أبوظبي (الاتحاد)
اتخذت الإمارات، منذ مرحلة التأسيس، من الاستدامة في القطاعات كافة منهجاً راسخاً لمسارات التنمية الشاملة، الأمر الذي ينسجم مع مبادئ الخمسين ومئوية الإمارات 2071 والاستراتيجيات التنموية كافة لدولة الإمارات. وتتجاوز جهود الإمارات في الحفاظ على استدامة البيئة ومواجهة التحديات الناتجة عن التغير المناخي، الأرض لتعانق الفضاء من خلال مشاريع إماراتية فضائية تنتج كمية كبيرة من البيانات التي ترصد حجم التغيرات التي تدخل على البيئة من أجل المساعدة في وقف الهدر البيئي.
يناقش حوار أبوظبي للفضاء الذي ينطلق يومي 5 و6 ديسمبر الجاري برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قضايا الاستدامة التي تعتبر محوراً رئيساً في الحدث العالمي الذي سيركز على دور قطاع الفضاء في تقديم حلول للتحديات التي يشكلها تغير المناخ. وتمتلك الإمارات عدداً من المشاريع الفضائية المتخصصة في رصد المستجدات التي تطرأ على الأرض، الأمر الذي وضعها في مرتبة متقدمة بين الدول التي تمتلك مشاريع توفر بيانات ترصد التغير المناخي والتي تعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه العالم في الوقت المعاصر.
وتؤكد هذه المشاريع أن دولة الإمارات تدرك جيداً أن استدامة الأنشطة الفضائية في المستقبل، شرط رئيسي لتحقيق أقصى فائدة من تكنولوجيات الفضاء، خاصة من جهة رصد التغيرات التي قد تطرأ على الأرض، من أجل المساهمة في الحد من المشاكل الناتجة عن التغير المناخي في العالم، الأمر الذي يصب في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تعتبر أحد مرتكزات مئوية الإمارات 2071 والتي تسعى إلى جعل الإمارات الدولة الأفضل على مستوى العالم عبر ترسيخ بيئة تضمن للأجيال الحالية والقادمة العيش في أمن واستقرار ورفاه اجتماعي. ونستعرض في التقرير التالي، عدداً من المهام الفضائية التي تصدت لها دولة الإمارات والتي تستهدف دراسة الظواهر المناخية المختلفة، والمساهمة في تعزيز وترسيخ الاستدامة البيئية على مستوى المنطقة والعالم.
تستهدف الاستراتيجية الوطنية لقطاع الفضاء إطلاق مهمات فضائية علمية ملهمة تساعد في مواجهة المشكلات التي تواجه العالم، وبالطبع يأتي على رأسها تحدي تغير المناخ، حيث تدرك الإمارات جيداً، حجم التداعيات الناتجة عنه على مستقبل البشرية بعد أن برزت تداعياته مؤخراً بشكل كبير، وأخذت في التأثير على حياة الإنسان العادي، لذلك لم تألُ الإمارات جهداً ولم تدخر مالاً في سبيل مواجهة هذه التداعيات، عبر مشاريع فاعلة على رأسها البرنامج الوطني للأقمار الاصطناعية الرادارية للاستشعار عن بُعد «سرب» الذي يستهدف تطوير سرب من الأقمار الرادارية، والتي تعمل على تقديم تصوير راداري على مدار الساعة وفي مختلف الظروف الجوية.
ويستعين هذا المشروع بتكنولوجيا متطورة تعمل على تصوير الأرض ليلاً ونهاراً وفي مختلف الظروف الجوية وبدقة متر واحد، الأمر الذي يساعد على تطوير وترسيخ تنافسية الدولة في قطاع الفضاء، والحفاظ على البيئة من عوامل التغير المناخي التي قد تضرّ بها.
وتلبي منظومة الأقمار الاصطناعية مختلف الاحتياجات الاقتصادية والبيئية، الأمر الذي يدعم تنافسية الإمارات واقتصادها الوطني، عبر تبني تكنولوجيا فضائية متطورة تخدم مختلف القطاعات الحيوية بالدولة. ويدعم «سرب» جهود الإمارات الحثيثة التي تسعى لاستحداث حلول للمشاكل الناتجة عن التغير المناخي، والتي تهدد استدامة البيئة على كوكب الأرض، كما يأتي المشروع في إطار سعي الدولة الرامي إلى تكامل الجهود المبذولة لمواجهة الكوارث وتحديات الأمن الغذائي وغيرها، وذلك عبر الاعتماد على كوادر مواطنة مؤهلة وشركات إماراتية. ويقدم المشروع أول قمر اصطناعي عربي للاستشعار الراداري، ويضمن البرنامج، وللمرة الأولى، تدفق البيانات من الفضاء على مدار الساعة، وفي جميع الحالات الجوية، حيث سيشهد تطوير مجموعة من الأقمار الرّادارية التجارية التي ستعمل على دعم القطاعات الاقتصادية وعدد من القطاعات الحيوية في الدولة.
