سامي عبد الرؤوف (دبي)

يدعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، المبادرات المعنية بالقضاء على الأمراض المدارية المهملة، وتخليص الدول النامية والفقيرة من أمراض، مثل: شلل الأطفال والملاريا، ومرض دودة غينيا، والعمى النهري، وداء الفيلاريات اللمفاوي، بالتعاون والمشاركة مع الجهات الدولية المعنية.
وتتسم المبادرات التي يتبناها أو يطلقها صاحب السمو رئيس الدولة على المستوى العالمي، بأنها «شاملة ومبتكرة ومستدامة»، وتشمل مجالات حيوية مثل تصنيع اللقاحات واستخدام الذكاء الاصطناعي وإنتاج التكنولوجيا والصحة الرقمية، فضلاً عن العمل على أجندة عالمية للرفاهية والصحة التي تقع في صميم أولويات دولة الإمارات العربية المتحدة. 
مشروع مستدام 
وأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من أبوظبي في عام 2017، صندوق «بلوغ الميل الأخير»، وهي مبادرة مدتها 10 سنوات، بقيمة 100 مليون دولار، بالتعاون من مؤسسة بيل غيتس الخيرية، بهدف التمهيد لإنهاء مرضين مداريين مهملين ومدمرين، وهما: العمى النهري، وداء الفيلاريات اللمفاوي. 
 كما وفر الصندوق خلال عام 2018، أكثر من 13.5 مليون علاج للمرضين، ودرب نحو 76 ألفاً من العاملين في مجال الرعاية الصحية، للمساعدة في توسيع نطاق العلاج ومناطقه.
وأسس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، معهد «ريتش» في أبوظبي، من خلال شراكة بين سموه ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وتنصب جهود المعهد في استئصال خمسة أمراض. 
وتتمحور مهام المعهد في مجالات رئيسة، هي: تعزيز الدعم المقدم لقضايا استئصال الأمراض المعدية على مستوى العالم، والنهوض باستراتيجيات القضاء على الأمراض، وتقديم الدعم من خلال وضع وتنفيذ استراتيجيات وخطط للقضاء على الأمراض في البلدان المتضررة، وابتكار أنظمة وأدوات لتنفيذ خطط مكافحة الأمراض، والاضطلاع بدور فكري ريادي في تطوير وتحسين الأدوات والأنظمة المتاحة للقضاء على الأمراض.
وبفضل جهود سموه، قادت الإمارات الجهود الدولية الرامية إلى استئصال مرض شلل الأطفال من دول العالم، حيث احتضنت العاصمة أبوظبي، أول قمة عالمية للقاحات في أبريل عام 2013، لتأييد الدور المهم الذي تلعبه اللقاحات والتحصين في توفير بداية صحية لحياة الأطفال. 
 وانتهت القمة بجمع ما يزيد على 4 مليارات دولار (14.7 مليار درهم)، بغرض تحقيق هذا الهدف العالمي المنشود، وتبرع سموه بمبلغ 120 مليون دولار.
وعلى مدار عشر سنوات، قدم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ما يزيد على 450 مليون دولار، من أجل تحسين الأوضاع الصحية للشعوب حول العالم، وتوفير هذه المساعدات في صورة علاجات ورعاية وقائية وتدريب في المجتمعات التي تفتقر إلى الخدمات الصحية الجيدة، مع التركيز بشكل خاص على بلوغ الميل الأخير للقضاء على الأمراض.
مكافحة الملاريا 
وتعد الإمارات من بين أكبر المانحين لدعم جهود دعم القضاء على الملاريا، بما في ذلك شراكة الإدارة القائمة على النتائج لإنهاء الملاريا، وهي منصة عالمية لتنسيق العمل لتخليص العالم من الملاريا. 
وتعمل الإمارات بصفتها الرائدة في مجال الإدارة القائمة على النتائج، على العمل في إجراء بحوث تشغيلية جديدة، وجهود دفاع إضافية، من أجل القضاء على الملاريا.
وأعلنت مبادرة «بلوغ الميل الأخير»، ومنظمة «ملاريا نو مور» توسيع مبادرتهما المعنية بالمناخ والصحة العالمية «التنبؤ بمستقبل صحي»، من خلال دعمها بمنحة جديدة لمدة ثلاث سنوات بمبلغ خمسة ملايين دولار. 
وتمثل مبادرة «التنبؤ بمستقبل صحي» اتحاداً يضم منظمات صحية وتقنية رائدة تعمل على الحد من تأثير تغير المناخ على المساعي الرامية للقضاء على المرض. 
وتأتي المبادرة التي تم إطلاقها في عام 2020 من خلال التمويل الأولي المقدم من مبادرة بلوغ الميل الأخير، في مقدمة الجهود المبذولة للقضاء على الملاريا المرتبطة بالتغيرات المناخية. 
ومن خلال تطوير أدوات للتنبؤ الصحي بانتشار هذه الأمراض، ووضع خطط ممنهجة وسياسات داعمة لمساعدة الحكومات على تنفيذها، يمكن تحديد التوقيت الملائم للتدخلات الصحية اللازمة، واستهداف هذه الأمراض بشكل أكثر فعالية.
ويأتي دعم مبادرة «التنبؤ بمستقبل صحي» امتداداً لجهود دولة الإمارات العربية المتحدة المستمرة في مكافحة الأمراض التي يمكن الوقاية منها. 
