أحمد مراد (أبوظبي)

بمقولته التاريخية: «إننا نسعى إلى السلام، ونحترم حق الجوار، ونرعى الصديق»، كتب القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، دستور الدبلوماسية الإماراتية، وعلى مدار 5 عقود، أرست القيادة الرشيدة سياسة خارجية حكيمة متزنة، امتد تأثيرها دولياً وإقليمياً، عبر ركائز أساسية عدة، منها إقامة شراكات مع جميع دول العالم، والعمل على نشر مبادئ السلام إقليماً ودولياً، وإطلاق العديد من مبادرات الوساطة لإنهاء النزاعات والخلافات سلمياً.

نجاحات وإنجازات متواصلة حققتها السياسة الخارجية الإماراتية على مدى الـ50 عاماً الماضية، بداية من عهد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مروراً بعهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، ولا تزال المسيرة مستمرة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. ونصت المادة الـ12 من الدستور المؤقت على أن «تستهدف سياسة دولة الإمارات الخارجية توثيق أواصر الصداقة والتعاون مع جميع الدول والشعوب على أساس من مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والأخلاق المثلى الدولية»، وسعى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى تعزيز علاقات الإمارات بدول العالم المختلفة، الأمر الذي أثمر عن إقامة شراكات استراتيجية مع غالبية دول العالم. وكانت الولايات المتحدة الدولة الثالثة التي تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع الإمارات، وبعدها تسارعت وتيرة العلاقات بينهما عبر علاقات شراكة قوية، وفي عام 1984 بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والصين، ووقعتا مجموعة من اتفاقيات التعاون المشترك، بدأت باتفاقية التعاون الاقتصادي والفني في عام 1985، وبعدها اتفاقية إنشاء اللجنة الاقتصادية المشتركة، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المشتركة. وفي السياق ذاته، حرص المؤسس على توثيق علاقات الإمارات الخارجية مع الاتحاد السوفييتي وغالبية الدول الأوروبية التي سارعت إلى الاعتراف بدولة الإمارات العربية المتحدة، وإقامة علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية معها.
وأممياً، انضمت الإمارات في 9 ديسمبر عام 1971 إلى هيئة الأمم المتحدة لتصبح العضو رقم (132) في تاريخ المنظمة الدولية، ووقعت اتفاقيات تعاون مع أكثر من 28 منظمة تابعة للأمم المتحدة. ومن خلال عضوية المنظمة الدولية، لعبت السياسة الخارجية الإماراتية في عهد الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أدواراً إقليمية ودولية مؤثرة، وتقديراً لدورها الأممي المتميز اُنتخبت الإمارات عضواً غير دائم بمجلس الأمن للمرة الأولى في تاريخها خلال الفترة بين عامي 1986 و1987، وخلال عضويتها في مجلس الأمن، لعبت الإمارات دوراً دولياً وإقليمياً مهماً في مختلف أحداث وقضايا العالم آنذاك، الأمر الذي أكسبها ثقلاً إقليمياً ودولياً وظفته في خدمة أجندتها الرامية إلى حفظ الأمن والسلم الدوليين.

التضامن الخليجي
وخليجياً، نجحت السياسة الخارجية الإماراتية في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في القيام بدور محوري في تعميق روابط التعاون الخليجي. وكان، طيب الله ثراه، صاحب مبادرة تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وعلى مدى سنوات عدة تبنى تحركاً نشطاً لتبادل الآراء مع قادة دول الخليج حول فكرته، وتكللت جهوده بالنجاح وعُقدت القمة الخليجية الأولى خلال يومي 25 و26 مايو عام 1981 في أبوظبي، وخلالها اتفقت دول الخليج على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي السنوات اللاحقة ترأس الشيخ زايد 4 قمم خليجية.
وارتبطت السياسة الخارجية الإماراتية في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بمبادراتها الساعية لنشر السلام في مختلف أرجاء العالم. وفي الإطار نفسه، جاءت مشاركات الإمارات في قوات حفظ السلام في مناطق مختلفة من العالم، منها عملية حفظ السلام في لبنان عام 1976، وعملية إعادة الأمل في الصومال عام 1993، وعملية حفظ السلام في كوسوفو عام 1999.

