شروق عوض (دبي)
تأتي مشاركة الإمارات بمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ «COP27» في مدينة شرم الشيخ المصرية، تأكيداً للدور المهم الذي تقوم به الدولة على المستويين الإقليمي والدولي في إطار تبني الزراعة الذكية مناخياً عن طريق التكيف السريع مع تداعيات التغير المناخي كالجفاف وارتفاع درجات الحرارة، واستخدام التقنيات لتقليل انبعاثات الكربون الصادرة عن الزراعة والوصول بها إلى الحدود المقبولة، ما يشكل خريطة طريق للدولة في تحقيق استراتيجيتها الخاصة بالحياد المناخي بحلول 2050 والحد من الانبعاثات الكربونية في القطاع الزراعي الحيوي، والاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي بحلول 2051.
وبالتزامن مع تأكيدات تقرير حالة الأغذية والزراعة لعام 2022 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة قبيل انطلاق فعاليات قمة شرم الشيخ «COP27» بأيام قليلة، حول مساهمة الأتمتة الزراعية في جعل إنتاج الأغذية أكثر كفاءة ومراعاة للبيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن دولة الإمارات ادركت هذه المسألة مبكراً، وعملت ضمن جهودها الجبارة مؤخراً على توظيف الأتمتة الزراعية، لما لها الدور الأبرز في زيادة الإنتاجية الزراعية وتعزيز قدرتها على الصمود أمام التغيرات المناخية، وتحسين نوعية المنتجات وزيادة كفاءة استخدام الموارد، وتحسين الاستدامة البيئية.
الثورة الرقمية
ومع تسارع خطى التغير التكنولوجي بوتيرة عالية خلال السنوات الماضية، إلا أن الدولة اليوم تركز على ثورة جديدة جارية تنطوي على التكنولوجيات الرقمي التي تشمل الذكاء الاصطناعي والطائرات من دون طيار والروبوتات وأجهزة الاستشعار في الزراعة وغيرها، إلى جانب الانتشار الواسع للأجهزة المحمولة باليد مثل الهواتف النقالة ومجموعة من الأجهزة الحديثة المتصلة بشبكة الإنترنت، الأمر الذي يؤهلها لتشكل أنموذجاً على مستوى المنطقة في هذا الشأن.
وتمتلك دولة الإمارات عبر التركيز على الاستثمار الزراعي كل المقومات التي تساعدها على تحقيق الأمن الغذائي على المديين المتوسط والبعيد، من خلال الاستمرارية في تجربة التقنيات المتماشية مع الظروف المناخية والموارد الطبيعية التي تمتلكها وذلك من خلال التطور التكنولوجي والتقدم بالأبحاث العلمية، والكثير من المعايير تتغير وما كان مستحيلاً منذ سنوات صار الآن ممكناً مع استخدام المحاصيل المناسبة والتقنيات المناسبة لكل بيئة.
منظومة متكاملة
وفقاً للاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، فإن دولة الإمارات تعمل على تعزيز الأمن الغذائي عبر منظومه متكاملة تشمل أكثر من محور يأتي في مقدمتها، تعزيز قدرات الإنتاج الزراعي المحلي المستدام المبني على الابتكار، الذي يسهم في رفع الكفاءة في استهلاك الموارد الطبيعية، وأيضاً زيادة الإنتاجية الزراعية، إضافة إلى ضمان مرونة واستمرارية سلاسل التوريد، من خلال تعزيز البنية التحتية والخدمات اللوجيستية والبحث دائماً عن المصادر الجديدة للاستيراد المستدام، فضلاً عن التوسع في عمليات الاستثمار الخارجي المسؤول في أنظمة الزراعة المستدامة، وتعزيز تبني الممارسات المستدامة في إنتاج واستهلاك الغذاء المسؤول لخفض معدلات الهدر والفقد والقضاء عليها بشكل كامل.
