طه حسيب (أبوظبي)

رؤية واضحة في السياسة الخارجية، تبنتها الإمارات في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب له ثراه، لتصبح مخرجاتها من أبرز النجاحات التي أحرزتها الدولة. ورسّخ الراحل الكبير، خلال الفترة من 2004 إلى 2022 نهجاً في السياسة الخارجية، يعكس حرص الإمارات على مد جسور الصداقة والتعاون والتسامح بين الشعوب، وتدشين علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة. ونتيجة لهذه الرؤية، تتجه بوصلة هذه السياسة دوماً صوب تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية مع دول العالم كافة. ودشنت الإمارات، سياسة خارجية متطلعة للمستقبل تسعى دوماً لتعزيز الترابط والتعاون بين الإمارات وأشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الدول العربية والإسلامية. وضمن هذا الإطار، تطورت العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات والمملكة العربية السعودية، حيث استضافت أبوظبي في فبراير 2017 الخلوة الاستثنائية المشتركة بين البلدين تحت اسم «خلوة العزم»، كخطوة أولى في تفعيل بنود الاتفاقية الموقعة بين البلدين بإنشاء المجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي دشن اجتماعه الأول في جدة يوم 7 يونيو 2018.

تعزيز التعاون الخليجي
تبنت الإمارات في عهد المغفور له الشيخ خليفة موقفاً داعماً للتعاون بين دول العالم. وكانت لديه رؤية ثابتة تجاه أهمية التعاون بين دول الخليج العربية، وفي 17 يوليو عام 1976 صرّح بأن «التعاون بين دول العالم، وخاصة في المجالات الاقتصادية سمة من سمات العصر الذي نعيشه الآن، ونحن نتطلع ونسعى إلى إنجاح كل الجهود والخطوات التي تبذل في هذا الصدد، سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي كتوحيد النقد، وإنشاء السوق الخليجية والتنسيق بين صناديق التنمية، وتعزيز مختلف وسائل النقل بين دول المنطقة لتسهيل ربط بعضها ببعض». وقبل تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يسجل التاريخ أن الإمارات استضافت في شهري أكتوبر ونوفمبر عام 1983 أولى المناورات الخليجية المشتركة، التي أطلق عليها آنذاك اسم «مناورات درع الجزيرة»، ووصفها الشيخ خليفة بـ«الإنجاز الرائع الذي تحقق به ميلاد قوة التحرك السريع لدول الخليج العربية».

تطوير السياسة النفطية
وانطلاقاً من ترؤسه المجلس الأعلى للبترول، كان للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، دور كبير في إعادة صياغة السياسة النفطية وتطوير العلاقة بين دولة الإمارات وشركات النفط العالمية لتصبح أكثر إنصافاً، وكان، طيب الله ثراه، داعماً للعمل العربي المشترك، من خلال جامعة الدول العربية، ومدركاً لأهمية تعزيز علاقاتنا الثنائية مع كل الدول العربية. وعندما مر العراق باضطرابات وتوترات، أكد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وعبّر عن عميق الألم والقلق من تدهور الأوضاع الأمنية، واستمرار التفجيرات وأعمال العنف والإرهاب والخطف والقتل التي تستهدف الأبرياء. 

مبادئ التسامح والتعايش
سياسة خارجية تنطلق من مبادئ التسامح والتعايش بين الشعوب والثقافات. وتطورت علاقات الإمارات الخارجية في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، عربياً وآسيوياً وأوروبياً، ودشنت الإمارات علاقات جيدة مع دول آسيا الوسطى، ضمن سياسة خارجية نشطة، تعزز مكانة الإمارات ودورها الإيجابي، إقليمياً وعالمياً. 
هذه الرؤية الثاقبة في السياسة الخارجية يمكن للمحللين قراءتها بوضوح عبر تصريح للمغفور له الشيخ خليفة بن زايد أثناء لقائه عام 2012 مع سفراء الدولة في الخارج وممثليها في عددٍ من المنظمات الإقليمية والدولية، أكد خلاله أن «نجاح السياسة الخارجية لدولة الإمارات يُشكّل أحد أبرز الإنجازات المشهودة للدولة التي قامت على مجموعة من الثوابت للسياسة المتوازنة والمعتدلة التي تنتهجها الدولة منذ قيامها تجاه القضايا العربية والدولية والتي أكْسبت بلادنا الاحترام والتقدير في مختلف المحافل الدولية».