يعتبر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، واحداً من أهم المشاريع الإماراتية التي تستهدف دعم استدامة البيئة ومواجهة التغير المناخي، وتتعدد المهام المنوطة بمهمة مسبار الأمل، حيث تستهدف تكوين فهم أعمق حول التغيرات المناخية على سطح المريخ، ورسم خريطة توضح طبيعة طقسه الحالي عبر دراسة الطبقة السفلى من غلافه الجوي.
كما يسعى مسبار الأمل إلى دراسة تأثير التغيرات المناخية على المريخ في تشكيل ظاهرة هروب غازي الأكسجين والهيدروجين من غلافه الجوي عبر بحث العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلية والعلوية. ويتعاون فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ - مسبار الأمل، مع المجتمع العلمي العالمي لمحاولة إيجاد إجابات عن الأسئلة التي لم تتطرق إليها أي من مهمات الفضاء السابقة، ودراسة أسباب تلاشي الطبقة العليا للغلاف الجوي للمريخ عبر تتبع سلوكيات ومسار خروج ذرات الهيدروجين والأوكسجين، والتي تُشكل الوحدات الأساسية لتشكيل جزيئات الماء.
في السياق ذاته، يتعاون فريق عمل المشروع والمجتمع العلمي في تقصّي العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي الدنيا والعليا على كوكب المريخ، وتقديم الصورة الأولى من نوعها على مستوى العالم حول كيفية تغير جو المريخ على مدار اليوم وبين فصول السنة. ويسعى المسبار أيضاً إلى مراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، مثل العواصف الغبارية، وتغيرات درجات الحرارة، فضلاً عن تنوّع أنماط المناخ تبعاً لتضاريسه المتنوعة، والكشف عن الأسباب الكامنة وراء تآكل سطح المريخ، والبحث عن أي علاقات تربط بين الطقس الحالي والظروف المناخية قديماً للكوكب الأحمر.
يسعى برنامج ساس للتطبيقات الفضائية الذي أطلقته وكالة الإمارات للفضاء في 2021 إلى إيجاد حلول لتحديات الاستدامة العالمية، وتعزيز الشراكات والاستثمارات المحلية والعالمية الفاعلة في صناعة الفضاء، وبناء ثقافة وخبرة وطنية عالية في مجال الفضاء.
ويمثل البرنامج بارقة أمل جديدة تساعد على تطوير حلول لتحديات الاستدامة العالمية، والذي يتضمن العديد من المبادرات بما فيها مبادرة الأمن الغذائي وتغير المناخ، ومبادرة المراقبة البيئية والغطاء النباتي، والطاقة والبنية التحتية.
ويستهدف البرنامج تعزيز الدعم للشركات الناشئة والباحثين ومراكز الأبحاث لتطوير تطبيقات قائمة على بيانات الأقمار الاصطناعية، وذات قيمة تجارية، وكذلك ترويج استخدام بيانات الأقمار الاصطناعية، وتعزيز الطلب على خدمات القيمة المضافة من التطبيقات الفضائية، وتحفيز الابتكار وتشجيع الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص.
كما أعلنت وكالة الإمارات للفضاء، أيضاً، فوز فريق شركة «فارمن» الإماراتية، وهي شركة ناشئة متخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والاستشعار عن بُعد، بجائزة تحدي «التغير المناخي» الذي أطلقته مؤخراً بالتعاون مع وزارة البيئة والتغير المناخي، ضمن برنامج حلول الفضاء «ساس» للتطبيقات الفضائية. وستعمل الشركة الوطنية «فارمن»، على تطوير تطبيق بالاعتماد على استخدام بيانات الأقمار الاصطناعية للمساهمة في التصدّي لتحدي التغير المناخي، من خلال تعزيز عملية رصد انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في شبه الجزيرة العربية، عبر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والبيانات العالمية للاستشعار عن بُعد. وسيتم مشاركة نتائج هذا المشروع في COP28.
يسعى مشروع مزن سات إلى تطوير القدرات المحلية المتقدمة في البحث والتطوير والتصنيع لتكنولوجيا الفضاء.
