هالة الخياط (أبوظبي)
تولي دولة الإمارات العربية المتحدة الطفولة الاهتمام والعناية منذ قيام الاتحاد، ووردت بالدستور نصوص واضحة توجب أن يشمل المجتمع برعايته الأمومة والطفولة، وأن الأسرة قوام المجتمع، وتعد دولة الإمارات نموذجاً عالمياً في حماية حقوق الأطفال وتعزيز رعايتهم في المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية، حيث أطلقت حزمة من المشاريع والمبادرات لتعزيز تنشئة جيل المستقبل، إضافة إلى القوانين التي سنتها لترسيخ دور ومكانة الطفل في المجتمع الإماراتي.
وتقود الدولة بمختلف مؤسساتها الخاصة والعامة، إلى جانب الأفراد، جهوداً كبيرة في رفع الوعي المجتمعي بحقوق الطفل، من خلال إطلاق المبادرات التوعوية، وتوظيف المناسبات المحلية والعالمية في ترسيخ القيم والمبادئ التي تحترم وتصون حقوق الأطفال في ظل الخيارات المتعددة التي يتيحها الفضاء الإلكتروني بمختلف تحدياته ومخاطره.
وتتويجاً لحزمة القرارات التي تصب في مصلحة الطفل وضمان حقوقه، أطلقت الدولة فعالية سنوية تحت مسمى يوم الطفل الإماراتي تأكيداً على التزامها بإعداد جيل المستقبل لمتابعة مسيرة التنمية المستدامة.
الطفل الإماراتي
وحددت الإمارات 15 مارس من كل عام، موعداً للاحتفاء بالطفل الإماراتي وإبراز دور وإنجازات الدولة في إطار رعايته ومنحه حقوقه الأساسية بما يتماشى مع الأعراف والقوانين الدولية، إذ وضعت التشريعات التي توفر للطفل حماية كاملة وضمان حصوله على حقوقه وحمايته، كما قدمت الدولة كل سبل التمكين والدعم للطفل، ووفرت له أفضل الأنظمة الصحية والتعليمية والتربوية التي تؤمّن له تنشئة سليمة وصحية وسط ظروف إنسانية واقتصادية واجتماعية مناسبة.
ويأتي تخصيص يوم للطفل الإماراتي استكمالاً لجهود سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، في دعم المبادرات المبتكرة الدائمة لحقوق الطفل وحمايته، وذلك من منطلق حرص واهتمام الدولة بالتنمية البشرية ومستقبل أبنائها، باعتبار الإنسان أساس التطور في المجتمعات كافة.
وتبرز مساهمات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في دعم الطفولة على الصعيدين العربي والدولي، وأسست لسجل حافل بالإنجازات في هذا المجال، ودليل على ذلك توجيه سموها في عام 2018 بإنشاء المجلس الاستشاري للطفل، والذي كان نقطة الانطلاق لإنشاء برلمان الطفل حتى يتمكن الطفل الإماراتي من التعبير عن أمانيه، وما يطمح إليه في مستقبل هذا الوطن.
كما اهتمت سموها بتنمية قدرات الأطفال العرب بإنشاء برلمان الطفل العربي التابع لجامعة الدول العربية في الشارقة، والذي تعقد جلساته كل سنة في يوم الطفل الإماراتي، بما يرسخ مفهوم مشاركة الطفل في صنع القرار عن طريق الحوار المشترك بين أطفال الدول العربية.
بيئة مستدامة
وتحتفل دولة الإمارات في يوم الطفل الإماراتي 2023 تحت شعار «الحق في بيئة آمنة ومستدامة»، وذلك تماشياً مع التزام الدولة بتعزيز منظومة العمل المناخي وصولاً إلى بيئة مستدامة ووقف هدر الموارد الطبيعية والإضرار بها، ناهيك عن جهود الدولة في الحد من التغير المناخي الذي سيؤثر سلباً على مستقبل الأطفال والأجيال القادمة.
يعد حق الحصول على بيئة آمنة ومستدامة من أهم الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، خاصة فئة الأطفال، إذ يضمن لهم مستقبلاً مشرقاً بعيداً عن التغيرات السلبية والعوامل المؤثرة في المناخ التي من شأنها أن تضر بأجسامهم وعقولهم، فضلاً عن انقراض عدد هائل من الأنواع الحية وارتفاع منسوب البحار والمحيطات، وغيرها من الظواهر الناتجة عن تغير المناخ التي ستؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأطفال في الحاضر والمستقبل.
وتستضيف الدولة في أواخر عام 2023 مؤتمر «COP28» الذي يهدف إلى التصدي لتحديات المناخ العالمية، وخلق بيئة مستدامة تضمن لشرائح المجتمع كافة، خاصة الأطفال، حاضراً ومستقبلاً مشرقين.
