أبوظبي (الاتحاد)

في باكورة التعاون المشترك بينهما، نظم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالشراكة مع مركز الشرق الأوسط التابع لجامعة بنسلفانيا، ندوة عالمية في مقرّ الجامعة في مدينة فلاديفيا حول «الشرق الأوسط المتغير: التداعيات الدولية وآفاق الاستقرار الإقليمي»، تناولت التحديات الرئيسة التي تواجه منطقة الشرق الأوسط في زمن التحولات العالمية المتسارعة، فيما دشنا رسميّاً برنامجاً للتبادل البحثيّ والطلابيّ بين مركز «تريندز» وجامعة بنسلفانيا في إطار اتفاقية التعاون المشترك بينهما التي تتضمن إتاحة التدريب النظري والعملي للباحثين من الجانبين، بما يعزز قدراتهم البحثية، والاستفادة من البرامج التدريبية لدى الطرفين على حد سواء في مجالات البحث العلميّ واستشراف المستقبل، وتحليل القضايا الراهنة بشكل أكاديميّ وازِن.
افتتح أعمال الندوة الدكتور محمد العلي، الرئيس التنفيذي لمركز «تريندز»، الذي أكَّد حرص المركز على تعزيز التعاون مع جامعة بنسلفانيا العريقة، معرباً عن ترحيبه بتدشين برنامج التبادل البحثيّ والطلابي الذي سيتم تفعيله خلال الفصل الدراسي المقبل مع جامعة بنسلفانيا. وقال إن البرنامج المتبادل يشكل مرحلة جديدة من التعاون، بهدف تمكين الباحثين الشباب من أدوات البحث العلميّ. وأضاف أن الندوة تُعدُّ استمراراً للتعاون مع جامعة بنسلفانيا بعد تجربة التعاون مع مركز لورد التابع لها، معرباً عن أمله في أن تخرج الندوة برؤى وتوصيات تخدم البحث العلميّ وصناع القرار بما يسهِّل مواجهة التحديات وفهمها.من جانبها، رحبت علياء الجنيبي، رئيسة قسم الاتصال الاستراتيجي بمركز «تريندز»، بالمشاركين والحضور، مشيرة إلى أن محاور الندوة تأتي في وقت يمرّ به العالم بتحولات كبيرة خلال العقد الأخير انعكست على حالة الأمن والاستقرار فيها من ناحية، وعلاقاتها بالقوى الدولية المختلفة، معربةً عن أملها في أن تقدم الندوة بما تضمّ من خبراء وأصحاب فكر ورأي أفكارًا بنَّاءة لصياغة توصيات ورؤى تدعم مسيرة التنمية والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.

  • العلي مع المشاركين في الندوة وفريق العمل بمركز تريندز

وأكَّد الخبراء المشاركون في الندوة، أن السلام والاستقرار في الشر ق الأوسط يتطلب تكافل الجميع وتعاوناً أكبر بين الدول والقوى العالمية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، وقالوا إن على الجانبين الأميركي والخليجي ردم الفجوات بينهما، ومواجهة التهديدات المشتركة بما يحقق الأمن والاستقرار.
كما شدَّدوا على أهمية إعادة ترتيب أولويات السياسات المحليَّة، لأنها هي التي تحدد مستقبل الاستقرار الإقليمي، كما شدَّدوا على أهمية الحوار بين دول المنطقة لتخفيف التوتر. وأوضحَ المشاركون، أن كلّاً من دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة في حاجةٍ متبادلة، وأن منطقة الخليج تبقى مركزية لاستقرار الاقتصاد العالمي ولمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه.واستهلت أعمال الندوة العنود الحوسني، الاختصاصية الإعلامية بمركز «تريندز»، بتسليط الضوء على أبرز محاور الندوة وهي وضع الشرق الأوسط في الموازين الدولية الجديدة، واستكشاف مستقبل التحالف الأميركي الخليجي، ووجهات نظر من المنطقة حول الشرق الأوسط الجديد.