احترام المواثيق الدولية
ورسخت الإمارات في عهد الشيخ خليفة بن زايد سياسة خارجية تلتزم بالمواثيق الدولية، وبحسن الجوار، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ونجحت هذه السياسة في كسب احترام العالم، والحصول على ثقة المجتمع الدولي، ما جعل الإمارات جديرة باستضافة مقار لمنظمات دولية وإقليمية، ومنصة جاذبة للمبادرات العالمية الكبرى في حوار الأديان والاستدامة بصنوفها المتنوعة في الطاقة والتشييد والتسامح. وهذا الرصيد مكّن الإمارات في عام 2020 من الوصول إلى المرتبة الأولى في المنطقة والثامنة عشرة عالمياً في مؤشر القوة الناعمة. 
رصيد كبير راكمته هذه السياسة الخارجية التي عززت مكانة الإمارات وجعلها تحظى باحترام العالم، كونها دولة تُكرس كل طاقتها في إطلاق المبادرات التنموية والتواصل مع محيطها الإقليمي والدولي بإيجابية، وفي الوقت نفسه تحرص على الالتزام بالمواثيق الدولية.
سياسة الإمارات الخارجية في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد عززت ثقة العالم في الدولة، ومكنتها من تشغيل مشروع للطاقة النووية السلمية، وجعلتها جديرة باستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» الذي تم افتتاحه يوم 3 يونيو 2015. وهي أيضاً سياسة مكنتها من إطلاق «مجلس حكماء المسلمين» بطموحات تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في 19 يوليو 2014، و«منتدى أبوظبي للسلم» من أجل تعزيز خطاب يدعو للتضامن والانفتاح على الإنسانية. وظهرت ثمرة هذه السياسة في إطلاق «وثيقة الأخوة الإنسانية» في 5 فبراير 2019، واستضافة «إكسبو 2020 دبي»، و(كوب28) في 2023. 

توسيع نطاق الشَراكات
وفي عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، وسّعت الإمارات شراكاتها الاستراتيجية ونوعتها لتعظيم المكاسب الشاملة، من خلال التعاون مع القوى العالمية الكبرى والإقليمية من أجل تعزيز مسيرة التنمية وتحفيز الاستثمارات وبناء علاقات قوية بين الأمم والشعوب عنوانها التنمية وتحقيق المصالح المشتركة وحفظ الاستقرار. طوّرت الإمارات منذ الأول من يونيو عام 2018 علاقتها مع روسيا الاتحادية، خاصة بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية وزيارة الرئيس الروسي للدولة منتصف أكتوبر 2019. ومنذ يوليو 2018، تم تأسيس علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، وذلك خلال زيارة شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية لدولة الإمارات. وعززت الإمارات علاقاتها مع فرنسا، من خلال حوار استراتيجي بين البلدين منذ عام 2012 لضمان المتابعة العملية لمشاريع التعاون بين البلدين، وفي 3 يونيو 2020 تم التأسيس لشراكة استراتيجية إماراتية - فرنسية، وخريطة طريق لتعزيز هذه العلاقة خلال الفترة من 2020 إلى 2030. وفي مايو 2021، سعت الإمارات لتعزيز شراكتها الاقتصادية مع ماليزيا، وطورت الإمارات علاقاتها القوية مع الهند، ففي 18 فبراير 2022 تم التوقيع على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين.

