هالة الخياط (أبوظبي)
ترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة باليابان بعلاقات متميزة أضحت مثالاً للتعاون والتنسيق الدولي القائم على التفاهم وتبادل المصالح المشتركة بصورة متوازية يسودها الاحترام والثقة المتبادلة بين الطرفين.
وأُسّس لهذه العلاقة منذ الأيام الأولى لقيام الدولة، عندما أولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، العلاقة مع اليابان، أهمية خاصة وأدرجها ضمن أولى زياراته لبلدان العالم المتقدم لإدراكه أهمية هذه العلاقة، حيث أثبتت الأيام صحة مثل هذا التوجه.
وتمثلت العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة اليابان في كون اليابان من أوّل الدول التي اعترفت بدولة الإمارات العربية المتحدة كدولة مستقلة في ديسمبر 1971. وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 6 مايو 1972، حينما افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة سفارتها في طوكيو بتاريخ 20 ديسمبر 1973، بينما افتتحت دولة اليابان سفارتها في أبوظبي بتاريخ 7 أبريل 1974.
علاقات تاريخية
ويعود تاريخ العلاقات الإماراتية اليابانية إلى الفترة التي سبقت قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث شاركت أبوظبي في معرض أوساكا «إكسبو 1970»، عندما حضر المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، المعرض بصفته ولي عهد أبوظبي. فيما يعود تاريخ العلاقات التجارية بين البلدين إلى منتصف القرن العشرين. وقد زار الوالد المؤسس لدولة الإمارات، الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، دولة اليابان في مايو 1990، وزار جلالة الإمبراطور الحالي لدولة اليابان، ناروهيتو، دولة الإمارات العربية المتحدة في يناير 1995 وقد كان وقتها ولي عهد اليابان. وشكلت الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى اليابان في عام 2014 بصفته ولي عهد أبوظبي، نقطة تحوّل مهمة في علاقات البلدين التجارية والاقتصادية والاستراتيجية، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت العديد من أوجه التعاون في مجال الطاقة والمياه والتبادل الأكاديمي البترولي والجودة والاستخدامات السلمية للطاقة النووية وتنسيق المساعدات الإنسانية التي تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة رائدة فيها.
كما شهد عام 2011 توقيع أبوظبي واليابان اتفاقية إنشاء «مجلس أبوظبي- اليابان الاقتصادي»، الذي يسهم في ترسيخ أوجه التعاون التقليدية، وفتح مجالات أخرى في العديد من الأنشطة الاقتصادية، كالتعاون في مجال تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل أهمية خاصة لاقتصادات مختلف بلدان العالم، حيث تختزن اليابان تجربة ثرية في هذا المجال أسهمت في تحولها إلى قلعة صناعية عالمية في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تعاون متعدد المجالات
وتعمل الدولتان بجدٍّ من أجل بناء علاقة أكثر قوة وتنوعاً لفترة طويلة. ويتوسع التعاون على الصعيد الاقتصادي ليشمل العديد من المجالات المختلفة، مثل مجال الطيران والسياحة والفضاء والثقافة والتعليم والخدمات الطبية والبيئة، وقد تم تحقيق إنجازات مهمة في جميع هذه المجالات.
ويدرك كل طرف أهمية علاقاته بالطرف الآخر، فدولة الإمارات تعتبر ثاني أكبر مزوّد لليابان بالنفط الخام، وهو مصدر مهم للصناعات اليابانية ولوسائل النقل هناك، إذ أسهمت اليابان منذ نصف قرن تقريباً في تطوير صناعة النفط الإماراتية، وخاصة في أبوظبي، حيث تعمل شركات النفط اليابانية ضمن شراكة مع شركات النفط الوطنية، كما أنها أسهمت في تنمية العديد من الصناعات البتروكيماوية وتلك المرتبطة بالنفط والغاز. وفي الوقت نفسه، تعتبر دولة الإمارات أكبر سوق للمنتجات اليابانية في الشرق الأوسط.
