شروق عوض (دبي) 

رغم إعلان الأمم المتحدة في مؤتمر الأطراف في مدينة شرم الشيخ المصرية COP27، عن خطة تحرك تزيد قيمتها على 3 مليارات دولار لحماية كل سكان العالم من كوارث الطقس بوساطة شبكة إنذار مبكر، في غضون 5 أعوام،  فإن دولة الإمارات، نتيجة إدراكها لمخاطر   وقوع كوارث مناخية الواحدة تلو الأخرى من دون أية وسيلة إنذار استباقية، بسبب الاحتباس الحراري، بذلت جهوداً كبيرةً خلال السنوات الماضية للحماية من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات وغيرها، من خلال إنشاء شبكة علمية متخصصة برصد تغير المناخ  وتعزيزها بأجهزة مراقبة المخاطر والإنذار، وإعداد تقارير حول حالة المناخ في الدولة. ومع إعلان الأمم المتحدة أيضاً خلال شهر مارس الماضي عن هدف طموح متمثل بإنذار كل شخص في العالم في غضون خمس سنوات، من خطر وشيك مع اقتراب الأمطار الموسمية والأعاصير أو أي ظواهر قصوى أخرى على صعيد الأحوال الجوية التي باتت أكثر تواتراً وقوة بسبب احترار الأرض، فإن دولة وضعت قضايا المناخ ضمن أولوياتها الرئيسية، الأمر لذي يؤكد على قدرتها للتعامل مع التحدي الأكثر خطوة لمستقبل البشرية وكوكب الأرض -تحدي التغير المناخي - حيث تمتلك رصيد معرفة بتأثيرات هذا التغير وتداعياته مستقبلاً على القطاعات الحيوية، في حال عدم إحراز تقدم في أهداف اتفاقية باريس.

شبكة لأبحاث المناخ
ومن أهم جهود الدولة، إطلاق «شبكة أبحاث تغير المناخ في دولة الإمارات» مطلع عام 2021، لتحقيق عدة أهداف أهمها تعزيز القدرات البحثية والمعرفية للدولة ودول منطقة الشرق الأوسط في ملف مواجهة تغير المناخ، وإتاحة المجال أمام الأفراد للاطلاع على النتائج والدراسات لتعزيز الوعي البيئي لديهم ورفع مستوى مساهمتهم في مواجهة تلك التحديات، حيث توفر الشبكة منظومة بحثية متكاملة تضمن تحديد التأثيرات والتداعيات التي تتعرض لها المنطقة وما يمكن أن تتعرض له مستقبلاً، فيما يتم وضع تصورات واضحة للآليات والإجراءات التي تعزز من قدرة دول المنطقة على التكيف مع هذه التداعيات بشكل يراعي قدراتها وإمكاناتها.
ونظراً لما يشكله تغير المناخ وآثاره الناتجة من مجالات البحث المتنامية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن أجل توسيع وتعزيز هذه البحوث، فقد جاء إطلاق الشبكة لتسهيل نشر المعرفة وتعزيز تطوير التعاون البحثي، حيث تعتبر البحوث المناخية بالغة الأهمية لفهم التغيرات القصيرة الأجل والطويلة الأجل في درجات الحرارة، ومستوى سطح البحر، وهطول الأمطار، ونوعية الهواء، والظواهر الجوية الشديدة، وغيرها من مؤشرات تغير المناخ، وتقييم آثار هذه التغيرات على البيئة والاقتصاد والمجتمع مع تحديد تدابير التكيف المناسبة.

