أحمد مراد، أحمد شعبان (القاهرة)
صداقة راسخة، وعلاقات متينة، ومصالح متبادلة، وشراكة بناءة تربط بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية تركيا الشقيقة.. هذه الشراكة تنبع من رغبة حقيقية وصادقة لدى قيادات البلدين لدفع العلاقات الثنائية إلى أعلى المستويات في شتى المجالات من أجل تحقيق الخير والرفاه للشعبين وخدمة تطلعاتهما وجميع شعوب المنطقة لمستقبل يعمه الاستقرار والازدهار.
ويشكل التعاون الإماراتي التركي ركيزة أساسية لترسيخ أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع، إذ تجمعهما توافقات عديدة ومواقف متقاربة تجاه مختلف قضايا وأحداث المنطقة والعالم، ويعمل البلدان على تعزيز الجهود الإقليمية والعالمية لإيجاد البدائل السلمية الكفيلة بتعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم عبر حل الخلافات والصراعات سلمياً، ومن خلال الآليات الدبلوماسية.
آليات سلمية
وأشاد الدبلوماسي التركي السفير فكرت أوزر بالتطور المتنامي الذي يشهده التعاون الإماراتي التركي في السنوات الأخيرة، لا سيما في مجال دعم الجهود الإقليمية والعالمية الرامية إلى حل الخلافات والصراعات والنزاعات سلمياً، وعبر الآليات الدبلوماسية من المفاوضات والمباحثات والمشاورات، وهو ما يضع أسساً ودعائم متينة ترسخ لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، والعالم بصفة عامة.
وشهدت العلاقات الإماراتية التركية، خلال العامين الماضيين، قفزة نوعية غير مسبوقة جسدتها 5 قمم ولقاءات جمعت بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وهو ما أفرز فرصاً واعدة لتوسيع آفاق التعاون بين البلدين وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة، بما يخدم شراكتهما الثنائية ومصالحهما المتبادلة.
وأوضح أوزر، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن هناك توافقاً يجمع بين الإمارات وتركيا حول أهمية التوجه نحو البدائل السلمية والدبلوماسية الكفيلة بحل الخلافات والصراعات، وهو ما يضمن الحفاظ على الأمن والسلم والاستقرار، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
ولدى الإمارات وتركيا العديد من المواقف المتقاربة التي أكدت رغبتهما المشتركة في تعزيز دعائم السلام والأمن والاستقرار والتنمية والازدهار في المنطقة والعالم، ويسعى البلدان معاً إلى ترسيخ نموذج للتعاون والشراكة يقوم على دعم جهود السلام والاستقرار الإقليميين، وبناء مستقبل أفضل للأجيال الحالية والقادمة، إضافة إلى ترسيخ آليات التعاون البناء الذي يهدف إلى حل ومعالجة مختلف التحديات والأزمات التي تمر بها المنطقة والعالم عبر الطرق السلمية.
توافقات وتفاهمات
وذكر الدبلوماسي التركي أن الإمارات وتركيا جمعتهما علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية امتدت على مدى أكثر من 4 عقود متواصلة، وقد ارتبط البلدان بالعديد من التوافقات والتفاهمات والمواقف المشتركة، وهو ما يجعلهما محوراً مهماً لأمن واستقرار المنطقة والعالم، وذلك من منطلق دورهما المحوري في مختلف القضايا والأحداث الإقليمية والدولية، إضافة إلى علاقاتهما القوية والمتنية مع القوى العالمية الكبرى.
ودشنت الإمارات وتركيا علاقاتهما الدبلوماسية في عام 1979 عندما افتتحت أنقرة سفارتها في أبوظبي، وبعدها بسنوات، وتحديداً في عام 1983، افتتحت دولة الإمارات سفارتها في العاصمة التركية ، وخلال الـ40 عاماً الماضية شهدت العلاقات الإماراتية التركية تطوراً كبيراً عبر العديد من الخطوات والقرارات التي ساهمت في تعزيز العلاقات بين البلدين، كان أبرزها تشكيل لجنة تعاون مشتركة خلال نوفمبر من عام 2010، إضافة إلى تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة، ولجنة مشاورات سياسية.
أرضية مشتركة
وبدوره، أوضح نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، الدكتور مختار غباشي، أن التعاون الإماراتي التركي يقوم على ركائز عدة ثابتة وراسخة، تأتي في مقدمتها المشاورات والمباحثات المشتركة بين البلدين الرامية إلى معالجة الأزمات الإقليمية والعالمية عبر الحلول الدبلوماسية بعيداً عن النزاعات والصراعات المسلحة التي تخلف آلاف الضحايا من المدنيين، إضافة إلى خسائر اقتصادية فادحة.
