نجحت الإمارات في تحقيق طرفي المعادلة الذهبية لمواجهة تداعيات التغير المناخي عبر الالتزام المثالي بتنفيذ مساهماتها المحددة وطنياً لمواجهة تلك التداعيات على الصعيد المحلي من جهة، والإسهام الفاعل في مساعدة دول العالم على الوفاء بالتزاماتها البيئية من خلال تمويل ودعم مشاريع الطاقة النظيفة في القارات الست من جهة أخرى. ومنذ انضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1995، ولاحقاً إلى بروتوكول كيوتو في عام 2004 قدمت الإمارات نموذجاً عالمياً رائداً بالانتقال من مرحلة التعهدات إلى دخول في مرحلة التنفيذ والالتزام بتحقيق أهداف ومتطلبات الاتفاقية والبرتوكول، التي تركزت في البداية على تقليل إجمالي الانبعاثات الكربونية للدول الموقعة بنسبة 5 في المائة عما كانت عليه خلال عام 1990. وكانت الإمارات أول دولة عربية توقع وتصادق على اتفاق باريس في عام 2015 الذي ألزم البلدان الموقعة بالإعلان عن مساهمات محددة وطنياً لوقف التغيرات المناخية، كما ألزمها بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ووقف زيادة درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وبرز اهتمام الإمارات بقضية تغير المناخ خلال تلك المرحلة عبر العديد من التدابير والإجراءات التي اتخذتها مثل التوسع بالتشجير وإنشاء الغابات الاصطناعية كأحد أهم مصارف امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، كما أولت عناية فائقة لقضية الاستخدام الكفء لموارد الطاقة. وتوسعت الإمارات بتطبيق معايير (المباني الخضراء)، وبدأت في استخدام الغاز الطبيعي وقوداً في السيارات ومركبات النقل العامة، وواصلت خطط التوسع في المحميات الطبيعية وحماية التنوع الحيوي في الدولة، ووضعت استراتيجية متكاملة للقطاع الصناعي تقوم على ضرورة الأخذ بالبعد البيئي في مختلف مراحل الإنتاج. واهتمت دولة الإمارات اهتماماً كبيراً بأخذ البعد البيئي بعين الاعتبار في جميع خطط تطوير قطاع النفط من خلال استخدام التقنيات الحديثة والمتطورة وتطبيق أفضل الممارسات العالمية لتقليل الانبعاثات مثل الاستغناء النهائي عن حرق الغازات الهيدروكربونية، وشرعت في تنفيذ خطتها الطموحة لإنشاء شبكة وطنية لالتقاط وتخزين الكربون باعتباره أحد الحلول الواعدة في التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وشهدت الإمارات الشروع بتنفيذ أهم وأبرز مشروعات الطاقة النظيفة على المستوى العالمي، مثل محطة براكة للطاقة النووية السلمية، ومشروع (شمس 1) أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية المركزة في العالم، ودشنت مشروع مجمع الشيخ محمد بن راشد للطاقة الشمسية، وبدء المرحلة التشغيلية للمشروع التجريبي لتحلية المياه بالاعتماد على الطاقة المتجددة بمنطقة «غنتوت» في أبوظبي، والمحطة التجريبية التي أقيمت في جزيرة صير بني ياس لتوليد الطاقة بقوة الرياح في عام 2004، كما أعلنت في عام 2006 عن إنشاء شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر). وكشف الإصدار المحدث للتقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنياً لدولة الإمارات - بموجب اتفاق باريس للمناخ، مدى التزام الإمارات بتعهداتها في مواجهة تحديات التغير المناخي على المستوى المحلي، الذي تضمن رفع مستهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة ليصل إلى 31 في المائة بحلول 2030، مقارنة بالوضع الاعتيادي للأعمال الذي من المتوقع أن تسجل فيه الانبعاثات ما يقارب 301 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون، مع احتساب معدل النمو الاقتصادي السنوي بناء على قاعدة النمو خلال السنوات الماضية. وعزز الإصدار المحدث للتقرير الثاني من الطموح المناخي للدولة تحقيق أهداف مبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، حيث يعادل هدف خفض الانبعاثات الجديد تجنب انبعاثات 93.2 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون. وتستعد الإمارات لإطلاق استراتيجية طويلة المدى ستكون بمنزلة خريطة طريق لرفع مستهدفات خفض الانبعاثات من كافة القطاعات الاقتصادية وتعزيز قدرات التكيف