وبتوجيهات صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تواصل الإمارات العمل بالتعاون مع أبرز الشركاء والمؤسسات المتخصصة في مجال الصحة العالمية، وذلك من خلال إطلاق شراكات هادفة يكون لها تأثير حقيقي وملموس في مساعدة المجتمعات لتعيش حياة أكثر صحة.
وتعد الملاريا أحد أقدم الأمراض وأكثرها فتكاً في العالم، والتي تطيل دورة الفقر في العديد من المجتمعات والدول وتدمر العائلات. ووفق تقرير الملاريا العالمي لعام 2021 الصادر عن منظمة الصحة العالمية، بلغت حالات الإصابة بالملاريا 247 مليون حالة وأكثر من 619 ألف حالة وفاة، وكانت كل ثلاث من أربع حالات وفاة هي لأطفال لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات. 
تغير المناخ 
وفي الوقت الذي يأتي فيه العمل المناخي على رأس جداول الأعمال الحكومية في جميع أنحاء العالم، فإن تأثير تغير المناخ في القضاء على الملاريا وغيره من الأمراض المعدية الحساسة للمناخ، يمثل قضية ملحة، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار والطقس القاسي إلى تعطيل النظم الصحية وتغيير نطاق الأمراض المنقولة ومواسم انتشارها.
ويجدر بالذكر أن صنفاً واحداً من البعوض والذي يحمل اسم «أنوفيليس ستيفنسي»، استطاع توسيع نطاق انتشاره ليشمل المناطق المأهولة، وأظهر مقاومة متزايدة لمختلف أنواع المبيدات الحشرية. ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية، تم إطلاق مبادرة تهدف إلى الحد من انتشار هذا الصنف من البعوض عبر زيادة عمليات المراقبة، وتحسين تبادل المعلومات اللازمة، وزيادة أولوية الأبحاث المتعلقة بهذا الصنف.
وتشهد الجهود المبذولة نحو القضاء على مرض الملاريا تقدماً ملحوظاً في النتائج المرجوة، حيث أظهر تقرير الملاريا العالمي لعام 2021 تسجيل 35 دولة موبوءة أقل من 1000 حالة إصابة جديدة بالملاريا، فيما تراجعت أعداد الوفيات المرتبطة بالملاريا في خمس من البلدان الأكثر تأثراً بالمرض، وتشير هذه النجاحات المحققة في محاربة الملاريا إلى أن استخدام الأدوات المناسبة، وتوجيه التمويلات كفيل بإنقاذ الكثير من الأرواح.
شراكة مبتكرة 
تمثل مبادرة «التنبؤ بمستقبل صحي» شراكة مبتكرة مع منظمة «ملاريا نو مور» واتحاداً من الشركات العالمية العاملة في مجال الصحة والتكنولوجيا. وأكدت مبادرة «بلوغ الميل الأخير» التزامها بدعم مبادرة «التنبؤ بمستقبل صحي» من خلال التزامها بتقديم 5 ملايين دولار لدعم جهود الأخيرة.   وتم تقديم جائزة تمهيدية من قبل بلوغ الميل الأخير قدرها 1.5 مليون دولار، قدمتها خلال عام 2020 لتقييم جدوى استراتيجيات الملاريا المستندة إلى المناخ. 
وبعد جمهورية مصر العربية ينقل العالم مساعيه وآماله فيما يتعلق بجهود مواجهة تغير المناخ إلى دولة الإمارات التي تستضيف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» العام الحالي.  ونظراً للمساعي التي تبذلها دولة الإمارات للقضاء على الأمراض منذ فترة طويلة، فإنها بلا شك الوجهة المثالية لتسليط الضوء على الآثار المعقدة لتغير الظروف المناخية على أمراض مثل الملاريا.
ومع الالتزام المتجدد للشركاء المؤسسين، وفي مقدمتهم مبادرة «بلوغ الميل الأخير»، فإن مبادرة «التنبؤ بمستقبل صحي» تأمل بتمهيد الطريق لاعتماد حلول صحية عالمية ومبتكرة من شأنها توفير الحماية للأشخاص والمجتمعات الأكثر ضعفاً في سياق تغير المناخ.
الذكاء الاصطناعي 
ابتداءً من شهر ديسمبر عام 2022، يطلق المعهد الجديد للملاريا والحلول المناخية (IMACS) عملياته في جمهورية إندونيسيا بالتعاون مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي والشركاء في إندونيسيا من القطاع العام والأوساط الأكاديمية.
وأصبح الذكاء الاصطناعي أداة قوية للباحثين وصانعي القرارات بفضل الكميات الهائلة من البيانات التي تساهم في وضع الرؤى، واتخاذ القرارات المناسبة، كما هو الحال بالنسبة للبيانات التي تتوافر لدينا عن الملاريا وطرق انتقاله، والتأثيرات البيئية والمناخية على انتشاره، والتي تساعد في تطوير استراتيجيات تضمن لنا القضاء على هذا المرض.
ومن خلال التعلم الآلي، يمكن تحليل كميات هائلة من بيانات الأقمار الصناعية والأحوال الجوية في الوقت الفعلي للتنبؤ بالتغيرات المناخية المحتملة، وتوجيه الفرق المعنية لتحليل وتحديد المخاطر الوشيكة واتخاذ الإجراءات المناسبة تجاهها. 
وتعد جامعة محمد بن وايد للذكاء الاصطناعي أول جامعة بحثية للذكاء الاصطناعي في العالم، تدعم منظمة ملاريا نو مور، ومبادرة بلوغ الميل الأخير، في جهودهما لتخليص البشرية من الملاريا إلى الأبد.