سعد عبد الراضي (أبوظبي)
«الاتحاد» استعرضت آراء مجموعة من الخبراء في التربية والتعليم والتدريب، وكذلك الأدباء القريبين من إبداعات الأطفال، لاستطلاع آرائهم حول الطرق التي تمكننا من الحفاظ على هذه المواهب وتحفيزها، وتعزيز عناصر التميز والإلهام لديها، باعتبار براعم الجيل الصاعد هم الأمل في الخمسين القادمة.
عيسى الحمادي: إنشاء مركز وطني للموهبة
قال الدكتور عيسى صالح الحمادي، مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالإمارات العربية المتحدة: إن كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حول «استثمار الطفولة المبكرة استثمار في المستقبل»، تعكس الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة، إيماناً من سموه بأن الطفولة المبكرة تحمل البذرة الأولى لشجرة الموهبة والإبداع، والتي تحتم علينا -كواجب وطني- عدم هدرها، وإنما استثمارها من خلال رعايتها وتلبية احتياجاتها حتى نحافظ عليها باعتبارها ثروة مستقبلية ومَلَكَة وطنية. فهي بحاجة إلى رعاية خاصة ضمن برامج ومجال رعاية الموهوبين والمبدعين، ومن ضمنهما برنامجان في هذا المجال هما: «الإثراء» و«التسريع»، وذلك من خلال عدة مقترحات من بينها، تأسيس مركز للمواهب، ليكون مركزاً وطنياً إماراتياً له شخصية اعتبارية مستقلة، يتم فيه رسم سياسات وخطط وطنية لاستثمار المواهب بما فيها مرحلة الطفولة المبكرة، التي تعد فيها شعلة الإبداع في ذروة توهّجها، ولكن أي إهمال أو عدم اهتمام بها قد يسرِّع من خفوتها، وبالتالي ستنطفئ وتهدر، إذا لم يتم استثمارها ضمن الرؤية الوطنية المستقبلية.
رؤية مستقبلية
وأضاف د. الحمادي: من هنا تأتي أهمية الرؤية المستقبلية في استثمار مواهب وإبداعات الأطفال كثروة وطنية، وجّه بها صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وسعي سموه للحفاظ على هذه الثروة واستثمارها ضمن المكتسبات الوطنية، وذلك من خلال مقترح المركز الوطني للموهبة الإماراتية الذي سيحقق تلك الطموحات في احتضان الموهبة، ورعايتها واستثمارها في مرحلة مبكرة، وهي مرحلة الطفولة.
وتابع الحمادي: هنا نتساءل من هو الطفل الموهوب المبدع؟ تشير الدراسات التربوية إلى أنه ذلك الطفل الذي يؤدي العمل أو ما يُطلب منه من واجبات وأعمال، سواء كانت تربوية أو علمية أو غيرها بكفاءة متميزة وعالية بالمقارنة مع أقرانه، الذين هم في مرحلته أو فئته العمرية. وبطريقة وأسلوب يبشر بتحقيق إنجازات عظيمة وكفاءة عالية، وهذا المفهوم يحتاج إلى أساليب وآليات وأدوات علمية لاكتشاف وتحديد الموهوبين والمبدعين.
معايير ومؤشرات
وخلاصة القول: طبقاً للتوجيهات الرشيدة لاستثمار المواهب والإبداعات واحتضانها من أجل المستقبل، فإننا في دولة الإمارات بحاجة إلى مركز وطني للموهبة يتبنى رعاية الأطفال الموهوبين والمبدعين، ويشارك في إعداد خطته خبراء على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، ومن خلال الاطلاع على أفضل التجارب والممارسات الدولية الإقليمية والعربية والعالمية من برامج تربوية وتعليمية. وكذلك إعداد معايير ومؤشرات تضمن تحقيق أهداف هذا المركز الوطني للموهبة، وبذلك سنضمن مواكبة التطورات في مجال استثمار الموهبة والإبداع لدى الأطفال، وهو استثمار في المستقبل من أجل رفعة وخدمة الوطن في جميع المجالات (من رياضيات وعلوم ولغة وأدب وفيزياء وغيرها).
