هالة الخياط (أبوظبي)

في ظل الاستهلاك المتزايد لـ «القوارير البلاستيكية» المستخدمة لشرب المياه في إمارة أبوظبي والتي تقدر سنوياً بـ 16 ألف طن، تنفذ إمارة أبوظبي نظاماً للاسترداد المبني على المحفزات، بهدف استعادة نصف هذه العبوات خلال السنوات المقبلة، وفي ذات الوقت تدعو الجهات المعنية أفراد المجتمع إلى إحداث تغيير إيجابي في نمط حياتهم والمبادرة فوراً إلى استبدال العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بالعبوات الزجاجية أو تلك القابلة لإعادة الاستخدام، حفاظاً على البيئة، وفي حال الاضطرار لاستخدام العبوات البلاستيكية، يتم العمل على تجميعها ووضعها في الحاويات المخصصة للمواد القابلة لإعادة التدوير أو في جهاز استبدال العبوات البلاستيكية الفارغة مقابل الحصول على قسائم تحتوي على أرصدة نقاط تستخدم لتغطية تكلفة رحلة التنقل بحافلات النقل العام. وتهدف سياسة نظام الاسترداد إلى التقليل من خطر «القوارير البلاستيكية» على البيئة البرية والبحرية وصحة الإنسان، خاصة وأنه يتم إلقاؤها بعد استخدامها، ومع مرور الوقت تتكسر هذه المنتجات إلى جزيئات من البلاستيك وتتسرب إلى السلسلة الغذائية للحيوان والإنسان معاً. 
وضمن سياسة أبوظبي للمواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة الصادرة في 2020، تم تحديد نحو 16 مادة بلاستيكية تستخدم لمرة واحدة، والتي سيتم استهدافها بدرجات متفاوتة خلال عملية تطبيق السياسة، ومنها القوارير البلاستيكية.
وفي أبريل الماضي، بدأت إمارة أبوظبي من خلال مركز النقل المتكامل بالتعاون مع هيئة البيئة - أبوظبي، ومركز أبوظبي لإدارة النفايات «تدوير»، وشركة «دي جريد» المتخصصة بإعادة تدوير المواد البلاستيكية بتنفيذ مبادرة «مواد بلاستيكية مقابل تعرفة الرحلة عبر حافلات النقل العام»، وتتيح المبادرة فرصة الحصول على تنقل مجاني في الحافلات العامة من خلال تسليم «القوارير البلاستيكية» الفارغة وتحويلها إلى نقاط تُستخدم لدفع تعرفة الرحلة على متن الحافلات.

  • عتيق المزروعي

وكشف عتيق المزروعي، مدير إدارة العمليات في قطاع النقل العام بمركز النقل المتكامل بأبوظبي لـ«الاتحاد»: أن المبادرة تم تطبيقها بشكل تجريبي في محطة الحافلات المركزية في أبوظبي، وسيتم تعميم التجربة في مدينة العين ومنطقة الظفرة وتوزيع عدد إضافي من الأجهزة المستخدمة لاسترداد القوارير البلاستيكية في كافة محطات النقل العام في الإمارة للتشجيع على السلوك البيئي وعدم رمي القوارير من دون الاستفادة منها.
وأشار إلى أن المبادرة منذ إطلاقها شهدت إنجاز ما يزيد على الـ 15 ألف عملية استبدال للقوارير البلاستيكية، والاستفادة من النقاط كرصيد يمكن تحويله لبطاقة «حافلات» الشخصية التي تسمح للمتعاملين بدفع تعرفة الرحلة عبر نظام الدفع الآلي المتوافر على متن حافلات النقل العام، حيث يقوم النظام باحتساب قيمة الرحلة المطلوبة واقتطاعها تلقائياً من القيمة النقدية المخزنة داخل البطاقة في أجهزة التحصيل الآلي المثبتة عند مداخل ومخارج الحافلات. 
وأوضح المزروعي أن المبادرة تهدف إلى تعزيز مساهمة قطاع النقل العام في ترسيخ أسس الحياة المستدامة في إمارة أبوظبي، وتنفيذاً لسياسة المواد البلاستيكية المستخدمة لمرة واحدة في الإمارة ونظام استرداد للقوارير البلاستيكية مبني على المحفزات، ويعادل استبدال 10 قوارير بلاستيكية سعتها أقل من 600 مل درهماً واحداً، يمكن استخدامه للتنقل بحافلات النقل العام، حيث يتم احتساب النقاط على الشكل التالي، كل قارورة واحدة صغيرة الحجم 600 مل أو أقل تساوي (1) نقطة، فيما تساوي القارورة كبيرة الحجم التي تتجاوز الـ 600 مل (2) نقطة. وكل نقطة تعادل 10 فلوس، أي أن (10) نقاط تعادل درهماً واحداً.

