آمنة الكتبي (دبي)
كشف الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي، رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، مدير جامعة الشارقة، أن مهمة دولة الإمارات العربية المتحدة لدراسة واستكشاف القمر وبيئته تندرج ضمن الاستراتيجية الفضائية لمركز محمد بن راشد للفضاء «2021 – 2031» التي تهدف إلى الإسهام في تعزيز تنافسية قطاع الصناعات الفضائية في دولة الإمارات إقليمياً وعالمياً، وإعادة تأهيل القدرات لديها في علوم وتكنولوجيا الفضاء وبناء شراكات عالمية في هذا المجال.
وقال في حواره مع «الاتحاد»: إن القمر منصةً مثالية لاختبار التقنيات والمعدات الجديدة التي سيتم استخدامها مستقبلاً في بعثات استكشاف الفضاء الخارجي، حيث يتيح الهبوط على سطح القمر اختبار أجهزة الاستشعار وغيرها من التقنيات لبيئة الفضاء لفترات طويلة.
وأضاف: أن لدى دولة الإمارات طموحات فضائية لا مثيل لها في المنطقة، ومنها الوصول إلى القمر لاستكشاف بعض المناطق من سطحه ودراسة تربته وصخوره، وذلك من خلال التعاون مع عدد من وكالات الفضاء العالمية، مثل الأميركية والأوروبية والصين واليابان، وأفضل مثال لذلك المستكشف راشد الذي تم إطلاقه إلى القمر على متن مركبة الهبوط الفضائية اليابانية «ها كوتو آر Hakuto-R lunar lander» بواسطة صاروخ «سبيس إكس فالكون 9 SpaceX rocket» من قاعدة الإطلاق كندي الفضائية.
وتابع النعيمي: كل هذا في ظل استراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة الفضائية لإقامة شراكات قوية لبناء مسابير ومركبات فضائية لاستكشاف بعض الأجرام السماوية القريبة، وخير مثال على ذلك «مسبار الأمل» الذي يحلق ويدور حالياً حول كوكب المريخ ويرسل بيانات ضخمة وعلى درجة كبيرة من الأهمية حول الغلاف الجوي للمريخ إلى الأرض لدراستها وتحليلها من قبل مراكز فضائية عالمية وإماراتية، ولديها مشروع آخر بالتعاون مع الصين وأميركا في مهمة «تشانج آه 7 الصينية Chang›e-7 lunar» المتوقع إطلاقها عام 2026، فضلاً عن الاتفاقيات التي وقعتها مع مشروع «أرتميس» في عام 2020 ضمن جهود وكالة الفضاء الأميركية الرامية إلى التحكم بموارد واستكشاف سطح القمر.
أهمية المسكشف
وحول أهمية مهمة المستكشف الإماراتي الفضائي راشد قال الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي: يهدف «المستكشف راشد» لاستكشاف سطح القمر ودراسة مواقع جديدة لأول مرة على سطح القمر، بالإضافة إلى دراسة وتحليل الغبار، وكذلك إجراء اختبارات لدراسة جوانب مختلفة من سطحه، بما في ذلك التربة القمرية، والخصائص الحرارية للهياكل السطحية، والغلاف الكهروضوئي القمري، وقياسات البلازما والإلكترونيات الضوئية وجزيئات الغبار الموجودة فوق الجزء المضيء من سطحه.
وأضاف: وسيجوب المستكشف الإماراتي سطح القمر، متنقلاً في مواقع جديدة، ويقوم بالتقاط بيانات وصور نادرة، ومن ثم إرسالها إلى محطة التحكم الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء، بالإضافة إلى اختبار أجهزة ومعدات تقنية تتم تجربتها للمرة الأولى، تتعلق بالروبوتات والاتصالات والتنقل والملاحة بهدف تحديد مدى كفاءة عملها في بيئة القمر القاسية.
مقاومة آثار البيئة
وحسب المصدر من مركز محمد بن راشد للفضاء بأن المستكشف له قدرة كبيرة على مقاومة آثار البيئة الصعبة وتحمل درجات الحرارة المتفاوتة على سطح القمر لذلك ستشمل المهمة العلمية للمستكشف راشد دراسة منطقة «فرانشيسكو موروليكو Maurolycus Francesco» وتحديداً منطقة «فوهة أطلس».
