حوار: طه حسيب


رصيد كبير من الإنجاز الأكاديمي والمناصب القيادية تحظى به معالي هان هوا جين، وزيرة البيئة في جمهورية كوريا، كونها حائزة درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والماجستير في الكيمياء من الجامعة الكورية، وهي عضو سابق في الأكاديمية الوطنية للهندسة في كوريا. «الاتحاد»، حاورت هان جين، لاستطلاع رؤيتها تجاه «كوب28» والتعرف على التجربة الكورية في العمل المناخي. 
*يعقد المشاركون في مؤتمر الأطراف الموقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي «كوب28» توقعات كبيرة لتحقيق نتائج ملموسة والتزامات قوية لتنفيذ اتفاق باريس. ما توقعات كوريا من هذا الحدث العالمي؟
** هان هوا جين: بداية، أتقدم بالتهاني القلبية لدولة الإمارات العربية المتحدة ولرئاسة «كوب28» على الاستضافة الناجحة للمؤتمر تحت القيادة القديرة. وأود أيضاً أن أعرب عن خالص امتناني لكرم الضيافة الذي حظينا به.
وأضافت وزيرة البيئة الكورية أن بداية «كوب28» تميزت باعتماد قرار بشأن الخسائر والأضرار والذي كان البند الأكثر تحدياً في جدول الأعمال. هذا الإنجاز يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق نتائج جوهرية وقوية. آمل أن تعتمد نتائج التقييم العالمي الأول (GST) على هذا الزخم الذي يساعدنا على اتخاذ خطوة هادفة نحو أهداف اتفاق باريس للمناخ.
يُعد تحول الطاقة أمراً أساسياً لتحقيق أهداف اتفاق باريس. تعتزم كوريا الانتقال إلى مجتمع محايد للكربون من خلال الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى مصادر الطاقة عالية الكفاءة، بما في ذلك الطاقة النووية والهيدروجين. ولتحقيق هذه الغاية، اقترحنا «التحالف الخالي من الكربون (CFA)» وأيدنا التعهد العالمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة كعضو مسؤول في المجتمع الدولي.
وقالت هان هوا جين: جذبت رئاسة «كوب28» الاهتمام العالمي بقضايا متنوعة، تشمل التكيف مع المناخ والصحة والأمن الغذائي والتنوع البيولوجي، وبالتالي تعزيز التعاون المكثف. أعتقد أن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين سيسهل المزيد من التعاون والإنجازات بين القطاعات. وستلعب كوريا دورها في اتخاذ قرارات قوية وإنجاح مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين.
* هل يمكن تسليط الضوء على إنجازات كوريا في معالجة تغير المناخ؟
** وزيرة البيئة الكورية: من الصعب على كوريا أن تُخفض بسرعة انبعاثات غازات الدفيئة؛ لأن الوقود الأحفوري والتصنيع يشكلان غالبية مزيج الطاقة في كوريا وهيكلها الصناعي على التوالي. ومع ذلك، فإننا نواصل بذل الجهود، بما في ذلك إدخال النظام الكوري لتداول الانبعاثات (ETS) في عام 2015، مما أدى إلى وصول انبعاثات غازات الدفيئة إلى ذروتها في عام 2018 والانخفاض المستمر منذ ذلك الحين.
وحددت الحكومة هدفاً يتمثل في خفض الانبعاثات بنسبة 40% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2018 لتسريع عملية تخفيف غازات الدفيئة، وأعلنت الخطة الوطنية لتحييد الكربون والنمو الأخضر في أبريل 2023 لتحقيق هذا الهدف. وباعتبارها أعلى خطة شاملة لتحقيق الحياد الكربوني والنمو الأخضر بشكل فعال في جميع مجالات المجتمع، فإنها تتضمن أهدافاً قطاعية وسنوية ممكنة لخفض الانبعاثات، بالإضافة إلى تدابير خفض قائمة على العلم لتحقيق الأهداف.
