لكبيرة التونسي (أبوظبي)

أمهات أصحاب الهمم نماذج مشرفة من التفاني ونكران الذات، وأدوار عظيمة في الحياة، يقدمن صوراً جميلة عن الأمومة والوفاء والعطاء الإنساني غير المشروط. يحرصن على بناء جيل مستقل متميز وقادر على خدمة نفسه ومجتمعه ووطنه، ويعملن بجد لإيجاد فرص لأبنائهن ودفعهم نحو التميز، ليعطين مثالاً رائعاً للأمومة، ويشكلن نبراساً مضيئاً لأبنائهن ورسالة أمل للأمهات.
في يوم «الأم»، أمهات أصحاب الهمم رسائل أمل وقصص ملهمة، ضمن أدوارهن المستمرة في الحياة، يواجهن واقعهن بعزيمة كبيرة، وينكرن ذواتهن من أجل فلذات أكبادهن. وإذا كانت الأم ذات المكانة العظيمة تستحق التكريم في هذا اليوم، فإن أمهات أصحاب الهمم يستحققن أكثر من وقفة تقدير، لما يقدمنه من تضحيات في سبيل الاعتناء بأبنائهن مدى الحياة.

جوائز مرموقة
آمنة عبد الرزاق من الأمهات المثاليات، حصلت على 4 جوائز في مجال الأسرة والأبناء، منها «جائزة برنامج سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للتميز والذكاء المجتمعي» فئة «الأسرة المتميزة في رعاية أصحاب الهمم»، والعديد من الجوائز المرموقة الأخرى. كأم مثالية استطاعت أن تعمل على تألق أبنائها الـ 5 ومنهم 3 من أصحاب الهمم والذين يتميزون بمستويات عالية من الأداء الدراسي. 

عالم التميز
بدأت قصة كفاح آمنة عبدالرزاق عندما تزوجت في سن صغيرة بزوج من أصحاب الهمم، أنجبت من الأبناء 5 وكانوا نجوماً في عالم التميز، شقت طريق النجاح بتخطي مراحل العلاج على مدار سنين. حصل أبناؤها على المراتب العليا، ما أهلهم الانتساب إلى أفضل الجامعات في الدولة، بينهم 4 مهندسين متميزين. كافحت وكانت، في الوقت الذي تعتني به بأبنائها، تعمل موظفة في القطاع الخاص، ثم انتقلت فيما بعد إلى العمل الحكومي. 

نظرة المجتمع
بالحديث عن أهم التحديات التي واجهتها، قالت عبدالرزاق، إن نظرة المجتمع وانتقاداته كانت الأصعب. فمع وجود زوج و3 أبناء من أصحاب الهمم كانت المواقف تتكرر بالتنمر عليها. استكملت دراستها الثانوية العامة، وأصرت على الالتحاق بالعمل كي تساند أسرتها وتواكب تطورات الحياة وتخفف الأعباء عن زوجها. آمنة قصة ملهمة ورسالة أمل، أم وموظفة وطالبة جامعية ومتطوعة، نظمت وقتها ووزعت جهدها على إنجاز المستحيل، وبرزت في مختلف الميادين ونجحت وحصلت أسرتها على 139 شهادة شكر وتقدير لتميزها.

التسلح بالصبر
أثبتت أمهات أصحاب الهمم الرائعات أن الصعوبات فتحت لهن باب خير كبير، تسلحن بالصبر وتجاوزن الصدمة، وبدأن العمل لإخراج أبنائهن من براثن المرض، فما كان لهم إلا التميز والتألق والنجاح. صالحة محمد باحميشان أم لـ 4 أبناء منهم 2 من أصحاب الهمم، فئة التوحد زايد (18 سنة) وخليفة (9 سنوات)، عندما عرفت أن ابنها زايد يعاني هذا الاضطراب وعمره سنتان، كانت تتألم وتسلحت بالإيمان القوي بالله، بدأت الفحوص داخل الدولة، وتم تشخصيه بأنه مصاب باضطراب التوحد. ألحقته بمراكز متخصصة بهذه الحالات، وبدأت تتضح الصورة. وقالت: ساعدوه كثيراً، وبعد المرور بمراحل عدة تم دمجه في مدرسة حكومية، وفي الصف السابع، لاحظت حبه للتكنولوجيا والكمبيوتر، ووفرت له كل الأدوات، فأظهر تفوقاً في هذا المجال وصنع «ربوت التسامح» وألبسه الزي الإماراتي وبرمجه بصوته وتغلب على التحديات، محققاً الكثير من الإنجازات، منها قدمان اصطناعيتان لأصحاب الهمم، ولديه الكثير من شهادات التقدير ويتوافر على مواهب عدة، كالرسم وكرة السلة. حصل على الثانوية العامة بتفوق، ويتابع دراسته في جامعة خليفة، وحلمه أن يكون دكتور أطفال، وسفيراً لأصحاب الهمم.

