مصطفى عبد العظيم (دبي)

حقق مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، تحت رئاسة دولة الإمارات، والذي اختتمت فعالياته أمس، بالتوصل إلى «اتفاق الإمارات» التاريخي، بعد أسبوعين من المفاوضات الجادة والمكثفة، إنجازات نوعية في العديد من الملفات المرتبطة بمنظومة العمل المناخي العالمي، وخاصة فيما يتعلق بملفي التمويل وتسريع تحول الطاقة، ضمن أجندة عمل مناخية طموحة للحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة الأرض مستوى 1.5 درجة مئوية.
ونجح مؤتمر الأطراف «كوب28» لأول مرة في تسجيل إنجازات غير مسبوقة مقارنةً بالمؤتمرات السابقة، بعد أن تمت الإشارة للمرّة الأولى إلى الانتقال لمنظومة طاقة خالية من مصادر الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، لتمكين العالم من تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، فضلاً عن نجاحه في جمع وتحفيز أكثر من 85 مليار دولار من التمويل وإطلاق 11 تعهداً وإعلاناً حظيت بدعم استثنائي وملحوظ.
وتضمنت الإنجازات الرئيسية لخطة عمل المؤتمر العديد من العلامات والإنجازات الفارقة في مسيرة العمل المناخي، مع إطلاق دولة الإمارات صندوق «ألتيرّا» للاستثمار المناخي، وهو أداة تحفيزية خاصة لتمويل استثمارات العمل المناخي بقيمة 30 مليار دولار، ويسعى إلى جمع وتحفيز 250 مليار دولار إضافية لدعم العمل المناخي العالمي.
إلى جانب إطلاق «المُسرِّع العالمي لخفض الانبعاثات»، وهو مجموعة من المبادرات الهادفة عبر القطاعين العام والخاص لتحفيز تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، ويشمل، إقرار التعهد العالمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، الذي يستهدف زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات إلى ما لا يقل عن 11 ألف جيجاواط، ومضاعفة المعدل السنوي لزيادة كفاءة الطاقة ليصل إلى أكثر من 4% بحلول 2030، ودعمته 130 دولة. وحفلت قائمة الإنجازات كذلك بالتوقيع على ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز، الذي يُلزم المُوقّعين عليه بإزالة انبعاثات غاز الميثان ووقف عمليات حرق الغاز بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 أو قبله، وانضم إليه حتى الآن 52 شركة تُمثِّل أكثر من 40% من شركات إنتاج النفط العالمي، بالإضافة إلى إطلاق تحالف «الشراكات متعددة المستويات عالية الطموح» للمساهمة لدعم إدماج القادة المحليين في عمليات صنع القرارات المعنية بالعمل المناخي، ودعمته 67 دولة

إطار عالمي للتمويل المناخي
بدأ المؤتمر في يومه الأول بالكشف عن «إعلان الإمارات بشأن الإطار العالمي للتمويل المناخي» في سياق استجابة المؤتمر لنتائج الحصيلة العالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف باريس، والذي رسم خريطة طريق لتوفير مزيد من التمويل بشروط ميسَّرة وتكلفة مناسبة.

صندوق عالمي للمناخ
تبع ذلك الإعلان عن التوصل إلى اتفاق تاريخي لتفعيل صندوق عالمي يختص بالمناخ وتلبية احتياجات الدول النامية المعرضة للآثار السلبية لتغير المناخ، والذي شكل انتصاراً تاريخياً لصالح الدول الفقيرة في صندوق «الخسائر والأضرار»، حيث مهدت دولة الإمارات من خلاله الطريق لتعهدات الدول بإعلان التزامها بمبلغ 100 مليون دولار أميركي للصندوق، أعقبها مباشرة إعلان العديد الدول عن تعهدات سخية، مثل ألمانيا وبريطانيا إيطاليا تتعهد بـ100 مليون يورو لصندوق الخسائر والأضرار، ليصل إجمالي التعهدات حتى الآن إلى ما يقارب 900 مليون دولار. ويعتبر توافق العالم على تفعيل الصندوق بعد عام واحد من اتفاق الأطراف على إنشائه في شرم الشيخ هو تقدم غير مسبوق. وشهد اليوم الأول خلال القمة العالمية للعمل المناخي تعهد دولة الإمارات بتقديم 735 مليون درهم (200 مليون دولار) إضافية من حقوق السحب الخاصة إلى «الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة» التابع لصندوق النقد الدولي بهدف تعزيز المرونة المناخية في البلدان النامية، بالإضافة إلى تعهدها خلال العام الجاري بتقديم 16.5 مليار درهم (4.5 مليار دولار) لتعزيز مشروعات الطاقة النظيفة في أفريقيا.

