإمارة، بعضها يعود تاريخها إلى حوالي 125 ألف سنة، تم التنقيب فيها والعثور على مقتنيات وقطع ثمينة، كما أظهرت الاكتشافات أن المنطقة محطة حضارية عظيمة، تدلل عليه ما تركه الاستيطان البشري من آثار وأفعال، تستحق أن يطلع عليها العالم من خلال زيارته للمواقع الأثرية أو المتاحف التي تحتضن القطع والمعلومات المتعلقة بالآثار المكتشفة، حيث إن إمارة الشارقة يتوافد عليها العديد من السياح لمشاهدة المواقع والمباني الأثرية فيها.
العصر الحجري
تواصل إمارة أم القيوين عمليات التنقيب عن المواقع الأثرية، التي تزخر بها الإمارة، ويعود تاريخها إلى الألف السادس قبل الميلاد في العصر الحجري الحديث، حيث تم الإعلان عن اكتشافات جديدة لمواقع أثرية تضاف إلى سلسلة المواقع التي تمتلكها الإمارة.
الدور الأثري
يعد موقع الدور الأثري أحد أكبر المستوطنات المحلية على ساحل إمارة أم القيوين خلال فترة العصر الروماني، تصل مساحة الموقع إلى حوالي 2 كيلومتر مربع، ويضم العديد من المباني الأثرية المميزة مثل معبد «إله الشمس» و«الحصن الدفاعي»، وعدد من المباني الحجرية والقبور الجماعية والفردية.
تل أبرق
يتوسط موقع «تل أبرق» الأثري إمارتي الشارقة وأم القيوين، ويعتبر من أهم المواقع الأثرية في الإمارات، حيث يعود تاريخه إلى الألف الثالث قبل الميلاد معاصراً حضارة «أم النار» في أبوظبي، واستمر الاستيطان الدائم به حتى القرن الثالث الميلادي، وكشفت عمليات النقيب عن وجود قلعة تتخذ شكل مدرجات مبنية من الأحجار البحرية، وعدد من القبور وكنوز أثرية.
الشبيكة الأثري
يقع موقع «الشبيكة الأثري» على طريق الاتحاد الذي يربط إمارة أم القيوين برأس الخيمة، وهو عبارة عن تلة أثرية مساحتها نحو 400 متر مربع وارتفاعها 10 أمتار، تم اكتشاف مقبرة جماعية فيه ومستوطنة للرعاة والصيادين تعود إلى 7500 سنة، وعثر فيها على أقدم لؤلؤة في التاريخ.
دير مسيحي
تم اكتشاف دير مسيحي في جزيرة السينية بأم القيوين، وازدهر في وقت ما بين أواخر القرن السادس ومنتصف القرن الثامن الميلادي، ويتكون من مجموعة مبانٍ وكنيسة وقاعة طعام وحوض ماء، محاطة بغرف معزولة للرهبان، ويعتبر ثاني دير يعثر عليه في الإمارات بعد اكتشاف دير في صير بني ياس بأبوظبي.
الأكعاب الأثري
أسفرت عمليات التنقيب في موقع الأكعاب الأثري بأم القيوين، عن اكتشاف تجمع لعظام حيوان الأطوم «بقر البحر»، يبلغ عددها 40 أطوماً تقريباً، ويعتبر التجمع الوحيد في الشرق الأوسط، كما تم اكتشاف مواد أخرى قيمة، ترجع إلى الألف الخامسة والألف الرابعة قبل الميلاد، بالإضافة إلى القطع الأثرية وسنارات الصيد، والأسهم واللؤلؤ وأدوات مصنوعة من العظام.
هيلي الأثري
يقع موقع «هيلي 2» الأثري، في مدينة العين، حيث عثر فيه على بيوت بحالة جيدة كانت مركزاً لقرية قديمة، واحتفظت البيوت بصلابتها عن طريق جدرانها القوية الممتدة حتى مستوى سطح بعضها، وفي عام 2018، أصبح الموقع محوراً لتركيز فرق علماء الآثار والترميم، حيث قامت بإجراء دراسات جديدة على كل بيت في المنطقة، من خلال العديد من التقنيات والأساليب الحديثة التي لم تكن متوافرة أثناء الحفريات الأولى.
وأسفرت الجهود عن تحقيق فهم أكبر للحياة اليومية للسكان الأوائل في منطقة «هيلي»، عبر الكشف عن أفران بحالة جيدة في العديد من أجزاء المستوطنة، واحتوت الأفران المبنية بالطين على العشرات من الأحجار المحروقة.