هدى الطنيجي (رأس الخيمة)
تتميز إمارة رأس الخيمة بإنتاج أجود أنواع العسل الصافي في جبال وسهول وأودية مناطق الإمارة، المتعارف عليه بلونه ومذاقه الطيب ورائحته الزكية، والذي يقدم قيمة غذائية غنية للجسم، فضلاً عن الوصفات العلاجية وغيرها؛ لذا ارتأت هيئة حماية البيئة والتنمية في رأس الخيمة حماية هذا المورد الطبيعي والموروث الوطني عبر عددٍ من القرارات والضوابط لحمايته، والحفاظ على عمليات إنتاجه باشتراطات تنظيمية بيئية وقانونية.
وقال الدكتور سيف الغيص مدير عام هيئة حماية البيئة والتنمية في رأس الخيمة: إن «الهيئة» أصدرت، خلال الأيام القليلة الماضية، تعميماً خارجياً رقم (2) لسنة 2023 بشأن تعديل التعميم الخارجي رقم (01) لسنة 2023 في شأن إزالة أشجار الداماس والنيم «الشريش»، وبالإشارة إلى التعميم وبناء على القانون رقم (2) لسنة 2007 في إنشاء هيئة حماية البيئة والتنمية وتعديلاته، وللحفاظ على الموروث الطبيعي للتنوع الحيوي، حيث إن هذه الأشجار تؤثر سلباً على الإنتاج المحلي للعسل في المنطقة؛ لذا يتطلب الأمر إزالة أشجار «الداماس» والنيم «الشريش» في كل من مناطق وادي قداعة، وادي شحة، وادي حقيل، وادي السيات ووادي البيح.
وأضاف: خلال فترة مدتها أسبوع من تاريخ إصدار هذا التعميم يتوجب على تلك المناطق الالتزام بالتطبيق تجنباً للمساءلة القانونية، و«الهيئة» على استعداد تام نحو توفير البدائل للأهالي وأصحاب المزارع من أشجار «السدر والسمر»، لتتم زراعتها مكان الأشجار الأخرى التي تمت إزالتها.
وذكر أن «الهيئة» خصصت أرقاماً للتواصل واستفسارات الأهالي عن هذا القرار والأشجار المراد الحصول عليها من قبل «الهيئة»، حيث تم تخصيص فرق عمل من الموظفين للعمل على استقبال مكالمات الأهالي والرد عليها وعلى طلبات توفير الأشجار.
وقال الغيص: إن الهدف من هذا القرار الذي أصدرته «الهيئة» مؤخراً وتم توزيعه على مناطق محددة من إمارة رأس الخيمة هو حماية منتج العسل الطبيعي الإماراتي الذي يتم إنتاجه في إمارة رأس الخيمة، بالتحديد «عسل السمر» و«عسل السدر»، والحفاظ على مراحل الإنتاج والجودة، وشجرة النيم هي من الأشجار المعروفة بالفوائد الطبية والتي ينتج منها العسل كذلك، ولكن ترى «الهيئة» الاهتمام بمنتجي العسل، تحديداً في بعض المناطق من إمارة رأس الخيمة، حيث لم يشمل التعميم كافة مناطق الإمارة، بل شمل عدداً منها والتي تم تحديدها وذكرها في التعميم، لكي تأخذ حقها ودورها في إنتاج هذه الأنواع من العسل في المناطق البرية المفتوحة وتتميز بها.
ولفت إلى أن تلك المناطق التي تم تحديدها ضمن التعميم تحوي عدداً من المساكن والمزارع التي تتضمن أشجار النيم والداماس، ولكي يتم إنتاج العسل الصافي الأصلي يجب أن يكون العسل خالياً من الشوائب المخلوطة برحيق الزهور الأخرى، مؤكداً أن الغرض الأساسي حماية المواطنين من منتجي العسل، وتوفير منتجات العسل ومشتقاته بجودة عالية ونقية بنسبة %100.
وأكد أهمية أن يتحقق الأهالي من صحة القرارات التي تصدر من قبل «الهيئة» والتي تصب في الصالح العام، حيث تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي تعميماً يقضي بإزالة تلك الأشجار، وظن البعض أن التعميم يشمل مناطق الإمارة كافة، ولكن التعميم حدد عدداً منها، حفاظاً على الثروة الطبيعية، ومنع أو وقف إنتاج العسل غير المرغوب فيه ولا يتوافر على الاشتراطات البيئية والقانونية المتعارف عليها.
ترخيص المناحل
وذكر الدكتور سيف الغيص، أن «الهيئة» قد أصدرت بداية العام الماضي نظاماً يحدد شروط وآليات تربية النحل وإنتاج العسل وإنشاء المناحل، والهدف هو الحفاظ وحماية إنتاج العسل المحلي الطبيعي والنحل المحلي من بعض الشوائب والآفات من «نحل العسل»، وكذلك الحفاظ على نشاط إنتاج العسل، وحماية حقوق المرخصين منهم، مع وقف إنتاج الأنواع الأخرى غير المناسبة والضارة.
