آمنة الكتبي (دبي)
شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «رحمه الله» تطورات غير مسبوقة على مختلف الأصعدة، حيث رسم فقيد الوطن ملامح مستقبل دولة الإمارات وأطلق العديد من الاستراتيجيات، ووضع خريطة طريق محددة لتحقيق إنجازات نوعية شاملة في شتى القطاعات الحيوية التي من شأنها تعزيز ازدهار الدولة بشكل مستدام.
وشكلت مبادئ الخمسين العشرة، التي اعتمدها «رحمه الله» في أكتوبر 2021، المسار الاستراتيجي لدولة الإمارات خلال مسيرتها الاقتصادية والسياسية والتنموية والداخلية في العقود الخمسة المقبلة، حيث تعد المبادئ العشرة مرجعا لجميع المؤسسات في دولة الإمارات لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهارا، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا، ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم. وتعكس المبادئ العشرة جميعها روح الاتحاد وقيمه السامية؛ قيم التسامح والتعايش والخير والعطاء الإنساني التي شكلت ركائز أساسية في مسيرة دولة الإمارات، كما عبرت عن تطلعاتها للمستقبل وطموحها الكبير لتحقيق الريادة العالمية، وصولاً لتحقيق هدفها في «مئوية الإمارات 2071» بأن تكون الإمارات أفضل دولة في العالم، وأكثرها تقدماً.
وبموجب قرار المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي حمل رقم 15 لسنة 2021 بشأن اعتماد المبادئ العشرة لدولة الإمارات العربية المتحدة للخمسين عاما القادمة، فإن المبادئ العشرة أضحت مرجعاً لجميع مؤسسات الدولة، وعلى جميع الجهات استلهامها والاسترشاد بها في القرارات والخطط والاستراتيجيات والتوجهات، لتسريع تحقيق أهدافها في تعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم.
كما تدعم الأولويات والأهداف التي تضمنتها المبادئ جميعها تحقيق الريادة العالمية، استنادا إلى تعزيز روح الاتحاد الذي يعد أعظم إنجازات دولة الإمارات، لذلك جاء هدف «تقوية الاتحاد» كأول مبدأ، بل وفي صياغة خاصة تعكس القيمة والأهمية التي يحملها هذا الهدف.
تقوية الاتحاد
وجاء في المبدأ الأول أن «الأولوية الرئيسية الكبرى ستبقى تقوية الاتحاد»، وهذا الهدف الرئيسي ترتبط به بقية الأهداف والأولويات والتزامات الأخرى، وهي كما وردت في المبادئ بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، وبناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية، وتوفير أفضل حياة لشعب الاتحاد وترسيخ السمعة العالمية لدولة الإمارات، وترسيخ الإمارات كعاصمة للمواهب والشركات والاستثمارات في المجالات العلمية والتقنية والرقمية، وترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، والعمل على بناء مؤسسات عابرة للقارات تحت مظلة دولة الإمارات.
وجاء ضمن مبادئ الخمسين تطوير التعليم واستقطاب المواهب، وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع المحيط الجغرافي يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة.
ومن أبرز الالتزامات التي تضمنتها تلك المبادئ أن دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوّة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية.
كما ستبقى الإمارات داعمةً عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية.
ومن ضمن الالتزامات الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات، والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية.
وتضمنت مبادئ وثيقة الخمسين قيما ومبادئ، سيرا على النهج الإنساني للمؤسس، تجسد سياسة الإمارات الراسخة في مساعدة ودعم الشعوب ونجدة الملهوف والمستغيث في وطن عنوانه الإنسانية، من أبرزها أن المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً.
ولا ترتبط مساعدات الإمارات الإنسانية الخارجية بدين أو عرق أو لون أو ثقافة، والاختلاف السياسي مع أي دولة لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات.
ومثلت مبادئ الخمسين مساراً واضحاً للمرحلة المقبلة باعتماد يعد المسار الاستراتيجي للدولة في دورتها التنموية القادمة في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية الداخلية، وبتوجيهات المغفور له اعتمد مجلس الوزراء عدداً من القرارات والمبادرات الهادفة إلى مواصلة تطوير منظومة العمل الحكومي بما يسهم في تعزيز المكانة الريادية للدولة.
