دينا جوني (دبي)
ربطت الإمارات بين التعليم والنمو الاقتصادي والقدرة التنافسية عبر استراتيجيتها ورؤيتها الشاملة لبناء اقتصاد معرفي مستدام، ولم تتوانَ عن تطويع جميع الوسائل الحديثة، لتحقيق قفزات متلاحقة في التعليم تحقق الريادة العالمية، بالاعتماد على الابتكار والاستثمار في الإنسان وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك فاعل، حيث دعمت محاور هذه الرؤية بـ 9.8 مليار درهم مخصصة لبرامج التعليم العام والجامعي، بنسبة 15.5% من إجمالي الميزانية العامة للاتحاد للأعوام 2023-2026.
وفي ذلك، اتجهت وزارة التربية والتعليم إلى تطوير شامل للمناهج التعليمية في المدرسة الإماراتية، ستطبّق في 537 مدرسة حكومية منها 14 مدرسة جديدة، لإعداد أجيال مزوّدة بالمعرفة والمهارات والسمات الشخصية القيادية، كما عملت على تطوير وتحديث 30 مدرسة وإحلال 47 أخرى، مع الأخذ بعين الاعتبار الإضافة المهمة التي حصلت مؤخراً على خريطة المدارس الحكومية بافتتاح «مجمعات زايد التعليمية» التي تعد نقلة نوعية في التعليم، عبر إخراجه من الإطار الأكاديمي البحت إلى رحاب المهارات المتنوعة المواكبة لتطورات سوق العمل ومتطلباته.
وبالتزامن مع هذا الحراك، ترى الوزارة أن دائرة الجودة في التعليم العام لا تكتمل من دون الرقابة والتقييم اللذين يضمنان تحقيق مبدأ المساءلة والجودة في المدارس، لذلك بدأت بتنفيذ زيارات تفتيشية عليها العام الماضي تنفيذاً للإطار الوطني لامتثال المدارس الحكومية في دولة الإمارات، الذي يعمل بدوره على ضمان امتثال المدارس الحكومية في الدولة للقوانين واللوائح والسياسات والنظم وقواعد العمل والممارسات المعتمدة من قبل الوزارة ومؤسسة الإمارات للتعليم «تعليم».
صدارة
وعلى صعيد آخر، كشف تقرير دولي صدر حديثاً عن سوق المدارس الخاصة الدولية، تصدّر الإمارات دول آسيا في عدد المدارس الموجودة فيها، وكذلك عدد الطلبة الملتحقين بها.
وتقول ناليني كوك رئيسة قسم البحوث لمنطلقة الشرق الأوسط في مؤسسة ISC للأبحاث التعليمية: «إنه وفقاً للتقرير، فإن عدد المدارس الدولية في الإمارات قد ارتفع ليبلغ نحو 790 مدرسة، يلتحق بها نحو 731 ألف طالب وطالبة، تليها في المرتبة الثانية المملكة العربية السعودية، بواقع 300 مدرسة و312 ألف طالب وطالبة، وفي المرتبة الثالثة قطر التي تضم نحو 200 مدرسة دولية يلتحق بها نحو 160 ألف طالب وطالبة، ومن ثم تركيا والكويت وعمان».
وتضيف: «إن نسبة الالتحاق في المدارس الدولية شهدت ارتفاعاً خلال الخمس سنوات الأخيرة في الإمارات يبلغ 9.1%، من 670 و147 ألفاً إلى 731 ألفاً و154 طالباً وطالبة، فيما تراجعت في المملكة العربية السعودية بنسبة 6.5%، وفي قطر بلغت نسبة تراجع التحاق الطلبة 1.6%، أما متوسط الرسوم المدرسية، فقد شهد ارتفاعاً خلال السنوات الخمس الأخيرة في الإمارات بنسبة 7.5%، مقابل 21% في المملكة العربية السعودية، و14.5 في قطر».
وجهة أولى
ويؤكد عبد الله العور، المدير التنفيذي لـ «صندوق المعرفة»، جاذبية قطاع التعليم العام والعالي في دولة الإمارات في ظل رؤية القيادة الرشيدة للاستثمار في الإنسان.
