أحمد عاطف (القاهرة)
علاقة وثيقة بين التغيرات المناخية وتفشي الإرهاب والصراعات العسكرية والنزاعات تؤكدها تقارير أممية ودراسات بحثية، فيما أضحت المخاطر الأمنية المرتبطة بالمناخ تشكل جزءاً من الواقع لملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، ودون اتخاذ إجراءات حاسمة، فستتفاقم التهديدات الناجمة عن تغير المناخ على السلم والأمن. 
وتنبهت الإمارات لخطورة العلاقة بين تغير المناخ والتهديدات التي تواجه السلم والأمن الدوليين، وكانت من أولى الدول السباقة في بحث الأزمة خلال توليها رئاسة مجلس الأمن في 13 يونيو 2023، وبُحِثَت الكيفية التي يؤثر بها تغير المناخ على قدرة بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام والبعثات السياسية الخاصة على تنفيذ ولاياتها، من الوصول الأساسي إلى السكان المعرضين للخطر وحمايتهم، إلى إدارة التوترات ودعم عمليات السلام واستدامته، لا سيما في ظل وجود نحو 3.5 مليار شخص يعيشون في مناطق تعاني بشدة تداعيات تغير المناخ، وفق تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وتطرقت المباحثات إلى أن تغير المناخ في عدد من الدول المضيفة لبعثات حفظ السلام مثل جمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والسودان، وجنوب السودان، وأفغانستان، والصومال، ومالي، وهايتي، واليمن، يؤدي إلى تضاؤل الموارد الطبيعية، ويؤثر في التماسك الاجتماعي، ويؤدي إلى الصراع، مثلما جرى على مدار السنوات القليلة الماضية من تغيرات طرأت على طرق التنقل الرعوي؛ بسبب التغيرات في أنماط الطقس الموسمية، وأدت إلى تفاقم التوتر والصراع بين رعاة الماشية والمزارعين.
كما تُطُرِّق إلى أولويات العمل في بعثات الأمم المتحدة الميدانية، والتي شملت «الاستثمار في قدرة عمليات السلام الأممية على توقع ومعالجة الروابط بين تغير المناخ والسلام والأمن»، وتعزيز المنافع المتبادلة للعمل المناخي وعمل الأمم المتحدة من أجل السلام والأمن، وتقليل البصمة البيئية، بما في ذلك من خلال التحولات المحسنة إلى كفاءة الطاقة والاعتماد بشكل أكبر على الطاقة المتجددة. 
من جانبه، أوضح العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل بجامعة الفيوم، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والمجلس العربي الدكتور عدلي سعداوي، أن التغيرات المناخية لها تأثير كبير على الأمن والسلم العالمي من خلال العديد من المظاهر، على رأسها الهجرة في النموذج الأفريقي الصارخ بسبب الجفاف والتصحر نتيجة انخفاض معدل الأمطار، الأمر الذي يؤدي إلى هجرة داخلية وخارجية تسفر عن نزاعات محلية وحدودية كبيرة.
وقال سعداوي لـ «الاتحاد» إن 20 مليون مهاجر أفريقي تضرروا بسبب التغيرات المناخية، وهو ما صعّد أزمة الهجرة غير الشرعية لأوروبا عبر البحر المتوسط، الأمر الذي يؤدي إلى التغيير السكاني الذي بالتأكيد ينتج عنه الإرهاب والتنازع والحروب.
ووفقاً لمؤشر المخاطر المُناخية العالمية، جاءت 8 دول من أصل 10 دول وهي موزمبيق، زيمبابوي، البهاما، اليابان، مالاوي، أفغانستان، الهند، جنوب السودان، النيجر، بوليفيا، الأكثر تأثراً بالظواهر المُناخية المتطرفة في العام 2019 من الدول المنتمية لفئة الدخل المنخفض إلى المتوسط الأدنى، ونصفها يقع في فئة الدول الأقل نمواً، حيث تؤدي التغيرات المناخية إلى تفاقم النزاعات والصراعات، وزيادة الهجرة والنزوح، وتهديد الأمن الغذائي والمائي.

