أبوظبي (الاتحاد)

اختتم مركز «أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية - إيواء» مؤخراً فعاليات مؤتمر العلاج بالفن 2023، الذي أقيم في فندق «إرث» بأبوظبي، ويعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واعداً بمزيد من التقدم في هذا المجال الحيوي في المستقبل. وشكّل المؤتمر نقطة تحوّل في مجال العلاج بالفن في المنطقة، مبرزاً دوره كأداة محورية لتحسين الصحة النفسية والعاطفية للإنسان. 
أقيم المؤتمر تحت شعار «التمكين من خلال الإبداع»، بمشاركة نخبة من أهم المختصين في مجال العلاج بالفن، ممن أكدوا أهمية الخطوات التي يتم اتخاذها اليوم في طرح أساسيات العلاج بالفن بأسلوب مناسب لثقافة المنطقة، من أجل تحقيق أقصى فائدة ممكنة وجعله أكثر كفاءة وفعالية في تلبية احتياجات المجتمعات العربية، إذ يعتبر العلاج بالفن لغة عالمية تتخطى الحدود والثقافات، وتقوم على فكرة أن التعبير الإبداعي قادر على تسريع رحلة الشفاء والتعافي من الصدمات. 
وقد حرص مركز «إيواء» على عقد هذا المؤتمر انطلاقاً من إيمانه بأهمية الاستفادة من القدرات الكبيرة للتعبير الإبداعي في تمكين الإنسان والارتقاء بحياته نحو الأفضل.

تعزيز الوعي
وقالت سارة شهيل، مدير عام مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية - إيواء: «على الرغم من أن العلاج بالفن بمفهومه المعاصر لا يزال جديداً في منطقتنا، فهو مستخدم منذ الأزل في شتىّ أرجاء العالم. ونحن نعتقد أن مؤتمر العلاج بالفن الأول من نوعه في المنطقة، وغيره من الفعاليات المماثلة، يشكل فرصة مهمة لرفع الوعي بأهمية الفن كأداة لتحسين قدرة الإنسان على الشفاء، وقد لاقى هذا الحدث بالفعل إقبالاً كبيراً، واستقطب متحدثين من مختلف دول العالم، وكان منبراً لتبادل الأفكار والآراء، ومحطة نحو تطوير هذا المجال، بما يعود بالنفع على الجميع».
وأضافت: حقق المؤتمر إنجازات غير مسبوقة، فيما يتعلق بموضوع العلاج بالفن، مع استقطاب أكثر من 1020 من الحضور و23 متحدثاً من أهم المختصين في المجال، فضلاً عن استقطاب 56 جهة مرموقة، وتميز المؤتمر بتقديم ما يصل إلى 10 ساعات من ورش العمل التفاعلية الملهمة للمختصين، و6 أنشطة حيّة. 
شراكات لخدمة المجتمع
من جانبه، قال الدكتور عوض مبارك اليامي، وهو خبير مختص بالعلاج بالفن من المملكة العربية السعودية، ويعمل في هذا المجال منذ 30 عاماً: «لطالما تمنيت انعقاد حدث من هذا النوع، وكان مؤتمر العلاج بالفن بمثابة هدية لي على المستويين الشخصي والمهني، وأنا أعتقد أننا سنرى مزيداً من التقدم في هذا المجال في المستقبل، إذ يمكنني أن أرى بوضوح بأنه يشهد تطورات مستمرة بالمقارنة مع ما كان عليه قبل 30 عاماً أو أكثر، حين بدأت العمل في هذا المجال. قد يكون التقدم بطيئاً في بعض الأحيان ويتسارع في أحيان أخرى، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى كون هذا المجال جديدٌ نسبياً. ولكن أعتقد أننا سنرى المزيد من التقدم والازدهار من الآن فصاعداً، ومن الممكن أن نرى شراكات مع الهيئات الحكومية والمؤسسات التعليمية وغيرها لبناء وتعزيز المعارف والخبرات بطريقة تخدم المجتمع بشكل أفضل».