وأشار إلى أن هذا التعميم يلزم كل من يقوم بممارسة نشاط بيع العسل ومشتقاته وإنتاجه وتربية النحل ومستعمرات النحل الحصول على الترخيص من «الهيئة»، لكي تخضع جميع المنشآت والمناحل إلى الرقابة والتفتيش الدوري الذي سيحدد من قبل «الهيئة»، والكشف عن الآفات التي قد تصيبها، والتحقق من توافر المعايير والاشتراطات البيئية والقانونية التنظيمية، ويضمن سلامة العسل المنتج وكافة المراحل التي يمر بها وتقديمها مستوفية إلى أيدي المستهلكين.
وذكر أن «الهيئة» توجه المفتشين إلى عمل الزيارات الميدانية والطلب من أصحاب وملاك تلك المنشآت تعبئة استمارة «تسجيل المناحل» للحصول على الموافقة من ثم الحصول على شهادة «تسجيل تربية النحل» التي تتطلب التجديد سنوياً، حيث ستحدد مساحة المنشأة حجم وأعداد المناحل بالإضافة إلى تحديد عددها على مستوى المنطقة أو البقعة الجغرافية، بهدف استدامة النظم البيئية، والحفاظ على الموروث الوطني من إنتاج العسل الإماراتي الذي تتميز به رأس الخيمة، وتقديم منتجات عالية الجودة، والقضاء على غير المرغوبة التي تهدد هذا المورد الطبيعي.
أشجار الداماس
وأوضح الدكتور سيف الغيص، الأضرار الناجمة عن أشجار الداماس سواء على النباتات المحلية والبيئية، منها استنزاف المخزون الجوفي من المياه، وأضرارها على شبكات الصرف الصحي نتيجة انتشار جذورها بشكل سريع وكثيف، فهي ليست من البيئة المحلية، والبدائل التي يمكن الاستعانة بها والتي تتميز بخصائص فسيولوجية تمكنها تحمل الظروف المناخية القاسية منها «السدر والسمر والغاف»، لافتاً إلى أن «الهيئة» تسعى إلى توعية أفراد المجتمع وتثقيفهم بهذا الجانب مع العمل على دعوة أصحاب المشاتل الالتزام بعدم بيع تلك الأشجار، والتركيز على النباتات البيئية المحلية.
وذكر أن وزارة التغير المناخي والبيئة أصدرت قرارات بشأن هذه الأشجار، منها القرار الوزاري رقم (699) لسنة 2014، بتعديل القرار الوزاري رقم (136) لسنة 2014 في شأن حظر استيراد وإنتاج وتداول بذور وعقل وشتلات أشجار الداماس، حيث نص القرار في المادة الأولى: يتم تداول وزراعة بذور وعقل شتلات أشجار الداماس، Conocarpus lancifolius وConocarpus erectus، وفقاً لما تحدده السلطات المحلية المختصة.
وأشار إلى أن الوزارة أصدرت بعدها القرار رقم (136) لسنة 2014 في شأن حظر استيراد وإنتاج وتداول بذور وعقل وشتلات أشجار الداماس، حيث نصت المادة الأولى، «يحظر على الشركات الزراعية والمشاتل الخاصة والتجارية ومحلات بيع واستيراد وإنتاج وتداول وزراعة بذور وعقل وشتلات أشجار الداماس، وفقاً لما تحدده السلطات المحلية المختصة.Conocarpus lancifolius وConocarpus erectus».
وأضاف: المادة الثانية تمنح الشركات الزراعية والمشاتل الخاصة والتجارية ومحلات البيع فترة شهرين لتعديل الأوضاع والتخلص من شتلات الداماس بالطرق المعتمدة من السلطات المختصة، والمادة الثالثة على جميع الجهات المعنية تنفيذ ما جاء في هذا القرار كل فيما يخصه. وتابع: ثم القرار الوزاري رقم (699) لسنة 2014 بتعديل القرار الوزاري رقم (136) لسنة 2014 بهذا الشأن، تمثلت المادة الأولى في تعديل المادة الأولى من القرار رقم (136) لسنة 2014، وذلك على النحو التالي: يتم تداول وزراعة بذور وعقل وشتلات أشجار الداماس، وفقاً لما تحدده السلطات المحلية المختصة.Conocarpus lancifolius وConocarpus erectus.
مركبات كيميائية شديدة الخطورة
وقالت هاجر حميد العلي اختصاصية تغذية وعضو في جمعية الإمارات للتغذية: يُعد تناول المنتجات الزراعية، منها الخضار والفاكهة، وغيرها، من أساسيات التغذية الصحية للفرد، وذلك لاحتوائها على جميع الفيتامينات والمعادن الضرورية التي يحتاج إليها الجسم، ولكن مع زيادة الحاجة إليها يتجه بعض المزارعين إلى استخدام الطرق غير السليمة في زيادة الإنتاجية وذلك برش كميات كبيرة من المبيدات الحشرية لحماية المحاصيل من الحشرات والجراثيم والقوارض.