فاطمة المزروعي: أهمية كبرى لورش الكتابة
قالت القاصة والأديبة فاطمة المزروعي: تعد ورش الكتابة الإبداعية مهمة جداً وبالأخص للأطفال، حيث أسعى من خلالها إلى تشجيعهم على الكتابة، خاصة أن كثيراً منهم يتمتعون بمواهب واعدة في مجال الكتابة، يمكننا توظيفها وصقلها، وأضافت: إن لدى الأطفال شغفاً بالمعرفة وحب الاستطلاع والفضول الدائم، وهذا الأمر استكشفته خلال الورش، كما أن عشقهم للصور والتفاصيل كبير، ولديهم الكثير من الأسئلة التي تحتاج أحياناً إلى إجابة واضحة وواعية.
الابتكار والإبداع
وتابعت المزروعي: كما أن الأطفال خلال تلك الورش يخرجون من عزلتهم، ويصبح لديهم الكثير من الثقة والرغبة في التحدث عن تفاصيل يومهم، وماذا فعلوا وكيف أنجزوا. إن الطفل يجب أن يعمل بيده، ويقوم بالرسم والقص، ولهذا فإننا في أغلب الورش التدريبية نستخدم تلك الأدوات التي تساهم في تنمية مهارات الطفل وتشجيعه على الابتكار والإبداع والتعبير عن ذاته. وأكدت أن الأطفال يمكن أن ينجزوا العديد من الأعمال الإبداعية في مجال الكتابة، بعد التدريب والتشجيع، من خلال كتابة العديد من القصص، التي ستكون، في الغالب، أكثر قرباً لحياتهم وواقعهم لأنهم سيكتبونها من وحي تجاربهم الخاصة، ويومهم الدراسي وحياتهم مع أسرهم واحتكاكهم بالشخصيات القريبة منهم، وإلهامات عالمهم الخيالي. وقالت المزروعي: إنني متفائلة جداً بالأعمال الإبداعية القادمة التي سوف يكتبها لنا الصغار.
هيا القاسم: التدريب مهم
قالت المستشارة القرائية للطفولة ومدربة التفكير الإبداعي هيا القاسم: الإمارات تدعم بشكل كبير تنمية كل بوادر موهبة لتصبح وتكون جزءاً لا يتجزأ من مصادر إبداع المجتمع. وأضافت: اليوم نجد الطفل الإماراتي أنموذجاً يحتذى به محلياً وعربياً، وأصبحنا نشهد اسمه يسطع عالمياً، وإننا نرى اليوم مقومات عدة لبناء هذه الشخصيات الصاعدة والمتميزة التي تتألق في سماء الإبداع. وهنالك روافع ومعززات عدة لتنمية روح الإبداع لدى النشء في مقدمتها: أولاً، الدعم غير المحدود من قبل الحكومة الرشيدة التي تسعى لبناء جيل قائد ومبتكر. ثانياً، مجتمع محفّز يوفر بيئة تدعم المواهب بكل أشكالها. ثالثاً، أسرة واعية مثقفة تنمّي وتعزز مهارات ومواهب الطفل.
وتابعت: نتمنى دائماً أن يبقى الطفل الإماراتي خاصة، والطفل العربي عامة، نموذجاً عالمياً، فاليوم نجد بين أطفالنا مؤسسي مشاريع، مثل الظبي المهيري والدانة الحمودي وريماس عبدالله وغيرهم. ونجد منهم النوابغ، مثل علي اللوغاني وهيام الحساني وسعود الكعبي وموزة الهوتي وغيرهم كثير. ونجد منهم أيضاً الأدباء، مثل ريمان عبدالله ومريم المرزوقي ونيلا الأحبابي وسلطان الشامسي، والمبتكرين كمحمد النقبي وعمار المرزوقي وشريفة الهوتي وسلطان البادي وعلياء الكندي. ونرى منهم كذلك ممثلين للدولة في مجالات عدة مثل غاية الأحبابي، وأسماء تتجدد وتزداد يوماً تلو الآخر.