محطة مهمة
وأعربت الدكتورة قمر بهبهاني، مؤسسة شركة «شور الاستشارية» وأول اختصاصية معتمدة في مجال العلاج بالفن في الكويت، عن فخرها بتمثيل بلدها في هذا المؤتمر الرائد والأول من نوعه في المنطقة، وقالت: «هذا الحدث وما تضمنه من مشاركة للمعارف والخبرات هو محطة مهمة بالنسبة لنا، نحن المختصين بالعلاج بالفن، لاسيما وأنه الأول من نوعه في الشرق الأوسط. وأعتقد أنه بداية لمرحلة جديدة ومشرقة، ولمزيد من الأبحاث والتطوير. إنه بداية لمزيد من الإبداع، وبالتأكيد التعاون والعمل معاً من أجل مستقبل أفضل».
 ودعت الدكتورة قمر، في سياق حديثها، لتأسيس رابطة المعالجين بالفن في الشرق الأوسط، ولعقد مؤتمرات سنوية حول هذا الموضوع، وقالت: «نحن بحاجة لعقد مزيد من الفعاليات السنوية لضمان تبادل الخبرات والمعارف وتمكين المهتمين بالمجال من تعلم مهارات جديدة. كما أننا بحاجة لوجود منصة أو رابطة تمثل المختصين بهذا النوع من العلاج في منطقة الشرق الأوسط، والمناطق الأخرى حول العالم».

بلمسة محلية  
وبدورها، أكدت سارة باول، اختصاصية العلاج بالفن ومؤسسة مركز ATIC للطب النفسي والاستشارات في دولة الإمارات، أن المؤتمر يساعد على نشر الوعي بأهمية العلاج الفن، فهو أداة لمساعدة الناس على التواصل والتعبير عن أنفسهم من دون الكلمات. وقالت: «من المهم أن نفهم الفوائد العلمية للعلاج بالفن، لدينا فئة كاملة في المجتمع غير قادرة على التعبير بالكلمات، ولذلك من المهم أن نفكر كيف يمكننا مساعدتهم. إن كان الحل هو فقط بالعلاج من خلال الحوار، فسنكون مقيدين في قدرتنا على مساعدة المرضى. وبالتالي فالعلاج بالفن هو وسيلة أخرى مفيدة للتواصل، وأعتقد أن دولة الإمارات قد فتحت الباب أمام بناء مستقبل أفضل لمجال العلاج بالفن، والذي يشهد نمواً وتوسعاً أكبر في المنطقة. ونعتقد بأننا سنرى مزيداً من التقديم والنمو في المستقبل».
من جانب آخر، تحدثت ناتاليا جوميز كارلييه، اختصاصية العلاج بالفن المقيمة في الإمارات عن أهمية مراعاة العوامل الثقافية عند العلاج بالفن. وقالت: «أعمل أنا وسارة من أجل مواءمة طريقة عملنا لتتناسب مع ثقافة دولة الإمارات، فمثلاً حين نأخذ دراسة غربية، علماً بأن الدراسات الأكثر تطوراً تأتي من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، ونحاول تطبيقها هنا، قد لا ينجح معظمها، وبعضها يكون غير مناسب أبداً للمنطقة من الناحية الثقافية. ولذلك يجب أن نتعامل مع هذه الأمور بعناية كبيرة ونعمل على تعديل وتغيير أسلوب العلاج ليناسب الثقافة المحلية، وليس فقط تطبيق تجارب الغرب كما هي، على الرغم من أننا قد تدربنا في الغرب، لا بدّ أن يكون لدينا الوعي الكافي لتقديم الأمور بطريقة تتوافق مع البيئة المحلية».

جلسات
تضمن المؤتمر العديد من الجلسات الملهمة بمشاركة كبار المتحدثين، إلى جانب أربع ورش عمل تمحورت حول التعافي من الصدمات من خلال الرسم الموجه كمنهجية حسية حركية لتعزيز الوعي بالجسم، ودور الجانب الروحاني للعميل خلال علاجه بالفن في مسيرة التعافي من الصدمات النفسية.