التي سيشملها التقرير الثالث من مساهمات الدولة المحددة وطنياً. وأعلنت الإمارات مؤخراً مجموعة من المبادرات التي تدعم هدف رفع الطموح في الإصدار المحدث للتقرير الثاني ومنها مشروع الكربون الأزرق، ومبادرة الحوار الوطني حول الطموح المناخي التي تهدف للحد من الانبعاثات الكربونية في قطاعات الصناعة، والإسمنت، والنفايات، والنقل، والطاقة. وتقود دولة الإمارات الحراك العالمي للحد تأثيرات التغير المناخي، وقد تحولت خلال السنوات الماضية إلى أحد أبرز اللاعبين والمساهمين في رفع معدل إنتاج الطاقة المتجددة عبر دعم وتمويل مشاريع ضخمة ونوعية تنتشر في القارات الست للعالم. وشكل إعلان الإمارات والولايات المتحدة لشراكة استراتيجية لاستثمار 100 مليار دولار في إنتاج 100 «غيغاواط» من الطاقة النظيفة بحلول عام 2035 فصلاً جديداً في قصة الإمارات ونجاحاتها في هذا الصدد، حيث تسعى الشراكة إلى تعزيز أمن الطاقة ودفع التقدم في العمل المناخي حول العالم. وتمتلك الإمارات قبل توقيع الشراكة الأخيرة سجلاً طويلاً من الإنجازات والمساهمات ذات البعد العالمي، حيث تخصص منذ أعوام جزءاً أصيلاً من مساعداتها الخارجية لدعم مشروعات الطاقة النظيفة حول العالم، وعلى سبيل المثال قدمت الإمارات خلال الفترة من 2010 حتى 2021 مساعدات خارجية بقيمة 537.7 مليون دولار أميركي لدعم مشروعات الطاقة النظيفة في دول المحيط الهادي ومنطقة الكاريبي، كما أطلقت صندوقي تمويل لمنطقتي الكاريبي والدول المطلة على المحيط الهادي بقيمة 50 مليون دولار أميركي لكل صندوق. ولعب كل من صندوق أبوظبي للتنمية، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» الدور الأبرز في جهود الإمارات كأذرع رئيسية لتنفيذ التوجه الاستراتيجي لدولة الإمارات وزيادة إسهامات الطاقة النظيفة حول العالم وتسريع وتيرة التحول نحو الطاقة المتجددة، وتخفيض الغازات الدفيئة والانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة، للحد من ظاهرة التغير المناخي.
ونفذ صندوق أبوظبي للتنمية ومول العديد من مشروعات الطاقة المتجددة حول العالم، أبرزها مجمع الشيخ زايد للطاقة الشمسية في الأردن الذي يقوم بتوليد 103 ميغاواط من الطاقة باستخدام الخلايا الشمسية، ومحطة تحويل النفايات إلى طاقة في المالديف التي توفر حوالي 1.5 ميجاواط من الطاقة المتجددة، ومشروع «سد مروي» في السودان أحد أكبر مشروعات الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، وثاني مشروع رئيسي لتوليد الطاقة الكهرومائية في البلاد بطاقة إنتاجية تبلغ 1250 ميغاواط. وأنجز الصندوق محطة الطاقة الشمسية في أرض الصومال التي تبلغ سعتها الإنتاجية حوالي 7 ميغاواط، كما استكمل الصندوق مرحلتين من مشروع الطاقة الشمسية في كوبا لإنتاج 15 ميغاواط من الطاقة المستدامة ودعم قطاع الكهرباء، ومول مشروع تركيب ألواح شمسية على مظلات السيارات في جزر البهاما لتوريد طاقة نظيفة بسعة 925 كيلوواط وذلك ضمن مبادرة دعم مشروعات الطاقة في جزر الكاريبي. ومول الصندوق في ليبيريا، مشروع محطة للطاقة الكهرومائية التي ستعمل على إنتاج 2.1 ميغاواط لتغطية احتياجات 30 ألف شخص، ومحطة الطاقة الشمسية في توغو لإنتاج 30 ميغاواط تغطي احتياجات 600 آلف أسرة، ومحطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في سانت فنسنت لتوفير إمدادات من الطاقة الكهربائية النظيفة بسعة 600 كيلوواط، ومحطة لطاقة الرياح في سلطنة عمان لإنتاج 50 ميغاواط من طاقة الرياح، ومحطة لطاقة الرياح في سيشل بقدرة 8 ميغاواط، ومحطة للطاقة الشمسية بسعة 8 ميغاواط في أرتيريا، إضافة إلى مشروعين في مالي هما سد «سلينجي» الذي يعد أحد أهم مصادر الطاقة في مالي بسعة 12 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية، ومشروع إنشاء محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية على سد «توسا» بقدرة 25 ميغاواط. وأطلق الصندوق في عام 2013 مبادرة استثنائية على مستوى عالمي لدعم مشروعات الطاقة المتجددة بقيمة 1.285 مليار درهم «350 مليون دولار أميركي»، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا».
