منى الحمودي (أبوظبي)

أكد الدكتور جمال الكعبي وكيل دائرة الصحة – أبوظبي، أن الدائرة منذ تأسيسها اهتمت بالصحة الرقمية وجودة البيانات، وبدأت بالحصول على المصدر الحقيقي للبيانات من خلال الربط الإلكتروني لنظام «ملفي»، وهو الأساس الذي تم عليه بناء جميع المبادرات الأخرى، مشيراً إلى أن وجود المعلومات والملف الطبي الموحد كان السبيل لدائرة الصحة لتحقيق الكثير من الإنجازات. 
وقال في حواره مع «الاتحاد»: «خلال جائحة «كوفيد-19» استطعنا معرفة الكثير من علامات المرض في بداياته نتيجة لوجود المعلومات الصحية، بالإضافة لذلك كان لتجربة تطبيق «الحصن» دور كبير في تطوير منظومة المتابعة في أبوظبي، ولولا البيانات الموجودة والربط مع ملفي، لما كان تطبيق مثل «الحصن» لأن يقدم هذا المستوى الذي أصبح عالمياً».
وأضاف: «اليوم تجربتنا مع «كوفيد-19» مكنتنا من الانطلاق لخطوات واسعة في تطوير الصحة الرقمية، فالبيانات الصحية تهم جميع دول العالم في المجالات الصحية، خاصة وأنه يتم بناء العديد من الأمور عليها، فالمعلومة الصحية تساهم في التعامل مع الأمراض والتنبؤات بها ووضع المبادرات الصحية المختلفة».
وتابع: «وصلنا لمستوى جيد في عملية تطوير البنية التحتية الرقمية في أبوظبي، فالبيئة مناسبة للابتكار الرقمي ولجميع مبادرات الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل وجود البيانات، ولا ننسى أن وجود بيانات الصحة الرقمية يلعب دوراً كبيراً في الأبحاث، كما أننا قطعنا شوطاً كبيراً في تعاقداتنا مع شركات عالمية لإنتاج العديد من الأدلة العلمية من إمارة أبوظبي، حيث إن جميع هذه الشراكات تُبني على الأبحاث في إمارة أبوظبي، ووجود الصحة الرقمية يسهل على الباحث، سواء من داخل الدولة أو خارجها، الحصول على النتائج العلمية المطلوبة».

الطوارئ والأزمات
وأشار الدكتور جمال الكعبي إلى تبني دائرة الصحة أبوظبي منظومة متكاملة في شأن تطوير البنية التحتية والأمن السيبراني وعملية أمن المعلومات وجودتها، بالإضافة إلى تبني أبرز الابتكارات الرقمية في الذكاء الاصطناعي. ويأتي التعامل مع أي طارئ ليؤكد الحاجة إلى بنية تحتية تتيح سهولة الوصول للمريض، بالإضافة للمعلومات عن المنشآت الصحية وبياناتها، بحيث يتم نقل المرضى من وإلى المنشآت الصحية والوصول للمعلومات الصحية.
وقال: «تمكنا من خلال برنامج «استجابة» لدائرة الصحة أبوظبي من تنظيم عملية استقبال مرضى «كوفيد-19» ونقلهم للمستشفيات حسب المنظومة المعمول بها في إمارة أبوظبي، وكان لدينا مراكز تقييم للحالات لتحديد وضعها والدخول للمستشفيات، وكل هذه المنظومة كانت تعمل في نظام استجابة، الذي كان على اطلاع على تحركات المرضى في هذه الأماكن، مما سهل علينا إعطاء البيانات والأرقام والتحليل خلال الفترة الماضية.»
ولفت إلى أن منظومة التنبؤ الخاصة بدائرة الصحة أبوظبي لعبت دوراً محورياً في «إكسبو» وقدمت الدعم للجنة العليا المنظمة للحدث في توقعات ما يُمكن حدوثه من إصابات، كما لعبت دوراً في عملية المتابعة خلال إكسبو. كما ساعد تطبيق «الحصن» في الإجراءات الاحترازية والدخول للمراكز التجارية والأماكن السياحية والموظفين في مواقع عملهم، حيث لعبت هذه التقنية دوراً في تسهيل التعامل مع الجاهزية والطوارئ والأزمات.
وكشف عن تطوير دائرة الصحة أبوظبي لنظام «استجابة» من خلال ربطه مع البيانات الصحية في «ملفي»، وتطوير «استجابة» مع فرق الإسعاف والاطلاع على التجارب العالمية المشابهة في سبيل تسهيل الإجراءات بشكل أكبر.