الوساطة
وتعتبر الوساطة في النزاعات المسلحة مثالاً عملياً للتعامل الأممي مع علاقة التغيرات المناخية بالأمن والسلم الدوليين، وكانت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى الصومال، عملاً بالولاية التي أوكلها إليها مجلس الأمن، أول بعثة ميدانية تابعة للأمم المتحدة تنشر قدرات متفرغة معنية بالأمن المناخي بهدف تقييم المخاطر الأمنية المتصلة بالمناخ، ووضع استراتيجيات مناسبة لإدارة المخاطر، وإطلاع مجلس الأمن على النتائج التي تتوصل إليها. 
ويأتي بروتوكول «كيتو»، ضمن الاتفاقات التي تماست مع علاقة «التغيرات المناخية بالأمن والسلم والدوليين»، وهو البروتوكول الذي يقوم على أساس اتفاقية قمة الأرض التي انعقدت في ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992، وكان المجتمع الدولي أجمع في تلك الاتفاقية على الحد من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة لكي تتيح بذلك للنظام البيئي التكيف، وبشكل طبيعي، مع التغيرات التي تطرأ على المناخ، وتضمن عدم تعرض إنتاج الأغذية للخطر.
وأشارت دراسة بحثية لجامعة «ستانفورد»، إلى مدى تأثير تغير المناخ على مخاطر الصراع المسلح، مشيرة إلى أن الجفاف والفيضانات والكوارث الطبيعية والتحوّلات المناخية الأخرى قد أثرت في ما يتراوح بين 3% و20% من الصراعات على مدى القرن الماضي، ولفتت الدراسة إلى أنه قد تؤدي أيضاً الحرب وتأثيرها السلبي على البيئة والمناخ إلى تزايد موجات الهجرة والنزوح.
السفير علي الحفني، النائب السابق لوزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، يحذر أيضاً من خطر تصاعد التوترات بين الدول المسؤولة عن التغيرات المناخية، وتلك الأكثر تضرراً منها، في ظل عدم تحمل دول كثيرة لمسؤولياتها.
في حديثه لصحيفة «الاتحاد»، أشار الحفني إلى أهمية اتفاق دول العالم على تأسيس صندوق تعويض للخسائر والأضرار التي تعانيها الدول النامية، التي تسهم بنسبة ضئيلة في الانبعاثات مقارنة بالدول الصناعية، مؤكداً أنه لا يمكن الاستمرار في التنقل بين القمم المناخية دون تحقيق حلول جذرية، وحذر من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى أزمة كبيرة في العلاقات بين دول الشمال والجنوب، مع تزايد المعاناة سنوياً.

كفاح يومي
وفي شهادتها خلال مداولات مجلس الأمن في يوليو 2018، كشفت الناشطة التشادية هندو إبراهيم، عن الكفاح اليومي الذي تخوضه المجتمعات الرعوية بالمنطقة للبقاء على قيد الحياة في مواجهة تغير المناخ الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين، مشيرة إلى أنه عندما تشح موارد المياه والغذاء، يتنازع السكان، وقد تتطور هذه النزاعات من المستوى المحلي إلى الإقليمي، وعندما يعجز رب الأسرة عن إطعام أبنائه، بسبب نضوب الموارد الطبيعية، يصبح عرضة للانضمام إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفة، معتبرة أن تقلص حجم بحيرة تشاد بنسبة 90% خلال العقود الماضية لأسباب منها تغير المناخ والاستخدام غير المستدام قد مثّل بيئة جاذبة للمجموعات الإرهابية.