ويؤكد «مزن سات»، أن قضايا البيئة في الإمارات لا تشغل فقط اهتمام قيادة الدولة، بل تدخل كذلك في اهتمام فئات المجتمع كافة، وعلى رأسهم الطلبة الذين صمموا وطوروا هذا القمر الذي أطلقته وكالة الإمارات للفضاء، بالتعاون مع جامعة خليفة والجامعة الأميركية في رأس الخيمة من أجل دراسة الغلاف الجوي للأرض. ويستعين القمر مزن سات بثلاثة أجهزة علمية، هي المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء ذات الموجهات القصيرة الذي يعمل على دراسة توزيع غازات الانبعاث الحراري في الغلاف الجوي، إلى جانب كاميرا رقمية «RGB» تعتبر أداة علمية لتوضيح عملية الاستشعار عن بُعد، ودعم دقة الإرشاد الخاص بالمقياس الطيفي.
أما الجهاز العلمي الثالث، فيتمثل في أنظمة الدعم الفرعية «BUS» التي تتكون من الهيكل الميكانيكي والطاقة والحاسوب الرئيسي للقمر وأنظمة الاتصالات ونظام التوجيه والتحكم.
ويستخدم هذا القمر في قياس كمية غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون، وتوزعهما في الغلاف الجوي، باستخدام جهاز علمي يعمل بالأشعة تحت الحمراء ذات الموجات القصيرة، وبالتحديد ما بين (1000-1650 نانو متر). ويستفيد الطلبة من البيانات التي يرسلها القمر في الكثير من الدراسات العملية، منها على سبيل المثال إجراء دراسات عن ظاهرة المد الأحمر على سواحل الدولة، والتي تؤثر سلباً على البيئة المائية والثروة السمكية.
أطلقت وكالة الإمارات للفضاء «مجمع البيانات الفضائية» منصةً رقميةً لجمع وتوفير البيانات الفضائية للعلماء والباحثين والمؤسسات الحكومية والخاصة والشركات الناشئة وأفراد المجتمع، بهدف تطوير برمجيات وإيجاد حلول لمواجهة التحديات الوطنية والعالمية. تهدف مبادرات مشروع مجمع البيانات الفضائية، إلى توفير منظومة ابتكارية لبيانات وتقنيات الفضاء لمواجهة تحديات الاستدامة العالمية، وزيادة الاعتماد على الفضاء لمواجهة التحديات الوطنية، والبحث عن الحلول من خلال الفضاء، بالإضافة إلى زيادة عدد الشركات الفضائية وبراءات الاختراع، واستقطاب أفضل المبتكرين، وتسريع تطوير المنتجات الفضائية، وتعزيز مساهمة الفضاء لحل التحديات الوطنية والعالمية، إلى جانب رفع نسبة الإنتاج البحثي العلمي، وتحسين جودة الحياة والاستفادة من الفضاء لمواجهة التحديات الوطنية والعالمية، ودعم القطاعات الأخرى بالخدمات والتطبيقات الفضائية.
«دي إم سات 1»
يعتبر «دي إم سات 1» أول قمر اصطناعي نانومتري بيئي لبلدية دبي بالتعاون مع مركز محمد بن راشد للفضاء، ويهدف إلى توظيف تكنولوجيا الفضاء وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز منظومة الرصد البيئي على مستوى الدولة، إضافة إلى رصد تراكيز الجسيمات العالقة في الغبار، ورصد تراكيز الغازات المسببة لظاهرة التغير المناخي: ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء.
يعتبر القمر «دي إم سات» فرصة استثنائية لبناء قدرات بحثية وفنية جديدة في مجالات البحث العلمي البيئي على المستوى المحلي، وفتح آفاق جديدة لتسخير تكنولوجيا الفضاء في خدمة القطاعات البيئية، وتحقيق الاستدامة، واستشراف مستقبل الواقع البيئي في دبي، فضلاً عن بناء قدرات بحثية وفنية جديدة في مجالات البحث العلمي البيئي على المستوى المحلي، وهو ما يتعزز من خلال تعاون بلدية دبي الوثيق مع الجامعات الإماراتية للاستفادة من مخرجات القمر الصناعي، وما يوفره من بيانات تمكنهم من إجراء البحوث المختلفة عليها، ومن ثم الانعكاس إيجابياً على تطور خطط الإمارات البيئية التي تولي هذا القطاع أهمية بالغة، نظراً لتأثيراته المستقبلية.