وقال غباشي، في تصريح لـ«الاتحاد»: «إن هناك أرضية مشتركة تجمع بين أبوظبي وأنقرة، يدعمها ويعززها التوافق في الرؤى تجاه العديد من الأحداث والقضايا، وهو ما يظهر جلياً في مساعي البلدين إلى دعم الجهود والحلول السلمية الرامية إلى تعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وذلك على النحو الذي رأيناه في سعي البلدين إلى حل الأزمة الأوكرانية بالطرق السلمية، إضافة إلى جهودهما الرامية إلى إعادة الاستقرار والأمن في المنطقة».
وخلال العامين الماضيين، دعت الإمارات وتركيا عبر العديد من البيانات المشتركة، إلى تعزيز آفاق التعاون من أجل ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار عالمياً، مع المضي قدماً في مسارات التنمية من أجل تلبية تطلعات الشعوب في التقدم والازدهار، وفي الوقت نفسه يؤكد البلدان مساعيهما المشتركة الرامية إلى ترسيخ نموذج مستدام للشراكة المثمرة التي تصب في مصلحة شعبيهما وشعوب المنطقة والعالم.
وذكر نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الثقل الإقليمي والدولي الذي تتمتع به الإمارات وتركيا يُزيد من حجم تأثيرهما ونفوذهما المشترك في أنحاء العالم، وهو ما يجعلهما ركيزة مهمة من ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، إضافة إلى كونهما قوة سياسية ودبلوماسية داعمة لجهود منظمات المجتمع الدولي.
مبادرات الوساطة
ومن جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية الدكتور محمد صادق إسماعيل أن الإمارات وتركيا من بين أهم مراكز وعناصر القوة الدبلوماسية في المنطقة والعالم، وتجمعهما العديد من وجهات النظر المتقاربة والرؤى المتشابهة، وتعملان معاً على إرساء مناخ السلام والاستقرار والازدهار عبر سياسة خارجية نشطة. وقد برز دورهما خلال العامين الماضيين في دعم جهود المجتمع الدولي لحل النزاعات القائمة بالطرق السلمية، وقد قاد البلدان الكثير من مبادرات الوساطة والسلام، مثل وساطتهما لحل الأزمة الأوكرانية.
وأشار إسماعيل، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى حرص الإمارات وتركيا على تنسيق مواقفهما المشتركة تجاه أزمات وملفات المنطقة، إضافة إلى حرصهما المشترك على القيام بدور رائد وفاعل لدعم الاستقرار والسلام الإقليمي والدولي، عبر تعزيز آليات الحل السلمي لمختلف الصراعات والأزمات التي يشهدها العالم.
ويؤكد خبراء العلاقات الدولية أن تطور العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وتركيا في المجالات السياسية والاقتصادية والدولية، ودفع هذه العلاقات للأمام، من شأنه تحقيق خير ورفاهية ومصالح شعبي البلدين وجميع شعوب المنطقة في تحقيق مستقبل واعد، وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار لكلا البلدين. وشهدت مسيرة العلاقات الإماراتية التركية منذ تدشينها في عام 1979 العديد من المحطات البارزة التي جسدتها الزيارات واللقاءات المتبادلة بين قيادتي البلدين، وتمثلت البداية في الزيارة التي أجراها الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» إلى تركيا خلال عام 1984، وقد أبدى الجانب التركي اهتماماً كبيراً بهذه الزيارة التي تصدرت عناوين الصحف ووسائل الإعلام التركية التي أشادت بتبرع الشيخ زايد لبناء دور لرعاية المسنين، وتشييد مركز تجاري وثقافي وترفيهي يصرف ريعه إلى دور رعاية المسنين، إضافة إلى إنشاء صندوق إغاثة خاص بالأطفال. ويقول الباحث المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات الدكتور كرم سعيد، إن العلاقات بين دولة الإمارات، وتركيا ركيزة مهمة في هذا التوقيت لأسباب عدة، منها: التنسيق التركي الإماراتي لتصفير أزمات المنطقة، وكذلك السعي لإنهاء الصراعات والحروب في الإقليم.
وأضاف الباحث المتخصص في الشأن التركي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن عمق العلاقات التركية الإماراتية يسهم بصورة كبيرة في تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية، ليس فقط على المستوى الثنائي؛ وإنما على المستوى الإقليمي.
وأشار سعيد إلى أن العلاقة بين البلدين تمثل ركيزة مهمة للتعاون، إلى جانب التنسيق للدفع بتسوية القضية الفلسطينية، والوصول لحل الدولتين والسلام الشامل، مشيراً إلى أن التقارب التركي الإماراتي ينعكس بصورة لافتة على المستوى الشعبي، وظهر هذا بصورة واضحة خلال العامين الماضيين عبر زيادة عدد السائحين الإماراتيين لتركيا.