وشدد خبراء ومراقبون أن الدور المنوط بقوى السلام والأمن في معالجة تأثيرات التغير المناخي، يأتي في سياق لعبها لدور مهم في تعزيز التعاون الدولي لمعالجة التغير المناخي، من خلال دعم المفاوضات الدولية بشأن تغير المناخ، وتقديم المساعدة التقنية والمالية للدول النامية، وبناء السلام والأمن في المناطق المتضررة من التغير المناخي، ومنع النزاعات والصراعات، ومعالجة الأسباب الجذرية لها، بالإضافة إلى دعم المجتمعات في التكيف مع آثار التغير المناخي.
«النقد الدولي»: تفاقم النزاعات في الدول الهشة 
أفاد صندوق النقد الدولي في تقرير له، بأن تغير المناخ يهدد بتفاقم النزاعات في الدول الهشة في جميع أنحاء العالم وبزيادة الوفيات، وأن الصدمات المناخية وحدها قد لا تؤدي إلى اضطرابات جديدة، إلا أنها «تؤدي إلى تفاقم النزاعات بشكل كبير، وهو ما يؤدي بدوره إلى تفاقم عوامل الهشاشة»، مثل الجوع والفقر والنزوح.
وتوقّع التقرير أنه بحلول عام 2060، قد تزيد الوفيات الناجمة عن النزاعات بنسبة 8.5 في المئة، وبنسبة تصل إلى 14 في المئة في تلك الدول التي تواجه ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة، محذراً من أن أكثر من 50 مليون شخص في هذه البلدان قد يقعون فريسة الجوع بسبب انخفاض إنتاج الغذاء وارتفاع الأسعار.

تقارير أممية: الأمن المناخي امتداد للبيئي  
يستعد المشاركون في COP28 إلى تبني سياسات مبتكرة، والتفاوض على اتفاقيات دولية لمواجهة هذه التحديات، وتحقيق أهداف مستدامة فيما يتعلق بالمناخ والسلم والأمن، على غرار مساعي «إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام» في الأمم المتحدة للترويج لنهج تجمع بين جهود بناء السلام والقدرة على الصمود والتكيف، والاستثمار من خلال صندوق بناء السلام في عدد متزايد من مشاريع بناء السلام المراعية للمناخ في مختلف أنحاء العالم، وتعزيز الشراكات مع المنظمات الإقليمية والحكومات والمجتمع المدني والأوساط البحثية من أجل الاستفادة من القدرات القائمة، ودعم الحلول المحلية، وتعزيز قاعدة الأدلة العالمية بشأن المخاطر الأمنية المتصلة بالمناخ.
وتذكر الدراسات والتقارير الأممية أن الأمن المناخي يأتي امتداداً للأمن البيئي، ولذلك بات يُنظر إلى العلاقة بين القضايا الأمنية وتغير المناخ باعتبارها علاقة تأثير متبادل، في ظل الاهتمام البالغ بالدبلوماسية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية، وكذلك أجهزة الأمم المتحدة، مثل مجلس الأمن الدولي، لتغير المناخ وتداعياته المباشرة وغير المباشرة على أمن الدول والشعوب، بل أُسِّسَت أطر مؤسسية وآليات عمل أممية تختص بتلك الأزمة الأمنية المرتبطة بتغير المناخ مثلما هو الحال لآلية الأمن المناخي التي أطلقت العام 2018 بالتشارك بين إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتستهدف مد يد العون للمنظومة الأممية للتمكن من التصدي للمخاطر الأمنية المرتبطة بتغير المناخ.

أزمات إنسانية وأمنية
قدمت الإمارات عدداً من المبادرات لتسليط الضوء على العلاقة بين المناخ والأمن خلال استضافتها مؤتمر المناخ COP28، أبرزها تخصيص يوم «الإغاثة والتعافي والسلام» وهو الأول من نوعه لتسليط الضوء على التقاطع بين تغير المناخ والسلام والأمن - واقتراح حلول عملية لمنع ومعالجة العبء المناخي على الاستقرار، كما تروج لأجندة طموح استجابة للنقص الحاد في التمويل المناخي الذي يمكن الوصول إليه، لا سيما بالنسبة للبلدان والمجتمعات التي تعاني أزمات إنسانية وأمنية.