التوازنات الدولية الجديدة
وبدأت أعمال المؤتمر بالجلسة الأولى التي تمحورت حول «الشرق الأوسط والتوازنات الدولية الجديدة»، بإدارة الباحثة رهف الخزرجي، نائبة رئيس قسم النشر العلمي بمركز «تريندز». التي أشارت إلى ما يواجه منطقة الشرق الأوسط من تحديات لها انعكاساتها على الاستقرار الإقليمي وتوازن القوى، مبينةً أن عناصر عدة تؤثر في هذه التحديات، وأوضحت أن الشرق الأوسط يتغير بسبب المتغيرات المنبثقة عن النظامين الدولي والإقليمي.
بدوره، قدم الدكتور شون يوم، الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية، بجامعة تمبل الأميركية ورقة عمل حول الشرق الأوسط والتوازنات الدولية الجديدة، أكَّد فيها أن الانسحاب التدريجي الأميركي من منطقة الشرق الأوسط أثار قلق العديد من الأطراف، مبيناً أن الحديث عن حقبة ما بعد أميركا سابق لأوانه. مضيفاً أن أكبر خطر على الاستقرار الإقليمي اليوم لا ينبع من أي انتقال وشيك للقوى العظمى، بل من عدم اليقين بشأن الشكل الذي قد يبدو عليه النظام الإقليمي.
من جانبه، أكَّد الدكتور كينيث كاتزمان، المحلل الأول المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في الكونغرس الأميركي في مداخلة له بالندوة، أنه لا يمكن أن تنعم منطقة الخليج بالأمن طالما أن إيران تواصل السير على مسارها الراهن، مبيناً أن الهدف من رغبة واشنطن في العودة إلى الاتفاق النووي هو ضمان عدم امتلاك إيران قدرات نووية، موضحاً أنه إذا تم التوصل إلى صفقة نووية، فربما تكون هناك فرصة لإجراء بعض المحادثات الجوهرية مع إيران لحل بقية الملفات التي لا تزال تؤجِّج الخلاف بين واشنطن وطهران.
كما سلط كاتزمان الضوء على نشاط إيران في المنطقة، مبيناً استمرارها في تطوير أسلحتها وتمويل الحركات المتشددة في دول مختلفة في المنطقة، مشدِّداً على أهمية الحوار بين دول المنطقة لتخفيف التوتر.

  • محمد العلي وإبراهيم بكري خلال التكريم

الشرق الأوسط الجديد
تناولت الجلسة الثالثة التي أدارتها اليازية الحوسني، نائبة رئيسة قطاع الإعلام بمركز «تريندز»، موضوع الشرق الأوسط الجديد – وجهات نظر مختلفة، وأوضحت في بدايتها، أن الشرق الأوسط الجديد يتميز بالعديد من العوامل المهمة، أبرزها العلاقات الدبلوماسية الثقافية والعلاقات العامة، ودور الشباب، والتنمية الاقتصادية والتكامل، والترابط الأمني، مشدِّدة على أهمية الدبلوماسية الثقافية، حيث يمكن من خلالها المساعدة على سد الفجوات وبناء شرق أوسط جديد بروح وهوية جديدتين.
عقب ذلك، تحدث الدكتور بول سالم، الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأميركية، وقال إن هناك العديد من العوامل التي يجب أن نأخذها في الاعتبار عند السعي إلى فهم «الشرق الأوسط الجديد». وقال إن العديد من الدول اتخذت خطوات ملموسة في بناء ذاتها، وإعادة ترتيب علاقاتها مع القوى العالمية مثل الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، نرى إمكانية تشكيل تحالفات جديدة بين الجهات الفاعلة الإقليمية برغم استمرار التهديدات.
وقال إن الشرق الأوسط الجديد يجلب معه أيضاً فرصاً رئيسية، ويجب أن تستفيد المنطقة من القوة العاملة المتنامية ورأس المال لخلق نماذج مستدامة للنمو الاجتماعي والاقتصادي طويل الأجل، وأنه مع تغير النظام العالمي، تظل المنطقة مركزية جغرافيّاً لطرق التجارة العالمية وأسواق الطاقة، وتحتاج إلى مزيد من نبذ الصراعات والعمل بشكل متكامل، والاعتماد على مواردها البشرية والمالية لبناء مستقبل شامل ومستدام.

