أوصى مؤتمر «الدراسات الإسلامية في الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش» الذي اختتم أعماله اليوم في أبوظبي ونظمته كلية الدراسات الإسلامية في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، بضرورة تحصين الشباب من الأفكار المتطرفة والتوجهات الهدامة، وتطوير البحث في العلوم الشرعية للنهوض بحركة التنمية والتجديد، والحرص على تزويد المجتمعات المسلمة برواية صحيحة للدين.
كما أوصى المؤتمر بضرورة تعزيز قيم المواطنة والتعايش عبر مناهج الدراسات الإسلامية في الجامعات، وذلك للإسهام في تحقيق السلم والمحافظة على استقرار المجتمعات وأمن الأوطان.
شارك في المؤتمر 27 جامعة، و109 مشاركين من وزراء ورؤساء جامعات وأعضاء هيئة تدريس، وممثلين من 23 دولة، وتم خلاله إلقاء 16 كلمة رئيسة، ونوقشت خلاله 66 ورقة عمل، اهتماماً كبيراً من جانب المتخصصين.
وأصدر المؤتمر بيانه وتوصياته الختامية، ورفع المشاركون في المؤتمر في ختام مداولاتهم أسمى آيات العرفان إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، داعين لسموهما بدوام الصحة والعافية، ولسائر حكام الإمارات، متضرعين إلى العلي القدير أن يتغمد بواسع رحمته الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «طيب الله ثراه»، وأن يديم نعمة الأمن والرخاء والسعادة على دولة الإمارات وشعبها، وهنأوا جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية على النجاح الباهر للمؤتمر، وأشادوا ببرامجها الدراسية الفريدة بملاءمتها للواقع المعاصر.
التوصيات وأصدر المؤتمر عدداً من التوصيات التي من شأنها تعزيز قيم المواطنة والتعايش عبر مناهج الدراسات الإسلامية في الجامعات، والإسهام في تحقيق السلم والمحافظة على استقرار المجتمعات وأمن الأوطان، وتضمنت التوصيات: بناء رؤية وطنية قيمية وأخلاقية، تنظر إلى الوطن بروح الحب والوفاء والصدق والأمانة والمواطنة الصالحة، فترعى حق ولاة الأمر، وتذود عن الوطن وتحترم قوانينه، وتحافظ على مكتسباته الفكرية والثقافية والإنسانية والاستراتيجية، وإجراء تجديد منهجي ومضموني مؤصل لمناهج الدراسات الإسلامية، لأجل تزويد المجتمعات المسلمة برواية صحيحة للدين، مأخوذة من مصادرها الموثوقة وداخل المحاضن المؤسسية المأمونة الخادمة للوطن والإنسان.
سد الفجوة إلى جانب سد الفجوة بين الدراسات الإسلامية وبين روح العصر، إذ إن لكل عصر واجباته وقضاياه وله مذاقه ومزاجه، فلا بد لنهر الدراسات الإسلامية أن يظل وفياً لمنبعه، متفاعلاً متلوناً بلون تربة واقعه، كذلك وضع خطة زمنية للقاءات ممهدة للمؤتمرات المعنية بالدراسات الإسلامية، على مستويات وزارات التعليم العالي، وذلك لوضع الخطط الاستراتيجية لتطوير الدراسات الإسلامية، وإعداد معايير موحدة لبرامج الدراسات الإسلامية تستند إلى منهج الوساطات المعرفية بين التراث والمعاصرة، والفلسفة والدين، والعلم، والوساطة بين الخطاب الديني والواقع، استناداً إلى منهج التكامل المعرفي، وإدماج القيم، وفق أعلى معايير الجودة، وبناءً على الجوانب الإيجابية في تجارب المؤسسات الجامعية في مختلف الدول العربية والإسلامية، مع مراعاة الخصوصيات المحلية.
شراكات كما تضمنت التوصيات عقد شراكات مع المؤسسات الجامعية العالمية المعنية بالدراسات الإسلامية لتبادل الخبرات والتصورات واتباع أفضل سبل البحث العلمي، ووضع معايير دولية وتقنية لالتحاق الطلبة بتخصصات الدراسات الإسلامية، حيث يجب العمل على استقطاب أفضل الكفاءات لمواءمتها مع سوق العمل، وربط مساقات الدراسات الإسلامية بمؤشرات القيم، وعلى رأسها المواطنة والتسامح والتعايش والرحمة، إضافة إلى تنظيم ورش شبابية محلية ودولية لطلبة الدراسات الإسلامية حول موضوعات المواطنة والتعايش، واستحداث أقسام لتدريب أعضاء الهيئة التدريسية وفق أحدث مناهج التكوين في طرق التدريس الجامعي والبحث العلمي، وتشجيع الباحثين على الانفتاح على مختلف المناهج الحديثة في حقل الدراسات الإسلامية.