تحسين الخدمات
وفيما يتعلق بدور التقنيات الرقمية في تحسين خدمات الرعاية الصحية، أوضح الدكتور جمال الكعبي، بأن إمارة أبوظبي تسعى لأن تكون مدينة داعمة للصحة ومجتمعها لديه الأدوات لعيش حياة صحية، حيث توفر التقنية الرقمية وسائل مبتكرة لتحليل البيانات وتوفير المعلومات اللازمة لأغراض صناعة القرار ووضع الخطط المستقبلية. لافتاً إلى أن القطاع الصحي يهدف بشكل عام لتنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض، وتعتبر سلامة المرضى وتحسين الصحة المجتمعية أولوية. والمثال على ذلك نظام «محاكي إدارة تأثير الأمراض» الذي أطلقته دائرة الصحة وبُني على أساس البيانات التاريخية المحلية، لنتمكن من تخصيص الموارد وتحديد أولويات المبادرات الواجب إطلاقها.
وقال: «من الأمثلة على استخدام التقنيات الرقمية لتعزيز صحة المجتمع «ملف عوامل الخطورة الطبية للمريض»، الذي أضافته «ملفي» كخاصية جديدة تتيح لجميع الأطباء المصرح لهم بالوصول إلى المنصة إمكانية التنبؤ بمخاطر إصابة الفرد بأمراض مزمنة معينة، أو إمكانية تعرضه لطارئ صحي خطير، بالاستناد إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلم الآلة تعمل على تطوير نماذج مخاطر تنبؤية تعتمد على البيانات الديموغرافية والسريرية المتوفرة عن سكان الإمارة في «ملفي».
وأضاف: «كما يمكن للطبيب من خلال البيانات الموجودة معرفة إمكانية إصابة المرضى لديه ببعض الأمراض من خلال تحديد عوامل الخطورة الموجودة وعمل معادلات علمية تعطي التوقعات، ويبدأ الطبيب بالتعامل مع شخص لديه خطورة عالية للإصابة بمرض معين بطريقة مختلفة عن شخص آخر لا يكون لديه عوامل خطورة.»
وتابع: «تؤدي شراكاتنا العلمية مع شركات الأدوية دوراً في مجال التنبؤ بالأمراض، ذلك عن طريق استخدام بعض الأدوية الجديدة التي يمكن أن تساهم في تقليل نسب الأمراض لدى الأشخاص ذوي عوامل الخطورة العالية للإصابة بالأمراض.» وأكد أن الصحة العامة هي أولوية، وتعد منظومة «افحص» تنبؤاً واستراتيجيةً حكومية لفحص جميع المقيمين في إمارة أبوظبي لمنع حدوث الأمراض بشكل متأخر، خصوصاً السرطان كون أن علاجه في المراحل المتأخرة تكون صعبة فيما لو تم اكتشافه مبكراً.

