دينا جوني (دبي)
سعت الإمارات منذ قيامها عام 1971 إلى إيلاء التعليم أهمية قصوى، باعتباره أساس التنمية، والقاعدة الراسخة لبناء الإنسان المواطن القادر على قيادة عجلة التنمية باقتدار، الواعي لمسؤولياته تجاه نهضة المجتمع، والمؤمن بدوره في سباق التحديات لتثبيت الإمارات على ساحة التنافسية العالمية في مختلف القطاعات، وأعطاه القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الأولوية، وهو ما سار على نهجه المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، ويحرص عليه حالياً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. وما يدل على اهتمام الدولة بالتعليم ما نصت عليه مواد الدستور، وما أكدت عليه السياسات التعليمية، وما تمّ إصداره من قوانين وتشريعات وقرارات تنظيمية وإدارية هدفت إلى تعزيز مسيرة التعليم ونشره وتعميمه، فشهدت تطوراً متلاحقاً كماً ونوعاً. ويمثل ما حققته الإمارات في مجال التعليم في العقود الماضية إنجازاً كبيراً مقارنة بعمر الدولة، ما أسهم في بناء مؤسسات الدولة الحديثة، ودعم اقتصادها الوطني.
وشهدت الإمارات تصاعداً مستمراً في أعداد الطلبة والمدارس بداية من نشأة الاتحاد، حيث كان عدد الطلبة في العام الدراسي (1972 - 1973) قرابة 44 ألف طالب (حكومي وخاص)، وأصبح وفقاً لآخر إحصاءات عام 2020 ما يزيد على مليون و140 ألف طالب وطالبة، كما ارتفع عدد المدارس (الحكومية والخاصة) من 140 مدرسة عام (1972 - 1973) إلى 1257 مدرسة عام 2020، وكذلك الأمر في صفوف معلمي المدارس الحكومية والخاصة الذي ارتفع من 2500 معلم وإداري، إلى أكثر من 70 ألف معلم وإداري.
8 أهداف
حددت وزارة التربية والتعليم، ثمانية أهداف استراتيجية تسعى إلى تحقيقها هي ضمان تعليم متكافئ، بما في ذلك التعليم ما قبل المدرسة، وتحقيق كفاءة متميزة للهيئات القيادية والتعليمية، ضمان جودة وكفاءة وحوكمة الأداء التعليمي والمؤسسي، وضمان بيئات تعليمية آمنة وداعمة ومحفزة للتعلم، واستقطاب وتأهيل الطلبة للالتحاق بمؤسسات التعليم العالي داخل الدولة وخارجها، بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز قدرات البحث العلمي والابتكار وفق معايير تنافسية عالمية، وضمان تقديم الخدمات الإدارية كافة وفق معايير الجودة والكفاءة والشفافية، وترسيخ ثقافة الابتكار في بيئة العمل المؤسسي.
وما تحققه وزارة التربية والتعليم ليس وليد اليوم، بل هو ركن أساسي من استراتيجيات المستقبل. إذ شكّل التعليم المحور الثاني من أربعة محاور استندت إليها مئوية الإمارات التي أطلقها مجلس الوزراء لتوجه عمل الحكومة لتعزيز سمعة الدولة وقوتها الناعمة، وضمان وجود مصادر متنوعة للإيرادات الحكومية بعيداً عن النفط، بالإضافة إلى الاستثمار في التعليم الذي يركز على العلوم والتكنولوجيا المتقدّمة، ويرسّخ القيم الأخلاقية والاحترافية والمهنية في المؤسسات التعليمية، ويخرّج عقولاً منفتحة على تجارب الدول المتقدّمة، وبناء منظومة قيم أخلاقية إماراتية في أجيال المستقبل، ورفع مستوى الإنتاجية في الاقتصاد الوطني، وتعزيز التماسك المجتمعي.
استشراف المستقبل
يظهر ذلك أيضاً في استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل التي تهدف إلى تعزيز مكانة الدولة وجهة للمستقبل من خلال المنصات العالمية الموجودة فيها عبر امتلاكها للرؤية والمرونة والمبادرة والقدرة الاستباقية الناجحة والمستدامة لاكتشاف ومواجهة التحديات المستقبلية. وجاء التعليم كأحد أهم القطاعات الحيوية الاستراتيجية، وبشكل أكثر تحديداً استشراف مستقبل التعليم والمدارس في العالم، والتحديات والتحولات المستقبلية والمهارات المطلوبة. كما اعتبرت العمليات المنظمة والمنتظمة والهادفة في بناء القدرات أحد ممكنات نجاح الدولة في تحقيق الاستراتيجية وأهدافها.