ومن المنجزات التي حققتها الدولة بشأن الغذاء، التصدر بالمرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على المؤشر العالمي للأمن الغذائي 2022 - الصادر عن ‹إيكونوميست إيمباكت› مقارنةً بالمرتبة الثالثة على المؤشر للعام 2021، كما احتلت المرتبة 23 عالمياً، متقدمة 12 مرتبة مقارنة بالعام الماضي.. كما شهدت تجارة الأغذية تعافياً سريعاً بعد جائحة كوفيد19، حيث بلغ معدل استيراد الأغذية اليومي ما يزيد على 41 ألف طن من الأغذية وهو ما يشكل نمواً بنسبة 21% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
استباقية الإمارات
وبفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة، كانت دولة الإمارات وما زالت سباقة في وضع استراتيجيات فعالة لتعزيز قدرات إنتاج الغذاء بشكل مستدام، والتوسع في تبني نظم الزراعة الحديثة، وتحفيز القطاع الخاص وجهات التمويل ورواد الأعمال على الاستثمار في نظم الحديثة، حيث أطلقت الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، وتعمل على دعم توظيف التكنولوجيا والحلول الابتكارية في قطاع الزراعة، وتبني ممارسات مستدامة في إنتاج واستهلاك الغذاء، بهدف تعزيز مكانتها كمركز عالمي رائد للأمن الغذائي القائم على الابتكار بحلول 2051.
وتوضح هذه المبادرة النهج المتكامل والشامل لدولة الإمارات في العمل المناخي، حيث تميز هذا النهج خلال عرض الدولة لاستضافة مؤتمر «COP28»، وكانت الدولة سباقةً في تركيزها على الابتكار والنمو الأخضر استعداداً لمرحلة التحول في قطاع الطاقة، حيث استثمرت 17 مليار دولار أميركي تقريباً في مشاريع الطاقة المتجددة حول العالم خلال السنوات الماضية، وتشكل مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ امتداداً لاستراتيجية الاستثمارات النوعية والذكية لدولة الإمارات.
مراعاة مصالح الدول
وتحفز دولة الإمارات خلال مشاركتها الحالية في فعاليات قمة شرم الشيخ للمناخ «COP27»، الدول الأعضاء للتوسع في جهودها الرامية إلى تنفيذ الإجراءات المتعلقة بالمناخ والحلول التي تتناول قضايا الزراعة والنظم الغذائية وندرة المياه والطاقة مع دعم قدرة الدول على تحمل الخسائر والأضرار والصمود في مواجهة أزمة تغير المناخ، كما تطلع الإمارات للبناء على ما تحقق في قمة شرم الشيخ للمناخ، وترجمة التعهدات إلى أفعال ملموسة خلال استضافتها لقمة المناخ «COP28» في مدينة إكسبو دبي خلال العام المقبل 2023، بأن تكون المخرجات على قدر المسؤولية وبما يراعي مصالح الدول المتأثرة تداعيات تغير المناخ.
ووسط مساهمة القطاع الزراعي بنحو ربع انبعاثات الغازات الدفيئة ومع النمو المتزايد في أعداد سكان العالم ومواصلة تأثير التغير المناخي على قدرات إنتاج الغذاء، فإن دولة الإمارات استثمرت طوال السنوات الماضية في البحوث والتطوير والابتكار الزراعي، وتعد مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ» مثالاً لخطوات الإمارات ضمن جهودها الجريئة والحديثة لتسريع التحول المنشود في النظم الغذائية العالمية، وصولاً إلى تحقيق ثاني أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030، حيث تساهم هذه المبادرة في حشد الجهود العالمية لتعزيز الأمن الغذائي، وزيادة استدامة الأنظمة الغذائية، والتخفيف من حدة التغير المناخي.
الاستثمار بالأنظمة الذكية
ويعتبر الاستثمار في ابتكار أنظمة زراعية ذكية مناخياً أمراً بالغ الأهمية لمعالجة أزمة المناخ، إذ يتيح ذلك تقليل الانبعاثات الكربونية، وتلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة لسكان العالم، ومساعدة المزارعين ومربي الماشية على التكيف مع آثار التغير المناخي، وقد حققت المبادرة انطلاقة رائعة مع تسجيلها حتى الآن التزامات أولية في ابتكار أنظمة زراعية وغذائية ذكية مناخياً، ولكن يتوجب أيضاً من الدول بذل جهود أكبر لزيادة الاستثمار في السنوات المقبلة.