عبدالله السعدي: دور مهم للأسرة في حماية المواهب
قال الدكتور عبدالله علي سعيد السعدي، المتخصص في علوم المكتبات والمعلومات والباحث في التاريخ والمخطوطات: الطفل نعمة من نعم الله على كل أسرة، فعندما تُسمع أول صرخة بكاء لهم يوم ميلادهم، تطير القلوب فرحاً وتغمر البيت السعادة، وتردد الألسن: شكراً ربي على هذه النعمة. ومنذ اليوم الأول، تقوم الأسرة بدور كبير في تربية الطفل وتنشئته على التربية الصالحة، ومع المستقبل والجيل القادم للخمسين في دولتنا الحبيبة، تقوم الأسرة الإماراتية برعاية الموهوبين من أطفالها وتوفير كافة السبل وتذليل كل العقبات. وهناك دور محوري تقوم به الأسرة في حماية مواهب الطفل الإماراتي ألا وهو رفد الطفل بالمعارف من خلال حضانات متخصصة، كل حسب موهبته، ودمجه مع الموهوبين، والسفر عبر الزمن من خلال وسائل التقنيات الحديثة، لمعرفة ما سيكون عليه المستقبل، إن شاء الله، ومن خلال ورش تدريبية تصقل مواهبه وتنمّي فيه روح الإبداع والابتكار.
ثروة وطنية
وأضاف الدكتور السعدي: الطفل الموهوب ثروة وطنية يتعين الاستثمار فيها وإعطاؤها كل اهتمام، فلابد للمجتمع أن يقف مع الموهوب ويأخذ بيده ويعزز خطواته على سلم التميز والإبداع. والأسرة يقع عليها دور كبير في حماية المواهب وتنميتها والوصول بها إلى قمة النجاح والتقدم، لخدمة هذا الوطن الغالي.
أماني شازي: تحفيز الموهبة يؤدي للتفوق
قالت الخبيرة التربوية الدكتورة أماني بتكجي شازي: أعتقد أننا نحتاج اليوم كتربويين لأن نعزز من ممارساتنا في الاستجابة لحاجات الطلبة الموهوبين والمتفوقين في المدارس في كافة المراحل، بدءاً من مرحلة التعليم والرعاية المبكرة وطوال مراحل التعليم الأساسي، فالأمر ملح جداً لأنه برأيي يحقق العدل في التعليم. وأضافت: إذا كنت معلمة أو أستاذاً، ما المطلوب مني لأساهم في تحقيق هذه العدالة والواجب في تلبية احتياجات الطلبة الموهوبين؟ لنفترض أنني لاحظت طالباً يظهر بعض الملل في الصف مهما كانت المهام ممتعة، عليّ أن أتدخل إيجابياً وأجمع المعلومات من مصادر عدة من المدرسة ومن خلال الأهل والاختصاصيين لأفهم مستوى حاجات هذا الطفل وخاصة إذا تبين أنه موهوب ولديه إمكانات تفوق المتوقع من مستوى صفه.
وتابعت: يرى البروفيسور فرنسوا غانييه أن «الموهبة» هي قدرة طبيعية تكتشف لدى أقلية بنسبة 10% من الأطفال وتجعلهم يتفوقون على أقرانهم في السن ذاتها بمراحل متقدمة، قد تصل إلى حد عدد من السنوات. كما يحدد «غانييه» نسبة المتفوقين بأنهم 10% ممن تمكنوا من تطوير مهاراتهم الناتجة عن مواهب طبيعية بشكل ممنهج مع مرور الوقت، وهم أيضاً أقلية مقارنة بالفئات العمرية للأطفال. ويعني هذا أن الموهبة يمكن أن تؤدي إلى التفوق فقط إذا تم اكتشافها وتطويرها، مما يضع المعلم والممارس التربوي أمام مسؤولية حساسة. وأمامنا اليوم كمعلمين فرص مهمة جداً لدعم الطلبة الموهوبين لأن ذلك سبيل إلى التطور والنمو المعرفي المستقبلي في المجتمع.
عن المسؤولية التي تقع على عاتق المدارس والجامعات والمؤسسات التربوية كافة، قالت: المطلوب تطوير برامج للموهوبين تتضمن أهدافاً واضحة وفردية. كل طالب موهوب يحتاج للدعم من خلال رفع مستوى التحدي في كافة البرامج والمواد الدراسية. والممارسات الصفية يجب أن تتطور لتلبيه احتياجات هؤلاء الطلبة.