نقاط تغطي الرحلات 
ورصدت «الاتحاد» إقبال العديد من مستخدمي حافلات النقل العام في مدينة أبوظبي على استبدال القوارير البلاستيكية بنقاط تغطي رحلاتهم بحافلات النقل العام، والملاحظ قيام بعض الجمهور من غير مستخدمي حافلات النقل العام باستبدال القوارير وإعطاء قسائم النقاط لمستخدمي الحافلات، منطلقين من شعورهم الإيجابي تجاه البيئة، ومتحملين مسؤولياتهم تجاه كوكب الأرض.
وأشارت فاطمة العلي، مقيمة في أبوظبي، أنها تتجه إلى التحول التام نحو استخدام العبوات القابلة لإعادة الاستخدام، كالزجاج والستانليس ستيل، ولكن في حال اضطرت إلى استخدام القوارير البلاستيكية تعمل على تجميعها، وتتوجه بين فترة وأخرى إلى محطة الحافلات الرئيسة في أبوظبي وتضع العبوات في الجهاز المخصص لاستبدال القوارير، وقسيمة النقاط التي تحصل عليها تقدمها لأحد مستخدمي حافلات النقل العام للاستفادة منها لتغطية تكلفة رحلاتهم بشكل مجاني.
من جانبها، تلفت ادنا فابين، مقيمة في أبوظبي، أنها منذ بدأت باستبدال القوارير البلاستيكية بنقاط، حصلت على فرصة التنقل بحافلات النقل العام مجاناً مقابل تحويلها إلى نقاط تُستخدم لدفع تعرفة الرحلة.

  • سالم الكعبي

الرمي العشوائي 
وأكد الدكتور سالم الكعبي مدير عام مركز تدوير بالإنابة، أن المياه المعبأة بعبوات بلاستيكية تعتبر من أكثر السلع رواجاً وانتشاراً في إمارة أبوظبي. وعليه يحرص المركز على إطلاق العديد من الحملات التوعوية لتحفيز المواطنين والمقيمين والزوار ليكونوا شركاء فاعلين في صنع مستقبل أكثر استدامة، وأن يسهموا بإيجابية في الحفاظ على الحياة البرية والبحرية من خلال الحد من الرمي العشوائي للنفايات البلاستيكية كخطوة أولى.
ودعا الكعبي جميع أفراد المجتمع إلى إحداث تغيير إيجابي في نمط حياتهم والمبادرة فوراً إلى استبدال العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد بالعبوات الزجاجية أو تلك القابلة لإعادة الاستخدام حفاظاً على البيئة. وقال الكعبي لـ «الاتحاد»: إن المركز يحرص على تبني آلية مستدامة وفعالة لجمع عبوات المياه البلاستيكية تعتمد على تخصيص الحاويات الصديقة للبيئة والمخصصة للمواد القابلة للتدوير في المناطق السكنية ونقل المواد إلى محطات فرز النفايات، ومن ثم إعادة فرزها مرة أخرى للتأكد من عدم وجود شوائب أو مواد غير قابلة للتدوير ومن ثم تصنيفها حسب نوعها، على أن يتم إرسال النفايات البلاستيكية لاحقاً إلى مصنع إعادة تدوير البلاستيك في منطقة العين.
أما الآلية الثانية فتعتمد على توفير مراكز صديقة للبيئة لجمع المواد القابلة للتدوير قرب المجمعات والأحياء السكنية لتسهيل عملية جمع وفصل ومعالجة النفايات، الأمر الذي يُسهم في تقليل التكلفة المادية لفرز النفايات، كما يدعم المحافظة على البيئة بما يحقق رؤيتنا الهادفة إلى إدارة النفايات في أبوظبي وفق أحدث النظم والتقنيات المعمول بها عالمياً. 
وأشار الكعبي إلى أن المركز وفر العام الماضي 9 مراكز جديدة لتجميع المواد القابلة لإعادة التدوير (مناجم النفايات)، ليصل عددها إلى 17 مركزاً على مستوى إمارة أبوظبي (مدينة أبوظبي – منطقة البر الرئيسي- مدينة العين – منطقة الظفرة)، وذلك في إطار حرص «تدوير» على تشجيع أفراد المجتمع للمساهمة في عملية فصل النفايات من مصدرها والمحافظة على بيئة صحية آمنة ومستدامة.

مصانع 
وأفاد الكعبي أن المركز منح الترخيص لـ 4 شركات تتعامل بصورة كاملة مع النفايات البلاستيكية بصورة تخصصية وإنتاج منتجات بلاستيكية مصنعة محلياً، بما ينسجم مع منظومة الاقتصاد الدائري، كما يوجد مصانع أخرى بمنطقة كيزاد جارٍ ترخيصها لتسهم في تعزيز البنية التحتية بالإمارة المعنية بذلك النوع من النفايات».

مواد ملوثة للبيئة
وأشار إلى أن البلاستيك يعتبر من المشتقات البترولية التي لا تتحلل بسهولة حيث يستغرق تحللها مئات السنين، وبالتالي فهي من أبرز المواد الملوثة للبيئة. وتسهم عملية إعادة تدوير البلاستيك العديد من الفوائد منها الحد من المخاطر البيئية، وتقليل تكلفة التصنيع وزيادة معدلات الإنتاج. لافتاً إلى وجود أربعة أنواع من البلاستيك يمكن إعادة تدويرها وهي: البولي فينيل كلورايد، بولى بروبلين، والبولي ايثيلين بنوعيه عالي الكثافة ومنخفض الكثافة، والبوليسترين.