برنامج متخصص
سميرة سالم حرز الله قصة مليئة بالتحديات والتميز والنجاح، وهي أم لـ 5 أبناء منهم شاب مصاب بالتوحد عمره 28 عاماً. ذكرت أن ابنها ولد بصحة جيدة وكان مشرق الوجه رقيقاً ويتفاعل مع الجميع، تطوره كان طبيعياً حتى وصل إلى 18 شهراً، حين سقط عن كرسي، وبعد أسبوع من دخول المستشفى لاحظت الأسرة عزوفه عن اللعب واختفت الابتسامة وحل محلها الخوف والصراخ والشرود، وأصبح لديه ضعف واضح في اللغة والتواصل. وذكر الأطباء أن ما يعانيه هو اضطراب التوحد، وعملت كل ما بوسعي كأم لاستعادته. 
وأضافت حرز الله: أصبح همنا أن نعرف ما هو التوحد، وكيف نتعامل معه. دخلت دورات متخصصة وجدت نفسي في دوامة كبيرة بين مسؤولياتي واستعنا بمدرس متخصص، حيث قمت بتقسيم وقتي، اهتم بولدي وأدربه وأقوم بشؤون البيت وباقي أولادي. كان التحسن بطيئاً، فولدي بحاجة إلى برنامج متكامل متخصص، وكنت كل ما أتعلمه أعلمه لأفراد الأسرة ليتعاملوا بنفس الطريقة وليكونوا على علم بحاله. التقيت بمجموعة من الأمهات لديهن مثل حالة ابني، وفتحنا فصلين في إحدى المدارس، وكنت أعمل على توعية المجتمع لألفت الانتباه إلى الطفل المتوحد، وتوّج هذا المجهود بفتح مركز أبوظبي للتوحد 2000 -2001، وبعد دراسة متأنية ونتيجة لخبرتي العملية، قررت تأسيس مركز خاص يضم فئتي التوحد والإعاقة الذهنية عام 2007.

تجاوز الصدمة 
إيمان العليلي أم لـ 4 أبناء، بينهم ابن مصاب بطيف التوحد، عملت بكل قوة على تميز ابنها من أصحاب الهمم. عندما عرفت بإصابة ابنها بطيف التوحد، وجدت صعوبة في تعليمه، كان ألمها مستمراً، لكن بعد فترة حولت هذه التحديات إلى نجاح. قالت: بسبب ابني المصاب باضطراب التوحد، فُتحت لي أبواب خير كثيرة ما كنت لأدركها، عرفت الأمومة من ابني الكبير، كان ذكياً نبيهاً، يحفظ بسرعة ومتميز في المدرسة، بعدما أنجبت ابني الثاني لاحظت أنه ليس كأخيه وباقي أقرانه، راجعت مستشفيات داخل الدولة وخارجها لمعرفة المشكلة التي يعانيها. وعندما تأكدت إصابته بطيف التوحد، دخلت في صدمة ومرحلة إنكار، وبعد فترة بدأت أبحث عن طريقة التعامل مع حالته، وخصصت له اختصاصيين في النطق والعلاج الطبيعي. وبدوري، دخلت دورات لتعلم كيفية التعامل معه وإدارة حالته، وبعد أن تحسن وضعه في أحد مراكز التوحد، قررت إلحاقه بمدرسة عادية مع معلم ظل، وكان قراراً جيداً، وبدأت حالته تتحسن.

نصائح
تؤكد سميرة حرز الله، ضرورة تعزيز دور الأسرة وتكاتفها وتدريبها من أجل التعاون المشترك للعناية بأصحاب الهمم ودمجهم في المجتمع وتقبلهم والدفع بهم من دون الشعور بالخجل الاجتماعي. ومن خلال تجربتها مع أبنائها، تقدم النصائح لكل أم لديها طفل من أصحاب الهمم، بأن توفر له الحب والتقبل والمساعدة والحماية والتسليم بإمكانياته ودعم قدراته وتشجيعه، ما يزيد من ثقته بنفسه وتقديره لذاته. وبذل أقصى جهد ممكن في التدريب والتعليم على ممارسة المهارات اليومية، بما يتناسب مع وعيه وقدراته، وتجنب أسلوب المقارنة مع إخوته أو أقاربه، بل مقارنته بنفسه ومدى تحسن قدراته، والابتعاد عن الحماية المفرطة أو الخوف الزائد؛ لأن ذلك يعوق لديه عمليات التعلم والمشاركة والمواجهة والاستقلالية. والتعرف على طبيعة الإعاقة التي يعانيها وتطوراتها ومضاعفاتها، حتى يمكن التعامل معها بالأسلوب المناسب، وعدم عزله أو منعه من مقابلة الضيوف والآخرين والأهل والأقارب، وممارسة حياته الاجتماعية من دون تحفظ أو خجل، والتواصل مع بعض الأسر التي تعاني المشكلة نفسها؛ وذلك بهدف تبادل الخبرات والدعم.

الهوايات
كل أم من أمهات أصحاب الهمم، يرعبها التفكير في مستقبل أبنائها، هذا ما دفع إيمان العليلي إلى البحث عن هوايات تدعم ابنها وتعزز ثقته بنفسه. قالت: كنت دائمة التفكير في مستقبل أبنائي وأسعى إلى توفير كل ظروف النجاح لهم، كنت أحاول دعمه بممارسة الهوايات، فحصل على المركز الأول في السباحة على مستوى الإمارات، ومع مرور الوقت لاحظت اهتمامه بالموسيقى، لاسيما العزف على البيانو، وبمساعدة مدرس خاص أظهر ابني قدرات عالية في العزف، وأصبحت الموسيقى لغته المفضلة، وبات يشارك في فعاليات كثيرة، الأمر الذي زاد ثقته بنفسه ورفع تقديره لذاته.