تطبيقات 
وأوضح الدكتور جمال الكعبي، بأن صحة أبوظبي وقعت مع «بيور هيلث» وجي42 للرعاية الصحية مذكرة تفاهم لإنشاء «مركز الصحة الرقمية» في العاصمة أبوظبي، بهدف ترسيخ مكانة الإمارة عالمياً في مجالات الصحة الرقمية من خلال تطوير منصات بيانات وخدمات رقمية رائدة تسهم في المضي في تعزيز مخرجات القطاع الصحي وجودة خدمات الرعاية المقدمة للمرضى وفق أعلى مستويات الكفاءة. وتعد «بحيرة البيانات» أحد الأنظمة التي تعطي القراءة الصحيحة عن كل مريض في إمارة أبوظبي بكل تفاصيلها من تاريخ الولادة وشهادة الميلاد إلى شهادة الوفاة. 
وأفاد بوجود تطبيقات تقنيات قراءة الأشعة التي تم استخدامها خلال الفترة الماضية ولا زال يتم استخدامها بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في قراءة الأشعة، فهي تختصر الوقت والجهد على الطبيب، كما أنها تعطي معلومات أكثر دقة، منوهاً بأن فريق الأبحاث يدرس هذه التقنيات بشكل متواصل، بحيث يتم اعتمادها وتطبيقها في إمارة أبوظبي، لما تتميز به من توفير للجهد وجودة أعلى للوصول للتشخيص لبعض الأمراض في قراءات الأشعة المقطعية وأشعة المغناطيسية وغيرها.
وقال: «استخدمنا برامج طبية تساعد المرضى في ممارسة الرياضة، وتطبيقات سجل التطعيمات من ضمن «ملفي»، بتبويب خاص والوصول للأشخاص الحاصلين على التطعيمات وغير الحاصلين عليها في الفترة الماضية، كما كانت تجربة أبوظبي متميزة في عملية تشريح الموتى، حيث انتقلت من التشريح التقليدي للتشريح الرقمي، وتبنت هذا النوع من التشريح وكان للتجربة الأولى دور كبير في اكتشاف سبب الوفاة وأعطت قراءات لم تكن موجودة سابقاً في التشريح التقليدي».

المعايير والممارسات
حول المعايير المعتمدة لضمان الاستخدام الأمثل لتقنية المعلومات في المجال الصحي، أوضح الدكتور جمال الكعبي بأن الصحة الرقمية لن تقوم من دون وجود حوكمة واضحة وأمان لاستخدام البيانات، فاليوم يتم استخدام البيانات من قِبل الباحثين وجهات تنظيمية، ومقدمي الخدمات الصحية والمرضى. بالتالي فإن عملية حكومة هذه الاستخدامات مهم جداً، ويعتبر معيار أمن المعلومات من المعايير لا يمكن التنازل عنه، وتحتل دائرة الصحة-أبوظبي المركز الأول في معيار الأمن السيبراني، وخلال الفترة الماضية تم عمل دورات تدريبية ومتابعات وتفتيش للقطاع الصحي، وتطوير المنظومة في منشآت الرعاية الصحية في أبوظبي، حيث تؤدي صحة أبوظبي دوراً رقابياً ودوراً مساعداً في تبني هذه التقنيات ومساعدة فرق العمل في المنشآت الصحية. وقال: «نفتخر بتعاون الجميع وتطويرهم لمنظومة أمن المعلومات لديهم، وهناك منظومة رقابة على تحديات الاختراق والحصول على البيانات من خلال فريق الأمن السيبراني الذي يتابع بشكل مستمر هذه الأمور بالتنسيق مع الجهات العليا، لضمان أن تكون البيانات محكومة. بالإضافة إلى ذلك متابعة السياسات والتشريعات وسرية المعلومات من بداية دخول المريض وحتى خروجه، والتي يجب أن تُعامل بشكل سري ولا يُمكن الاطلاع عليها إلا من قِبل الأطراف المصرح لها، وخلال الفترة الماضية تم إصدار العديد من السياسات على مستوى القطاع الصحي المتعلقة في عملية الولوج للبيانات، كون أن التسارع في عملية الصحة الرقمية يجب أن يكون مع التسارع في تطوير هذه السياسات والتشريعات.»
وفيما يتعلق بتوفير أنظمة تُمكن المرضى من الوصول لبياناتهم الصحية، أفاد الدكتور جمال الكعبي أنه حان الدور على المريض للاطلاع على جميع بياناته، خصوصاً بوجود تحديات تواجه المريض مثل حصوله على التقارير الطبية وملفه الطبي وزياراته السابقة والتكلفة المادية التي تم صرفها على المريض، وذلك بعد أن تم تحقيق الهدف من نظام «ملفي» لإيصال المعلومة للطبيب، بأن يكون مُطلعاً على بيانات المريض قبل فحص المريض. وتم الانتهاء من ربط 100% بين جميع المنشآت.
وأوضح بأن المنظومة الخاصة بالمرضى تساهم في وصولهم إلى سجلاتهم الطبية المركزية، وهي النسخة الأولى من النظام، وسيتم تطويره في الفترة القادمة لتصل إلى اعتباره منصة رئيسية لحصول المريض على كل ما يحتاجه في القطاع الصحية من خلالها. 

موقع أبوظبي
أكد الدكتور جمال الكعبي على أن دائرة الصحة في أبوظبي أصبحت اليوم جهة عالمية ولم تعد محلية، خاصة في ظل تسليط الضوء على ما تم إنجازه في المرحلة الحالية وما هو متوقع إنجازه في المرحلة القادمة، لافتاً إلى أن التوقعات كبيرة خاصة من القيادة الرشيدة التي تصل توقعاتها إلى عنان السماء، وكُل شوط يتم قطعه ماهو إلا جزء بسيط من توقعات القيادة لما هو مطلوب من دائرة الصحة- أبوظبي. ونوه بأن الشراكات العالمية التي حظيت بها دائرة الصحة أبوظبي، تدل على مكانتها في المقام الأول، وأن التعامل معها هو تعامل شراكات وليس اعتماد طرف على آخر، وهي شراكات بحكم وجود ما يُمكن الاعتماد عليه في أبوظبي من بنية تحتية متطورة ومنظومة صحة رقمية متقدمة وأريحية في إجراء الأبحاث العملية بمختلف أطيافها، ومن كفاءات طبية تعمل في القطاع ومقدمي خدمات على أعلى مستوى مثل مايو كلينك وكليفلاند وقطاع خاص متطور ساهم بشكل كبير في تطوير هذه المنظومة. وأشار إلى أن كل هذه العوامل أعطت المجال للشركات العالمية أن تضع أبوظبي نصب أعينها وترغب في وجودها بالإمارة ويكون لها دور فاعل في إجراء الأبحاث وتقديم الأدلة العلمية من إمارة أبوظبي للعالم خلال هذه الأبحاث. والجدير بالذكر أن إمارة أبوظبي تحتضن ما يزيد على 200 جنسية، وهو أمر هام بالنسبة للفرق العلمية التي تُجري الأبحاث، خصوصاً مع تجربة تقنيات وعلاجات جديدة مما يعطي مصداقية أكبر للبحث العلمي مع اختلاف الجنسيات. وأوضح بأن منظومة الصحة الرقمية في أبوظبي وضعت الأساس بشكل متميز للمرحلة الحالية، ويعتبر الوصول لهذا المستوى في الصحة الرقمية إنجازاً كبيراً للمنظومة الصحية في الإمارة، خصوصاً وأن الاختبار الحقيقي كان في فترة «كوفيد-19» خلال الثلاثة أعوام الماضية، وهو الاختبار الذي أكد على نجاح المنظومة التي ساعدت بشكل كبير أثناء الجائحة. 

نقلة نوعية
أكد الدكتور جمال الكعبي في ختام حديثه على أن النقلة النوعية اليوم تتحقق باستخدام المزيد من الابتكارات وتحسين جودة البيانات وتطوير منظومة تضمن حصول جميع الأطراف على البيانات بسلاسة خلال المرحلة القادمة. ومن المتوقع أن تكون الخمسة أعوام القادمة هي ثورة الصحة الرقمية في إمارة أبوظبي لتصل إلى مرحلة رقمنة كل ما يحدث في القطاع، ورقمنة كل العلاقات التي تجمع المريض بتعاملاته مع القطاع الصحي، وتعاملات القطاع الصحي مع الدائرة والصحة العامة ستكون متبلورة بمنظومة الصحة الرقمية.