دينا محمود (لندن)

باختياره الإمارات وجهةً لأولى زياراته الخارجية خلال عام 2023، يسير الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك- يول، على درب أسلافه، ممن تولوا في السابق قيادة هذا البلد ذي الأهمية الاستراتيجية الكبيرة والواقع في شرق آسيا، وذلك منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، عام 1980.
فالرئيس يون، الذي أكمل في 18 ديسمبر الماضي، أي قبل أقل من شهر، عامه الثاني والستين من العمر، حرص منذ إمساكه بزمام الأمور في رابع أكبر قوة اقتصادية في آسيا في مايو 2022، على تأكيد أهمية العلاقات القائمة منذ أكثر من 4 عقود بين الإمارات وبلاده، والتي ارتقت في أواخر عام 2009، إلى مستوى الإعلان، عن إقامة شراكة استراتيجية بينهما، هي الأولى التي تجمع كوريا الجنوبية بدولة شرق أوسطية.
ومن بين أبرز أوجه هذه الشراكة، مشروع محطة «براكة» للطاقة النووية السلمية، الذي يتم تنفيذه بالتعاون بين البلدين، بموجب اتفاق تم توقيعه، خلال زيارة أجراها الرئيس الكوري الجنوبي الأسبق لي ميونج- باك إلى دولة الإمارات في عام 2009. وبعد 6 سنوات تقريباً، قامت الرئيسة السابقة لكوريا الجنوبية بارك كون- هيه بزيارة مماثلة، شهدت توقيع اتفاقية إطارية، لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين الجانبين كذلك.
وتجسد حرص الرئيس الذي كان قبل وصوله إلى سدة الحكم في كوريا الجنوبية، مدعياً عاما ذائع الصيت، على دعم العلاقات الوثيقة مع دولة الإمارات، في تصريحات علنية، طالما أعرب فيها عن تطلعه لإيصال التعاون بين البلدين إلى آفاق أرحب، وهو ما ورد على لسانه، خلال استقباله في سبتمبر 2022، معالي خلدون خليفة أحمد المبارك، الذي زار سيؤول في ذلك الوقت، مبعوثاً خاصاً لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
وبعد شهور قليلة على هذه الزيارة، أوفد الرئيس يول، كبير مساعديه كيم ديه- كي إلى الإمارات مبعوثاً رئاسياً خاصاً له، في زيارة استقبله خلالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
واستبق كيم، بدء الرئيس العشرين لكوريا الجنوبية زيارته للإمارات، بالتأكيد على سعي بلاده، إلى تعزيز تعاونها الاستراتيجي مع الدولة، في مجالات 4 رئيسة، تتمثل في الطاقة النووية السلمية، والطاقة والاستثمار والدفاع، وهو ما يُضاف إلى قطاعات حيوية أخرى، من بينها التعليم والتشييد والبيئة والرعاية الصحية، والمواصلات والاتصالات والفضاء، وتكنولوجيا المعلومات.
ويجمع المراقبون، على أن كل هذه المؤشرات، تبرز التقدير الكبير الذي يُكِنّه الرئيس الكوري الجنوبي، للعلاقات المتميزة مع دولة الإمارات، الشريك التجاري الأول عربياً لبلاده، وهو ما يتجلى كذلك، في قراره بأن تكون زيارته لها، «زيارة دولة»، وهو الشكل الأرفع مستوى للزيارات، التي تتم بين قادة الدول ورؤساء الحكومات في العالم، والذي يُوصف بأنه أهم أنماط الاتصالات الدولية، من حيث البروتوكولات الدبلوماسية.