تشريعات وقوانين
وضمنت الدولة حقوق الطفل من خلال العديد من القوانين والتشريعات التي وضعت حقوق الطفل موضع الحماية والرعاية والعناية اللازمة، حيث صادقت الدولة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في 3 يناير 1997. ولا يمكن حصر جهود الإمارات في ضمان بيئة آمنة ومستدامة للطفل. عززت الإمارات منظومة الأمن والحماية للأطفال، من خلال قانون وديمة لحماية الطفل الذي يعد خطوة من أهم وأبرز الخطوات التي تضمن حقوق الطفل في جميع الجوانب الحياتية، حيث يُمنع التدخين في أي من وسائل المواصلات العامة والخاصة والأماكن المغلقة في حال وجود الطفل، كما تتم معاقبة كل من تسبب في تعريض سلامة الطفل للخطر، وغيرها من البنود الصارمة. ويعطي القانون اختصاصي حماية الطفل صلاحية إخلاء الطفل عن موقع الخطر ووضعه في مكان آمن يضمن حمايته، وفقاً لتقديره لمستوى الخطر المحدق بالطفل. أما في الحالات الأقل خطورة، فيحق للاختصاصي في حماية الطفل زيارته بانتظام وتوفير الخدمات الاجتماعية، والتوسط بين أفراد الأسرة، والطفل.
توظيف الأحداث
وتحظر قوانين دولة الإمارات تشغيل الأطفال دون سن الـ15 سنة، أما بالنسبة للذين تتراوح أعمارهم من 15 - 18 سنة، فيسمح لهم بالعمل بناء على شروط معينة تتعلق بساعات العمل وظروفه، ويصدر لهم تصريح عمل مؤقت، أما بالنسبة للتدريب فيحصل الطلاب بين 15 - 18 سنة على تصريح وتدريب من وزارة الموارد البشرية والتوطين.
الحماية الرقمية
تنشط الإمارات في مجال توفير الحماية الرقمية للأطفال حول العالم، حيث تعود جهودها في هذا الإطار إلى عام 2001، حيث كانت أول بلد عربي ينضم إلى اتفاقية حماية الطفل من الجرائم السيبرانية. وفي عام 2015، استضافت الإمارات القمة العالمية الثانية لـ«ويبروتكت» التي أسفرت عن اتفاق الحكومات والمنظمات على إنشاء استجابة وطنية منسقة للاستغلال الجنسي للأطفال على الإنترنت. وفي عام 2018، وضمن فعاليات مؤتمر «تحالف الأديان لأمن المجتمعات: كرامة الطفل في العالم الرقمي»، نجحت الإمارات في حشد 450 من القيادات الدينية من شتى أنحاء العالم، بهدف وضع رؤية عالمية مشتركة لتعزيز حماية المجتمعات، خاصة الأطفال من جرائم الابتزاز عبر العالم الرقمي، ومخاطر الشبكة العنكبوتية.
وأنشأت الدولة من خلال وزارة الداخلية اللجنة العليا لحماية الطفل في 2009، وتأسيس مركز حماية الطفل عام 2011، وتدشين الخط الساخن للإبلاغ عن حالات الاعتداء على الأطفال.
استراتيجية شاملة
تستند جهود الإمارات لضمان حقوق الطفل على الاستراتيجية الوطنية للأمومة والطفولة لخمسة أعوام من 2017 - 2021 التي اعتمدتها الإمارات لتكون مرجعاً أساسياً لصانعي القرار، وتسعى الاستراتيجية إلى تعزيز المشاركة الحقيقية للأطفال واليافعين في جميع المجالات، لتشمل العديد من المبادرات، كما اتخذ المجلس الأعلى للأمومة والطفولة خطوات عدة لترجمة هدف الاستراتيجية المتعلّق بحق الأطفال في المشاركة، كان آخرها تشكيل «المجلس الاستشاري للأطفال» في المجلس الأعلى للأمومة والطفولة في الإمارات، بهدف تعزيز حقوق مشاركة الأطفال، حيث يمثل أعضاؤه مختلف إمارات الدولة، وتقع عليهم مسؤوليات عدة، من أبرزها: إبداء الرأي كلما طُلب منهم في المشاريع المتعلّقة بالأمومة والطفولة في مجالات التعليم والصحة والثقافة، والمشاركة في الوفود الرسمية للمجلس، والمساهمة في توعية الأطفال حول أنشطة المجلس الأعلى لحقوق الطفل وحقوق الأطفال الإماراتيين.