تبادل تجاري
تُعد دولة الإمارات عاشر أكبر شريك تجاري لليابان على مستوى العالم، وذلك وفقاً لإحصائيات عام 2021، وأكبر شريك استراتيجي لليابان في مجال الطاقة، حيث تستورد أكثر من 20% من احتياجاتها النفطية من الإمارات. وقد بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين في عام 2021 أكثر من 49 مليار درهم، ليستمر في الانتعاش خلال النصف الأول من عام 2022، حيث بلغ نحو 25.7 مليار درهم، محققاً نمواً بنسبة 2.7% مقارنة مع النصف الأول من عام 2021. وفي سبتمبر 2022، شهد سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، إطلاق اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين دولة الإمارات واليابان، والتي تم الإعلان عنها عام 2018 خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي إلى دولة الإمارات. وجاء إطلاق هذه الاتفاقية، تزامناً مع الاحتفال بمرور 50 عاماً على العلاقات الدبلوماسية المتينة بين البلدين الصديقين، وتأكيداً على أهمية تعزيز أواصر التعاون المشترك بين دولة الإمارات واليابان في مختلف المجالات، بدعم ورعاية قيادتي البلدين، بما يحقق تطلعات الشعبين إلى مزيد من الازدهار والتقدم والنماء، وتعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي. وتشمل المجالات الرئيسية للشراكة التعاون في المجال السياسي والدبلوماسي، وتعزيز جهود تقديم المساعدات الإنمائية والإنسانية، والتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة والصناعة، عبر تعزيز بيئة الأعمال للتجارة والاستثمار في كل القطاعات، مثل الصناعة والتكنولوجيا، والبنية التحتية والذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية، والشركات الصغيرة والمتوسطة، وغيرها من المجالات ذات الأولوية، إضافة إلى مجالات الزراعة والبيئة والتغيّر المناخي، والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، والدفاع والأمن.
الفضاء
وتعمل أكثر من 400 شركة يابانية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد زاد التعاون في مجال الفضاء مع دولة اليابان منذ الإطلاق الأول للقمر الصناعي «خليفة سات» من تانيغاشيما في عام 2018، متبوعاً بإطلاق أول مسبار كوكبي لدولة الإمارات العربية المتحدة «مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ في يوليو 2020. ووصل مسبار الأمل إلى مدار كوكب المريخ في 09 فبراير 2021. ويعيش ويعمل نحو 4500 مواطن ياباني في دولة الإمارات، وهو أكبر عدد للمواطنين اليابانيين المُقيمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
علاقات ثقافية
وشهدت العلاقات الثنائية بين الإمارات واليابان في المجالات الثقافية تطوراً مستمراً خلال السنوات الماضية، حيث كانت اليابان ضيف شرف معرض الشارقة الدولي للكتاب في 2018، احتفاء بإنجازاتها الحضارية المتميزة التي شكل الكتاب فيها عاملاً ومحركاً رئيسياً في بناء الثقافة وتشكيل الأخلاق الاجتماعية.
كما ينظم النادي الياباني في جامعة زايد سنوياً فعاليات «أيام في اليابان»؛ بهدف تعريف الطلبة بالثقافة اليابانية واستكشافها من قرب. ونظم رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي معرض «الشرق إلى الشرق» الذي يكشف النقاب عن الأساليب التي تتبعها المواهب الشابة على الساحة الفنية الإماراتية من أجل تعزيز قنوات التواصل الثقافية مع الفنون اليابانية، كما افتتح متحف اللوفر أبوظبي معرض «من وحي اليابان: رواد الفن الحديث» الذي يقدم فرصة الاطلاع على أعمال 12 فناناً، من بينهم فنانو حركة «نابي» وكبار معلمي حركة أوكييو - إه الفنية من القرنين التاسع عشر والعشرين.