وشدد على أن دفع هذه العلاقات للأمام يعود بالأمن والاستقرار للمنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، مضيفاً: «كلما تطورت العلاقات البينية بين دول الإقليم وخاصة دولة الإمارات وتركيا، ينعكس ذلك بصورة رئيسية على استقرار المجتمعات ورفاهية مواطنيها».
وتوقع الباحث في الشأن التركي أن تشهد العلاقات الإماراتية التركية في المرحلة المقبلة مزيداً من الانفتاح، في ضوء حرص البلدين على الارتقاء بالعلاقات لآفاق أرحب.
علاقات دبلوماسية
ومن جانبه، قال الأستاذ في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الروسية الدكتور عمرو الديب، إن الإمارات دولة تسعى لتطوير العلاقات مع كل دول العالم، وتركيا من الدول المهمة التي تتطلع الإمارات لتقوية علاقاتها بها في منطقة الشرق الأوسط والإقليم.
وأشار الديب، في تصريح لـ«الاتحاد»، إلى أن منطقة الشرق الأوسط تعيش فترة عصيبة جداً، ومسألة تقوية وتطوير العلاقات بين الإمارات وتركيا؛ سوف يكون لها دور كبير في مواجهة هذه التحديات وحل قضايا الشرق الأوسط، والقضايا العالمية وخاصة في الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا، ولا يمكن تجاهل دور الدولتين، مشدداً على أن الإمارات لها مساعٍ حقيقية ودور واضح في هذا الاتجاه.
وشدد على أن تطوير العلاقات بين البلدين ودفعها للأمام سوف يصب في المساعي الإماراتية لتحقيق السلام والازدهار والاستقرار بالمنطقة والعالم، وحل العديد من القضايا في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك يصب في مصلحة شعبي البلدين وتحقيق الخير، مشيراً إلى أهمية الاقتصاد التركي، وبالتالي من المهم جداً أن يكون له اتصال وتعاون تجاري مع دولة بحجم الإمارات، لمصالح البلدين والشعبين.
ولفت إلى أن تطور العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والتجارية بين الإمارات وتركيا؛ سيتيح فرصاً واعدة كبيرة لاقتصادي البلدين، وأن تركيا تحرص بصورة كبيرة على تقوية علاقاتها بدولة اقتصادية كبيرة من الدرجة الأولى مثل الإمارات، ودولة لها علاقات اقتصادية وتجارية مع كل دول العالم بالرغم من الأزمات العالمية.
عمليات التنمية
وبدوره، قال نائب رئيس المجلس المصري الأفريقي السفير صلاح حليمة، إن الإمارات وتركيا قوة سلام في منطقة الشرق الأوسط، ولهما تأثير كبير على مجريات الأمور الإقليمية والدولية، وليس فقط في المجال الأمني والسياسي، وإنما لهما دور كبير جداً فيما يتعلق بعمليات التنمية والنمو المستدام ليس فقط الدول المجاورة ولكن في المنطقة، ولهما إسهامات فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية والدولية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية. وأوضح السفير صلاح حليمة لـ«الاتحاد»، أن دفع العلاقات بين الإمارات وتركيا للأمام وتطورها، يساهم في تحقيق المزيد من الأمن والاستقرار، ودفع عملية التنمية لكلا البلدين بما يعود على شعوب البلدين والمنطقة بالرخاء والخير والسلام وتحقيق التطلعات المستقبلية، مشيراً إلى وجود تنسيق وتشاور وعلاقات متنامية ومتعاظمة بين البلدين، وبينهما ودول المنطقة العربية والشرق الأوسط.
نهضة اجتماعية
وقال المحلل السياسي التونسي منذر ثابت، إن العلاقة بين الإمارات وتركيا ودفعها للأمام أمر مهم جداً في تحديد الملامح العامة للسياسات الإقليمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وكذلك التأثير المتداعي لهذه العلاقة بالنسبة للمنطقة العربية، مؤكداً أن هناك قاسماً مشتركاً بين الدولتين قائم على العقلانية في التعاطي مع معظم القضايا والإشكاليات المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية. ولفت إلى أن الإمارات تتميز بالتقدم التكنولوجي، وكذلك التقدم في أسلوب الحكم الرشيد، وخاصة عنصر الاستقرار السياسي الذي تتميز به الدولة، والانسجام الثقافي، مما يمكن تركيا من شراكة أكثر ثباتاً مع الإمارات من أطراف أخرى.