وتابع بالتأكيد ستساعد هذه الدراسات على دراسة كواكب أخرى ومنها المريخ والزهرة لأسباب عديدة منها، لأن المريخ أقرب الكواكب إلينا وأن غلافه الجوي المؤلف 96% غاز ثاني أوكسيد الكربون و1.9% نيتروجين والبقية آثار من الأوكسجين الحر وأول أوكسيد الكربون والماء والميثان، وهو مشابه إلى الغلاف الجوي للأرض عند بداية تكوينها ويعتقد العلماء بأنه سيكون في المستقبل البعيد بيئة خصبة لسكن البشر على سطحه، فضلاً عن زيادة في التقدم والتسارع التكنولوجي وابتكار تقنيات جديدة لفائدة الإنسان واليوم مسبار الأمل الإماراتي يدور حول كوكب المريخ ويزود المؤسسات الإماراتية الفضائية والعالمية بالبيانات الخاصة بالمريخ لتحليلها ودراستها.
تقنيات جديدة
وقال الأستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي: سوف يختبر «المستكشف راشد» تقنيات جديدة على سطح القمر كونه البيئة الأمثل لمثل هذه الاختبارات، كما أنه الأقرب إلى الأرض، مما يساعد على اختبار قدرات دولة الإمارات العربية المتحدة قبل الانطلاق في مهمات استكشافية مأهولة إلى المريخ.
وحول التحديات التي تواجه قطاع الفضاء قال النعيمي: من أهم التحديات هي الكلفة الباهظة لأجهزة الفضاء وتصنيعها ومختلف تكنولوجياتها ومواردها البشرية المتدربة، وبالتالي لا تستطيع دولة واحدة مفردة أن تدخل في مجالات الفضاء من دون التعاون الحقيقي مع دول متقدمة أخرى، ولذلك نجد في أيامنا هذه أغلب المؤسسات الحكومية والخاصة ووكالات الفضاء الدولية والشركات العالمية المهتمة بالفضاء تتعاون في مشاريع فضائية مهمة ولا سيما فيما يتعلق بإطلاق مختلف أنواع الأقمار الصناعية والمسابير والمركبات الفضائية ذات العلاقة بدراسة الأرض واستكشاف الكون وبعض من أجرامه السماوية ولا سيما تلك الموجودة في منظومتنا الشمسية، مثل الشمس والقمر والمريخ والزهرة .... إلخ، أو الاتصالات والتطبيقات العسكرية والاستراتيجية وهكذا.
وأضاف: أن المحطة العالمية للفضاء التي تم بناؤها وإطلاقها إلى الفضاء في التسعينيات، جاءت بتعاون عدد من وكالات الفضاء العالمية، مثل: الأميركية ناسا، والأوروبية إيسا، واليابانية، والهندية، والصينية، والكندية، وهكذا، والمشروع الآخر الذي اطلق إلى الفضاء في ديسمبر 2021، وهو تلسكوب جيمس ويب الفضائي لدراسة الكون ومختلف الأجرام السماوية الذي تم بناؤه من قبل مختلف وكالات الفضاء العالمية والمشاريع الجديدة الأخرى مثل استكشاف القمر مجدداً والعودة إليه بعد أكثر من 53 عاماً وهذا المشروع تشترك فيه وبقوة دولة الإمارات العربية المتحدة، لأن ينادي علماء الفلك والفضاء اليوم بالعودة إلى القمر، ليس بهدف استكمال استكشافه فحسب، وإنما لجعله منصة إطلاق «مطار قمري - أرضي أو مطار كوني» إلى الفضاء الخارجي ولا سيما من على سطحه لغزو الكواكب الأخرى وبالأخص القريبة من الأرض مثل المريخ والزهرة وبعض الكويكبات النجمية الصغيرة.
وقال: بسبب انخفاض الجاذبية على سطح القمر سدس جاذبية الأرض ستزدهر صناعات يصعب تحقيقها على الأرض، ويتم نقل المصانع الذرية والنووية من الأرض إلى القمر، ويتم بناء مناجم لاستخراج المواد الأولية والمتوافرة لصناعة السيراميك والإسمنت لاستخدامها في مستوطنات الفضاء مستقبلاً أو حتى في الأرض.
وأضاف النعيمي: اليوم وبعد أكثر من 53 عاماً أعلنت المنظمات الفضائية، ومنها: وكالة الفضاء الأميركية «NASA»، ووكالة الفضاء الأوروبية ESA، وروسيا، والصين، والهند، واليابان، وكذلك وكالة الإمارات للفضاء العودة لدراسة سطح القمر والتخطيط لمهام علمية مختلفة لاستكشاف ودراسة مواقع مختلفة من سطح القمر وبيئته بدقة عالية جداً وتجميع بيانات شاملة للأبحاث العلمية واكتشاف الجديد عن القمر، وذلك من خلال عزمها على تنظيم رحلات تجارية مأهولة إلى القمر بحلول عام 2030 أو حتى قبل ذلك وبيع مقاعد ومساحات الحقائب للأفراد الأثرياء والشركات وغيرهم، فضلاً عن استخدام سطح القمر كقاعدة إطلاق كونية إلى كوكب المريخ بالدرجة الأولى، ومن ثم إلى الكواكب الأخرى والفضاء الخارجي.
