شروق عوض (دبي)

مع النقاشات الدائرة على طاولة قمة المناخ في مدينة شرم الشيخ المصرية «COP27» حول أهمية المدن المستدامة بالوصول لعالم خالٍ من الكربون - التزاماً بأهداف اتفاق باريس للمناخ 2015 - بخصوص «حيادية الكربون»، فإنّ دولة الإمارات وما تحظى به من توجه الأنظار إلى مشاركتها الفعّالة في القمة، تحفز المجتمع الدولي على بذل المزيد من الجهود لحماية النظام البيئي من الآثار السلبية التي أفرزتها أزمة المناخ من نتائج مؤلمة على الإنسانية.
لقد كانت وما زالت دولة الإمارات السباقة في هذا التوجه، ولعبت دوراً رئيساً فيه طيلة السنوات الماضية، عبر اتباع سياسات وإجراءات اقتصادية أكثر صداقة للبيئة مبنية على حيادية الكربون، وبما يحقق في ذات الوقت معدلات نمو اقتصادية أفضل، مما يشكل في نهاية المطاف خريطة طريق لمواجهة الأزمة من خلال تحقيق مستهدفات استراتيجيتها الخاصة بالحياد المناخي بحلول 2050 والمستندة على الحد من الانبعاثات الكربونية في مختلف القطاعات الحيوية، وها هي اليوم تحصد إنجازات عدة في مختلف مجالات، ومنها المدن المستدامة.
ووسط التحولات السريعة التي تشهدها مدن العالم بسبب تغير التركيبة السكانية وشح الموارد، لا سيما وأن 55% من سكان العالم، يعيشون في المدن، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 70% بحلول عام 2050، ما يعني أن 2.5 مليار شخص إضافي، سيقيمون في المناطق الحضرية مستقبلاً، فإن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، يمثل هدفاً استراتيجياً ذا أولوية لدولة الإمارات؛ لذا تعمل على تحقيقه عبر منظومة متكاملة من الاستراتيجيات والتشريعات والمشاريع والبرامج والمبادرات، ويمثل التحول نحو البناء الأخضر أحد أهم ممكنات تحقيق الاستدامة، ومواجهة تداعيات تحدي تغير المناخ.

نموذج العمل المناخي
يعتمد نموذج العمل من أجل المناخ الذي طبقته الدولة على مجموعة واسعة من الركائز، وفي مقدمتها التعامل مع التحديات كافة، باعتبارها فرص نمو لكافة القطاعات والمجالات، ودعماً لهذا النهج اعتمدت العديد من التوجهات والسياسات، مثل التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتبني ممارسات وتطبيقات البيئة الحضرية الخضراء والتصميم الأكثر استدامة للمدن، والتوسع في نشر واستخدام حلول الطاقة النظيفة والمتجددة، واعتماد سياسة الإمارات للاقتصاد الدائري، وإنجازات الدولة في هذا الجانب كثيرة.

خفض الانبعاثات
ولم تأتِ هذه الإنجازات من فراغ، ولكنها نتيجة حتمية لإدراك دولة الإمارات مبكراً للتحديات المتمثلة بالنمو السكاني المطرد والطلب على موارد الطاقة، بالإضافة إلى الوقود الكربوني الملوث للبيئة، فقد حرصت للجم هذه التحديات إلى إنشاء مصادر بديلة للطاقة قابلة للتجديد ونظيفة وغير ضارة بالبيئة، وها هي باتت الإمارات كأول دولة خليجية تستخدم استراتيجية الطاقة المتجددة، والتي تشتمل على الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي الذي يغطي أغلبية احتياجات الإمارات.

مدينة مصدر
من نماذج المدن المستدامة التي تؤكد على الإنجازات التي حققتها الإمارات في مجال المحافظة على البيئة وتسخير حلول الطاقة المتجددة في مختلف مراحل التصميم والتشييد، مدينة مصدر في أبوظبي التي تتصدر قائمة المجمعات العمرانية الأكثر استدامة على مستوى العالم، حيث تعتمد المدينة نهج التصميم العمراني الذكي والفعال، والذي يظهر إمكانية التعامل مع الكثافة السكانية ضمن المجمعات الحضرية على نحو أكثر كفاءة.
وتم تشييد جميع المباني في مدينة مصدر باستخدام إسمنت منخفض الكربون، إضافة إلى الألمنيوم المعاد تدويره، حيث تبلغ نسبته 90% من الألمنيوم المستخدم، وجميعها مصممة للحد من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة تبلغ 40% على الأقل مقارنة مع استهلاك المباني العادية داخل مدينة أبوظبي، كما تمت مراعاة معايير «نظام الريادة في تصميمات الطاقة والبيئة» والمعايير الأساسية لنظام التقييم بدرجات اللؤلؤ المستخدمة لتصنيف أداء استدامة المباني ضمن برنامج «استدامة» الذي استحدثه مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني.