وتهدف «الابتكار الزراعي للمناخ»، وهي مبادرة عالمية كبرى تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والتي تصل قيمة التزاماتها الأولية إلى 4 مليارات دولار، بمشاركة 30 دولة مع انضمام أذربيجان وكندا والمملكة المتحدة إليها مؤخراً، بالإضافة إلى 48 وكالة غير حكومية، إلى تسريع العمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً على مدى الأعوام المقبلة للمساعدة في تطوير أكبر قدر ممكن من الحلول، وتمكين العالم من تلبية احتياجاته الغذائية، وتحسين الإنتاج الزراعية، ورفع جودة الحياة، والحفاظ على الطبيعة والتنوع البيولوجي، وتعزيز القدرة على مقاومة عوامل التغير المناخي، وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة وعزل الكربون، وتعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الزراعي، وتوفير فرص عمل أكبر في هذا القطاع الحيوي الذي يوفر اليوم أكثر من 2 مليار فرصة عمل، وتوفير الغذاء لكافة سكان الكوكب.
تعهدات إضافية
وتحفز المبادرة التي تعهدت الإمارات باستثمار إضافي قيمته مليار دولار كجزء منها، على تسريع ابتكار أنظمة زراعية وغذائية ذكية مناخياً، حيث يتحمل القطاع الزراعي المسؤولية عن 25% تقريباً من الانبعاثات الضارة بالبيئة عالمياً، القطاعين العام والخاص على زيادة الاستثمار في ابتكار أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً لرفع سقف الطموح العالمي وتسريع وتيرة العمل المناخي في جميع البلدان، والارتكاز على البحث العلمي والبيانات الموثوقة لصنع القرار ورسم السياسات، كما تلتزم المبادرة بزيادة استثماراتهم في برامج دعم الابتكار في القطاع الزراعي بشكل كبير في عام 2025 مقارنة بحجم استثماراتها في عام 2020.
ويشكل مشروع ‹وادي تكنولوجيا الغذاء› في إمارة دبي واحداً ضمن جهود دولة الإمارات، لتعزيز الاعتماد على التقنيات الحديثة في تعزيز الأمن الغذائي، حيث يعد المشروع خطوة نوعية ضمن المساعي الوطنية لتطوير آفاق قطاع التكنولوجيا الزراعية، الذي يشهد أهمية متزايدة، حيث يتوقع أن يسجل سوق التكنولوجيا الزراعية نمواً في القيمة من 13.5 مليار دولار، إلى 22 مليار دولار خلال السنوات المقبلة.
وتبلغ مساحة المشروع عند اكتماله 18 مليون قدم مربعة، وسيوفر أكثر من 14.000 فرصة عمل، ويتوقع جذب ما يزيد على 4.000 زائر، وسيكون موطناً لأكثر من 1150 مقيماً، في حين تمتد المرحلة قصيرة الأجل من المشروع على مساحة مليون قدم مربعة، وتضم عشرة مواقع للشركات الأولى التي ستنقل أعمالها إلى الوادي، ويهدف المشروع في مرحلته الأولى، إلى مضاعفة إنتاج دبي الغذائي ثلاث مرات، إذ يمثل مدينة عصرية متكاملة تصدّر المعرفة حول نظم الغذاء المتقدمة للعالم ضمن أنشطتها، وتسعى لاستقطاب العقول المبدعة والشابة لرسم مستقبل الغذاء.