وحسب وزيرة البيئة الكورية: تهدف الخطة إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وتعزيز انتقال الطاقة من خلال الاستخدام المتناغم للطاقة النووية والطاقة المتجددة، ونشر تقنيات مبتكرة للحد من الانبعاثات في القطاع الصناعي، والانتقال إلى نظام نقل يتمحور حول المركبات الكهربائية والهيدروجينية، وتسهيل الاقتصاد الدائري من خلال الاستخدام النشط للنفايات، والاستفادة من احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)، وتنفيذ مشاريع التخفيف في الخارج.
تعرض الخطة أيضاً مهام سياسية أخرى تغطي مجموعة واسعة من المجالات ذات الصلة بتحقيق الحياد الكربوني والنمو الأخضر، مثل تعزيز التكيف مع المناخ، وتعزيز التعاون بين الحكومات المركزية والمحلية، وتحفيز المشاركة العامة في الحملات البيئية الوطنية.
وستشجع الحكومة المشاركة العامة في تنفيذ الخطة، وستقوم بمراقبة ومراجعة العملية من كثب لضمان فعاليتها ونتائجها الملموسة.
وتركز كوريا بشدة على التكيف مع المناخ، وتدرك أهميته في وقت مبكر. منذ عام 2011، قمنا بصياغة خطط التكيف الوطنية على أساس خمس سنوات؛ بهدف تعزيز القدرات الوطنية للاستجابة لتغير المناخ. وبموجب الخطة، تم أو يجري اتخاذ الإجراءات السياسية التالية:

أولاً، فيما يتعلق بإدارة المياه، تم تعزيز البنية التحتية للوقاية من الكوارث من أجل الاستجابة الفعالة للأمطار الغزيرة المتكررة والمكثفة. واستناداً إلى نظام الإنذار المبكر المتقدم في كوريا، يتم الآن إصدار التوقعات قبل ست ساعات، وهو تحسن مقارنة بالإطار الزمني السابق البالغ ثلاث ساعات. تم إنشاء نظام للتنبؤ بالفيضانات، والذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، في 75 موقعاً على مستوى الدولة اعتباراً من عام 2022. وتمت زيادة فترة تصميم أنظمة الصرف الصحي من 30 إلى 50 عاماً.
ثانياً، نعمل على تطوير أصناف جديدة من المحاصيل تتناسب مع المناخ المتغير، وتعزيز أساس الإنتاج الزراعي. وتعمل الحكومة بنشاط على بناء البنية التحتية للإنتاج الزراعي والحيواني القائمة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. اعتباراً من عام 2022، تم تشغيل 7076 هكتارات من المزارع الذكية و6002 مزرعة حيوانية ذكية. ولتقليل الأضرار التي تلحق بالمحاصيل بسبب المناخ، تم استنباط 318 صنفاً جديداً مقاوماً للآفات والأمراض.
ثالثاً، نعمل على توسيع مرافق تخفيف الحرارة لحماية السكان المعرضين للخطر. ويوجد حالياً 53 411 ملجأً للإغاثة من الحرارة قيد التشغيل، مع تركيب مظلات إضافية.
وأخيراً، تم إنشاء الأسس القانونية والمؤسسية لتسريع تعميم التكيف مع المناخ في المجتمع.
* تتشابه الإمارات وكوريا في تنويع مصادر الطاقة. ما قصة نجاح كوريا في التحول الأخضر في الصناعة والنقل والزراعة؟
** هان هوا جين: يمثل التصنيع في كوريا حصة كبيرة من إطارها الصناعي الذي يستخدم الطاقة بكثافة، مما يجعل التحول الفوري إلى بنية صناعية منخفضة الكربون أمراً صعباً. وأضافت: إدراكاً لهذا التحدي، أضافت وزيرة البيئة: أطلقنا النظام الكوري لتجارة الانبعاثات (Korean-ETS) في عام 2015، ليصبح الأول في شرق آسيا. ويهدف هذا النظام إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وخاصة الناتجة عن الصناعات كثيفة الكربون، بطريقة فعالة من حيث التكلفة. قالت: في الوقت نفسه، نقدم حزمة دعم شاملة تشمل الدعم المالي، والإعفاءات الضريبية، والبنية التحتية، ومساعدة القوى العاملة. وتهدف هذه الحزمة إلى تحفيز الاستثمارات الطوعية من القطاع الخاص.