وأضافت: كل معلم على مستوى صفه يستطيع أن يتوقع الكثير من الطلبة حيث يخصص مثلاً نصف ساعة بشكل فردي أسبوعياً، إلى جانب التخطيط لسلسلة واسعة من المهام التي يغرسها في المنهاج ليلبي احتياجات الموهوبين. ومن شأن هذه المهام الخاصة أن تسرع من تقدم الطلبة الموهوبين، وتتحدى قدراتهم وتبقيهم في مساحة مناسبة وممتعة من العمل الملائم لمستوى معارفهم ومهاراتهم المتقدمة.
الانغماس في العمل
وتابعت: وأخيراً إذا دعمنا الطلبة الموهوبين بمهام وبرامج تشغل قدراتهم وتلائم احتياجاتهم، نستطيع أن نرفع من مستوى الرفاه لديهم.
مواهب اليوم.. عباقرة الغد
لقد كانت الرحلة في سبيل استعراض هذه المواهب شيقة وممتعة، حيث ملأتنا بالشغف الذي يدفعنا دوماً إلى متابعتهم في القادم من الأيام، وكذلك تقديم نماذج أخرى من عشرات المواهب المنتشرة في ربوع دولة الإمارات العربية المتحدة، والحقيقة أنه بعد الانتهاء من هذا العمل الصحفي الممتع، الذي لم يأتِ صدفة ولم يكن وليد اللحظة. وإنما جاء من خلال رصد ومتابعة على مدى عامين من خلال البحث عن العباقرة الصغار من براعم الوطن وجيله الصاعد، لتقديمهم في برنامج "مواهب" الذي يبثه القسم الثقافي كل يوم ثلاثاء على منصات صحيفة "الاتحاد".
نستطيع أن نستنج بمنتهى الأمانة والوضوح، أن الدولة بقيادتها الرشيدة ومؤسساتها الفاعلة وشعبها الواعي، تسير بخطى ثابتة ومشرقة نحو المستقبل، من خلال إعداد جيل الخمسين القادمة، حيث لاحظنا أن هذه المواهب إلى جانب تميزها في اللغة العربية وآدابها كمرتكز للهوية، تواكب أيضاً عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي وكل ما يتعلق بالتكنولوجبا الحديثة.
مركز وطني للموهبة
لم تكن استصافتنا لعدد من الخبراء والتربويين والمتخصصين في تدريب أصحاب المواهب من الأطفال على تنمية قدراتهم الإبداعية من أجل التحفيز فحسب ولكن المحور الرئيس الذي وجه إليهم كان متعلقاً بمقترحاتهم التي تدعم استمراريتهم وتؤمن الحفاظ على مكتسباتهم. ونستطيع أن نلخص ما آل إليه الاستطلاع بعد استعراض مواهبهم ولقاء عدد من أمهاتهم وهؤلاء الخبراء فيما يلي:
- الاقتراح بإنشاء مركز وطني للموهبة، يقوم على رعاية هذه المواهب.
- الاهتمام بجودة التعليم دائماً، وما يقدمه المعلمون للطلاب من أصحاب المواهب والقدرات الخاصة، ومراعاة الفروق الفردية.
- كما أكد الخبراء على دور الأسرة الأساس في الحفاظ على تميز هؤلاء الطلاب والاستمرار في تقديم الدعم الكامل لهم.
- الاهتمام باللغة العربية وآدابها كمرتكز للهوية، إلى جانب تعلم اللغات الأخرى.
- مواكبتهم من خلال إطلاعهم دائما على كل جديد في التطور التكنولوجي وتدريبهم عليه.
- تطوير برامج للموهوبين وإغماسهم في أعمال وأشغال علمية وثقافية وفنية وقرائية توسع مداركهم وتطور مستشعرات الاستقبال لديهم.
- الاهتمام بالجانب التدريبي وتقديم ورش داعمة لمواهبهم إلى جانب التركيز على الميول القرائية لدى هؤلاء الطلاب منذ طفولتهم المبكرة.