صندوق «ألتيرّا»
وجاء الإعلان عن إطلاق صندوق «ألتيرا»، وهو أكبر صندوق للاستثمار المناخي برأسمال تحفيزي قيمته 30 مليار دولار خلال COP28، في اليوم الأول لقمة العمل المناخي، بحضور قادة وزعماء العالم، ليرسم لحظة فارقة في الجهود العالمية لتوفير التمويل المناخي، وبداية لتدشين رحلة العالم لبناء اقتصاد مناخي جديد. ويجسد الصندوق الذي لاقى إطلاقه أصداء عالمية واسعة وترحيب دولي كبير خاصة من قبل المؤسسات الدولية والصناديق الاستثمارية الكبرى، حرص قيادة الإمارات على تعزيز التمويل المناخي، وتشجيع القطاعين الحكومي والخاص والمؤسسات والمنظمات الدولية والإقليمية على توفيره للدول والمجتمعات الأشد احتياجاً، وتأمين الاستثمارات اللازمة لمواجهة تداعيات تغير المناخ بالتزامن مع تحقيق التنمية المستدامة والمنصفة للجميع.
ويسعى صندوق «ألتيرّا» إلى حشد وتحفيز (250 مليار دولار) من الاستثمارات عالمياً بحلول عام 2030، ليصبح أكبر صندوق استثماري خاص يركز على حلول مواجهة تغير المناخ على مستوى العالم. 

تحول قطاع الطاقة
وفي اليوم الثاني من خلال القمة العالمية للعمل المناخي، واصلت رئاسة COP28 إطلاق مبادرات رائدة عدة لتحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، شملت إطلاق «المُسرّع العالمي لخفض الانبعاثات» وهو مجموعة من المبادرات الهادفة لتحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، وخفض الانبعاثات العالمية بشكل ملموس.  ويركز هذا المُسرّع على ثلاثة محاور رئيسية، هي شملت تسريع بناء منظومة الطاقة المستقبلية وتوسيع نطاق الاعتماد عليها، وخفض انبعاثات منظومة الطاقة الحالية بشكل متزامن ودعم جهود التخفيف بشكل عاجل من خلال خفض انبعاثات غاز الميثان وغازات الدفيئة غير ثاني أكسيد الكربون.

تسريع منظومة الطاقة النظيفة 
ووقعّت أكثر من 116 دولةً على تعهد الإمارات بشأن الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، والتزمت بالعمل على زيادة القدرة الإنتاجية العالمية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة سنوياً من 2% إلى أكثر من 4% بحلول عام 2030.
ووفقت 27 دولة، من خلال انضمامها إلى إعلان الإمارات للهيدروجين، على اعتماد معيار عالمي لإصدار الشهادات والاعتراف بخطط إصدار الشهادات الحالية لإنتاج الهيدروجين، مما يسهم في تعزيز فرص التجارة العالمية المتعلقة بالهيدروجين منخفض الانبعاثات.

خفض انبعاثات منظومة الطاقة 
وقعت 52 شركة تمثل أكثر من 40% من إنتاج النفط العالمي على «ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز»، وذلك في إطار «المسرع العالمي لخفض الانبعاثات»، حيث تلتزم هذه الدولة بالوصول إلى صافي انبعاثات صفري من غاز الميثان ووقف حرق الغاز بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، كما التزمت أكثر من 29 شركة نفط وطنية بالميثاق، وهو أكبر عدد على الإطلاق من شركات النفط الوطنية التي وقعت على تعهد بالحد من الانبعاثات، ويُعد ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز خطوة مهمة في مسار تعزيز الإجراءات التي تتماشى مع أهداف اتفاق باريس.

أسواق الكربون 
وفي اليوم الرابع من المؤتمر انضم قادة الأعمال التجارية والخيرية إلى قادة بنوك التنمية متعددة الأطراف وصنّاع السياسات من الاقتصادات الناشئة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ COP28 للإعلان عن مجموعة مبادرات هادفة إلى تسخير موارد الأعمال التجارية والخيرية للعمل المناخي، حيث تضمن اليوم الثاني من منتدى COP28 للأعمال التجارية والخيرية إعلانات رئيسية حول الحفاظ على الطبيعة، وتحقيق انتقال مُنظم ومسؤول وعادل في قطاع الطاقة إلى جانب إطلاق مسرّع خفض غاز الميثان ومبادرة لخفض انبعاثات الكربون من سلاسل التوريد الصحية.

مضاعفة قدرات الطاقة النووية 
وفي تجمع غير مسبوق، أعلن قادة من جميع أنحاء العالم التزامهم بمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة النووية العالمية ثلاث مرات بحلول عام 2050 وذلك لتحقيق الحياد المناخي، حيث تم إطلاق «إعلان مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050» من قبل رؤساء تسع دول، مع تأييد 21 دولة لهذا الإعلان.

التجارة العالمية 
وشهد «كوب 28» للمرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف إدراج موضوع التجارة العالمية إلى المناقشات رفيعة المستوى في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
وشهد «يوم التجارة» تنظيم العديد من الفعاليات حول مواضيع مهمة تتعلق بدور التجارة في العمل المناخي والاستدامة وذلك ضمن ست جلسات حوارية، حيث جاءت الجلسة الأولى، وهي بعنوان «الحلول التجارية للعمل المناخي العالمي»، 
وقالت الدكتورة ناجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة للمنظمة، إن تخصيص «كوب 28» يوماً للتجارة لأول مرة في مؤتمرات الأطراف، يمثل خطوة غير مسبوقة لانخراط مجتمع التجارة الدولي في النقاشات رفيعة المستوى المرتبطة بالتغير المناخي، بعد سنوات طويلة من غيابها على هذا الملف المهم.