حسونة الطيب (أبوظبي)

منذ أن اخترع الأخوان ويلبر وأورفيلد، أول طائرة في عام 1903، ظل عنصر واحد عصياً على التغيير. وبصرف النظر عن التطوير الذي اعترى عمليات التصميم والمحركات، تتقاسم الطائرات الحديثة كافة شيئاً واحداً، وهو الاعتماد على الوقود الأحفوري للتحليق في الفضاءات الفسيحة.
وكما هو الحال في قطاع المركبات، حيث تقود السيارات الكهربائية ثورة في عالم القيادة، تعكف مجموعة من المؤسسات الناشئة على كهربة قطاع الطيران. 
ومن بين هذه المؤسسات، بيتا تكنولوجيز (Beta Technologies)، من مقرها بمدينة فيرمونت بولاية فلوريدا، التي شرعت في أكتوبر الماضي في تجربة طائرة تعمل ببطارية كهرباء، قادرة على الإقلاع والهبوط عمودياً. وتمكنت الطائرة من قطع 1.73 ألف ميل (2.78 ألف كيلو متر)، في أول عملية تسليم للقوات الجوية الأميركية، بحسب خدمة واشنطن بوست.
وفي سبتمبر الماضي، قامت شركة جوبي للطيران (Joby Aviation)، التي تتخذ من مدينة سانت كروز بولاية كاليفورنيا مقراً لها، بتسليم واحدة من طائراتها التي تعمل كلياً بالكهرباء، حمولة 4 ركاب، لقاعدة إدواردز الجوية. 
كما قامت شركة أفييشن أيركرافت Eviation) Aircraft)، من مدينة أرلينجتون بولاية واشنطن، بتجربة طائرة كهربائية حمولة 9 ركاب أطلقت عليها اسم ألايس. وفي غضون ذلك، تلقت الشركة 300 طلب على هذه الطائرة بقيمة تتجاوز 2 مليار دولار.
وفي الوقت الذي يواجه فيه قطاع الطيران ضغوطاً لاتخاذ خطوات تحد من استهلاك الوقود الأحفوري، تستمر البدائل الكهربائية في الازدياد، حيث تنخرط نحو 60 شركة في الوقت الحالي في عمليات بحوث وتطوير بخصوص الطائرات التي تعمل بالكهرباء. ويجري العمل الآن، في نحو 100 برنامج لتطوير قطاع الطيران بالكهرباء حول العالم. 
لكن لا يخلو القطاع من العقبات التي تعترض طريق انتشار التحول للعمل بالكهرباء، بما في ذلك المسافة التي يمكن أن تقطعها الطائرة بالاعتماد على البطارية الكهربائية، فضلاً عن السعر والموافقات التنظيمية. وفي حين بدأ المنظمون، في إعطاء الضوء الأخضر، وافقت أكثر من 30 دولة على طائرة حمولة شخصين من مؤسسة بيبيستريل (Pipistrel) من سلوفينيا لاستخدامها في تدريب الطيارين، بينما تظل معظم المشاريع الأخرى في طور التجربة.
وبحسب الوكالة الدولية للطاقة، يعتبر قطاع الطيران العالمي، مسؤولاً عن 800 مليون طن من انبعاثات الكربون سنوياً، ما يوازي انبعاثات أرجاء ألمانيا كافة، ومن المتوقع، ارتفاع هذا المعدل في ظل الطلب المتزايد على السفر الجوي، حيث تتوقع منظمة الطيران المدني الدولي، مضاعفة هذه النسبة للرحلات الدولية وحدها في الفترة بين 2015 إلى 2050.
ولتقليص هذه الانبعاثات، يسعى القطاع لحلول تتضمن، وقود الايثانول المستخلص من الذرة ووقود الهيدروجين. لكن تواجه إمدادات وقود الطائرات النظيف، عقبات خاصة بها، ما يمهد الطريق أمام نمو قطاع الطائرات الكهربائية. 
وبالإضافة لعدد مقدر من المؤسسات الناشئة، اتجهت العديد من شركات الطيران العالمية، للاستثمار في قطاع الطيران الكهربائي مثل، يونايتد أيرلاينز وفيرجن أتلانتك والخطوط اليابانية وغيرها. كما تعهدت بعضها، بضم مثل هذه الطائرات لأساطيلها التجارية طالما أنها تلتزم بمعايير السلامة والتشغيل.
ومن المرجح، بلوغ سوق الطيران الكهربائي العالمي، نحو 37.2 مليار دولار بحلول العام 2030، أكثر من 4 أضعاف التقديرات التي كانت عليها في العام 2022، ما أغرى مؤسسات صناعية كبيرة وصغيرة الدخول في القطاع. وبدأت آيرباص، رحلة الدخول في القطاع، بإنتاج طائرة ذات 4 محركات في العام 2010، لتقوم بتطوير العديد من الموديلات بعد ذلك.
يشمل قطاع الطيران الكهربائي في الوقت الحالي، نموذجاً يعتمد كلياً على البطاريات، وآخر هجين بين الوقود والكهرباء. وتؤكد مؤسسة أمب أير (Ampaire Inc.)، العاملة في فئة الهجين من موقعها في لوس أنجلوس، أن تبني هذه الأنواع يساعد في تقليل الانبعاثات بنحو 70%. 
حددت بعض شركات الطيران الكبيرة، تواريخ لبدء رحلات على طائرات تعمل بالكهرباء، حيث أعلنت يونايتد أيرلاينز في يونيو الماضي، تسيير الرحلات المغادرة منطقة خليج سان فرانسيسكو، على متن طائرات تعمل كلياً بالكهرباء بحلول العام 2026. كما تخطط الخطوط الكندية، لتوفير طائرات كهربائية للرحلات المحلية بدءاً من العام 2028، حيث قامت بشراء 30 طائرة كهربائية من شركة هارت أيروسبيس (Heart Aerospace)، قادرة على قطع مسافة 124 ميلاً (200 كيلو متر)، بعملية شحن واحدة. 
 تركز معظم الطائرات العاملة بالكهرباء في الوقت الحالي، على الرحلات القصيرة ورحلات التاكسي الجوي بين المدن الرئيسية مثل، نيويورك وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس وبوسطن وغيرها.
وفي الوقت الذي تسعى فيه شركات الطيران، للتخلص من الوقود الأحفوري، برز مصطلح وقود الطيران المستدام (ساف)، بديلاً أخضر لوقود الطائرات التقليدي. ويمكن استخلاص هذا النوع من الوقود من الكتلة مثل، الذرة والماء وثاني أكسيد الكربون أو كوقود مُصنع باستخدام الكهرباء.
وتقول شركة طيران لوفتهانزا الألمانية، أن الوقود المستخدم لديها مكون من زيت الطعام ومخلفات بيولوجية، حيث تقل انبعاثاته الكربونية بنحو 80%، بالمقارنة مع وقود الكيروسين التقليدي.
تناشد الحكومات، كافة شركات الطيران، للتحول إلى الوقود المستدام (ساف). وبينما يطالب الاتحاد الأوروبي، باحتواء وقود الطائرات على 2% من ساف بحلول 2025، تخطط اليابان لأن يشكل 10% من وقود خطوط طيرانها المحلية بحلول العام 2030. لكن يتسم هذا الوقود، بارتفاع سعره، حيث تؤكد لوفتهانزا، أنه يزيد عن سعر الوقود التقليدي بما بين 3 إلى 5 مرات. ويشكل إنتاج ساف، 0.1% فقط من وقود الطائرات حول العالم في الوقت الحالي.