الميدان التربوي
على صعيد الميدان التربوي والتعليمي، فقد بادرت الدولة بوضع لائحة الانضباط السلوكي للمتعلّمين في المجتمع المدرسي، والتي نصّت على عدد من المحاذير الواجب مراعاتها في عملية تقويم السلوك السلبي للمتعلّم، ومنها منع العقاب البدني بأنواعه وأشكاله كافة، أو الحرمان من تناول الوجبات الغذائية، أو التكليف بأداء واجبات مدرسية إضافية على سبيل العقاب، أو استفزاز المتعلّم أو السخرية منه، أو طرده من المدرسة خلال ساعات الدوام المدرسي بقرارٍ فردي، أو تقييد حرية المتعلّم، أو حجزه في المدرسة.
وشهد العام الماضي مراجعة شاملة وتحديث للسياسات والتشريعات للقطاع التعليمي، حيث تمت إعادة تشكيل مجلس التعليم والموارد البشرية ليشرف على مستقبل المنظومة والجهات التعليمية في الدولة، وتم استحداث هيئة اتحادية جديدة «للتعليم المبكر» تختص بوضع وتنفيذ استراتيجية شاملة للطفولة المبكرة لتطوير مهارات وشخصية وحماية وتمكين الطفل.
«أبوظبي للطفولة المبكرة»
في إمارة أبوظبي، تتولى هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة الإشراف على منظومة متكاملة للطفولة المبكرة في الإمارة مع التركيز على قطاعات رئيسية هي: الصحة والتغذية، وحماية الطفل، والدعم الأسري، والتعليم والرعاية المبكران.
وتوفر دولة الإمارات التعليم مجاناً للمواطنين في المدارس والكليات والجامعات وفقاً للمادة 17 من دستور الدولة والمادة 1 من القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 1972 بشأن التعليم الإلزامي، باعتباره عاملاً أساسياً لتقدم المجتمع، وهو إلزامي في مرحلته الابتدائية ومجاناً في كل مراحله. وفي يوليو 2012 أطلق مجلس الوزراء قانوناً جديداً بشأن التعليم ينسجم مع الكثير من الدول المتقدمة في جميع أنحاء العالم، والذي ينص على إلزامية التعليم لكل من أكمل ست سنوات، ووجوب استمراره لغاية التخرج من الصف 12 أو بلوغ 18 عاماً، أيهما يأتي أولاً.
مكافحة التنمر
كان لدولة الإمارات السبق في مواجهة ومكافحة ومنع أشكال العنف والتنمر في المدارس، والتنمر الإلكتروني من خلال القوانين، كما أطلق المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، برنامج الوقاية من التنمر بعد مراجعة أكثر من 13 برنامجاً دولياً ناجحاً في هذا المجال، حيث حرص المجلس على التعريف بظاهرة التنمر في مدارس الدولة واستكشاف حجمها وأثرها بطريقة علمية ومنهجية تناسب بيئة وثقافة دولة الإمارات، وتضع حلولاً ناجحة لها، لضمان توفير بيئة تعليمية آمنة لكل الأطفال. وأطلقت وزارة التربية والتعليم مبادرة الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر في البيئة المدرسية التي تنظمها بالتعاون مع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بهدف التصدّي لظاهرة التنمر بين طلبة المدارس في مختلف المراحل التعليمية، كما وفرت المخصصات والموارد المالية المناسبة، مع بنية تحتية تساعد الطفل في حصوله على التعليم الكافي كحق من حقوقه الأساسية.
إنجازات عالمية
للإمارات إنجازاتها على الصعيد العربي والدولي في جانب تأمين حياة صحية للأطفال، ومنها إنشاء مركز زايد لأبحاث الأمراض النادرة لدى الأطفال في لندن الذي يعد المركز الأول من نوعه المتخصص في أبحاث الأمراض النادرة لدى الأطفال.
الإمارات في المقدمة
تقف دولة الإمارات في مقدمة الدول الراعية والداعمة للمبادرات التي تضمن حصول أطفال العالم على الرعاية والعناية الصحية اللازمة لسلامتهم ووقايتهم من الأوبئة والأمراض السارية.
وتبرز حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال في باكستان التي قدمت خلال الفترة من 2014 ولغاية نهاية العام الماضي، 667 مليوناً و478 ألفاً و974 جرعة تطعيم ضد مرض شلل الأطفال ليصل عدد المستفيدين إلى 17 مليون طفل مستهدف.
ويعتبر الأطفال المستفيدين الأوائل من المستشفيات والمراكز الطبية التي أقامتها الإمارات على نفقتها في كثير من البلدان النامية، هذا إلى جانب ما تقدمه هيئاتها الخيرية والإنسانية من هبات ومساعدات طبية في الدول والمناطق كافة التي يعيش فيها الأطفال ظروفاً معيشية صعبة. كما تعد الإمارات شريكاً وداعماً أساسياً لبرنامج منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» التي تستهدف تحسين صحة الأطفال في العالم.