سياسة لخدمة الاقتصاد
أهداف واضحة للسياسة الخارجية ترسخت في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، وأصبحت نهجاً مستقراً، من خلال «وثيقة الخمسين» الصادرة يوم 5 سبتمبر 2021، فالمبدأ الثالث منها ينص على أن (السياسة الخارجية لدولة الإمارات هي أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية لدولة الإمارات. هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد. وهدف الاقتصاد هو توفير أفضل حياة لشعب الاتحاد).
وهذه الرؤية تتحقق بوضوح عندما نرى أن الإمارات كانت من أول الدول الداعمة لمبادرة «تسريع الاقتصاد الدائري 360»، التي تتمحور حول تعزيز كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية وتقليل الهدر. وفي 25 يناير 2021، اعتمد مجلس الوزراء سياسة دولة الإمارات للاقتصاد الدائري، والتي تُعد إطاراً شاملاً يحدد اتجاهات دولة الإمارات في تحقيق الإدارة المستدامة والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية، من خلال تبني أساليب وتقنيات الاستهلاك والإنتاج، بما يضمن جودة حياة الأجيال الحالية والمستقبلية، وتعزيز كفاءة استهلاك الموارد الطبيعية وتقليل الهدر.

أسس واضحة في مبادئ الخمسين
ويأتي المبدأ الخامس من وثيقة الخمسين ليؤكد أهمية العلاقات الجيدة مع دول الجوار، حيث ينص المبدأ على أن (حسن الجوار أساس للاستقرار. المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي الذي تعيش ضمنه الدولة يعتبر خط الدفاع الأول عن أمنها وسلامتها ومستقبل التنمية فيها. وتطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية مع هذا المحيط يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة). 
وترفد الوثيقة السياسة الخارجية بمعطيات المبدأ الثامن ليرسخ مضامين إنسانية راقية، عندما ينص على أن (منظومة القيم في دولة الإمارات ستبقى قائمة على الانفتاح والتسامح، وحفظ الحقوق وترسيخ دولة العدالة، وحفظ الكرامة البشرية، واحترام الثقافات، وترسيخ الأخوّة الإنسانية واحترام الهوية الوطنية.
وستبقى الدولة داعمةً عبر سياستها الخارجية لكل المبادرات والتعهدات والمنظمات العالمية الداعية للسلم والانفتاح والأخوّة الإنسانية).
في مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نهل المغفور له الشيخ خليفة بن زايد مرتكزات الرؤية المتسامحة والإيجابية تجاه العالم، فالإمارات التي تستضيف أكثر من 200 جنسية ولديها، حسب وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أكثر من 40 كنيسة ودور عبادة، ومؤسسات أكاديمية عالمية مثل جامعة السوربون أبوظبي وجامعة نيويورك ومتحف اللوفر، تتواصل مع الثقافات كافة وترسخ قيم الاعتدال والتعاون والحوار. 

مبادرات عالمية 
السياسة الخارجية في عهد المغفور له الشيخ خليفة بن زايد، تميزت بطابعها الإنساني الكبير الذي رسخ حضور الإمارات الإنساني في جميع أرجاء العالم. ففي عام 2007، دشن «مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»، من أجل إطلاق «مبادرات رائدة»، إقليمياً وعالمياً في مجالات عدّة كالصحة، حيث تكفلت بمصاريف علاج الكثيرين، والمجال التعليمي عبر التكفّل برسوم الطلّاب ودعم مشاريع التعليم المهني في المنطقة. وتتضمن استراتيجيتها التعليمية دعم مشاريع التعليم المهني في دول المنطقة، كما تشمل الاحتياجات الصحية المتعلقة بسوء التغذية وحماية الأطفال ورعايتهم، إضافة إلى توفير المياه الآمنة عالمياً.
انتهج الشيخ خليفة بن زايد، طيب الله ثراه، سياسات إغاثية وإنمائية قدم من خلالها دعماً للدول والشعوب المحتاجة، حيث تعتبر مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية ثالث أكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في الدولة بمساعدات لأكثر من 70 دولة في مختلف أنحاء العالم.
وطوال عهد المغفور له الشيخ خليفة، بادرت الإمارات بمد يد العون للدول المنكوبة، والتي تعرضت لحالات للطوارئ والأزمات الإنسانية، من أجل إنقاذ المتضررين أينما كانوا، حيث تم تقديم المعونات الإغاثية بعد كارثة تسونامي في المحيط الهندي عام 2004، وزلزال عام 2005 الذي دمر جزءاً كبيراً من شمال باكستان، والمناطق المجاورة في الهند. 
ومن أهم الإنجازات الخارجية لـ«مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية»: بناء سلسلة مستشفيات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في المغرب، ولبنان، وسوقطرى، وجزر القمر، وكازاخستان وباكستان، وكذلك المساجد في القدس، وكازاخستان، والصين. ومنذ عام 2014، أطلق الشيخ خليفة مبادرة لتطعيم ملايين الأطفال الباكستانيين، حيث تم إعطاء اللقاحات ضد شلل الأطفال في 66 منطقة من المناطق ذات الخطورة العالية بجمهورية باكستان الإسلامية، وذلك من أجل دعم المبادرة العالمية التي أقرتها الجمعية العامة للصحة العالمية لاستئصال شلل الأطفال بنهاية عام 2018.