مساعدات
مثلت المساعدات الخارجية ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية الإماراتية في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فبعد أشهر قليلة على قيام الدولة، أصدر، طيب الله، ثراه قراراً بتأسيس صندوق أبوظبي للتنمية من أجل إضفاء الطابع المؤسسي والتنظيمي على المساعدات الإماراتية الخارجية.
وتواصلت جهود الإمارات في مجال تقديم المساعدات الخارجية خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وفي عام 1983 تأسست هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، لتكون الذراع الإنسانية لدولة الإمارات، حيث تغطي عملياتها الإنسانية أكثر من مائة دولة سنوياً.

عهد التمكين
في الثالث من نوفمبر 2004، تولى المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، رئاسة دولة الإمارات، ليبدأ عهد التمكين للدولة وسياستها الخارجية حتى أصبحت تُقيم علاقات دبلوماسية مع 189 دولة حول العالم، وتوجد على أراضيها 110 سفارات أجنبية،   و75 قنصلية عامة، فضلاً عن مقرات لـ15 منظمة إقليمية ودولية، ووصل عدد سفاراتها في الخارج إلى ما يقارب 70 سفارة، و11 قنصلية، و3 بعثات دائمة.
وحافظت السياسية الخارجية الإماراتية في عهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، على علاقاتها بالقوى العالمية الكبرى التي حرصت بدورها على تطوير علاقاتها مع الإمارات، ويظهر ذلك بوضوح في كثافة التمثيل الدبلوماسي لدول الاتحاد الأوروبي وأميركا في الدولة، حيث يوجد 27 سفارة لدول الاتحاد الأوروبي في الإمارات، فضلاً عن وجود 20 مجلس أعمال إماراتياً مع دول الاتحاد الأوروبي. وحرصت الإمارات والصين على تنمية علاقاتهما حتى جرى الإعلان عن شراكة استراتيجية شاملة بين البلدين في يوليو 2018. كما تضاعف أوجه التعاون بين الإمارات وروسيا، وهو ما أسفر عن توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في يونيو 2018.

مبادرات
تبنت السياسة الخارجية الإماراتية في عهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، عدداً من مبادرات السلام التاريخية، يأتي على رأسها المبادرة التي أنهت أطول نزاع في قارة أفريقيا بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو 2018. 
كما لعبت الإمارات دوراً محورياً في تحقيق التوافق بين الحكومة الانتقالية في السودان وبعض الحركات المسلحة، ما أسفر عن توقيع اتفاق سلام بين الجانبين في أكتوبر 2020، فضلاً عن توقيع معاهدة السلام التاريخية بين الإمارات وإسرائيل في 15 سبتمبر 2020.
ومثل البُعد الإنساني أحد أهم عناصر السياسة الخارجية في عهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، فقد تصدرت الإمارات في عهده قائمة أكبر الدول المانحة للمساعدات الخارجية على مستوى العالم لأعوام عدة متتالية بداية من 2014.

المسيرة مستمرة
في 14 مايو 2022، اُنتخب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، رئيساً للدولة، وتواصلت مسيرة إنجازات ونجاحات السياسة الخارجية الإماراتية، وفي هذا الشأن جاءت زيارته المهمة إلى روسيا خلال أكتوبر الماضي في إطار دعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للنزاع في أوكرانيا. وحظيت هذه الزيارة باهتمام عالمي كبير، لا سيما بعدما أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن الإمارات مستعدة لتولي دور الوسيط في أوكرانيا، مشيداً بدور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في حل القضايا الإنسانية في أوكرانيا، وقيام الإمارات بدور مهم في عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.
وكان سموه حدد ملامح سياسته الخارجية في خطابه الأول للشعب الإماراتي، خلال يوليو الماضي، عبر تأكيده على أن الإمارات تمد «يد الصداقة» إلى جميع الدول، وستظل داعمة للسلام والاستقرار في العالم، وعوناً للشقيق والصديق.