وتم من خلال المبادرة تمويل 32 مشروعاً من مشروعات الطاقة المتجددة في 26 دولة في مختلف دول العالم. من جهتها، تواصل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» مسيرتها الرائدة التي انطلقت منذ 16 عاماً في مجال دعم حلول الطاقة النظيفة المستدامة حول العالم عبر مشاريع واستثمارات رائدة رسخت مكانة دولة الإمارات في هذا المجال. ودشنت «مصدر» في عام 2011 محطة «خيماسولار» للطاقة الشمسية المركزة في إسبانيا، وهي أول مشروع للطاقة الشمسية على مستوى المرافق الخدمية في العالم يتم فيه الجمع بين نظام استقبال الطاقة الشمسية في البرج المركزي، وتقنية تخزين الحرارة باستخدام الملح المصهور التي تمكن المحطة من توليد الكهرباء على مدار 24 ساعة. وطورت «مصدر» محطة «نور ميدلت» الهجينة للطاقة الشمسية، في المملكة المغربية، حيث يعد المشروع الذي تبلغ قدرته الإنتاجية الإجمالية 800 ميجاواط، أول مشروع محطة هجينة متطورة للطاقة الشمسية في العالم تستخدم مزيجاً من الطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة. واستحوذت «مصدر» على حصة في محطة «إيست روكينجهام لمعالجة الموارد» بقدرة 29 ميجاواط في أستراليا، بالإضافة إلى تطوير أول محطة طاقة شمسية عائمة في إندونيسيا، تبلغ قدرتها الإنتاجية 145 ميجاواط، وتمتد على مساحة 225 هكتاراً على سطح مياه سد «سيراتا» الذي تبلغ مساحته 6200 هكتار. واستثمرت «مصدر» في نوفمبر 2019 في شركة «فيوتشر هيرو انرجيز»، الشركة الرائدة في مجال التكنولوجيا النظيفة وأكبر الشركات المطورة لمشاريع الطاقة النظيفة في شبه القارة الهندية، وذلك لدعم خططها الرامية إلى التوسع في مشاريعها في مجال الطاقة المتجددة في جمهورية الهند وضمن عدد من الأسواق العالمية. وتعد «مصدر» أول المساهمين في صندوق للاستثمار في تطوير البنية التحتية لشحن المركبات الكهربائية الذي أطلقته وزارة الخزانة البريطانية، كما تعد «مصدر» المموّل الرئيس لمركز الابتكار في هندسة الجرافين الواقع في مبنى مصدر بجامعة مانشستر، ويدعم المركز استراتيجية «مصدر» التجارية للمشاركة في المشروعات التي تعتمد على التقنيات النظيفة المتطورة ذات الجدوى التجارية. وتولت «مصدر» تطوير وتشغيل محطة طاقة شمسية كهروضوئية باستطاعة 200 ميجاواط في أذربيجان تقع على بعد 75 كلم جنوب غرب العاصمة باكو، كما فازت «مصدر» بمناقصة تطوير أول مشروع مشترك بين القطاعين الحكومي والخاص للطاقة الشمسية في جمهورية أوزبكستان، الذي يندرج ضمن برنامج مؤسسة التمويل الدولية لتوسيع الطاقة الشمسية بقدرة 100 ميجاواط، فضلاً عن توقيع اتفاقية رسمية مع صندوق المصالح الوطنية في أرمينيا لتطوير مشروعات طاقة شمسية بقدرة إجمالية تبلغ 400 ميجاواط في البلاد. وفي مجال طاقة الرياح، يبرز عدد من المشروعات الرائدة التي تنفذها «مصدر» في أماكن مختلفة حول العالم، حيث أطلقت الشركة ثلاثة مشروعات في المملكة المتحدة تشمل مصفوفة لندن، التي تعد إحدى أكبر محطات طاقة الرياح البحرية في العالم، وتقوم بتلبية احتياجات الكهرباء لأكثر من نصف مليون منزل، وتساهم في منع انبعاث 925 ألف طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومحطة «هايويند سكوتلاند»، أول محطة طاقة رياح بحرية عائمة على مستوى تجاري في العالم، حيث تساهم المحطة البالغة قدرتها الإنتاجية 30 ميجاواط، في تزويد حوالي 6600 منزل بالكهرباء، فضلاً عن محطة «دادجون» لطاقة الرياح البحرية والتي تتألف من 67 توربيناً وتبلغ قدرتها الإنتاجية 402 ميغاواط، وتوفر الكهرباء النظيفة لحوالي 410 آلاف منزل. واستحوذت «مصدر» على حصص في محطتين لطاقة الرياح بالولايات المتحدة الأميركية، هما محطة «روكسبرينغز» في تكساس ومحطة «سترلينغ» في نيومكسيكو. وفي صربيا طورت «مصدر» محطة «شيبوك 1»، التي تعد أكبر محطة طاقة رياح تجارية على مستوى المرافق الخدمية في صربيا ومنطقة غرب البلقان، حيث تبلغ قدرتها الإنتاجية 158 ميجاواط، . وعلى صعيد المنطقة، طورت «مصدر» محطة الطفيلة لطاقة الرياح في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي سلطنة عُمان نفذت «مصدر» محطة «ظُفار لطاقة الرياح». وتعد «محطة ميناء فيكتوريا» لطاقة الرياح، التي طورتها ودشنتها «مصدر» أول مشروع ضخم للطاقة المتجددة في جمهورية سيشل يسهم في تزويد أكثر من 2100 منزل بالكهرباء، فيما توفر محطة كرونوفو لطاقة الرياح الطاقة لنحو 45 ألف منزل في دولة مونتينيغرو.