إعادة هيكلة
تركز وزارة التربية والتعليم اليوم على الجودة، بحسب ما صرّح معالي أحمد بالهول، وزير التربية والتعليم. فخلال العام الجاري، خضع قطاع التعليم لإعادة هيكلة شاملة تواكب تطلعات القيادة الرشيدة في تطوير قطاع التعليم بأسرع وقت ممكن. ولهذه الغاية، تمّ إقرار إنشاء هيئة اتحادية لجودة التعليم تتبع لمجلس الوزراء، ووظيفتها الرئيسية مراقبة جودة التعليم بكل حيادية، وتطوير منظومة المؤهلات، وإجراء التقييمات المستمرة لواقع التعليم، ووضع معايير ومستهدفات واضحة لمخرجات التعليم، وقياس مدى نجاح المنظومة التعليمية في تحقيقها. كما تمّت إعادة تشكيل مجلس التعليم والموارد البشرية برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، ليشرف المجلس على مشروع مستقبل التعليم في الدولة، بما يواكب الطموحات، ويرسخ هويتنا الوطنية، ويضمن مخرجات تعليمية تلبي احتياجاتنا التنموية والاقتصادية والاجتماعية المستقبلية.
وتستهدف الهيكلة الجديدة تطوير المنظومة التعليمية في دولة الإمارات، واستحداث عدد من الهيئات الحكومية الاتحادية لدعمها بما يواكب خطط الإمارات التنموية وتطلعاتها لمستقبل يكون فيه نظام التعليم أكثر تقدماً، والسعي لتعزيز جودة العملية التعليمية.
«تعليم»
من ضمن مسيرة تطوير التعليم في الدولة، أصدر في عام 2016، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قراراً بإنشاء مؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي.
وتتولى المؤسسة التي ترأسها معالي سارة الأميري، وزيرة دولة للتعليم العام، تعزيز كفاءة قطاع التعليم الحكومي الاتحادي، وتوفير التعليم المدرسي في إطار السياسة العامة للدولة، وتطبيق السياسات والاستراتيجيات والمعايير والضوابط المتعلقة بقطاع التربية والتعليم، بما فيها التعليم المهني والفني والتعليم المستمر، ووضع استراتيجية عمليات التعلم والتعليم، وبرامج الرعاية الطلابية في جميع مدارس الدولة التابعة للمؤسسة.
كما تتولى المؤسسة اقتراح التشريعات المتعلقة بتطوير قطاع التعليم في الدولة، وذلك بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم، وتوفير البنية التحتية وبيئة التعلم وبرامج التعليم في ضوء متطلبات تطوير قطاع التعليم في الدولة، وتشغيل وإدارة وإنشاء وإغلاق المدارس ورياض الأطفال والمعاهد المهنية والفنية التابعة للمؤسسة، ورفع التوصيات بشأنها إلى مجلس الوزراء، مع وضع معايير وأدوات وأساليب التقييم الذاتي للمدارس ورياض الأطفال والمعاهد المهنية والفنية الحكومية، ومراقبة تنفيذ خطط التطوير والتحسين والتدريب.
تكامل الأدوار
تضم الهيكلة الجديدة في قطاع التعليم مجلس التعليم والموارد البشرية، والهيئة الاتحادية لجودة التعليم، ووزارة التربية والتعليم، والهيئة الاتحادية للتعليم المبكر، ومؤسسة الإمارات للتعليم المدرسي، إضافة إلى الجهات التعليمية المحلية في كل إمارة.
وستعمل هذه الجهات وفق منظومة واحدة ومجموعة محددة من الاختصاصات التي تتكامل في مجموعها بغرض تعزيز أداء القطاع في مراحله كافة، وتحسين المخرجات التعليمية وتطوير المهارات، والإسهام الإيجابي في بناء شخصية الطلاب.
بناء الإنسان أولاً
تركز حكومة الإمارات جهودها وطاقاتها على بناء الإنسان، فتنفذ مشاريعها بقناعة راسخة في أن الإنسان هو أداة التنمية الاجتماعية وثروة المجتمع الحقيقية، وذلك استناداً لنهج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أكد وقت تأسيس الدولة على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية للمجتمع.
موازنة التعليم
تخصص حكومة الإمارات حصة كبيرة من ميزانيتها الاتحادية لقطاع التعليم كل عام، وذلك من أجل توفير خدمات تعليمية ذات جودة عالية تلبي احتياجات المواطنين، وتعزز مسيرة الدولة نحو اقتصاد قائم على المعرفة.