منح بحثية إلى جانب تخصيص منح بحثية لتحفيز الباحثين على إنجاز بحوث موسعة في موضوع المؤتمر، وعقد ورش عمل ولقاءات دائمة لتدارس المستجدات العلمية الحديثة لأن أهم النظريات العلمية المعاصرة صارت دعامة أساسية لأصول المعتقدات الدينية، والاهتمام بالعلاقة بين العلم والدين على ضوء آخر المستجدات والنظريات العلمية الكبرى، باعتبار هذا الموضوع رافداً مهماً لمشاريع تجديد الدراسات الإسلامية في الجامعات، وإطلاق منصة علمية دولية هدفها إيجاد فضاء رحب للمؤسسات العلمية والأكاديمية المتخصصة لبناء بنية تحتية للبحث العلمي المنشور باللغة العربية، وتطوير البرامج الأكاديمية التنافسية وحوكمتها في الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، والاستثمار في الكوادر البحثية وذلك من خلال إجراء البحوث البينية بين المتخصصين وبالشراكة مع المنصات العلمية العالمية ذات العلاقة لتبادل المعرفة والنشر، وتطوير الاختبارات القياسية في مجال الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية لضمان كفاءة المخرجات التعليمية وفقاً للمعايير العالمية، وإعداد برامج لتطوير خطبة الجمعة وتدريب الخطباء وفق رؤية منضبطة تربط بين الأبعاد الروحية وواقع الناس وقضاياهم الكبرى، ومنفتحة على المعارف الإنسانية تفعيلاً لدورها في حماية الأمن الروحي، وتعزيز قيم المواطنة والتسامح والتعايش والمحبة.
نتائج مهمة إلى ذلك، خرج مؤتمر الدراسات الإسلامية في الجامعات بعدد من النتائج منها: أن إعادة قراءة الذات، واكتشاف جوانب التفرد والتميز في العلوم والمعارف الشرعية من الضرورات الملحة، تحصيناً للشباب من الأفكار المتطرفة والتوجهات الهدامة التي تطمس هويتهم الدينية والوطنية، كما أن المطلب التجديدي في الدراسات الإسلامية ينطلق من الوعي بما تتهم به بعض المناهج التربوية الدينية من المسؤولية عن انتشار التطرف والثقافة المأزومة، سواء تعلق الأمر بالبرامج أو بالكتب أو بالمربي نفسه، وأن حاجات الإنسان الروحية والعملية متغيرة متطورة بتطور السياقات، فلذلك صح أن تتطور كذلك غايات العلوم وتتغير، وأن تنشأ علوم جديدة لأغراض جديدة، والواجب على الدراسات الإسلامية أن تكون حاضرةً ضمن سياق التغيرات، وجاهزةً للاستفادة من كل مستجد إيجابي خادم للإنسان، إضافة إلى أن من موجبات إعادة بناء الدراسات الإسلامية وتطوير مناهجها ما تعرفه حركة الإبداع والاجتهاد الفقهي من الركود، مما ترتب عليه العجز عن مواكبة مستجدات العصر في المعاملات وضحالة الإنتاج الفكري، فكل هذا يبرر الحاجة لإجراء عمليات تجديدية متبصرة، ويجب أن ينطلق التجديد من أساس شرعي يسعى إلى المصالحة بين النص والواقع والدين والعقل.
الوصل المعرفي ومن النتائج أيضاً أن منهج الوصل المعرفي أضمن وسيلة لبناء الجسور بين الحقول المعرفية والممرات الواصلة بين الفضاءات الثقافية، وهو منهج التحالف بين القيم والتوازن بين الكليات، وأن الوساطات المعرفية أضمن وسيلة للحفاظ على أصالة العلوم الشرعية وتحقيق التكامل بينها وبين العلوم الإنسانية من دون حاجة إلى ابتداع مسميات هجينة من قبيل «الأسلمة»، التي أفسدت بنية العلوم الإسلامية وضيقت فضاءات التفاعل بينها وبين المعارف الإنسانية، وأنه قد آن أوان نبذ رؤى التمايز والانفصال التي ترتكز على الخصوصيات وتهمش وتلغي أوجه الاتصال ودوائر المشترك، وتقيم تقابلات سجالية وصراعاً بين الذوات.