وفيما يتعلق بالزراعة - والحديث متواصل مع وزيرة البيئة الكوري - يتم تطوير ونشر مختلف أساليب الزراعة منخفضة الكربون بشكل مستمر. وعلى وجه التحديد، قمنا بتوفير حلول الزراعة الذكية وتربية الماشية الذكية المدعومة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي من أجل الاستخدام الفعال للطاقة. وفي عام 2022، تم بناء ثمانية منشآت لتوليد الغاز الحيوي من روث الماشية. وعلى نحو مماثل، تلاحق كوريا نهجاً ذا مسارين يشمل خفض الغازات الدفيئة ونشر مصادر الطاقة المتجددة.
أما بالنسبة لوسائل النقل، فتؤكد هان هوا جين أن الحكومة تمضي قدماً نحو «الانتقال إلى المركبات ذات الانبعاثات الصفرية»، واستبدال محركات الاحتراق الداخلي الحالية بالمركبات الكهربائية (EVs) والمركبات الكهربائية الهيدروجينية (HEVs)، مع تقديم برامج حوافز متنوعة ولوائح مناسبة.
أولاً، يوجد حالياً 553000 مركبة كهربائية و34000 مركبة هجينة على الطرق. وسجلت السيارات الكهربائية الهجينة الكورية في السوق العالمية حصة قدرها 51.3%، وهي الأعلى في العالم.
ثانيا، تقول وزيرة البيئة الكورية الجنوبية: بهدف تأمين بنية تحتية للشحن السريع والملائم كمفتاح لاختراق المركبات الكهربائية والهجينة الكهربائية، قمنا بتركيب 286000 شاحن للمركبات الكهربائية و274 محطة شحن للمركبات الكهربائية الهجينة حتى الآن.
وأخيراً، اعتمدنا تدابير، مثل القيود المفروضة على قيادة مركبات الاحتراق الداخلي في مراكز المدن، ومعايير أكثر صرامة للانبعاثات، وحوافز للتخلي المبكر عن المركبات القديمة.
وأضافت: تهدف الأهداف الوطنية الكورية للنقل إلى تقليل انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن قطاع النقل بنسبة 37.8%، أو 610.000 طن، بحلول عام 2030، مقارنة بالمستوى المسجل في عام 2018. وتخطط الحكومة لنشر 450.000 مركبة كهربائية ومركبة كهربائية هجينة وغيرها من المركبات عديمة الانبعاثات، بالإضافة إلى تركيب 1.23 مليون شاحن للسيارات الكهربائية و660 محطة شحن للسيارات الكهربائية الهجينة.

التكيف مع المناخ
*ما الأولويات التي تعتبر حاسمة في جدول أعمال المناخ العالمي؟
** هان هوا جين: تتزايد أهمية التكيف مع المناخ بشكل متزايد، وخاصة في ضوء التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والذي حذر من أن الانحباس الحراري العالمي سوف يصل إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2040. ومع ذلك، فإن المناقشة حول التكيف كانت تحرز تقدماً بطيئاً مقارنة بالتخفيف، ويرجع ذلك جزئياً إلى تحديات تعريفه وقياس مدى تقدمه.
ولذلك، أعتقد أنه ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام للتكيف في «COP28». وفي هذا العام، سيشهد العالم اختتام برنامج عمل جلاسكو - شرم الشيخ ومدته عامين وإنشاء إطار للهدف العالمي للتكيف.
