إبراهيم سليم (أبوظبي)
ثمَّن أكاديميون ورؤساء جامعات جهود جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، وطرحها لقضية «الدراسات الإسلامية في الجامعات: الرؤى والمناهج» وفق 6 محاور منها: إعادة بناء العلوم الإسلامية في الجامعات العربية، الدراسات الإسلامية وتكامل المعارف، الدراسات الإسلامية وتعزيز قيم التعايش والمواطنة، الخطاب الديني والمجتمع.
وأجمع المشاركون بالمؤتمر أن المؤتمر يمثل عصفاً ذهنياً معمقاً من قبل المختصين وتلاقح الأفكار والخبرات للوصول إلى حلول تؤهلها للإسهام في حركة التنمية والتطوير والتجديد والتحديث، من خلال مراكز البحوث والمختصين في الجامعات، للقضايا ذات الاهتمام المشترك في العالم المعاصر، ويأتي ذلك في سياق اهتمام وعناية القيادة الرشيدة بدولة الإمارات بالعلوم والمواءمات المعرفية بين العلوم الإنسانية والعلوم الدينية، كما أكد الأكاديميون أن هذا المؤتمر يعالج كيفيات الأزمات التي تعاني منها الدراسات الإسلامية وفق رؤية منضبطة تجمع ولا تفرق، ووسائل الاستفادة منها، في ظل التحديات الكبرى التي تواجه حقل الدراسات الإسلامية في العصر الراهن، وأنها خطوة في الاتجاه الصحيح لإعادة النظر في القضايا، التي تهم المجتمعات العربية والإسلامية وتعزيز ثقافة التسامح، وتجديد الخطاب الديني الذي يجب أن يكون في خدمة المجتمع والرقي بالأوطان لتحقيق التطلعات المنشودة.
وواصل مؤتمر «الدراسات الإسلامية في الجامعات: الرؤى والمناهج»، الذي نظتمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أمس أعماله في أبوظبي لليوم الثاني على التوالي، بمشاركة نخبة من العلماء والخبراء والأساتذة من داخل الدولة وخارجها، ويتناول المؤتمر ستة محاور تتضمن: الدراسات الإسلامية.. الرؤية والمضمون، الدراسات الإسلامية ومناهج البحث والتدريس، إعادة بناء العلوم الإسلامية في الجامعات العربية، الدراسات الإسلامية وتكامل المعارف، الدراسات الإسلامية وتعزيز قيم التعايش والمواطنة، الخطاب الديني والمجتمع.
وأكد الدكتور خالد اليبهوني الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية على أهمية الدور الذي تضطلع به الدراسات الإسلامية في مؤسسات التعليم في الحفاظ على أصالة الخطاب الديني، وتطوير العلوم الشرعية بما يؤهلها للإسهام في حركة التنمية والتطوير والتجديد والتحديث، وأضاف «لكنه بالنظر في واقع هذه الدراسات بالجامعات العربية والإسلامية، يتبين مدى تأخر أغلبها في أداء هذا الدور، إذ غلب على مناهجها نوع من الجمود في دوائر مغلقة، يحول من دون فتح الآفاق الواسعة أمام البحث العلمي الجاد الذي ينتظر منه تقديم رؤى واقتراح مقاربات من شأنها أن تسهم في مد جسور التواصل بين الدين والعلم والنص والعقل والشريعة والفلسفة، كما يلاحظ في مضامين كثيرة من مقرراتها الدراسية تأثر واضح برؤى بعيدة عن العلم ومبادئه ومناهجه».
وأضاف: «هذا التكامل المعرفي ينبغي أن يراعي في تحديد المخرجات التعليمية عند صياغة برامج التعليم الديني، لإعداد قيادات دينية واعية ومتزنة، تجمع بين العلوم الإنسانية والمعارف الشرعية، فتستطيع أن تفهم مجتمعاتها وتدرك احتياجاتها الواقعية وتطلعاتها المستقبلية، وأن تنتج خطابا دينيا يسهم في تلبية تلك الاحتياجات».
قيمة كبرى
ومن جانبه، أكد الدكتور خليفة الظاهري، نائب مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية لقطاع الشؤون الأكاديمية بأن «المواطنة» قد غدت قيمة كبرى وحصناً منيعاً من الفتن التي تخرب الأوطان وتهلك الإنسان، وأن المجتمعات المسلمة أصبحت اليوم في حاجة ماسة إلى استثمار هذه المعارف في بناء الإنسان وتنمية الأوطان وتطوير ما ينفع الإنسانية ويفيدها في مختلف المعارف والعلوم، لذلك صار من الواجب اقتراح أفكار وصياغة تصورات لإعادة بناء الدراسات الإسلامية وفق ما يحقق هذه الغايات والمقاصد السنية، في ضوء رؤى التكامل والتمازج بين علوم اللسان والإنسان والطبيعة والأديان.