ريادة في العمل الإنساني
تبوأت الإمارات  المرتبة الأولى عالمياً خلال الأعوام التالية: 2013 و2014 و2016 و2017، ولا تزال من ضمن كبريات الدول المانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية. واستفاد من هذه المساعدات، خلال العقود الخمسة الماضية، أكثر من 196 دولة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة، بعيداً عن أي تحيز سياسي. وتبلورت المساعدات الإنسانية في «وثيقة الخمسين»، من خلال المبدأ التاسع، الذي ينص على أن «المساعدات الإنسانية الخارجية لدولة الإمارات هي جزء لا يتجزأ من مسيرتها والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً. ولا ترتبط مساعداتنا الإنسانية الخارجية بدين أو عرق أو لون أو ثقافة. والاختلاف السياسي مع أي دولة لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات». 

مسيرة الثوابت والعطاء
قدمت الإمارات في عهد الشيخ خليفة بن زايد مقاربة رصينة في السياسة الخارجية ترتكز على أربعة عوامل محورية: التنمية والاستقرار والتعايش والمبادرات الإيجابية. مسيرة مكتنزة بالبعد الإنساني والتعاون ومرتكزة دوماً على الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، وإقامة العلاقات على أساس المصالح المتبادلة، وتنمية روح التعاون، وحل المشكلات والنزاعات بالطرق السلمية، والالتزام بالمواثيق العربية والإسلامية والدولية، والوقوف إلى جانب الحق والعدل، والمشاركة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

تعزيز الاستقرار الإقليمي
خلال عهد الشيخ خليفة بن زايد، حرصت السياسة الخارجية للدولة على تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتهدئة التوترات وتغليب منطق الحوار والتنمية ومصلحة الشعوب، وتلك رؤية تم تسكينها ضمن المبدأ العاشر لوثيقة الخمسين، التي تنص على أن «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية». بالأفعال قبل الأقوال حققت الإمارات عبر سياساتها الخارجية مصداقية إقليمية ودولية، جعلتها مؤهلة للمشاركة في حفظ الاستقرار الإقليمي والانخراط في الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب والتطرف، فقد ساهمت الإمارات خلال الفترة من 2006 إلى 2009 في إزالة الألغام من جنوب لبنان من أجل تسهيل عمليات إعادة الإعمار، وخلال اضطرابات ما يسمى «الربيع العربي» لعبت الإمارات دوراً في حماية الاستقرار الإقليمي، ومنع انتشار الفوضى في المنطقة، وضمن هذا الإطار، شاركت الإمارات في عام 2011 ضمن قوات «درع الجزيرة» لمساندة مملكة البحرين ضد التوترات الداخلية التي تعرضت لها آنذاك، وفي أكتوبر 2014 ساهمت بقوة في إعادة إعمار قطاع غزة، كما انضمت في عام 2014 للتحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، ولعبت دوراً محورياً في محاربة التنظيم، ودافعت الإمارات عن الشرعية في اليمن، وتبنت موقفاً ثابتاً ضد التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية.