أبوظبي (الاتحاد)
أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام - مفتي جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم أن «قضية الأصالة والتجديد من القضايا التي فرضت نفسها بقوة على الساحة العلمية والفكرية، كما أنها من القضايا التي حدث فيها كثيرٌ من التلبيس؛ فظن البعض أن تجديد الخطاب الديني يعني تغيير ثوابت الدين الإسلامي وأصوله لجعل الإسلام متلائماً مع ظروف العصر، وليس الأمر كذلك؛ فالثوابت الإسلامية كأساسيات العقيدة ومواضع الإجماع اليقيني المستند إلى النصوص الشرعية فيما ليس للعقل فيه مجال لا تقبل التغيير».
وأوضح فضيلة المفتي، أن أحكام الفقه ممّا يتعلّق بمقاصد الشريعة في العبادة والعمران، ويختلف باختلاف الحال والزمان والمكان، وكذلك وسائل الدعوة إلى الإسلام وتبني المناهج والوسائل العلمية والعملية الحديثة فيما يتعلق بعلوم الشريعة ونقلها وتوثيقها وتدريسها، فإن ذلك كله مناطٌ للنظر والتجديد؛ فالتجديد إذن لا يعني هدم التراث والتخلي عن الثوابت والمبادئ العامة التي تحكم إسلامنا، وإنما الاستفادة من التراث الإسلامي والبناء عليه لمواجهة قـضايا العصر الأساسية.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها خلال فعاليات المؤتمر الدولي «الدراسات الإسلامية في الجامعات: نحو تعزيز قيم المواطنة والتعايش»، والذي تنظمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.
وأضاف فضيلته، أننا إذا نظرنا إلى معنى الأصالة والمعاصرة، نجد في الأصالة حفاظ الأمة على شخصيتها وذاتيتها التي كوّنتها الأحداث والأجيال الطويلة، ونجد في المعاصرة استفادة الأمة بعلوم حاضرها وتفاعلها مع قضايا الواقع المتغير، مؤكداً أن مفهـوم التأصيل لا ينفصل عن مفهوم التجديد، وبينهما تكامل وثيق، فلا تأصيل بلا تجديـد، ولا تجديد بلا تأصيل. وحول الجدل الذي يثار عن مفهومي الأصالة والمعاصرة، أكّد فضيلة المفتي أنه جدل محسوم من المنظور الإسلامي، ولا أدلّ على ذلك من أن الإسلام قد أقرّ ممارسات كانت في الجاهلية حين وجدها تتفق وجوهر دعوته إلى محاسن الأخلاق، فالمنهج الإسلامي لا يرفض كل ما عند الآخرين، وإنما يضعه تحت مجهر الفحص للحكم على مدى انسجامه أو اختلافه مع قيم الإسلام. وشدّد مفتي الجمهورية على أن الخطاب الديني بات في حاجة ماسة إلى التجديد، وبخاصة في التأكيد على القضايا والموضوعات التي هي بمثابة قاسم مشترك بين شعوب الأرض قاطبة، مثل الدعوة إلى مكارم الأخلاق، والمساهمة في سعادة إنسان العصر، وكذلك مواجهة الكوارث التي أنتجها الخطاب الديني المتطرف.
وبيّن فضيلته أن هذه الدعوة إلى التجديد تنطلق من التأسيس لثقافة العيش المشترك في عالم متعدد الأديان والثقافات والحضارات، حيث تتبنى الشريعة الإسلامية الغراء مبادئ وأسس العيش المشترك بين الإنسانية جمعاء، ولفت فضيلته إلى أنّ في هذا أبلغ الدلالة على رحابة صدر الإسلام واحتوائه على مبادئ قويمة للتعايش السلمي العالمي لجميع الشعوب مهما اختلفت انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية، ولهذا تعد تنمية قيم المواطنة العالمية ضرورة إنسانية، ليس على المستوى الوطني فحسب بل العالمي، فمن الضروري إعداد وتنشئة الأفراد على قيم السلام والتسامح والحوار وحقوق الإنسان والتنوع الثقافي؛ وذلك لكي يستطيعوا مواجهة المخاطر العالمية، كالمخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها؛ ليتمكنوا من إيجاد حلول لها.