خصَّنا الله بليلة القدر، وجعلها خيراً من ألف شهر، وليلة القدر هبة من الله تعالى لأهل الأرض، وجائزة خصَّ بها عباده، فقد جعلها بألف شهر، وأكرمها بالبركة ونزول القرآن الكريم، وجعل فيها تواصلاً بين أهل السماء من الملائكة، وأهل الأرض من القائمين العابدين، قال الله عز وجل: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ)، «سورة القدر، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنّ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، (صحيح البخاري، 1802).
والواجب علينا الحرص على اغتنام ليلة القدر بالقيام والذكر والقرآن والدعاء وغير ذلك من الطاعات، وإحياء الليالي الأخيرة من رمضان والجد فيها بالطاعات طلباً لثواب ليلة القدر، وعدم الاتكال على ليلة بعينها، والابتعاد عن الجدل والتخاصم لأنها تؤثر على الطاعات من حيث الرفع والقبول.
ولفضلها بيَّن النبي، صلى الله عليه وسلم، موقعها من الشهر، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان، ويقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»، (الموطأ، 693)، قولها: يُجَاوِرُ: أي يعتكف في العشر الأواخر يتحرَّى ليلة القدر فيها، والعاقل من يجتهد رمضان كله، ويجد في العشر الأواخر منه، والسعيد من وافق هذه الليلة، واللبيب من سعى لإدراكها.
وعن أهم ما يطلبه المرء في الدعاء سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: «تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني»، (سنن الترمذي، 323).
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم جانباً من وقتها وأماراتها، فقال: «ليلة القدر في العشر البواقي، من قامهن ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليلة»، (مسند الشاميين، 1119).
وهذه الليلة ليلة التصالح وترك التخاصم، كي لا يضيع الفضل فيها، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسوها في السبع والتسع والخمس»، (صحيح البخاري، 49).

 فضل الدعاء وآدابه وشروطه:
الدعاء من أجلّ العبادات وأكرمها على الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «ليسَ شيءٌ أَكْرمَ على اللَّهِ تعالى منَ الدُّعاءِ»، وذلك لما فيه من إظهار افتقار العبد إلى الله سبحانه والخضوع له وإظهار العجز بين يديه، وهو عبادة مطلوبة في كل زمان، وخاصةً في شهر رمضان، وله آداب وشروط، فعلى المؤمن أن يستثمر أوقاته بالدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وأن يدعو ربه وهو موقن بالإجابة.
وقد وردت آية استجابة الدعاء بين آيات الصيام وأحكامه، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، ممّا يدلّ على العلاقة الوثيقة بين الصيام واستجابة الدعاء، وأن شهر رمضان خير زمانٍ تُستجابُ فيه الدعوات، وتكثر فيه عطايا الكريم المنان.
وللدعاء آدابٌ منها: اختيار الأوقات المباركة، ومنها شهر رمضان، وخصوصاً عند الإفطار، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثُ دَعَواتٍ لا تُرَدُّ...» وذكر منهم: «وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ»، وكذا بين الأذان والإقامة، وفي ساعة الإجابة يوم الجُمعة، وفي وقت السَّحَر، وفي السجود، وفي الثُّلث الأخير من الليل، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له»، وكذلك في ليلة القدر، فعَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ ‌تُحِبُّ ‌الْعَفْوَ ‌فَاعْفُ عَنِّي».. ومن آداب الدعاء أيضاً: ألا يكون فيه إثم ولا قطيعة رحم، فإنها من موانع استجابة الدعاء، قال (ص): «ما من مسلِمٍ يَدعو، ليسَ بإثمٍ ولا بِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ، وإمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها». 
ومن الآداب أيضاً تطهير النفس والبدن والمال، وحضور القلب بين يدي رب العالمين، واستِقبال القبلة، والإلحاح بإخباتٍ وخُشوعٍ مع اليقين بقدرة الله تعالى على تيسير الأمور وقضاء الحوائج، قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

فتوى
من أمره الطبيب بترك الصوم بسبب المرض، ماذا يجب عليه؟
أجاب المركز الرسمي للإفتاء بالتالي: «من أمره الطبيب بترك الصوم بسبب المرض فعليه أن يفطر، ويقضي ما أفطره من الأيام أو الشهور عند القدرة على الصوم، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أخر} [البقرة: 185]، ولا إثم عليه ولا كفارة».

قطوف:
قال الفضيل بن عياض: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير- وقال الحبُّ أفضل من الخوف، ألا ترى إذا كان لك عبدان أحدهما يحبك، والآخر يخافك، فالذي يحبك منهما ينصحك شاهداً كنت أو غائباً لحبِّه إياك، والذي يخافك عسى أن ينصحك إذا شهدت لما يخاف، ويغشَّك إذا غبت ولا ينصح.
وقال معمر كان يقال: أنصح الناس لك من خاف الله فيك. وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه، وسئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: «إن كنت فاعلًا ولا بد، ففيما بينك وبينه».