تشهد العلاقات الثنائية الإماراتية الفرنسية نمواً متصاعداً على مختلف الأصعدة، ما يسهم في تعزيز الشراكة الاستراتيجية التي تربطهما ويضفى عليها طابعاً خاصا يتسم بالخصوصية والاحترام المتبادل والرؤى المتقاربة حيال القضايا الإقليمية والعالمية.

وتولي قيادتا البلدين ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، وفخامة الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية العلاقات بين البلدين بمختلف أوجه الدعم والاهتمام، والتي بدأت الدولتان جني ثمارها على المستوى السياسي والدفاعي والاقتصادي والثقافي.
وشكل حضور الدولتين الدبلوماسي دعامة رئيسية لمواجهة أنواع مختلفة من التحديات الإقليمية والدولية، وقد لعبتا معاً دوراً بارزاً في التصدي للتطرف والتعصب، والإسهام في نشر مفاهيم التسامح والتعايش بين الأديان والمجتمعات والمساهمة الفاعلة في ترسيخ الأمن والسلم العالميين.

تاريخياً، تعود العلاقات بين البلدين إلى ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات، حيث عمل عدد من الشركات الفرنسية النفطية مثل "توتال" في التنقيب عن النفط في الإمارات، فيما أسبغت الدولتان علاقتهما الثنائية بالطابع الرسمي فور قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، وتعززت هذه العلاقات بعد الزيارة الأولى للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" لفرنسا في العام 1975.

وتبرز الزيارات الرسمية عالية المستوى، واللقاءات الدورية، حجم التعاون المتنامي بين البلدين، وهو ما نجم عنه إنشاء لجنة الحوار الاستراتيجي الإماراتي - الفرنسي والتي بدأت أعمالها في العام 2008، حيث يهدف الحوار إلى تحديد الفرص والشراكات القائمة والمستقبلية وتضمين استمرارية التعاون في مشاريع ومبادرات قائمة مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار والثقافة والنفط والغاز والطاقة النووية والطاقة المتجددة والتعليم والثقافة، والصحة والفضاء والأمن، وغيرها من القطاعات ذات الأولوية المشتركة.

وفي الإطار ذاته.. اعتمد الطرفان في 3 يونيو 2020 خريطة طريق جديدة لشراكتهما الاستراتيجية في السنوات العشر المقبلة أي في الفترة من 2020 إلى 2030 ، وفي الاجتماع الرابع عشر للجنة الذي عقد في يونيو الماضي في أبوظبي، بحث الجانبان سبل تعزيز القطاعات الرئيسية للتعاون الثنائي كالاقتصاد، والتجارة والاستثمار، والنفط والغاز، والهيدروجين الخالي من الكربون، والطاقة النووية والمتجددة، والتغير المناخي، والتعليم، والثقافة، والصحة، والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا المالية، وحقوق الملكية الفكرية، ومواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والفضاء، بالإضافة إلى الأمن الإلكتروني.
وشهدت السنوات الماضية التوقيع على عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية والبيئية، وكان آخرها 13 اتفاقية جرى توقيعها خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإمارات في ديسمبر الماضي.
وعلى مستوى التعاون الاقتصادي ترتبط الإمارات وفرنسا بعلاقات اقتصادية واستثمارية متميزة، وتعكس بيانات التجارة الخارجية غير النفطية بين الإمارات وفرنسا قوة ومتانة العلاقات الاقتصادية بين البلدين الممتدة منذ عقود طويلة، حيث وصل إجمالي حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين إلى ما يزيد على 25.2 مليار درهم بنهاية عام 2021 وذلك حسب بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والاحصاء.

ويولي البلدان عناية خاصة للشراكة الثقافية بينهما إيمانا منهما بأهميتها في مد جسور التواصل بين شعبي البلدين، وخلال السنوات الماضية شهدت هذه الشراكة إنجازات كثيرة تمثلت في افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي الذي يعد أول متحف عالمي في العالم العربي، وأكبر مشروع ثقافي تروج له فرنسا في الخارج، وكذلك جامعة باريس - السوربون أبوظبي التي تأسست عام 2006، حيث تمثل الجامعة اتفاقاً تاريخياً يحقق الرؤية المشتركة بين حكومة دولة الإمارات والحكومة الفرنسية لتحقيق أفضل المعايير في مجال التعليم الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط.

ولعب البلدان دورا رئيسيا في إنشاء التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع /ALIPH/ ، كما ساهمت دولة الإمارات بـ 5 ملايين يورو لدعم معهد العالم العربي في باريس عام 2017، وتم في العام نفسه افتتاح قاعة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في متحف اللوفر في باريس. علاوة على ذلك، ساهمت دولة الإمارات في ترميم المسرح الإمبراطوري لقصر«فونتينبلو» بالقرب من باريس بمساهمة قدرها 10 ملايين يورو، وبناءً عليه سمي المسرح باسم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، “رحمه الله”.

وفي مجال التعليم تشكل المدارس الثانوية الفرنسية السبع المعتمدة في دولة الإمارات سادس أكبر شبكة مدارس فرنسية في العالم من حيث الالتحاق، وتضم أكثر من 10000 طالب، وفي عام 2018 تم تنفيذ برنامج المرحلة التجريبية لإدخال اللغة الفرنسية في جميع المدارس الحكومية في الإمارات حيث يتعلم الآن أكثر من 60 ألف تلميذ اللغة الفرنسية في المدارس الحكومية والخاصة في الدولة.