الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، هو من علماء الصحابة وقد ورد في فضله مجموعة من الأحاديث، ومن ذلك ما صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضع له ابن عباس وضوءاً، قال: «من وضع هذا؟» فأخبر فقال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»، (صحيح البخاري، 143)، وفي رواية: «اللَّهُمَّ فقًَّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»، (صحيح ابن حبان، 7055)، وفي رواية: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ»، (صحيح ابن حبان، 7054).
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة، القرشي، الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبر الأمة، وفقيهها، وإمام التفسير، كان وسيما، جميلاً، مديد القامة، مهيباً، كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال، قال عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس، وقال طاووس: ما رأيت أحداً أشد تعظيماً لحرمات الله من ابن عباس.
اجتهد ابن عباس في طلب العلم، وسؤال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل، فأوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح عليَّ التراب، فيخرج، فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسألك.
وقال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. ولعلمه وفضله فقد كان عمر رضي الله عنه يدخله مع كبراء المهاجرين، وإذا عوتب في ذلك قال: ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول.
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ما رأيت أحداً أحضر فهما، ولا ألب لبا، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس، لقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات فيقول: قد جاءت معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر.
قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، فإذا نطق، قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث، قلت: أعلم الناس.
وكان رضي الله عنه مع اشتغاله بالعلم لا يترك نصيبه من تلاوة القرآن وقيام الليل، قال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل، قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب.. وعن أبي رجاء، قال: رأيت ابن عباس، وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء.
وكان رضي الله عنه يصوم الاثنين والخميس، وكان كريم النفس، فقد نزل أبو أيوب الأنصاري على ابن عباس وشكا ديناً، ففرغ له بيته، وقال: لأصنعن بك كما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: كم دينك؟ قال: عشرون ألفاً، فأعطاه أربعين ألفاً، وكل ما في البيت.