مبادئ أساسية
ترتكز آلية عمل وادي تكنولوجيا الغذاء على مبادئ أساسية تتضمن توفير المرونة التشريعية والتنظيمية لصناعة الغذاء، وتفعيل التعاون والوصول للأسواق، وتوفير خدمات فورية ومتكاملة للشركات والمعاهد ومشاريع التطوير في المدينة، وتقديم أسعار تنافسية لمرافق البنية التحتية، والاستفادة من خطوط التجارة العالمية والتعاون الدولي لتحقيق النجاحات المأمولة، كما يساهم المشروع في معالجة تحديات عديدة أبرزها ضعف تبني التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وقلة الخبرات والعمالة الماهرة في المجال الزراعي وغيرها.
ويتكون الوادي من أربع مناطق أساسية وهي منطقة الهندسة والتكنولوجيا الزراعية والتي تركز على تبني تقنيات الغذاء والزراعة الحديثة وتوظيف أحدث الابتكارات لإنتاج كميات وفيرة من محاصيل أساسية لمدن المستقبل الذكية، وحاضنات ابتكار الأغذية والتي تدعم المشاريع والشركات الناشئة بتوفير بيئة مساندة ومنظومة حيوية متكاملة حاضنة لرواد الأعمال وأصحاب الأفكار الجديدة في مجال غذاء المستقبل، ومركز البحث والتطوير والذي سيركز على تقنيات الذكاء الاصطناعي لمتابعة نمو المحاصيل الزراعية والتغيرات المناخية والتأثيرات البيئية، والاستخدامات المتاحة للطائرات المسيّرة في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء، فضلاً عن تقنيات الحصاد الآلي، ومنطقة الأنظمة اللوجستية المتقدمة والتي تضم مشروع مخازن المستقبل من الجيل الرابع 4.0، بالإضافة إلى توفيرها الخدمات اللوجستية النوعية من مخازن ذكية للأغذية، تتضمن أحدث تقنيات التخزين والمحافظة على الغذاء بالاعتماد على الأتمتة.
دعم استراتيجيات المستقبل
ويعزز وادي تكنولوجيا الغذاء جهود دولة الإمارات وخططها التي تستشرف المستقبل وتصنعه للأجيال القادمة والخمسين عاماً المقبلة، كما يدعم المشروع الاستراتيجيات المستقبلية المدروسة التي تعزز جاهزية دولة الإمارات وقدراتها الميدانية واللوجستية على توفير كافة احتياجاتها وفي مقدمتها الغذاء استعداداً لكل الظروف والحالات الطارئة، كما يشكل المشروع مبادرة استراتيجية شاملة تدعم مساعي دولة الإمارات وطموحها لتكون ضمن أفضل 10 دول ضمن المؤشر الغذائي العالمي لعام 2021. ويدعم المشروع تطوير استخدام التكنولوجيا والأبحاث في القطاع الزراعي لإنتاج الأغذية، كما يشجع توجهات تسريع الاكتفاء الذاتي من العديد من المنتجات الغذائية الطازجة في مدن ومجتمعات المستقبل، من خلال تطوير التقنيات الذكية التي توفر المساحات وترشد في الري واستخدام الأسمدة مثل الزراعة العمودية والمائية. هذا ويعزز وادي تكنولوجيا الغذاء مكانة دولة الإمارات كوجهة عالمية لصناعة الأغذية والابتكار فيها وتطوير تقنيات إنتاجها، حيث تضم على أرضها أكثر من 500 مصنع ومنشأة متخصصة في الإنتاج الغذائي وخدمة الأسواق المحلية والإقليمية والتصدير إلى مختلف أنحاء العالم.
177 مزرعة متطورة
توجد في دولة الإمارات وفقاً لإحصاءات وزارة التغير المناخي والبيئة لعام 2019، أكثر من 177 مزرعة متطورة تستخدم أحدث أساليب الري والإنتاج وتتخصص في الزراعة المائية، فيما تنشط أكثر من 100 مؤسسة في مختلف أنحاء الدولة في مجال الزراعة العضوية، وهو ما يسهم في توفير احتياجات الدولة من الخضروات والمنتجات الطازجة على مدار العام بدل الاقتصار على الزراعة الموسمية.