أجندة الأبحاث المناخية
كما تأتي الشبكة مواكبة وتعزيزاً لمسيرة دولة الإمارات وجهودها الإقليمية والعالمية للعمل من أجل المناخ، بالإضافة إلى المساهمة في رسم وتحديد أجندة الأبحاث المناخية ذات الأولوية والمطلوبة في دولة الإمارات، كما ستتيح أيضاً الفرصة للمختصين والباحثين في مجال المناخ من التواصل والتعاون عبر قاعدة مشتركة توفر بيانات ومعلومات مُحدثة بشكل دائم، ما يعزز قدرتهم على البحث والدراسة.
ومن هذا المنطلق، فإن الشبكة موجهة نحو تعزيز فعالية جمع البيانات وإدارتها، والنهوض بالبحوث ذات الصلة بالسياسات العامة بشأن التأثيرات المناخية والتكيف معها، والمساعدة على اعتماد أدوات ومنهجيات بحثية جديدة ذات صلة بدراسة دولة الإمارات، ورفع وعي مكونات المجتمع المحلي بطبيعة التغيرات المناخية التي تشهدها الدولة، وتأثيراتها في جميع القطاعات، وسبل تعزيز قدرات هذه القطاعات على التكيف مع تداعيات هذا التغير، كما تأتي مواكبة وتعزيزاً لمسيرة دولة الإمارات وجهودها العالمية للعمل من أجل المناخ. وتضم عضوية الشبكة 90 عالماً وباحثاً مناخياً من الجهات الحكومية والجامعات والمراكز البحثية المنتشرة في معظم أرجاء الدولة، وتم توزيع عمل هؤلاء، وفقاً لاختصاصاتهم العلمية المناخية، إلى 5 مجموعات بحثية، كما توزيع بعضهم لأكثر من مجموعة في آن واحد، حيث تم توزيع 32 عالماً وباحثاً مناخياً من إجمالي العلماء والباحثين إلى المجموعة الأولى المتمثلة بـ «بيانات المناخ والنمذجة»، و21 عالماً وباحثاً إلى المجموعة الثانية الخاصة ب «تغير المناخ والبنية التحتية»، في حين تم توزيع 23 عالماً وباحثاً إلى المجموعة الثالثة المتمثلة ب «تغير المناخ والنظم البيئية البرية والبحرية والمياه العذبة»، و20 عالماً وباحثاً إلى المجموعة الرابعة المختصة ب «تغير المناخ والصحة العامة»، كما تم توزيع 23 عالماً وباحثاً للمجموعة الخامسة والأخيرة والمختصة ب «تغير المناخ والأمن الغذائي والمائي.
كما تعمل هذه الفئة من علماء الدولة، بالإضافة إلى عضويتهم في الشبكة، كموظفين في عدة جهات حكومية وخاصة مثل هيئة البيئة -أبوظبي، والإمارات للطبيعة - الصندوق العالمي للطبيعة، وبلدية دبي، ووزارة التغير المناخي والبيئة، وجامعة الإمارات، وجامعة نيويورك أبوظبي، وجامعة الشارقة، والجامعة الأميركية في الشارقة، وجامعة خليفة، وجامعة زايد، وبوليتكنك أبوظبي، والمركز الدولي للزراعة المحلية، وكلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، وجامعة أبوظبي، وجامعة أم القيوين، وكليات التقنية العليا، وجامعة الخليج الطبية، والجامعة الكندية دبي، وكليفلاند كلينك، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، وجاكوبس، ودلتاريس وغيرها.
وتخدم الشبكة أيضاً في تحقيق 6 أهداف رئيسية وهي توفير منصة لمناقشة الموضوعات ذات الصلة بأبحاث المناخ في دولة الإمارات والخليج العربي، وتيسير تبادل المعارف والأعمال والأفكار لإجراء مزيدا من أبحاث المناخ، وتسهيل عملية تحديد التحديات التي تواجه الأبحاث والحلول المقترحة، والسماح للحكومة والأوساط الأكاديمية بتحديد الثغرات المتواجدة في نطاق المعرفة والبيانات وتحديد جدول أعمال خاص بعلوم المناخ في الدولة، وتعزيز التعاون البحثي والمشاريع البحثية المشتركة، وتوفير الفرص لعلماء المناخ في المنطقة للمشاركة مع بعضهم البعض ومع الباحثين من دول أخرى ومنطقة الخليج العربي الأوسع والتي تعد أولوية للشبكة.