وأضافت: الكمية المتبقية من المبيدات الحشرية الموجودة على المنتجات الزراعية لها أثر سمي على الإنسان، ومن الممكن أن تؤدي إلى تأثيرات صحية حادة ومزمنة على حد سواء، حسب حجم وكيفية تعرض الأشخاص لها.
وذكرت أن بعض الدراسات أوضحت أن هذه المبيدات الحشرية المرشوشة على المنتجات في كثير من بلدان العالم، عبارة عن مركبات كيميائية شديدة الخطورة إذا لم يتم استخدامها طبقاً للمقاييس العالمية، وطبقاً للمبيدات والمواد التي سمحت منظمة الصحة العالمية باستخدامها، وأيضاً تشير العديد من التقارير إلى أن المستويات العالية من المبيدات الحشرية في الغذاء يمكن أن تؤدي إلى أمراض الكلى والرئة وتزيد من فرص واحتمالات الإصابة بمرض السرطان، حيث توفر البيئة الملائمة لهذا المرض.
وأشارت إلى أنه يمكن أن يؤدي أي تعرض لهذه المخلفات الكيميائية العالية إلى الإصابة بسرطانات الأطفال ومشاكل الصحة العقلية، مثل التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والكثير من الأمراض، لا سيما تلك المتعلّقة بالجهاز التنفسيّ والهضميّ عند كثير من الناس.
دعم إنتاج العسل الإماراتي
أشاد النحالون والمعنيون بنشاط إنتاج العسل ومشتقاته، بقرار «الهيئة» الذي سيدعم قطاع إنتاج العسل الإماراتي، خاصة الذي تشتهر به رأس الخيمة، باعتباره مصدراً للدخل الاقتصادي. وقال محمد محمود، أحد العاملين في نشاط إنتاج العسل: إن قرار هيئة حماية البيئة يصب في الصالح العام، ويسهم في دعم منتجي العسل إلى توفير منتجات العسل ومشتقاته ذات الجودة العالية، بعيداً عن إنتاج العسل الذي يكون غير مرغوب لاختلاطه برحيق أشجار أخرى تؤثر على طعمه، وتجعله غير مقبول للأكل نتيجة لوجود الرائحة السيئة التي تقترب من رائحة أشجار «الداماس»، وكذلك الطعم الذي يميل إلى الحموضة والمرارة، وتغير من خصائص وصفات العسل، ولا يستطيع البعض تناوله، وبكل بساطة يمكن التفريق إذا كان العسل نقياً وصافياً أو أنه قد اختلط بمواد ومنتجات أخرى.
وأكد أن العسل تتجه إليه شريحة كبيرة سواء من المواطنين أو العرب والسياح للاستفادة من القيمة الغذائية التي يحويها والمستخدم كغذاء وفي العديد من الوصفات العلاجية والتجميلية وتقوية الجسم وكسب المناعة وغيرها.
وقال علي الدهماني، وهو أحد العاملين في نشاط إنتاج للعسل: القرار يصب في صالح منتجي العسل، ليتمكنوا من إنتاج الأنواع النقية الصافية بنسبة 100%، الخالية من الإضافات غير المناسبة والتي تؤثر على طعم ورائحة العسل الأصلي، حيث يستطيع الشخص المتذوق للعسل التفرقة بين المنتج النقي الخالص ذي الطعم المتميز من الآخر غير المستوفي للاشتراطات.
وذكر أن أشجار «السمر» تبدأ فترة التشجير في شهر مايو بينما أشجار «السدر» في شهر أكتوبر، وأشجار الداماس تظهر في فترة تشجير «السدر»، الأمر الذي قد يؤثر على الأشجار التي تنتج العسل الأصلي عبر انتقال أجزاء من «الداماس» إليها، وبالتالي الخروج بمنتجات غير مطابقة للعسل الأصلي.
حظر المبيدات الحشرية
ذكر الدكتور سيف الغيص، أنه من جهود «الهيئة» في الحفاظ على هذه المنتجات، اتجهت منتصف شهر سبتمبر ولغاية منتصف شهر نوفمبر الماضي، إلى حظر استخدام المبيدات الحشرية ومبيدات الآفات الزراعية بشكل نهائي في المزارع، وذلك لاستدامة الإنتاج الزراعي، والحفاظ على صحة الإنسان المستهلك، وحماية النحل والحشرات التي تنقل حبوب اللقاح بين الزهور، والحفاظ على المنتجات والمحاصيل من الأمراض والآفات الحشرية، حيث إن استخدام المبيدات الحشرية بشكل مفرط أو شديدة السمية، يسهم في وجود التسمم الذي يشكل خطراً على صحة الإنسان.