البيان الختامي وأشار البيان الختامي للمؤتمر إلى أن الدراسات الإسلامية في الجامعات والمؤسسات التعليمية تؤدي دوراً مهماً في صياغة الخطاب الديني وتطوير البحث في العلوم الشرعية للنهوض بحركة التنمية والتجديد.
ومن هنا تبرز حاجة المجتمعات المسلمة إلى استثمار المعارف العلمية في بناء الإنسان، وتنمية الأوطان وتطوير ما ينفع الناس ويفيدهم في مختلف مجالات المعارف والعلوم.
وأضاف البيان «إصغاءً لهذا الواجب، وعملاً على تنزيل رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة في النهوض بالتعليم وتمكين الفكر المنضبط السليم، القائمة على تقديم المقاربات التواصلية وتبني النماذج الإيجابية البناءة في كل ميادين العلاقات الإنسانية، وتحقيقاً للمقاصد السامية لتأسيس جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية المتمثلة في إقامة صرح حضاري إنساني تتلاقح فيه الرؤى، وتستثمر فيه ما يتيحه الواقع من أفكار إيجابية ومقاربات واقعية وموضوعية لحملة الخطاب الديني والإنساني المنضبط بالضوابط الدينية والمجتمعية والإنسانية.
المؤتمر الثاني وعقدت كلية الدراسات الإسلامية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية مؤتمرها الدولي السنوي الثاني، حول: «الدراسات الإسلامية بالجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش» من: 22 إلى 24 نوفمبر 2022، للنهوض برسالتها العلمية والثقافية، ووعياً بضرورة تطوير مجال الدراسات الإسلامية، واستجابةً للحاجة إلى دمج العلوم الشرعية في السياق المعرفي المعاصر بما يحقق الغايات النبيلة لرؤى التكامل والتمازج بين علوم اللسان والإنسان والطبيعة والأديان، سعياً إلى تحقيق تقدم معارفنا بالمناهج العلمية المتجددة، وبناء قيادات علمية ودينية وأخلاقية عارفة وواعية ومتزنة، تجمع بين العلوم الإنسانية والمعارف والشرعية، بما يمكن من الاستجابة للاحتياجات والتطلعات المجتمعية الواقعية والمستقبلية».
استجابة كبيرة وأشار البيان الختامي إلى أن المؤتمر حظي باستجابة عدد كبير من المشاركين من مختلف الدول، منهم شخصيات بارزة من أصحاب المعالي الوزراء، ورؤساء وممثلي الجامعات العريقة في العالم العربي منها، جامعة الأزهر الشريف وجامعة الزيتونة، والقرويين، وجامعات المملكة العربية السعودية والبحرين والجزائر وموريتانيا، وأساتذة برامج الدراسات الإسلامية في دول العالم.
5 محاور وتناول المشاركون المحاور الخمسة لهذا المؤتمر، في جلسات وورش متواصلة على مدى ثلاثة أيام، مستثيرين إشكالات مهمة تتعلق بطبيعة وأهداف الدراسات الإسلامية بالجامعات، ومختلف الرؤى المؤثرة في بناء مناهجها، في مجالي الدرس الأكاديمي والبحث العلمي، مسلطين أضواءً كاشفةً على نماذج من تجارب تطويرها، ومستعرضين مقترحات عديدةً في تأهيلها للاستجابة لمختلف ما تواجهه المجتمعات المعاصرة من التحديات المشتركة، وقد تركزت إسهامات المشاركين في محاور مهمة هي: الدراسات الإسلامية: الرؤية والمضمون، الدراسات الإسلامية ومناهج البحث والتدريس، إعادة بناء الدراسات الإسلامية بالجامعات، الدراسات الإسلامية وتكامل المعارف، الخطاب الديني والمجتمع.
كما تعززت هذه المحاور بثلاث ورش عقدت على هامش أعمال المؤتمر، حول علوم الاعتقاد والتأويل والثقافة الإسلامية، والدين والعلم من الصدام إلى الوئام، وخطبة الجمعة وآفاق التطوير، وقد حرص المشاركون في المؤتمر على اقتراح تصور جديد لهذا التخصص المعرفي، يجمع بين النظر الشرعي والتجديد، والتكامل مع العلوم الإنسانية، كما اعتنوا بإبراز أهميته في تعزيز قيم المواطنة والتعايش، والإسهام في تحقيق السلم في المجتمعات بصورة عامة.