جزيرة ياس المستدامة
وتم الإعلان في إمارة أبوظبي عن مشروع «المدينة المستدامة - جزيرة ياس» بتكلفة 1.8 مليار درهم، والذي يقام شمال جزيرة ياس على مساحة 379 ألف متر مربع، ويضم 864 وحدة سكنية من الشقق وتاون هاوس، إضافةً إلى متاجر تجزئة على مساحة 3000 متر مربع، حيث يتوقع البدء في أعمال التشييد وطرح الوحدات للمشترين، خلال الربع الأخير من العام الحالي 2022، على أن يكتمل إنجازه خلال 30 شهراً.
وتعتمد المدينة على مصادر الطاقة المتجددة بالكامل، ما يمكن المقيمين فيها من توفير نحو 100% من فواتير الطاقة، حيث تصل الطاقة الإنتاجية للمدينة من الطاقة النظيفة إلى 6 ميجاواط، ويتوقع توفير نحو 12 ألفاً من الألواح الشمسية بالمدينة لإنتاج الطاقة المستهدفة، هذا ويجمع تصميم المدينة بين المساحات الخضراء والمباني الصديقة للبيئة التي تمتاز بكفاءتها العالية في ترشيد الطاقة، مما يدعم جهود إمارة أبوظبي للحد من الانبعاثات الكربونية، بما يتماشى مع أهداف مبادرة الإمارات للحياد المناخي 2050.

مدينة دبي المستدامة
تعد المدينة المستدامة في دبي إحدى النماذج التي تؤكد على الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات في شأن مساهمة المدن المستدامة بالحياد المناخي، حيث تعد المدينة أول مشروع ينتج كامل احتياجاته من الطاقة في المنطقة، ليكون أسعد مجتمع سكني في دبي، حيث تشغل المدينة مساحة 46 هكتاراً في منطقة «دبي لاند»، وتحتضن وحدات سكنية ومرافق لا تملك أي تأثير سلبي على البيئة، نظراً لاعتمادها مفهوماً فريداً يجسد ملامح العيش المستدام، من خلال مساكن عالية الكفاءة من ناحية استهلاك الطاقة، كما أنها لا تتطلب أي صيانة.
وتقلل المدينة المستدامة من معدل البصمة اﻟﮐربونية للفرد بنسبة 60%، مقارنة بالمساكن التقليدية، الأمر الذي يتحقق عن طريق خفض استهلاك الموارد وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، حيث يتم تصنيف الفلل في المدينة على أنها تعتمد بالكامل تقريباً على موارد الطاقة الذاتية، ومن خلال استخدام الطاقة الشمسية على الأسطح، وفرت الفلل ما يصل إلى 40% من استهلاك الكهرباء. وتعد المدينة رائدة في استخدام وقود الديزل الحيوي لعمليات البناء.

مدينة الروية المستدامة
وتعمل إمارة دبي أيضاً على بناء مدينة مستدامة في منطقة الروية على طول طريق دبي - العين التي سوف يساعد تصميمها، المنفذ على هيئة وردة في الصحراء، على تقليل استهلاك الكهرباء وإنتاج الطاقة المتجددة محلياً، كما تمثل الاستدامة أحد أبرز مشاهد «إكسبو دبي 2020» حيث تم إنتاج نصف الكهرباء المستخدمة في هذا الحدث العالمي من مصادر طاقة متجددة، ونصف هذه الطاقة يولد في الموقع نفسه.

