أبوظبي (الاتحاد)
تولي الإمارات أهمية كبيرة للعمل على تخفيف تداعيات المناخ على قطاع التجارة الدولية من منطلق إيمانها بأن التخفيف من آثار التغير المناخي يعتبر محفزاً للتنمية الاقتصادية المستدامة، الأمر الذي دعاها إلى اعتماد استراتيجية اقتصادية ذكية ودائرية، تتبنى أحدث ابتكارات تكنولوجيا التجارة وتشجع التدفق الشامل للتجارة، وكفاءة سلسلة التوريد.
وحجزت الإمارات لنفسها موقعاً رائداً على صعيد حركة التجارة الدولية، انطلاقاً من كونها محطة عالمية لسلاسل التوريد، نتيجة موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب، فضلاً عن امتلاكها إحدى أقوى شبكات الربط مع الموانئ البحرية واستثمارها على مدار عقود في بناء موانئ عملاقة تتيح لها تلبية متطلبات حركة التجارة العالمية، بما يكفل أعلى درجات المرونة والانسيابية في التنقل بين الدول ضمن منظومة نقل بمواصفات عالمية ومميزات احترافية. وبفضل هذه الميزات استطاعت دولة الإمارات جذب استثمارات عالمية كبيرة، وحققت بذلك سمعة مهمة على خريطة الاقتصاد الدولي.
وتمتلك دولة الإمارات تاريخاً طويلاً في تحفيز التجارة الدولية، كما تدعم الدولة العديد من اتفاقيات تيسير التدفقات التجارية، مثل اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة وممرات التجارة الافتراضية ومنصة أبوظبي المتقدمة للتجارة والخدمات اللوجستية لتسهيل التجارة، وكلها أمور تشجع وجود نظام تجاري متعدد الأطراف يمتاز بالانفتاح والعدالة.
بناء توافق دولي
جاءت استجابة دولة الإمارات للتحذير، الذي أطلقته منظمة التجارة العالمية، استباقية وفاعلة حيث أدرجت، ولأول مرة في تاريخ مؤتمرات «COP»، موضوع التجارة الدولية ضمن أجندة الموضوعات المتخصصة في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» الذي تستضيفه الدولة خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023، حيث تشارك وزارة الاقتصاد ورئاسة COP28، في قيادة لجنة التجارة خلال المؤتمر، إلى جانب أمانة منظمة التجارة العالمية، كما تضم اللجنة كلاً من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) وغرفة التجارة الدولية والمنتدى الاقتصادي العالمي ودائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، حيث ستتبلور المناقشات حول التجارة وبناء توافق دولي واضح لضمان تكامل سلاسل التوريد العالمية.
وحظيت الرؤية الاستشرافية لدولة الإمارات وريادتها في التركيز بشكل خاص على التجارة خلال قمة المناخ لهذا العام بإشادة دولية، حيث يعتبر COP28 فرصة عظيمة للارتقاء بالمناقشات حول دور التجارة الدولية في الحد من الانبعاثات وبناء المرونة المناخية في سلاسل التوريد العالمية.
إلى ذلك، تستضيف دولة الإمارات المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، حيث تلتقي الهيئة التشاورية للمنظمة - التي تجتمع مرة كل عامين - في أبوظبي في الربع الأول من عام 2024، ويأتي المؤتمر الوزاري بعد مؤتمر COP28، ما يتيح لدولة الإمارات أداء دور فعال في قيادة الحوار والعمل بشأن القضايا العالمية الملحة، كما يضع الإمارات في قلب المحادثات التي ستشكل مستقبل التجارة العالمية. وتعكس استضافة الإمارات لهذا المؤتمر مكانة الدولة بوصفها داعماً رئيسياً لحرية تدفق التجارة والاستثمار بين مختلف دول العالم. وتنسجم هذه المبادرات مع الأهداف المنشودة لحملة استدامة التي تم إطلاقها بالتزامن مع قرب استضافة مؤتمر الأطراف COP28، حيث تستهدف الحملة نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية.
حشد الجهود الدولية
سعت دولة الإمارات إلى استنفار الجهود العالمية لوضع حلول عملية لتأثير التغير المناخي على حركة التجارة العالمية ومرونة سلاسل التوريد، فخلال مشاركتها في المنتدى العام لمنظمة التجارة العالمية، الذي عقد في جنيف سبتمبر الماضي تحت شعار «حان وقت العمل»، جددت دولة الإمارات الدعوة إلى حشد الجهود الدولية لابتكار وتبني حلول تجعل التجارة العالمية أكثر استدامةً وصداقة للبيئة وترفع مساهمتها في معالجة تحديات التغير المناخي، وذلك عبر رقمنة سلاسل الإمداد واعتماد التقنيات الحديثة.
وأكدت دولة الإمارات التزامها بالعمل مع الشركاء العالميين لتطوير سلاسل إمداد ذكية قائمة على التكنولوجيا تزيد من كفاءة عمليات شحن ونقل البضائع وتقلل من استهلاك الطاقة، نظراً لكون التحديات المتعلقة بالتغيرات المناخية أصبحت أكثر إلحاحاً، وهو ما يستلزم قيام المجتمع التجاري العالمي بالتكاتف لخفض البصمة الكربونية لهذا القطاع الحيوي حول العالم.
إلى ذلك، وقّعت دولة الإمارات مذكرة تفاهم مع المنتدى الاقتصادي العالمي بهدف دعم مبادرة «تكنولوجيا التجارة» التي أطلقتها الدولة، والمصممة لتسريع رقمنة سلاسل التوريد الدولية، وتحسين الإجراءات الجمركية، وتعزيز وصول الدول النامية إلى نظام التجارة العالمي، وبالتالي التمهيد لحقبة جديدة من النمو التجاري. وقد نجحت دولة الإمارات خلال السنوات الماضية في قيادة وحشد الجهود الدولية من أجل حماية وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، عبر طرح الحلول وإطلاق المبادرات ودعم المشاريع التي تسهم في تحسين إنتاج الغذاء وتأمين استدامة.
بادرت دولة الإمارات بشكل مبكر إلى اعتماد حزمة من الحلول الاقتصادية الذكية التي تشجع التدفق الشامل للتجارة، وكفاءة سلاسل التوريد، وتبني أحدث ابتكارات تكنولوجيا التجارة، مما يخلق فرصاً جديدة للمصدرين والمصنِّعين والمستثمرين حول العالم. ولعبت دولة الإمارات دوراً ريادياً في تطوير سلاسل التوريد المستدامة، وذلك بالتركيز على استثماراتها بمليارات الدولارات في إزالة الكربون من سلاسل القيمة.
تجربة ناجحة
شكل أمن الغذاء إحدى الأولويات الاستراتيجية لدولة الإمارات، وأثرت جائحة فيروس كوفيد – 19 على كفاءة واستمرارية سلاسل التوريد العالمية، الأمر الذي تعاملت معه دولة الإمارات باحترافية عالية عبر توسيع قاعدة سلاسل توريد الغذاء لضمان مرونتها واستمراريتها، مع ضمان أعلى معايير سلامة الغذاء، وتحفيز التوسع في مشاريع الزراعة الحديثة التي تضمن زيادة الإنتاجية وكفاءتها.
ويمكن اعتبار تعامل الإمارات مع أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد تجربة ناجحة في ضمان استمرارية سلاسل التوريد، فقد سارعت الدولة للانضمام إلى البيان الوزاري المشترك الذي أصدرته عدة دول حول العالم بشأن استمرارية سلاسل التوريد خلال الأزمة.