حيث تم توجيه جميع الوزارات والمؤسسات الاتحادية الالتزام بمبادئ الخمسين التي تم إصدار قرار فيها من الشيخ خليفة بن زايد، رحمه الله، والتي تعد خريطة طريق ومسارا استراتيجيا لجميع فرق العمل في الدولة، حيث اعتمد مجلس الوزراء المبادئ العشرة لدولة الإمارات البرنامج الوطني الاتحادي لدعم القطاع الخاص «نافس» للخمسين عاماً القادمة، والاستناد عليها في عمل حكومة الإمارات وخططها وبرامجها خلال المرحلة المقبلة، فيما وجه المجلس كافة الوزارات والجهات الحكومية في الدولة للالتزام بالمبادئ والاسترشاد بها في كافة توجهاتها وقراراتها والعمل على تنفيذها عبر خططها واستراتيجياتها.
وتمثل المبادئ العشرة مرجعاً لجميع المؤسسات في دولة الإمارات لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم، حيث وجه القطاع الحكومي والقطاع الخاص الجهود لتسريع تنفيذ المشاريع وترجمتها ميدانياً.
حوكمة البحث والتطوير
كما اعتمد مجلس الوزراء سياسة حوكمة البحث والتطوير الهادفة إلى إرساء منظومة وطنية للبحث والتطوير توحد توجهات الدولة وجهودها لبناء اقتصاد مبني على المعرفة، وذلك عبر رسم خطة موحدة وواضحة لمنظومة البحث والتطوير في الدولة، بالإضافة إلى العمل على جذب الخبرات والمواهب المتخصصة، وتعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي للعلوم والتكنولوجيا والبحث والتطوير.
وتهدف السياسة إلى إنشاء آلية على المستوى الوطني لتوحيد بيانات أنشطة البحث والتطوير في الدولة، ومراقبة أدائها وتحديد تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي، ومن خلال توفير البيانات الدقيقة المتعلقة بالبحث والتطوير وتسهيل عملية استقصائها وتحليلها عن طريق آلية مركزية تحصر هذه البيانات، وبناء القدرات في مجال مراقبة أداء أنشطة البحث والتطوير، ودعم تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي.
مجلس الإمارات للبحث والتطوير
وانطلاقا من مبادئ الخمسين اعتمد مجلس الوزراء إنشاء مجلس الإمارات للبحث والتطوير، برئاسة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، حيث يهدف المجلس إلى تعزيز حوكمة قطاع البحث والتطوير من خلال إيجاد مرجعية مركزية لاتخاذ القرارات، وتوحيد الجهود ومتابعة الأداء لتحقيق المواءمة والتنسيق والشراكة الوطنية بشأن الأولويات والتوجهات والسياسات المتعلقة بالبحث والتطوير في الدولة.
كما يهدف المجلس، الذي جاء تأسيسه كمبادرة تابعة لسياسة حوكمة البحث والتطوير، إلى تشجيع مشاركة القطاع الحكومي والخاص والأكاديمي في تطوير وتنفيذ برامج مبادرات البحث والتطوير، وجذب وتنويع المصادر التمويلية للبرامج والمؤسسات البحثية بالدولة، وبما يضمن تفعيل واستدامة أجندة البحث والتطوير وتحويلها لمشاريع تجارية، علاوةً على تعزيز العوائد من الاستثمار في الأبحاث والتطوير بما يعود بالنفع على اقتصاد الدولة.
ويندرج ضمن مهام المجلس بناء إطار الشراكات بين القطاعات والجهات المعنية بالبحث والتطوير على المستوى المحلي والإقليمي والدولي لرفع مستوى المشاركة وتبادل الخبرات والمعرفة في مجالات البحث والتطوير المختلفة ومتابعة تنفيذها، وتقييم بيئة البحث والتطوير بالدولة.
