ما من شك أننا أمام فرصة تاريخية توفرها الدورة الـ 28 من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي COP28 لإحداث تغيير جذري، ولكن العامل الحاسم لتحقيق ذلك هو قدرتنا على حشد جهود تعاونية تتوحد من خلالها إرادات وقدرات العالم.
وفيما نسلك مساراً سريعاً نحو انعقاد هذا المؤتمر البالغ الأهمية هذا العام، علينا النظر إلى المحفزات الرئيسية للتعاون لدينا لبناء توافق عالمي حول الخطوات المستقبلية الفعلية والمحددة التي يجب اتخاذها من أجل تحقيق الهدف المتمثل بتقييد ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية. وهذه المحفزات الرئيسية التي أتحدث عنها هي بكل تأكيد المرأة الإماراتية.
إن يوم المرأة الإماراتية ليس مجرد مناسبة للاحتفال بالنموذج الذي تقدمه بنات الوطن وبمساهماتهنّ، وإنما يشكّل أيضاً فرصة لنظهر للمجتمع الدولي ما نحن قادرون عليه وقدرتنا على التعاون والتكاتف للعمل معاً - وخصوصاً عندما يتناول الأمر وضع جدول الأعمال المرتب بالانتقال إلى الطاقة المتجددة وبالعمل المناخي.
واختير موضوع هذا العام ليوم المرأة الإماراتية بعنوان «نتعاون من أجل الغد»، وهو يبرز بشكل مناسب أهمية تمكين المرأة ودورها الريادي منذ قيام الاتحاد. مع الإشارة إلى أن هذا اليوم يأتي قبل استضافة دولة الإمارات مؤتمر الأطراف (COP28) بأقل من 100 يوم.
وتشكل مبادرة «التغيير المناخي والمساواة بين الجنسين» أحد أحدث الأمثلة على هذا الموضوع، وهي مبادرة انطلقت من أبوظبي تحت رعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، بالتعاون مع كلّ من وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والاتحاد النسائي العام، ومكتب اتصال هيئة الأمم المتحدة للمرأة لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي تهدف إلى تأكيد النهج الاستباقي الذي تعتمده دولة الإمارات في مواجهة تحديين متداخلين هما التغير المناخي والمساواة بين الجنسين.
إن حكمة المرأة الإماراتية وروحها القيادية في إطلاق هذه المبادرة إلى العالم، ترمزان إلى حقيقة سائدة في مجتمعنا، وهي أن النساء الإماراتيات أصبحن ركائز أساسية لسير الأعمال المتعلقة بالمناخ وتقدّمها.
وفي الوقت الذي تستعد فيه دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف (COP28)، يتضح لنا أن المرأة الإماراتية ليست عبارة عن مجرد مشاركة نشيطة في هذه الرحلة نحو مستقبل مستدام وقادرة على التكيف مع التغير المناخي، وإنما هي محفّز رئيسي وعامل حاسم في تحديد هذا المستقبل. ومن المؤكد أن المجتمع العالمي سيتعلّم من هذه المقاربة الشاملة وسيستفيد منها.
خلال مشاركاتي على الساحة الدولية كممثلة لدولة الإمارات العربية المتحدة، شهدت بنفسي كيف أن المرأة الإماراتية هي من رواد الإقناع بأهمية التعاون وتضافر الجهود.
وفي الدورة الـ 27 من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، شكّلت زميلاتي نسبة كبيرة من وفد دولة الإمارات الذي ضمّ أكثر من ألف شخص، وقد كان لهنَّ دورٌ فاعلٌ في المفاوضات والحوارات والاتفاقيات مع نظرائنا الدوليين، بما في ذلك توقيع مذكرة التفاهم مع مصر لتطوير إحدى أكبر محطات طاقة الرياح البرية في العالم.
وكان من الواضح آنذاك، كما هي الحال الآن، أن المرأة الإماراتية تضطلع بدور محوري في الدبلوماسية العالمية للمناخ، إذ تركز جهودها على تعزيز التعاون بين الدول.
وتشير أرقام اليونسكو إلى أن 61% من الخريجين في اختصاصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في دولة الإمارات العربية المتحدة هم من النساء، مقارنة بمتوسط 57% في باقي دول العالم العربي.
وبالتالي ليس مستغرباً أن نعرف أن النساء - بما في ذلك الإماراتيات - يمثّلن حالياً حوالي ربع العاملين في قطاع الطاقة النووية في الإمارات العربية المتحدة، مما يشكّل إحدى أعلى النسب في القطاع على مستوى العالم.
ولا تشغل المرأة الإماراتية وظائف ومناصب تقنية أساسية في قطاعات مثل الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح فحسب، بل تتربع أيضاً على رأس الخطط المتعلقة بالطاقة المتجددة في البلاد. وفي الواقع، فقد شغلت النساء الإماراتيات أدواراً قيادية في أكثر من 50% من مبادرات الطاقة المتجددة في البلاد. وقد كانت المرأة الإماراتية خلال توليها هذه الأدوار، مسؤولة عن تعزيز شراكات دولية مهمة لعبت دوراً حاسماً في تعميم التكنولوجيا المتقدمة في المنطقة، ووفرت الدعم لآلية التقدم في ما خصّ مشاريع الطاقة المتجددة على الصعيدين المحلي والدولي.
وإلى جانب الطاقة المتجددة، كانت المرأة في صميم التقدم الذي أحرزته دولة الإمارات على طريق تبنّي أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة وتحقيقها. ومن خلال التعاون المحلي والدولي، دعمت المرأة الإماراتية جهود التنمية المستدامة، وذلك من خلال تشكيل حوار الاستدامة، وتطوير حلول الطاقة النظيفة وتطوير المدن الذكية.
وأشار تقرير دور المرأة في تحقيق التنمية المستدامة لعام 2020 إلى أن المشاريع التي قادتها نساء إماراتيات أدت إلى زيادة بنسبة 30% في مبادرات التنمية الحضرية المستدامة في السنوات الخمس الماضية - وكان معظم هذه المبادرات بالتعاون مع شركاء دوليين، وبقيادة اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة في دولة الإمارات.
إن التجارب والخبرات الغنية التي اكتسبتها آلاف النساء الإماراتيات في مجال التعاون، على مدى تاريخ وطننا، أدّت إلى تعزيز مكانتهنَّ الفريدة كرائدات وقائدات في قطاعي المناخ والطاقة. وقد أوجدت هذه التجارب، المعززة بفضل مهارتهن وقدرتهن على حشد أصحاب المصلحة، عدداً من القيادات الأكثر تأثيراً في العالم في مجالات الدبلوماسية المناخية والطاقة المتجددة والتنمية المستدامة.
والأكثر من ذلك، فإن الجهود التعاونية التي تبذلها المرأة الإماراتية في هذه المجالات الحيوية تجسد نهج دولة الإمارات وجهودها لدعم العمل المناخي. فقد قامت قيادة الدولة ببناء نهج لتعزيز التكاتف والتعاون، وسيكون هذا النهج بمثابة ركيزة أساسية للعمل المناخي المستقبلي لدولة الإمارات، كما سيُتيح في وقت لاحق من هذا العام انعقاد مؤتمر الأطراف (COP28)، على أن يكون شاملاً ويتمتّع بمنحى عملي.

* المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»