تطوير العلوم والتكنولوجيا
حول أهمية علوم وتكنولوجيا الفضاء قال: أصبح تعليم علوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك والجو والتخصصات الأخرى ذات العلاقة الشغل الشاغل لواضعي سياسات مناهج التعليم العام والتعليم الجامعي لتحسين تطوير العلوم والتكنولوجيا الذي له الأثر الكبير على الكوادر البشرية والأمن القومي والاقتصاد والسياسة والموضوعات الاجتماعية والإنسانية، فضلاً عن تنمية عقول الأطفال والشباب لأحدث أنواع التكنولوجيا وأثرها على تقدم المجتمعات.
وبين إن دور جميع القطاعات الحكومية والخاصة ومنها أيضاً المؤسسات التعليمية في الوطن العربي مهم جداً في تأهيل أفضل المتخصصين والباحثين والمهندسين في تطبيقات علوم وتكنولوجيا الفضاء في الصناعة والزراعة والطب والأمن القومي ومختلف الموضوعات ذات العلاقة بحياة الإنسان، وأن تطوير البرامج الأكاديمية والدورات التدريبية العلمية والعملية المكرسة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء وكل ما له علاقة بهذه التخصصات وتأثيرها على استقطاب الأجيال الشابة لدراسة هذه التخصصات ستؤدي بالضرورة إلى دفع التنافسية الاقتصادية في العقد المقبل وتلبية الاحتياجات المستقبلية للكوادر البشرية والمجتمعات العربية.
وأضاف: لو نأخذ دولة الإمارات العربية المتحدة أنموذجاً، فسنجد أن إنشاء وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء وأكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك خلال عام 2014 أدخل دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة فائقة في مجال استكشاف الفضاء والكون واستكشاف موارد الأرض الطبيعية والمصنعة من الفضاء.
وتابع النعيمي: فالمشاريع العملاقة مثل إطلاق رائد فضاء من أبناء الدولة ومسبار الأمل واستكشاف القمر، فضلاً عن استكشاف الكون، وضع دولة الإمارات العربية المتحدة في مصاف دول العالم المتقدمة في علوم وتكنولوجيا الفضاء، وعلى أثر ذلك بدأ تدريس هذه التخصصات في جميع مستويات التعليم العام والتعليم العالي ولاسيما بجامعة الشارقة.
تعليم وتدريب شباب المستقبل
وقال الدكتور النعيمي: تعد هذه البرامج الأساس في استقطاب وتعليم وتدريب شباب المستقبل ولا سيما بعد ظهور وتشغيل أقمار صناعية صغيرة لتعليم علوم الفضاء الأساسية وتطبيقاتها التشغيلية للاتصالات والموضوعات العسكرية والأمن القومي والزراعة والطب ودراسة موارد الأرض الطبيعية والصناعية. وهي الآن في المراحل النهائية من إطلاق أول قمر صناعي صغير مكعب شارقة سات 1 ومن المؤمل إطلاقه في نهاية ديسمبر القادم من مركز كندي للفضاء في فلوريدا ليطلق على متن صاروخ سبيس إكس.
وتابع وتعمل جامعة الشارقة وبعض الجامعات في الإمارات الآن وفي المستقبل القريب والبعيد على تعليم علوم وتكنولوجيا الفضاء ضمن الآفاق الوطنية وتفتح لذلك الأبواب للمئات من الطلبة ضمن هذه الآفاق، وهذه فرصة حقيقية وكبرى لتكون هذه الجامعات جزءاً لا يتجزأ من رؤية واستراتيجية دولة الإمارات العربية المتحدة لاستكشاف الفضاء والكون، وهناك 8 برامج على سبيل المثال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مختلف وسائل تكنولوجيا الفضاء وأنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية الكبيرة والصغيرة الحجم، وتكنولوجيا الروبوتات الفضائية واستخداماتها، والحد من مخاطر الكوارث والاستجابة للطوارئ، وأنظمة الدفع الصاروخي.
وأضاف: بالإضافة إلى برنامج إدارة موارد الأرض الطبيعية ومراقبة البيئة وملوثاتها، وتغيرات المناخ المستمرة تطبيقات تكنولوجيا الفضاء في الطب والصحة، وتطبيقات تكنولوجيا الفضاء والفوائد الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.