وأضاف: «ينبغي قراءة السيرة النبوية بإنزال أحداث السيرة على واقعنا المعاصر، وتنزيل وقائعها بما يوافق قيم المجتمعات الحاضرة، وتجاوز الطرح النظري في تدريس الدراسات الإسلامية باعتماد أساليب تطبيقية، وربط علوم الشريعة بمناط القيم».
وأكد أن اختيار موضوع المؤتمر الدولي الثاني لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية جاء في سياق التحديات الكبرى التي تواجه حقل الدراسات الإسلامية في العصر الراهن، مشيراً إلى أن الجامعة سعت من خلال طرح هذا الموضوع إلى استثارة الأفكار والتصورات واستثمار التجارب والخبرات بغية استخلاص جملة من التوصيات التي يمكن الإفادة منها في تطور الدراسات الإسلامية في الجامعات، بدءاً بتجديد المناهج وانتهاء إلى تجويد المخرجات.
اليوم الثاني
تناولت الجلسة العلمية الرئيسية لليوم الثاني من المؤتمر محور الدراسات الإسلامية ومناهج البحث والتدريس، وتضمنت «مناهج البحث في العلوم الشرعية» وترأس الجلسة الأستاذ الدكتور أحمد نافع عميد كلية الشريعة في موريتانيا، وتم خلالها عرض عدد من الأوراق البحثية في هذا الصدد، من ضمنها ورقة للأستاذ الدكتور عز الدين عناية من جامعة روما لاسابييسا في إيطاليا، وتناولت ورقته 3 عناصر أساسية: «دراسة الإسلام في الزمن المعولم؛ المنهج اللاهوتي والمنهج العلمي وآفاق الحوار بين المناهج؛ علم الإسلاميات والمنهج الأفقي.
قال فيها: «على مدى عهود ظلت مناهج في العلوم الإسلامية مرتبطة ببنية المعارف التي تطورت في أحضان المؤسسات العلمية، وقد غلب على مناهج تلك العلوم الدراسة الداخلية للدين، بما يعني تناول مجمل القضايا في العلوم الدينية من زاوية إيمانية، في حين شهدت على المستوى العام دراسة الدين تحولات ملحوظة.
وتابع عناية: «كما نعرف لم تعد دراسة دين الإسلام حكراً على المسلمين، وقد باتت قضاياه، بأبعادها العقدية والفقهية والمجتمعية والسياسية أيضاً حاضرةً في كبريات الجامعات والمراكز البحثية في العالم. وهذا في حدّ ذاته يمثّل تحدّياً لنا في الداخل، أي في الأوساط الأكاديمية العربية، بما يطرح علينا تساؤلات وفق أي صيغة وضمن أي منهج يجري عرض دين الإسلام وفهمه في الزمن المعولم؟ وكيف يتسنّى الإلمام بما يقوله الآخرون في ديننا، وفي الدين بشكل عام؟ فقد أملت تحولات التاريخ أن يدرس الآخرون ديننا، كما أننا بتنا معنيين بدراسة معتقداتهم، وفي هذا التشارك تعدّدت المناهج والمقاربات وتباينت الأغراض والأهواء أيضاً وتساءل في ختام ورقته هل تفي مناهج العلوم التقليدية بدراسة الإسلام في الوقت الحاضر؟ وكيف نقلص الفجوة بين دراساتنا الكلاسيكية والمناهج الحديثة.
منارة إشعاع
كما قدم الأستاذ الدكتور مولاي أحمد صابر باحث في الدراسات القرآنية من المملكة المغربية، ورقة في المحور نفسه أشار فيها إلى أن جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أصبحت منارة إشعاع في الدراسات الإسلامية والإنسانية في العالم العربي، وأكد على أهمية فهم القرآن فهماً كونياً يأخذ بمقصد الأخلاق والقيم كالرحمة للبعد عن مظاهر التطرف والفهم المغلوط لقضايا الدين والشريعة، من جانبه، قال الأستاذ الدكتور عبد الرزاق أورقية من جامعة سيدي محمد بن عبد الله في المغرب: إن الفلسفة من أشرف الصناعات الإنسانية، وينبغي أن نتقصى معرفة الحق والحكمة من مختلف العلوم المعرفية.
الأولويات
بدوره، قال الأستاذ الدكتور فادي الريحانة من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية: «إن محاولة تطوير ومراجعة المناهج التي هي سبيل تقدم الدول وازدهارها مرهون بالاهتمام بالبحث العلمي الذي هو عماد كل تخطيط وعصب كل تنمية»، وأضاف: «ترجع أغلب المشكلات التي يعاني منها البحث العلمي في الدراسات القرآنية إلى قصوره عن مواكبة العصر وانفتاحه عليه مع غياب الأولويات والتركيز على التكرار والاجترار.
وقال الأستاذ الدكتور رستم نور علييف نائب رئيس الجامعة الإسلامية الروسية للشؤون التعليمية: إن القيمة الحقيقية للمجال الأكاديمي للدراسات الإسلامية في الجامعات الروسية تكمن في مساعدة الخريجين على الاندماج بقوة في الحياة الاجتماعية بمختلف مجالاتها.