ويلفت إلى أن الجامعات الدولية في إمارة دبي سجلت زيادة في أعداد الطلبة المسجلين بنسبة 8% خلال العام الدراسي الحالي 2022 – 2023، بالإضافة لزيادة بنسبة 13% في أعداد الطلبة القادمين للدراسة من خارج الإمارات في الجامعات الدولية، ما يؤكد مكانة قطاع التعليم في الدولة وجاهزيته ليكون ضمن أفضل القطاعات الملبية للاستثمار.
ويشير إلى أن قطاع التعليم يسير بخطى متسارعة ويرسّخ مدينة دبي كوجهة أساسية جاذبة للتعليم والتعلم، ما يؤكد على مكانة الإمارات في المنطقة كوجهة مثالية للعمل والتعلّم.
ويقول: «إن جامعات وكليات دبي استقبلت 30 ألف طالب وطالبة خلال العام الدراسي 2022 – 2023، من 169 جنسية مختلفة، ما يفتح آفاقاً واسعة أمام المراكز التعليمية لإطلاق برامج تعليمية متنوعة، وفقاً لمتطلبات تلك الثقافات، كما استفاد الطلبة من 618 برنامجاً أكاديمياً متنوعاً».
جامعات في المقدمة
إلى ذلك، أعلن مؤشر المعرفة العالمي 2022، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، عن تصدر الإمارات المرتبة الأولى عالمياً في قطاع التعليم والتدريب التقني والمهني، كما أنها حلّت في المرتبة 30 في التعليم قبل الجامعي، والمرتبة 44 في محور التعليم العالي، وهذا يؤكد الصدارة الإماراتية في تطبيق أهداف التنمية المستدامة، ويرسخ حقيقة أن منظومة التعليم والتدريب باتت ضمن المرتكزات الأساسية التي تسهم في تعزيز القدرة التنافسية للدولة، وأيضاً حلت جامعة خليفة في المركز الأول للسنة الخامسة على التوالي على مستوى الدولة والمركز 181 عالمياً في تصنيف «كيو إس» لأفضل الجامعات العالمية 2023 والتي ضمت 11 جامعة من دولة الإمارات، كما حصلت الجامعة على المرتبة 37 في تصنيفات مؤسسة التايمز للتعليم العالي لجامعات دول قارة آسيا 2022، كما صُنّفت جامعة الإمارات العربية المتحدة الأولى على مستوى الدولة، والثانية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، و38 عالمياً وفقاً لتصنيف التايمز للتعليم العالي للجامعات الناشئة لعام 2023، ومعها سجلت «جامعة أبوظبي» إنجازاً أكاديمياً جديداً بحصولها على المركز 59 بين أفضل الجامعات المرموقة في قارة آسيا وفقاً لتصنيف التايمز للتعليم العالي للجامعات في آسيا لعام 2023.
وحصلت الجامعة على المرتبة 58 (من بين 963 جامعة في 78 دولة حول العالم) ضمن قائمة أفضل الجامعات الناشئة على مستوى العالم لعام 2023 وفقاً لـ«تصنيف التايمز للتعليم العالي للجامعات العالمية الحديثة»، وذلك في أول مشاركة لها في هذه الفئة، وحافظت جامعة الشارقة على المركز الأول على مستوى الدولة ضمن التصنيف العالمي للجامعات «يو اي جرين متري» الذي يصنّف الجامعات في التنمية المستدامة. كما احتلت الجامعة المرتبة الثانية على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمرتبة الثالثة على مستوى العالم العربي، والخامسة على مستوى دول الشرق الأوسط.
وهنا يعتبر البروفيسور هيذر ماكغرجور عميد ونائب رئيس جامعة هيريوت وات دبي، أن الإمارات تعدّ وجهة دراسية استثنائية للطلاب الدوليين والقاطنين في الدولة.