أنواع الأجهزة المناخية
يتم قياس المناخ من خلال تقييم أنماط التغير في عناصر المناخ المختلفة كدرجات الحرارة والرطوبة والضغط الجوي والرياح والأمطار وعدد الجسيمات الجوية ومتغيرات الطقس الأخرى في منطقة معينة خلال فترات زمنية طويلة، وذلك باستخدام أجهزة قياس المناخ التي تعمل على جمع معلومات القياس المختلفة، ومن أهمها: (جهاز الثرمومتر لقياس درجة الحرارة، وجهاز البارومتر لقياس الضغط الجوي، وجهاز الهايجرومتر لقياس الرطوبة، وجهاز الأنيمومتر لقياس سرعة الرياح)، في حين تتمثل أهم العوامل المؤثرة على المناخ بموقع المنطقة على خطوط العرض، ومدى قرب المنطقة من المساحات المائية ونسبة توزيع اليابسة والمياه فيها، ومدى ارتفاع المنطقة عن سطح البحر، والتيارات البحرية، ونوع الرياح، وتضاريس المنطقة بشكل عام، كما يتم تصنيف المناخات وفقاً للمدى التقليدي والمتوسط للمتغيرات الأساسية المختلفة، وأهمها درجات الحرارة وكمية هطول الأمطار.

سياسات داعمة للمناخ
هذا، وعملت الدولة خلال السنوات الماضية على نموذج متكامل شمل اعتماد استراتيجيات وسياسات داعمة للعمل المناخي ومنها الخطة الوطنية لتغير المناخ (2017 - 2050)، والتي تمثل إطاراً عاماً يعزز ويوحد الجهود المحلية للعمل من أجل المناخ، وترتكز على توجهين رئيسيين..الأول يتمثل في خفض مسببات التغير المناخي، والثاني يستهدف تعزيز تدابير وإجراءات التكيف مع تداعيات التغير، والبرنامج الوطني للتكيف مع تداعيات تغير المناخ 2017، والذي يستهدف تحديد اتجاهات المناخ وتقييم الآثار، وتحديد مخاطر المناخ التي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، وإشراك جميع مجموعات أصحاب المصلحة في التنفيذ.
وبفضل الرؤى الاستباقية لقيادتها الرشيدة، فقلد عملت الدولة ضمن جهودها خلال السنوات الماضية أيضاً، على إنشاء شبكة مكونة من 94 محطة لرصد عناصر المناخ طوال شهور السنة على مستوى الدولة، منها 74 محطةً واقعةً في البر، و7 محطات واقعة في المطارات، و8 محطات واقعة في الجزر، و5 محطات واقعة في الجبال، كما تصدرت إمارة أبوظبي المرتبة الأولى في إجمالي المحطات العاملة في رصد عناصر المناخ طوال شهور السنة، بواقع 56 محطةً، منها 46 محطة برية، ومحطتان موزعتان على مطار أبوظبي ومطار العين، و7 محطات واقعة في الجزر، ومحطة جبلية، تلتها إمارة رأس الخيمة في المرتبة الثانية بواقع 13 محطةً، مروراً بإمارة دبي في المرتبة الثالثة بواقع 8 محطات، منها 6 محطات برية ومحطتان في مطار دبي، وإمارة الفجيرة في المرتبة الرابعة بواقع 7 محطات، وإمارة الشارقة في المرتبة الخامسة بواقع 6 محطات، منها 4 محطات برية ومحطة واحدة في مطار الإمارة ومحطة واحدة في الجزر، وانتهاءً بإمارتي عجمان وأم القيوين في المرتبة السادسة بواقع محطتيّن بريتين في كل إمارة على حدة.