ويرى المراقبون، أن من شأن الاهتمام الكبير الذي يبديه الرئيس يول، لتدعيم العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية الكبرى، تعزيز جهوده، للتعامل مع أبرز بواعث القلق، التي ساورت الكثير من مواطنيه، خلال الحملة الانتخابية، التي سبقت فوزه بالاقتراع الرئاسي الأخير في بلاده ربيع العام الماضي، وعلى رأسها تزايد التفاوت في الدخول والثروات. وشكلت هذه المخاوف، وفقا لمحللين، أحد أبرز العوامل، التي قادت إلى أن تتمخض الانتخابات الرئاسية العشرون في تاريخ كوريا الجنوبية، والتي أُجريت في مارس من العام الماضي، عن فوز الرئيس يول، مرشح حزب «سلطة الشعب» المعارض وقتذاك، على منافسه لي جيه- ميونج. وأعاد الانتصار الانتخابي الذي حققه يول في تلك الانتخابات، المحافظين إلى سدة الحكم في سيؤول، بعد 5 سنوات من ابتعادهم عن «البيت الأزرق» مقر الرئاسة في كوريا الجنوبية، إثر اضطرار الرئيسة السابقة بارك كون- هيه، التي تتبنى توجهات محافظة بدورها، إلى التنحي عن الحكم.
المفارقة أن يول نفسه، الابن لاثنين من أساتذة الجامعات، لعب دوراً بارزاً في التحقيقات التي أفضت لتنحية الرئيسة بارك، بوصفه كان في ذلك الوقت، مدعياً عاماً في العاصمة، وهو المنصب الأرفع الذي توَّج به هذا الرجل، مشواره في السلك القانوني والقضائي، والذي كان قد بدأه فور تخرجه من كلية الحقوق بجامعة سيؤول الوطنية، وانضمامه لنقابة المحامين مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم التحاقه بالعمل في النيابة العامة.
وخلال عمله في مجال الادعاء العام، رسخ الرئيس يول، صورته كـ«محارب للفساد»، بعدما شارك في نظر الكثير من القضايا المتعلقة باتهامات ترتبط باستغلال النفوذ وإساءة استخدام السلطة، بما شمل شخصيات سياسية واقتصادية رفيعة المستوى، من وزن رؤساء سابقين للاستخبارات، في كوريا، ومسؤولين بارزين في شركات كبرى في البلاد، كـ«سامسونج».
وفي مارس 2021، وبعد 27 عاما قضاها في خدمة العدالة، قرر يول إسدال الستار على مسيرته الحافلة على هذا الصعيد، ليعلن بعد 3 أشهر فحسب، ترشحه لانتخابات الرئاسة، وينضم في يوليو من العام نفسه، إلى حزب «سلطة الشعب»، أكبر حزب معارض حينذاك.
وقاد ذلك في نهاية المطاف، إلى أن يصبح يون سيوك- يول أول مدعٍ عام، يُنتخب رئيسا للجمهورية، في تاريخ كوريا الجنوبية، رغم أن هناك من كان يصفه خلال حملته الانتخابية، بحديث العهد بالسياسة.
وبجانب سجله الناصع في مجال محاربة الفساد، بدأ الرئيس يول عهده، بطرح اقتراح سُمي «المبادرة الجريئة»، تعهد فيه بتقديم مساعدات لكوريا الشمالية على مراحل، تتماشى مع أي جهود تبذلها لنزع سلاحها النووي.
كما كان لافتاً أن يقرر المدعي العام السابق، بدء ولايته الرئاسية بشكل رسمي، بتلقي أول إحاطة له من هيئة أركان القوات المسلحة الكورية الجنوبية، وهو في غرفة محصنة تحت الأرض، بالقصر الرئاسي في سيؤول.
وأعقب الرئيس يول ذلك، باتخاذ قرار بتغيير مقر مكتبه الرئاسي من «البيت الأزرق»، إلى مجمع وزارة الدفاع، وفتح مقر الرئاسة القديم التقليدي للجمهور. كما أعلن نقل مقر إقامته الرسمي، إلى حي يقطنه كثير من الدبلوماسيين ورؤساء الشركات في العاصمة الكورية الجنوبية.
وعلى الجانب الاقتصادي، ركز الرئيس يول سياساته، منذ توليه السلطة، على تعزيز دور القطاع الخاص على نحو أكبر، فضلاً عن إيلاء مزيد من الاهتمام، لإصلاح أنظمة العمل والتعليم والمعاشات في بلاده.