ويشير إلى عشرة عوامل جذب للجامعات التي تتطلع إلى إنشاء حرم جامعي جديد ومميزات تدفع الطلبة للانتقال إلى الإمارات العربية المتحدة للدراسة في جامعاتها، تبدأ بالتنوّع الكبير في خيارات البرامج التي تقدمها الجامعات الدولية، جنباً إلى جنب مع القدرة على تقديم تعليم عالي الجودة بمقاييس عالمية، كما تعدّ الإمارات موطناً للعديد من المدارس الدولية، ما يعني وجود أعداد كبيرة محتملة من الطلاب المنتقلين إلى التعليم العالي، وتتمتع الإمارات كذلك بموقع مركزي يسهل على الطلاب والموظفين العودة إلى بلدانهم، يضاف إلى ذلك وجود قوانين محفّزة ومرنة تجعل من السهل نسبياً على جامعة دولية إنشاء حرم جامعي، وتكاليف سكن الطلاب منخفضة أيضاً، مقارنة بمناطق أخرى في العالم، بالإضافة إلى معدل الجريمة المنخفض، والالتزام القوي بالقانون والنظام، والسلامة.
في أبوظبي.. أول مدرسة «صفرية الطاقة»
يكشف أحمد باقحوم، الرئيس التنفيذي لمدينة مصدر، عن توجّه المدينة لإنشاء مدرسة «صفرية الطاقة»، إذ أن الاستدامة هي أسلوب حياة ونهج يصب في مختلف القطاعات.
ويشير إلى أن المحادثات والجلسات التحضيرية جارية بالفعل مع أحد مشغّلي المدارس الخاصة لوضع خطة واضحة في كيفية خلق مدرسة صفرية الطاقة، ويأتي ذلك بعد أن أطلقت المدينة أول مبنى للمكاتب «صفري الطاقة» في أبوظبي، مما يعني أنه لا يستهلك طاقة أكثر مما ينتج وذلك عبر دمج التصميمات والأنظمة التي تركز على كفاءة الطاقة وتقنيات الطاقة المتجددة، وسيتم تمييز مبنى المقر الرئيسي من خلال تركيب مظلة من الألواح الشمسية الكهروضوئية المبتكرة.
ويقول: «إن مدينة مصدر توفر منظومة حيوية تدعم التعليم، وأنشطة البحث والتطوير، والابتكار، والتكنولوجيا، وتمثل منصة استراتيجية تتيح للشركات اختبار التقنيات الجديدة وبناء شراكات مهمة على الصعيدين المحلي والعالمي، إلى جانب جهودها لبناء مجمعات عمرانية أكثر استدامة».
وتعدّ مدينة مصدر في أبوظبي وجهة لتطبيق واختبار مشاريع التطوير العمراني المستدام، وهي تتطلع إلى مساهمة المجمّع الجديد للمكاتب في ترسيخ دور مدينة مصدر وإمارة أبوظبي ودولة الإمارات ككل في مجال الاستدامة.
طلبة العالم
ويوافقه بالرأي محمد عبد الله رئيس معهد دبي للتصميم والابتكار، قائلاً: «إن دولة الإمارات استحقّت مكانتها كمركز إقليمي للتعليم العالي بجدارة، بفضل رؤية وتوجيهات قيادتها الرشيدة والموقع الاستراتيجي للدولة وسهولة إجراءات السفر والقدوم إليها الذي جعلها وجهة جذابة وسهلة الوصول وذات تكاليف معقولة للطلاب، وإلى جانب ذلك فإنّ وجود عدد كبير من فروع الجامعات الدولية في الدولة، يجعلها مركز استقطاب للطلبة من دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا».
ويضيف: «يثق الطلاب وأولياء الأمور أن أولادهم لن يلتحقوا بجامعات رائدة فحسب، بل سيتطورون في بيئة متعدّدة الثقافات تبشّر باكتسابهم باقة من الخبرات والمعرفة ومهارات التنمية»، مشيراً إلى أن طلاب معهد دبي للتصميم والابتكار على سبيل المثال يمثلون أكثر من 30 دولة، يتعلّمون ويتناغمون لابتكار مشاريع إبداعية متكاملة.
عوامل
يقول: «إن من العوامل الأساسية للارتقاء بالقدرات التنافسية العالمية هو التعاون بين القطاعات والابتكار المستمر، وإن هذا التوجّه يحصل اليوم فعلاً في معهد دبي للتصميم والابتكار، عبر إنشاء شبكة من الشركاء البارزين في القطاعين العام والخاص، ومشروع فسحة التصميم الذي يدعو طلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء العالم للتعامل مع مشاريع تساعد على تطوير التفكير الاستراتيجي والعمل الجماعي ومهارات تقديم العروض».