عناصر المناخ
وترتكز آلية عمل محطات الدولة على قياس عناصر المناخ مثل درجات الحرارة المئوية الصغرى والعظمى، ومتوسط كمية الأمطار، ومتوسط درجات الرطوبة النسبية الصغرى والعظمى، وقياسات الضغط الجوي على مستوى سطح البحر، وسرعة الرياح، والمتوسط اليومي والأقل والأقصى لساعات سطوع الشمس، ومتوسط الإشعاع الشمسي اليومي والمجموع الشهري، والأشعة فوق البنفسجية المسجلة حسب الشهر، والأشعة فوق البنفسجية المسجلة حسب الشهر، وعدد أيام العواصف الرعدية والرملية والضباب حسب الشهر، ومتوسط درجات الرطوبة النسبية الصغرى والمتوسط والعظمى حسب الشهر، ومتوسط كمية الأمطار حسب الشهر، ومتوسط درجات الحرارة المئوية حسب الشهر، ومتوسط درجات الحرارة المئوية والعظمى والصغرى حسب الشهر.

تقرير حالة المناخ
وضمن الجهود المبذولة، إطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة تقرير حالة المناخ، والذي يقدم تعريفاً عن حالة الوعي بالتغيرات المناخية وتأثيراتها على الدولة، لتوفير فهم أفضل للتغيرات التاريخية والمتوقعة المتعلقة بالمناخ في الإمارات والمنطقة، وتأثيراتها المحتملة، استناداً إلى مراجعة شاملة للبحوث في مجال تغير المناخ المتعلق بالمنطقة. كما يعد تقرير حالة المناخ خطوة داعمة ل«شبكة أبحاث تغير المناخ في دولة الإمارات»، حيث يتوقع أن يكون للتأثير المناخي آثار ملحوظة على المجتمع ومختلف القطاعات الحيوية في الدولة على المديين المتوسط والبعيد، ومنها ارتفاع درجات الحرارة بما لا يقل عن درجتين مئويتين في النصف الثاني من هذا القرن، بالإضافة زيادة حدة وعدد الأحداث المناخية المتطرفة مثل العواصف المدارية، كما أن الارتفاع البطيء والمتواصل لمستويات سطح البحر قد يشكل تحدياً جدياً للبنية التحتية الساحلية، والتي ستترتب عليها جميعاً تأثيرات على صحة الإنسان والنظم البيئية والتنوع الأحيائي والبنية التحتية والأمن الغذائي والمائي.

قاعدة معلوماتية مناخية
وضمن خطط علماء الشبكة، العمل على إيجاد قاعدة معلوماتية حول التغيرات المناخية التي تشهدها دولة الإمارات على الصعيد المحلي، وزيادة وتيرة إعداد الأبحاث والدراسات المتخصصة في هذا المجال، عبر التعاون فيما بينهم للتعامل مع التحدي الأكثر خطورة ليس فقط على مستوى دولة الإمارات، وإنما على مستوى دول العالم جمعاء، وهو تحدي التغير المناخي، إذ تسهم معرفتهم بتأثيرات هذا التغير وتداعياته في قطاعات ومكونات البيئة المحلية، لذا فإن علماء الشبكة يمثلون داعماً قوياً لمواجهة هذا التغير، وخفض مسبباته وتقليل حدة تداعياته، وتعزيز قدرات التكيف معه.
وتعد شبكة الإمارات العربية المتحدة لأبحاث تغير المناخ، واحدة ضمن مجموعة من جهود وزارة التغير المناخي والبيئة التي تعد الجهة الاتحادية المكلفة في تنفيذ توجهات الدولة بشأن تغير المناخ، حيث عملت خلال الفترة الماضية على إيجاد بنية قوية تضم تشريعات ومشاريع ومبادرات، تدعم قدرة كافة قطاعات الدولة على التعرف على التأثيرات التي يمكن أن تسببها تداعيات التغير المناخي ومتطلبات التكيف معها، حيث أطلقت الخطة الوطنية للتغير المناخي 2017 - 2050، والبرنامج الوطني للتكيف، وأعدت سلسلة من تقارير تقييم مخاطر التغير المناخي على القطاعات الحيوية في الدولة وغيرها الكثير.