مدينة الشارقة المستدامة
وعلى صعيد إمارة الشارقة، فيعد مشروع مدينة الشارقة المستدامة، أول مشروع يلبي أعلى معايير الاقتصاد الأخضر والاستدامة البيئية والحد من البصمة الكربونية في الإمارة، إذ يتمّ تشغيل المدينة كلياً بالطاقة المتجدّدة التي يتمّ إنتاجها بوساطة الألواح الشمسية مع إعادة تدوير المياه والنفايات، إضافة إلى تجهيز الفلل بمعدّات وأجهزة لتوفير استهلاك المياه، كما تتميّز المدينة بحلول التنقل الكهربائي، بما في ذلك محطات شحن المركبات الكهربائية، وتوفير مسارات بطول 2.4 كم مكرّسة للمركبات الكهربائية ذاتية القيادة.
ويمتد المشروع على مساحة 7.2 مليون قدم مربعة، ويضم 1120 فيلا متعددة المساحات بموقع استراتيجي بالقرب من منطقة الرحمانية التي تتيح لمستخدمين الطرق الوصول بسهولة إلى مطار الشارقة الدولي، والمدينة الجامعية بالشارقة، ومطار دبي الدولي، كما يتضمن المشروع مؤسسة تعليمية تعتمد غرس مفاهيم الاستدامة في مناهجها، ومركز الاستدامة الذي يشكل مكاناً مثالياً لاستضافة زيارات طلبة المدارس والجامعات والوفود الرسمية والمنظمات البيئية والاجتماعية، ويسهم في نشر الوعي حول القضايا البيئية ومفهوم المدن المستدامة.
ويضم المشروع الذي أعلن عنه في عام 2019 مزرعة تحتوي على 8 بيوت خضراء تعمل بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى مناطق زراعية خارجية لتشجيع السكان على زراعة أصناف مختلفة من الخضراوات والفواكه، وستوفر التصاميم الذكية لفلل مدينة الشارقة المستدامة، فرص توفير كبيرة للسكان في فواتير الكهرباء إلى 100% و50% في فواتير المياه، حيث سيتم توفير طاقة المدينة بالكامل عبر الألواح الشمسية، وسيتم استخدام أنظمة ذكية لتوفير استهلاك المياه.

واحة دبي للسليكون
نجحت إمارة دبي من خلال «واحة دبي للسليكون» في تخفيض الاستهلاك التراكمي للطاقة بمعدل 31 بالمائة، حيث تخطت المستهدف المحدد لها في استراتيجية دبي المتكاملة للطاقة 2030، وهو 30 بالمائة، وتعتبر الواحة أول كيان في دولة الإمارات يقوم بتنفيذ إضاءة الشوارع باستخدام التقنيات الذكية، وقد استخدمت أجهزة استشعار تقلل الإضاءة إلى 25 بالمائة، ثم تعود الإضاءة بالكامل عند اقتراب المركبات أو المشاة، مما أسهم في خفض استهلاك الطاقة بشكل كبير.

مبنى «آيرينـا»
يُعد المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» الذي تستضيفه مدينة مصدر ويمتد على مساحة 32.064 متر مربع، أول مبنى في دولة الإمارات يعتمد على نظام التقييم بدرجات اللؤلؤ المستخدمة لتصنيف أداء استدامة المباني ضمن برنامج «استدامة»، حيث يتيح التصميم المبتكر وأنظمة إدارة الطاقة الذكية في المبنى تقليل استهلاك الطاقة بنسبة 64% مقارنة مع المباني المكتبية العادية في مدينة أبوظبي.

عجمان والبناء الأخضر
تطبق إمارة عجمان، من خلال دائرة البلدية والتخطيط منذ يونيو 2018، اشتراطات البناء الأخضر، في إطار سعيها لتكون إحدى المدن المستدامة، كما دخلت الدائرة عصر البناء الأخضر في عام 2019، بتدشين مشروع مبنى المختبر المركزي للبلدية الذي يعد الأول من نوعه في الإمارة، وأنشئ وفقاً لمعايير نظام البناء الأخضر، مثل الاعتماد على الخرسانة الخضراء، بنسبة 90%، تسهم في الحفاظ على البيئة وصحة الأفراد، تماشياً مع رؤية الدائرة الساعية نحو إيجاد بيئة مستدامة وبنية عصرية لبناء مستقبل عجمان.
وحصلت الإمارة على الشهادة البلاتينية «آيزو المدن المستدامة وجودة الحياة» من المجلس العالمي لبيانات المدن خلال العام الجاري 2022، وتعتبر الشهادة الأعلى عالمياً في قياس مؤشرات التنمية المستدامة، وتحسين جودة الحياة، وبهذه الشهادة عززت عجمان مكانتها وتصنيفها بين المدن العالمية.

الفيلا في رأس الخيمة
وأطلقت بلدية رأس الخيمة في عام 2018، بالتعاون مع شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، مبادرة الفيلا النموذجية بهدف تعزيز الكفاءة في استهلاك الطاقة وبناء فيلات سكنية أكثر استدامة ضمن إمارة رأس الخيمة، حيث تعتزم البلدية تطبيق منظومة بيئية مستدامة لتوفير استهلاك المياه والكهرباء، عبر إجراء عملية تدقيق شاملة وموسّعة لأنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء وإمدادات المياه، في مبنى البلدية و53 مبنى حكومياً، وفق استراتيجية حكومة رأس الخيمة لخفض استهلاك الطاقة 30% وخفض استهلاك المياه 20%، ورفع نسبة توليد الطاقة بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة إلى 20% بحلول عام 2040.