ونظراً لتجربتنا في صياغة خطط التكيف الوطنية أربع مرات، أعتقد أن تكرار دورات السياسات من الممكن أن يكون وسيلة فعالة لتعزيز القدرة على التكيف ومعالجة نقاط الضعف. وبموجب الإطار الذي اتفقت عليه الأطراف، ستتمكن كل دولة من تكرار وتحسين دورة سياسات التكيف الخاصة بها، وآمل أن يتمكن المجتمع العالمي من توحيد قواه لتسريع التقدم في التكيف مع المناخ.
*هل لدى كوريا الجنوبية برامج للمساعدة في مجال الطاقة المتجددة؟
** هان هوا جين: كجزء من جهودها للوصول إلى الحياد الكربوني وبناء البنية التحتية للتحول الأخضر، تعمل كوريا على زيادة مساعدتها الإنمائية الرسمية الخضراء (ODA) بشكل كبير، واستخدام الأساليب التعاونية بموجب المادة السادسة من اتفاقية باريس، ودعم التوسع الخارجي للشركات الكورية.
وأضافت وزيرة البيئة الكورية الجنوبية: في مصادر الطاقة المتجددة، تدعم وزارة البيئة مشروعين صغيرين للطاقة الكهرومائية، كل منهما مصمم لتوليد 2 ميجاوات، بالقرب من نهر تشو في قيرغيزستان، وذلك منذ عام 2022. ومن المتوقع أن تصدر نتائج التخفيف من المشروعين اعتباراً من عام 2026، والتي سيتم استخدامها بعد ذلك في المساهمات المحددة وطنياً لكلا البلدين.
وهناك مشروع آخر جدير بالملاحظة يتضمن بناء محطة لتنقية المياه صافية صفر في العاصمة الجديدة لإندونيسيا، نوسانتارا. وتتمثل الخطة في تركيب الألواح الشمسية داخل المصنع للتخفيف الفعال من الكربون.
لقد أنشأنا قناة للتعاون الثنائي، حيث نقدم الدعم المالي لدراسات الجدوى والقروض. ومن الأمثلة على ذلك ترخيص مشروع تطوير الهيدروجين الأخضر الذي حصلت عليه شركة كورية من عُمان في أغسطس الماضي. نحن ننظر إلى الهيدروجين الأخضر باعتباره مصدراً أساسياً للطاقة النظيفة في المستقبل لدولة موجهة نحو التصنيع، مثل كوريا. ولذلك، فإن تعزيز التعاون الثنائي من أجل التحول الأخضر أمر بالغ الأهمية.
لقد التزمنا بالمساهمة في زيادة القدرة العالمية للطاقة المتجدد بتأييد التعهد العالمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة بقيادة رئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين.  وستعمل الوزارة على توسيع نطاق مشاريعها محلياً، لتشمل نشر المركبات الكهربائية والهيدروجينية، مع دعم النشر العالمي لمصادر الطاقة المتجددة. وتهدف كل هذه المبادرات إلى تسهيل التحول الأخضر العالمي.
* كيف تنظرون إلى التعليم الأساسي كعامل مهم في بناء الوعي؟
**هان هوا جين: تسعى كوريا جاهدة إلى تعزيز قدرات الاستجابة لتغير المناخ لدى الأجيال القادمة. على سبيل المثال، قمنا بوضع خطط تعليمية مفصلة حول تغير المناخ مصممة خصيصاً لمراحل تعليمية مختلفة. لقد قمنا بإدراج المحتوى البيئي في مناهج المدارس الابتدائية والثانوية منذ مارس 2023 وقمنا بتطوير مجموعة واسعة من برامج التدريب البيئي التي تركز على القضايا الرئيسية المتعلقة بالمناخ.
واستنتجت هان هوا جين: سعياً لأن يكون مؤتمر الأطراف الأكثر شمولاً، قامت رئاسة «كوب 28» بدعوة الشباب والأطفال والمعلمين إلى إعلاء أصواتهم وتعزيز أدوارهم. وتماشيا مع هذا الالتزام، تخطط كوريا لمواصلة تحسين نظامها التعليمي، بحيث تتمكن الأجيال القادمة، ذات القدرات المعززة، من المشاركة بنشاط في المناقشات المناخية والتأثير عليها.