إرساء مبادئ المنافسة العادلة
وفي الشؤون التنظيمية، اعتمد المجلس إعادة تشكيل لجنة تنظيم المنافسة، والتي تختص بوضع السياسات والخطط لتنظيم المنافسة في الدولة، واقتراح السياسة العامة والتشريعات والإجراءات الكفيلة بحماية المنافسة. ويسهم إعادة تشكيل لجنة تنظيم المنافسة في تعزيز دورها في ضمان تطوير منظومة المنافسة في الدولة من خلال إرساء مبادئ المنافسة العادلة وتطويرها بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، علاوة على مراعاة تحديات المرحلة الحالية. وتقوم اللجنة التي تضم مجموعة كبيرة من ذوي الخبرة والاختصاص بدور حيوي في تنظيم المنافسة فيما يتعلق بتطبيق قانون المنافسة الذي يهدف إلى تعزيز وحماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة، وبما من شأنه أن يحافظ على البيئة التنافسية لقطاع الأعمال في الدولة ويمكن المنشآت الاقتصادية من التنافس بكل حريّة وعدالة وشفافية، وتتيح للمستهلكين إمكانية الاستفادة من هذه المنافسة من حيث سعر وجودة المنتج. واعتمد المجلس تشكيل اللجنة التوجيهية للمواصفات والمقاييس والتي تتولى مهام متابعة ومراجعة واعتماد أعمال وتوصيات اللجان وفرق العمل الفنية الخاصة بإعداد المواصفات القياسية والتشريعات الفنية والأنظمة الإلزامية، بما يضمن تطوير المنظومة التشريعية للمواصفات القياسية والأنظمة الإلزامية، وذلك بالتكامل والتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة والقطاع الخاص.
تمكين الشباب
واعتمد مجلس الوزراء سياسة تمكين الشباب في الحكومة الاتحادية، والتي تأتي استكمالاً لمسيرة دعم وتمكين الشباب في الدولة، وإعطائهم الفرصة لإظهار أفضل ما لديهم من مهارات وطاقات فاعلة لبناء مستقبل الدولة، وبما يدعم الأهداف والاستراتيجيات المستقبلية، وستعمل السياسة على تطوير منظومة شاملة يتم تطبيقها على كافة الجهات الاتحادية بهدف تعزيز ومراقبة تطبيق ممارسات تمكين الشباب لدى الجهات الاتحادية، حيث تعد هذه المنظومة الأولى من نوعها على مستوى العالم لمأسسة تمكين الشباب، وبما يوثق تجربة الإمارات الريادية في وضع أسس ومعايير تمكين الشباب.
ويتم من خلال السياسة قياس وتقييم مستوى دعم وتمكين الشباب العاملين في الحكومة الاتحادية، ومن خلال تطوير دليل استرشادي لتطبيق المنظومة وأدوات قياس لتصنيف وتكريم هذه الجهات بعد سنة من تطبيق الدليل، وتهدف السياسة إلى وضع تعريف علمي وقابل للقياس لمفهوم ومبادئ تمكين الشباب للمرة الأولى على مستوى العالم، وتشجيع ممارسات تمكين الشباب في الحكومة الاتحادية وتفعيل مشاركتهم وتأهيلهم للقيادة، ونشر الوعي عن أهمية تمكين الشباب للاستفادة من طاقاتهم وإبداعاتهم كقوة دافعة ومحرك رئيسي للتطور الحكومي، بالإضافة إلى تزويد الجهات بمنظومة متكاملة من الأدلة والمقاييس والمبادرات والمؤشرات التي تساهم في تعزيز تمكين الشباب وقياس نضج جهات العاملة في الحكومة الاتحادية وتقدمها في تمكين ودعم الشباب وإبراز تجارب الجهات الرائدة.
قرارات وتشريعات
وفي الشؤون التشريعية، وافق المجلس على تعديل قانون اتحادي بشأن مواجهة جرائم غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة، وذلك بما يدعم جهود الدولة في مكافحة جريمة غسل الأموال والجرائم ذات الصلة وتمويل الإرهاب والتنظيمات غير المشروعة وترفع من مستوى التزام الدولة بالتوصيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة.
كما اعتمد المجلس إصدار قرار جديد بتنفيذ بعض أحكام الاتفاقية الإدارية متعددة الأطراف لتبادل المعلومات بشكل تلقائي، وبما يدعم الجهود بشأن التزام الدولة بالمعايير الدولية للشفافية وتبادل المعلومات، واعتمد المجلس تعديل قرارات مجلس الوزراء بشأن المؤسسات غير الحكومية لتأهيل ذوي الإعاقة «أصحاب الهمم»، ومراكز الاستشارات الأسرية غير الحكومية بما يتوافق مع القانون الاتحادي في شأن الشركات التجارية وتعديلاته.
ووافق مجلس الوزراء على إصدار مرسوم اتحادي بانضمام الدولة لاتفاقية إنشاء معهد اللقاحات الدولي، في خطوة من شأنها تعزيز دور الدولة وإسهامها في مجال حماية الصحة العامة والبحوث العالمية لتوفير اللقاحات لمكافحة الأمراض الخطيرة.