من جانبه قال الأستاذ الدكتور مصطفى الشريف أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة كاتالونيا في إسبانيا: «أمام التحديات التي تواجهها العلوم الإسلامية خاصة والعلوم الإنسانية بصفة عامة لابد من إيجاد الحلول السليمة لتلك التحديات في إطار تقييم سليم للمشكلات المعاصرة».
إلى ذلك تناول المؤتمر محور «مناهج البحث في الدراسات الإسلامية بالجامعات المغربية» وترأس جلسته الأستاذ الدكتور بوشتي المومني رئيس جامعة الملك عبد المالك السعدي بالمملكة المغربية، وتحدث خلالها الأستاذ الدكتور ألكسندر كنيش أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة ميتشيغن بالولايات المتحدة الأميركية.
تجديد المناهج
وقال الأستاذ الدكتور منتصر حمادة الباحث بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالمملكة المغربية: إن تحديث وتجديد مناهج البحث في الدراسات الإسلامية مسألة استراتيجية رهينة بمعرفة التطور الثقافي والعلاقات بين الدول، من جانبه أكد الأستاذ الدكتور عبد القادر النفاثي من المعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة في تونس، أن الدراسات الإسلامية لا يمكن أن تعرف حركة تجديد جادة ما لم يخرج أصحابها عن دائرة الجمود وتجاوز عقبات الواقع، وأشار الأستاذ الدكتور بلال أورفلي من جامعة نيويورك في دولة الإمارات إلى أن الأدب العربي منهج أخلاق يتقاطع مع العلوم الإسلامية وتنعكس معارفه تنزيلاً وتطبيقاً على الواقع.
الجلسة الرابعة
تناولت الجلسة الرابعة «إعادة بناء الدراسات الإسلامية بالجامعات»، وترأسها الدكتور عبد الصمد اليزيدي الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا، وتحدث خلالها معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية سابقاً، قائلاً: «درس المستشرقون اللغة العربية من منطلق العشق لها لدرجة أنهم أنشدوا فيها شعراً»، ودعا النملة جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية لإنشاء قسم للاستشراق والاستغراب لإكمال باقي أقسام التسامح والفلسفة الموجودين بها. من جانبه، قال الأستاذ الدكتور محند ويدير مشنان منسق اللجنة الوزارية للفتوى بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر: إن منهاج الدراسات الإسلامية ومقررات علوم النص تستمد أهدافها ومضامينها من نصوص القرآن الكريم والسنة والمكونات الأساسية لشخصية المجتمع الدينية والتاريخية والثقافية، مشدداً على أن المجتمعات اليوم بحاجة إلى تكوين وتعليم يمكنان من تحويل علوم الشريعة والدراسات الإسلامية إلى خلق كريم.
مصادر الوحي
قال الأستاذ الدكتور بسام الجمل أستاذ التعليم العالي في تونس: «يجب أن تتعهد الهيئة التدريسية في مختلف الجامعات والمعاهد بتعميق تكوينها الذاتي من جهة المعرفة والمناهج المتاحة اليوم»، وأشار الأستاذ الدكتور خالد الغنامي باحث في الأديان والفلسفة من المملكة العربية السعودية إلى أنه لا يمكن التعامل مع مصادر الوحي على أنها مصادر علمية بحتة، كما يحدث اليوم في كثير من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالقرآن والسنة، وقال الدكتور مصطفى عكلي عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية: إن تجديد الخطاب الديني يجب أن يكون في خدمة المجتمع والرقي بالوطن لتحقيق التطلعات المنشودة.
علوم الفقه والأصول
تناولت الجلسة محور «علوم الفقه والأصول» الذي ترأس مداولاته الأستاذ الدكتور محمد سيد محمد احمده عميد كلية أصول الدين في موريتانيا، وقال الأستاذ الدكتور أحمد نافع عميد كلية الشريعة في موريتانيا في كلمته الرئيسة: «لا ينبغي أن يكون الفقه وأصوله أسيري أفكار أيديولوجية معينة»، من جانبه أكد الدكتور عمر حبتور الدرعي مدير عام مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي على أن علم أصول الفقه هو السبيل لتجديد العلوم الإسلامية الأخرى، كما أن إعادة بناء العلوم الإسلامية لا بد فيه من التأكيد على أن العلوم الإسلامية لم تكن يوماً في تاريخها عائقاً أمام التطور والتفاعل مع الواقع، وقال الأستاذ الدكتور أحمد الحداد مدير إدارة الإفتاء وعضو اللجنة العليا للإفتاء بدولة الإمارات: إن التّفقه يدل على الكثرة، بحيث لا يكتفي طالبه ببعض مسائله وإنما عليه أن يتوسع في دراسته وتعليمه.