إبراهيم سليم (أبوظبي)

أجمع المشاركون في مؤتمر «الوحدة الإسلامية المفهوم والفرص والتحديات»، على الدور بالغ الأهمية لدولة الإمارات وقيادتها الملهمة وانشغالها الدائم بالتفكير في المستقبل، وحرصها على دعم المجتمعات المسلمة، وتأمين مستقبلها، وتحقيق استقرارها، وإحياء وترسيخ القيم، مقدمين أسمى آيات الشكر والعرفان لدولة الإمارات وقيادتها الرشيدة على دورها، وسعيها لترسيخ قيم التسامح والتعايش والتعاون بين بني البشر.

كما أكد المشاركون في البيان الختامي لأعمال المؤتمر، أن الوحدة الإسلامية كانت حقيقة تاريخية حضارية، شملت مختلف مجالات الحياة.. وتأكيد خصوصية كل مجتمع من المجتمعات المسلمة. وتفصيلاً، جاء في البيان الذي تلاه د. محمد البشاري الأمين العام للمجلس، أنه على مدى يومي الثامن والتاسع من شهر مايو 2022 التقى أكثر من 500 من القيادات السياسية والدينية والفكرية والاجتماعية للدول والمجتمعات المسلمة، يمثلون مختلف مناطق العالم في القارات الخمس، وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة لتأسيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة... وعلى مدى أكثر من 30 جلسة حوارية، وكلمة رئيسية قدمها رؤساء دول، ووزراء، ومفتون، ورؤساء جامعات، وعمداء كليات، وأساتذة، وباحثون، تناولوا بعمق وموضوعية وثراء موضوع «الوحدة الإسلامية: المفهوم، الفرص، التحديات».

  • محمد البشاري

هذا الموضوع الذي يعتبر أهم قضية شغلت العقل المسلم منذ بدايات القرن العشرين، حيث بدأت كقضية فكرية مع حركات الاستقلال عن الاستعمار الغربي، وأثارت خيالات الكتاب والمثقفين والمفكرين... ومع دخول العالم الإسلامي في مرحلة ما بعد الاستعمار، وما صاحبها من تغيرات جوهرية في مكوناته السياسية والاجتماعية والفكرية. وأضاف البيان أنه ومع ظهور الأحزاب السياسية التي تتخذ من الإسلام أيديولوجية للوصول إلى السلطة، لم يعد مفهوم الوحدة الإسلامية بذلك الوضوح والجلاء، الذي كان عند السابقين، وهو أنها وحدة معنوية، روحية، دينية تجمع بين الأفراد والمجتمعات، ولا تحول دون انتمائهم لدول وأوطان مختلفة متنوعة متعددة، حيث يكون المقصد، والغاية هو التعاون، والتبادل لتحقيق مصالح الإنسان المسلم والارتقاء بمعيشته.

وأشار البيان إلى أن الوحدة الإسلامية صنعت بهذا المعنى الأصيل حضارة رائدة ساهمت في دفع ركب الإنسانية خطوات كبيرة إلى الأمام. صنعت أنساقاً ثقافية متنوعة ومتعددة، ولكنها تنتظم في سياق حضارة كبيرة واحدة تحدد معالمها إسهامات عظيمة قدمتها للبشرية في العلوم والفنون والآداب والفلسفة والعمارة والفلك والرياضيات والطب والموسيقى... إلخ. وذكر البيان أن هذه الوحدة الحضارية التي امتدت لقرون عدة من الزمان، وكانت تتمدد بصورة دائمة لتحتضن شعوباً وثقافات، وتتبنى علومها وفنونها، فكانت أمة التعددية واستيعاب الآخر، والحوار المستمر مع المخالف لها دينياً الذي يتوج دائماً بالتبادل الثقافي أخذاً وعطاءً، وبالاندماج والتبني والاستيعاب للثقافات، والمجتمعات، والتقاليد، والأعراف. وأكد البيان أنه «انطلاقاً من هذه الحقائق التاريخية البعيدة والقريبة، وسعياً نحو تحقيق التأصيل التاريخي العميق، والواسع والمتشعب لحقيقة الوحدة الإسلامية التاريخية، وتجلياتها في مختلف مجالات الحياة، ودورها في بناء حضارة إنسانية كانت هي أساس الحضارة العالمية الحديثة ورافدها الأصيل بكل العلوم والفنون».

