أبوظبي (الاتحاد) 

تُولي دولة الإمارات الحفاظ على الشعاب المرجانية اهتماماً كبيراً، حيث تعتبر ملاذاً آمناً للكائنات البحرية يوفر الغذاء والحماية لها ولصغارها، كما تعتبر رافداً مهماً لدعم المخزون السمكي، فضلاً عن دورها المهم في حماية الشواطئ من التآكل ودعم مهنة الصيد التجاري والعديد من الأنشطة الترفيهية والسياحية الجاذبة للغواصين الباحثين عن المناظر البحرية الساحرة. 
ولا شك في أن تداعيات التغير المناخي قد أثرت بشكل كبير على نمو وتكاثر الشعاب المرجانية، كما تأثرت أيضاً ببعض الممارسات والنشاطات البشرية الجائرة، التي تهدد هذا المخزون البحري الاستراتيجي، فقد حذّر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، نشر في ديسمبر 2020، من أن كل الشعاب المرجانية في العالم يمكن أن تتعرّض، بحلول نهاية القرن، لظاهرة تسمى «الابيضاض»، أو تحوّل لونها إلى الأبيض، نتيجة طرد الطحالب المجهرية النابضة بالحياة التي تعيش في أنسجتها بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما لم يحدث انخفاض جذري في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ونبّه التقرير إلى أن خسارة هذه الشعاب المرجانية حول العالم سيكون لها عواقب وخيمة، ليس فقط على الحياة البحرية، ولكن أيضاً على أكثر من مليار شخص على مستوى العالم يستفيدون منها بشكل مباشر أو غير مباشر.  
وفي الإطار ذاته، أكدت هيئة البيئة - أبوظبي أنه في عام 2017 فقدت إمارة أبوظبي أكثر من 73% من الشعاب المرجانية بسبب ظاهرة «الابيضاض»، فيما فقد العالم معظم الشعاب المرجانية، بما في ذلك الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا والذي يمثل أكثر من 50% من مساحة الشعاب المرجانية.
وتنسجم جهود دولة الإمارات في حماية الشعاب المرجانية مع محور أبطال البحار ضمن حملة «استدامة وطنية»، التي تم إطلاقها مؤخراً، تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28»، الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، والذي يروج لممارسات دولة الإمارات المستدامة لحماية النظم البيئية الساحلية والبحرية، التي تعتبر أمراً حيوياً يضمن استدامة مستقبل الحياة البحرية في الدولة التي يبلغ طول سواحلها نحو 770 كيلومتراً مطلة على الخليج العربي وبحر عمان، باستثناء الجزر.
مبادرات استباقية
واتخذت دولة الإمارات خطوات رائدة لحماية الشعاب المرجانية من التهديد والاندثار، من خلال تبني مبادرات وبرامج أسهمت في زيادة مساحاتها وعملت على صونها وحمايتها للأجيال القادمة، عن طريق مشاريع استزراع الشعاب المرجانية التي تسهم في ازدهار الحياة البحرية والثروة السمكية، وإعادة التوازن للبيئة البحرية، وتوفير بيئة بحرية مستدامة. 
وبدأت المبادرات الإماراتية لحماية الشعاب المرجانية في عام 2005، حيث نفذت هيئة البيئة - أبوظبي برنامجاً لرصد ومراقبة حالة الشعب المرجانية من خلال إجراء مسح موسمي يتضمن جمع بيانات من 10 محطات منتشرة بمواقع مختلفة من الإمارة، كما وضعت خطة لإدارة الشعاب المرجانية والمحافظة عليها، لفهم النظم البيئية للشعاب المرجانية والحد من الآثار السلبية واستعادة المناطق المتدهورة، فضلاً عن تعاونها مع عدد من المؤسسات الأكاديمية، حيث تعاونت مع جامعة نيويورك أبوظبي في مجال مراقبة الشعاب المرجانية، ومع جامعة زايد لإكثار الشعاب المرجانية مخبرياً وإعادة زراعتها.  
وعلى الصعيد ذاته، عملت وزارة التغير المناخي والبيئة، بالتعاون والتنسيق مع كافة الجهات المعنية على مستوى الدولة، على إيجاد بنية تشريعية تضمن حماية الشعاب المرجانية وأطلقت الوزارة مشروع دراسة بحثية «تجريبية» لمسح رقمي حيوي للموائل البحرية في دولة الإمارات، بالاعتماد على التكنولوجيا الحديثة وأجهزة المسح والقياس الآلية «روبوت» تحت الماء، للمرة الأولى في المنطقة، ورسم خريطة رقمية دقيقة للموائل البحرية على مستوى الدولة.
ولعل أبرز مشروع لحماية الشعاب المرجانية هو الذي أطلقه سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس مجلس إدارة هيئة البيئة - أبوظبي، في منتصف عام 2021، والذي يعد أكبر مشروع لإعادة تأهيل الشعاب المرجانية في منطقة الشرق الأوسط، وتضمن استزراع أكثر من مليون مستعمرة من الشعاب المرجانية بهدف زيادة مساحتها في الإمارة، ويأتي هذا المشروع، الذي سيتم تنفيذه على مدار ثلاث سنوات، في إطار خطة شاملة وضعتها الهيئة للمحافظة على هذا النظام البيئي المهم وضمان استدامته في أبوظبي التي تحتوي وحدها على 34 نوعاً مختلفاً من أنواع المرجان الصلب منتشرة في عدة مناطق.  
وحول نتائج المشروع، أعلنت هيئة البيئة - أبوظبي في يوليو من العام الجاري أنه تم تثبيت 350.000 مستعمرة من الشعاب المرجانية وإعادة تأهيلها في مياه الإمارة لتحقيق هدف الهيئة باستزراع أكثر من مليون مستعمرة من الشعاب المرجانية.
إلى ذلك، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة العديد من البرامج والمبادرات لتثبيت واستزراع الشعاب المرجانية بالدولة، بالتنسيق والتعاون مع السلطات المختصة في كل إمارة، كما نفذت مشروعاً بحثياً لاستزراع 24 نوعاً من المرجان في سواحل الدولة، والتي تم العمل على تطوير وتعزيز قدراتها على التكيف مع تداعيات التغير المناخي.  
تعاون دولي 
لم تكن جهود دولة الإمارات في حماية الشعاب المرجانية محصورة داخل حدود الدولة، فقد أعلنت عن منحة بمبلغ 3.5 مليون دولار للمساعدة في ترميم 7 سلاسل من الشعاب المرجانية في منطقة فلوريدا كيز بولاية فلوريدا، بالتعاون مع منظمة «يونايتد واي أوف كوليار آند ذي كيز» التي تقوم بتنفيذ المشروع بالتعاون مع خبراء في «الإدارة الوطنية لشؤون المحيطات والمناخ» ومع جهات متخصصة أخرى محلية ودولية، وتعد هذه المنحة من أكبر الاستثمارات في هذا المجال على مستوى العالم.  
كما أعلنت «القابضة» (ADQ)،   عن شراكة بحثية مع شركة أرشيريف المتخصصة في تقديم الحلول المناخية واستعادة النظم البيئية البحرية،  ، بهدف تقديم حلول هندسة لإعادة تأهيل نُظم بيئية بحرية في أبوظبي .