شعارات دمقرطة المنطقة
قال الدكتور إيان لوستيك، أستاذ فخري كرسي بيس و. هيمان في قسم العلوم السياسية بجامعة بنسلفانيا، إن منطقة الشرق الأوسط تشهد فترة استقرار، وتحظى باهتمام كبير من الولايات المتحدة بوصفها قوة عظمى، مشيراً إلى أن شعارات دمقرطة المنطقة في سنوات ما سُمِّيَ بالربيع العربي أثرت في الوجود الأميركي أكثر مما كانت تعتقد القيادة السياسية في واشنطن أنها ستكون قضية سياسية رابحة لجيل كامل.
وقال الدكتور إيان لوستيك إنه لا يوجد سبب سياسي داخلي يجعل الولايات المتحدة منخرطة بعمق في الشرق الأوسط، بل في الواقع لديها مصالح أمنية حيوية، مبيناً في هذا الصدد أن أي قوة عظمى مثل الولايات المتحدة ستولي اهتماماً كبيراً للمنطقة في حالتين هما الأمن القومي عند التعرض للتهديد، وتقاطع السياسات الداخلية.
وفي ختام الندوة، أكَّد الدكتور إبراهيم بكري، مساعد مدير مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا أن الندوة كانت غنية بالمعلومات، وبيَّنت أن الشرق الأوسط يسعى إلى إعادة تشكيل نفسه وإعادة تأكيد هويته، مشيراً إلى أن ما وصلَ إليه المشاركون في الندوة يُبرهن أهمية الحوار والمبادرات من أجل شرق أوسط جديد وآمن، مثمِّنًا جهود باحثات وباحثي مركز «تريندز» في تنظيم هذه الندوة في بداية التعاون مع مركز الشرق الأوسط بجامعة بنسلفانيا، كما أشاد بجهود المركز المستمرة لرعاية الباحثين الشباب الصاعدين ودعمهم.

  • العلي يكرم شون يوم الأستاذ بجامعة تمبل الأميركية

أميركا والخليج.. علاقات مشتركة
ناقشت الجلسة الثانية التي أدارها عوض البريكي، رئيس قطاع تريندز العالمي، موضوع: «مستقبل التحالف بين الولايات المتحدة والخليج»، حيث أكَّد في بدايتها أن العلاقة بين الولايات المتحدة والخليج تمرّ بوقت حرج، مبيِّناً أن العلاقات القوية المبنية على المصالح المشتركة تخدم الجانبين. 
عقب ذلك، أكَّدت السفيرة مارسيل وهبة، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، الرئيسة الفخرية والزميلة المتميزة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن (AGSIW) أن منطقة الخليج تبقى مركزية لاستقرار الاقتصاد العالمي ومصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخارجه، مشيرة إلى أن هناك خطوات عملية اتخذها كِلا الجانبين في الآونة الأخيرة لإعادة بناء المزيد من الشراكات التعاونية وتعزيزها، مستشهدة بقول الرئيس بايدن لدى زيارته الأخيرة للمنطقة بأن الولايات المتحدة ستبقى شريكاً نشطاً في الشرق الأوسط، وتعهُده بالقول: «لن ننسحب ونترك فراغاً».
وتطرقت الدبلوماسية الأميركية إلى انزعاج واشنطن من النفوذ الصيني بالمنطقة وكذلك الروسي، موضحة أن إدارة الرئيس بايدن عازمة على إحياء القيادة الأميركية في الخليج لإبطاء التعاون المتزايد للمنطقة مع الصين، في الوقت الذي تعمل فيه على تشجيع حلفاء الولايات المتحدة على دعم احتواء طهران. وأكَّدت أن إعادة ترتيب أولويات المنطقة تتطلب مشاركة دبلوماسية مكثفة ومتواصلة من جانب واشنطن لإظهار التزامها طويل الأمد بالبقاء القوة العالمية الأساسية في المنطقة.
وقالت إن المبادرات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لتأمين ضمانات دفاعية متبادلة مع الحلفاء الرئيسين، مثل المناقشات الراهنة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، من شأنها أن تشير إلى جديَّة التزام الولايات المتحدة أمن المنطقة.
من جانبها، بدأت الدكتورة فرح جان، مُحاضِرَة أولى في برنامج العلاقات الدولية بجامعة بنسلفانيا، في مداخلتها بقول لسفير دولة الإمارات في واشنطن يصف فيه العلاقة الإماراتية-الأميركية بأنها تمرّ بأيام طيبة وأيام سيئة كما هو معتاد في أي علاقة. وتطرقت إلى ما يجب أن تفعله الولايات المتحدة لمواجهة التأثير المتزايد لروسيا والصين في المنطقة، وأكدت الدكتورة فرح أن صنّاع السياسة الأميركية يجب أن يُظهروا التزامهم تجاه حلفائهم.