وناقش المؤتمر أكثر من 110 ورقات بحثية من أجل الوصول إلى جوهر حقيقة الوحدة الإسلامية في صورتها التاريخية البناءة، وفي صورها المستقبلية التي سوف تنهض بالمجتمعات المسلمة، وتسهم في تنميتها وتطويرها والقضاء على الفقر فيها، والنهوض بالتعليم والبحث العلمي، وكذلك تواجه التحديات التي تعانيها مجتمعات المسلمين، سواء التطرف والعنف، أو التعصب والتحزب والطائفية.

وأوصى المجتمعون بتوجيه الشكر والتقدير والعرفان لدولة الإمارات وقيادتها الملهمة التي تنشغل دائماً بالتفكير في المستقبل، وتحرص على دعم المجتمعات المسلمة، وتأمين مستقبلها، وتحقيق استقرارها، وازدهارها في دولها، وتعمل بصورة لا تعرف الكلل أو الملل على إحياء وترسيخ القيم الإسلامية الأصيلة التي تحقق السلام والأمن والاستقرار للمجتمعات، وترسخ قيم التسامح والتعايش والتعاون بين بني البشر. وكذلك التأكيد أن الوحدة الإسلامية كانت حقيقة تاريخية حضارية، شملت مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والفكرية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، كما كانت تلك الحقيقة ماثلة في العمارة والفنون والآداب، ولكنها لم تكن حقيقة سياسية إدارية... وقد أدى الخلط بين الحضاري والسياسي إلى التشتت والارتباك والصراع حول مفهوم الوحدة الإسلامية في العصر الحديث، فقد حولت الجماعات والحركات التي نشأت في العقود الأخيرة مفهوم الوحدة الإسلامية إلى مشروع سياسي يطمح في بناء مجد شخصي، أو حزبي.

وأجمعوا على خصوصية كل مجتمع من المجتمعات المسلمة، وأن التحديات التي تواجهها تتعدد بتعدد دولها ومناطقها، وتتعدد كذلك بتعدد مستويات التنمية وتحدياتها التي تعيشها دولها، ولذلك يؤكد المؤتمر ضرورة احترام تلك الخصوصيات، والعمل دائماً ضمن الأطر الدستورية، والقانونية للدولة الوطنية، بما يحافظ على استقرارها وأمنها، وفي الوقت نفسه يحقق الاستفادة المتبادلة بين الدول والمجتمعات التي يعيش فيها المسلمون، وكذلك التأكيد على ضرورة تضمين مناهج التعليم العام، والديني المعاني الحقيقية للوحدة الإسلامية، بما يفتح الآفاق أمام الأجيال القادمة للانشغال بكل ما يفيد المسلمين، ويحقق النهوض بمجتمعاتهم، ويواجه التحديات التي تنال من تقدمهم وازدهارهم، ويرتقي بمستويات معيشتهم، ويضعهم في مكانة «خير أمة أخرجت للناس».

وأكدوا ضرورة إصلاح، وتطوير الخطاب الديني في جميع المجتمعات المسلمة، بما يتناسب مع احتياجات كل مجتمع، ومتطلباته، بحيث يكون الخطاب الديني، سواء في المساجد، أو حلقات التعليم، والتثقيف مناسباً للمستوى الثقافي للمجتمع الذي يتعامل معه، وقادراً على الإجابة عن الأسئلة والإشكاليات والمفاهيم التي تشكل الوعي الجمعي للمسلمين.

وكذلك التأكيد على أهمية توظيف الإعلام بكل أنواعه، الجديد والتقليدي لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للمسلمين في مختلف المجتمعات، وبمختلف اللغات، ليكونوا على فهم وإدراك حقيقيين للقضايا الكبرى التي ينبغي أن تشكل العقل المسلم في القرن الحادي والعشرين، بما يحقق مصالح تلك المجتمعات وطموحات وأحلام أفرادها في العيش الآمن السعيد. وفي الختام، توجه المشاركون بالشكر لمعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش بدولة الإمارات العربية المتحدة على تشريفه للمؤتمر بالرعاية الكريمة، وعلى كلمته العميقة الضافية الوافية، التي قدمت رؤية وتأطيراً للمؤتمر وحواراته، وفتحت الآفاق أمام مداخلاته لتنطلق في فضاءات أكثر رحابة واستنارة.