جدوى «التدوير»
وأوضح الكعبي أن لإعادة تدوير العبوات البلاستيكية دوراً مهماً في الحد من المشاكل البيئية نظراً لصعوبة تحلل هذه المادة في حال طمرها، كما تُسهم في إعادة إنتاج كميات كبيرة منها لتغطية الطلب الكبير على هذا النوع من العبوات، والحفاظ على الطاقة والموارد الطبيعيّة، إذ أنّ تصنيع البلاستيك للمرّة الأولى يحتاج إلى كميّاتٍ كبيرةٍ من الطاقة ومن الموارد الطبيعيّة كالبترول والماء، لذا فإعادة التدوير تُساعد في الحفاظ على تلك الموارد وبالتالي الحفاظ على التوازن الطبيعيّ. 

  • ناصر اللقطه

آثار سلبية
أكد دكتور ناصر اللقطه، أستاذ مساعد بكلية الهندسة والعلوم الفيزيائية في جامعة هيريوت وات دبي أن التأثير الرئيسي للعبوات البلاستيكية على البيئة يتمثل في أنها تستغرق ما يصل إلى 1000 عام لتتحلل بشكل طبيعي. وينتهي الأمر بالبلاستيك في المحيطات، في الأنهار والبحيرات، ونراه يتناثر في الشوارع، سيما وأن يتم إعادة تدوير 9% فقط من نفايات البلاستيك في العالم.
وأشار إلى أن البلاستيك يتسبب في التلوث ويؤثر سلباً على الحياة البرية، كما يستهلك إنتاج البلاستيك الكثير من الطاقة. وغالباً ما ينتج عن تصنيعها انبعاثات في الهواء، بما في ذلك الغازات الدفيئة والمعادن الثقيلة والجسيمات، كما أنه يتم إرسال غالبية النفايات البلاستيكية إلى مكبات النفايات أو التخلص منها بطريقة عشوائية في البيئة. 

نصيحة للجمهور
أكدت الهيئة أن القوارير البلاستيكية مثلها مثل معظم المنتجات المستخدمة لمرة واحدة. فهي خفيفة الوزن ومناسبة للاستهلاك الفوري في مناطق غير مجهزة ببنية تحتية لإدارة النفايات، وبالتالي يمكنها أن تشكل تحدياً كبيراً في البيئة البرية والبحرية، حيث يتم إلقاؤها بعد استخدامها، ومع مرور الوقت تتكسر هذه المنتجات إلى جزيئات من البلاستيك وتتسرب إلى السلسلة الغذائية للحيوان والإنسان معاً. 
وتنصح الهيئة الجمهور والمستهلكين ورواد البر والبحر باستخدام القوارير القابلة لإعادة الاستخدام والتي يمكن إعادة ملئها عند الحاجة. وإذا لم يكن ذلك ممكناً لأي سبب من الأسباب، فهناك ضرورة للتأكد من عدم تركها في الطبيعة والتخلص منها في مستوعبات مخصصة لذلك، حتى ولو كانت هذه المستوعبات بعيدة عن موقع الاستخدام.

نصائح 
يوصي د. ناصر اللقطه، أستاذ مساعد بكلية الهندسة والعلوم الفيزيائية في جامعة هيريوت وات دبي باستخدام بدائل العبوات البلاستيكية في مياه الشرب، بما في ذلك المنتجات الورقية المقاومة للماء، وتكون متينة ومتعددة الوظائف. كما يمكن استخدام بدائل أخرى صديقة للبيئة مثل الزجاج والسيراميك والفولاذ المقاوم للصدأ.
وأشار إلى أهمية سياسات إعادة التدوير للمنتجات البلاستيكية، سيما وأن خمسة مليارات رطل من المنتجات يتم التخلص منها في مدافن النفايات، وما يترتب من تأثيرات على جودة الهواء وزيادة العوامل المؤدية للتغيرات المناخية، مشيداً بالسياسات التي تتخذها الدولة بإعادة تدوير النفايات، والمبادرة التي أطلقها مركز النقل المتكامل بالتعاون مع «تدوير» وهيئة البيئة – أبوظبي لتشجيع ركاب وسائل النقل العام على استبدال الزجاجات البلاستيكية مقابل الحصول على رحلات مجانية في الحافلات العامة في الإمارة. 
وأكد أن هذه المبادرات تسهم في الحد من النفايات وتحقيق أجندة الاستدامة في الدولة، وتسريع الانتقال إلى استخدام أكثر استدامة للموارد الطبيعية، وهي جزء من التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. كما أنها تساعد المجتمع بأسره على الالتزام بالاستدامة والتي ستساعد في النهاية على تقليل البصمة الكربونية وكمية السموم المنبعثة في البيئة، مما يجعلها آمنة.