منى الحمودي (أبوظبي) 

تعتبر أمراض الكلى، من الأمراض الصامتة التي لا تصاحبها أعراض في مراحلها المبكرة، مما يؤدي للتشخيص المتأخر، وبالتالي حدوث مضاعفات مدى الحياة، تصل بالمريض لمرحلة غسيل الكلى، وبالتالي تغير نمط حياته بشكل كامل.
ويأتي العاشر من شهر مارس من كل عام، يوماً لإطلاق حملات توعية صحية عالمية تركز على زيادة الوعي بأهمية الكلى والحفاظ على صحتها، وتقليل تأثير أمراض الكلى على حياة الفرد والمجتمعات صحياً واجتماعياً واقتصادية، وجميع المشاكل المرتبطة بها، كما يهدف اليوم العالمي للكلى لزيادة الوعي بالسلوكيات الوقائية وعوامل الخطر وطرق التعايش مع أمراض الكلى.
كما يأتي اليوم العالمي للكلى لهذا العام تحت شعار «تجنب الأذية الكلوية» والذي يهدف لزيادة إدراك ووعي المجتمع بشأن أبرز وأهم أمراض الكلى وسبل وطرق الوقاية والدواء المتوافرة، وعلاقة التصرفات غير الصحية والمضرة كالخمول الجسماني والتدخين، والتغذية غير الصحية وغير الصحيحة، مثلاً كزيادة الدهون والملح في التغذية، التي تؤدي إلى تدهور الكلى ومشاكلها.
ويهدف اليوم العالمي للكلى إلى التعريف بمرض الكلى، والتذكير بأن السكري وتزايد ضغط الدم من أسباب المخاطرة التي تهدد بالإصابة بأمراض الكلى المزمنة. وتثقيف الممارسين الصحيين عن دورهم في اكتشاف أمراض الكلى، وكيف يمكنهم المساعدة في التقليص من أسباب الخطورة المؤدية لأمراض الكلى، خصوصاً عند الشخصيات الأكثر عرضة للإصابة بأمراض الكلى. إلى جانب التشجيع على الفحص الدوري والمنتظم عن أمراض الكلى لمرضى السكري وارتفاع الضغط، والتشجيع على الممارسات الوقائية. بالإضافة إلى تأكيد دور الجهات الصحية المحلية والوطنية في محاربة أمراض الكلى والتشجيع على التبرع بالأعضاء لحماية وحفظ حياة مرضى الفشل الكلوي.

إدارة المرض
وتُعد أمراض الكلى من أكثر الأمراض شيوعاً في دولة الإمارات؛ نظراً لارتباطها بأمراض مزمنة أخرى، وهو مرض معقد وتستمر معاناته مع المريض لفترات طويلة، حيث يعتبر مرض الكلى المزمن فقداناً تدريجياً لوظائف الكلى نتيجة للضرر الذي يسببه عدد من الظروف المختلفة، إلى جانب العامل المساهم الأكثر شيوعاً، وهو مرض السكري. لذا تُعد إدارة المرض صعبة وقد يُصاب الشخص بالفشل التام للكلى مع تفاقم الضرر، مما يجعل المريض معتمداً على الغسيل الكلوي مدى الحياة أو الخضوع لعملية الزرع.
وبالرجوع للإحصاءات العالمية، فإن 10% من سكان العالم يتأثرون بمرض الكلى المزمن، ويتم تسجيل وفيات بالملايين كل عام بسبب عدم تمكنهم من الحصول على علاج ميسور التكلفة. ووفقاً لدراسة العبء العالمي للأمراض، يحتل مرض الكلى المزمن مراتب متقدمة في قائمة أسباب إجمالي عدد الوفيات في جميع أنحاء العالم. ويتلقى أكثر من مليوني شخص في جميع أنحاء العالم العلاج بغسيل الكلى أو زرع الكلى للبقاء على قيد الحياة. وتشير التقديرات إلى أن عدد حالات الفشل الكلوي سيزداد بشكل غير متناسب في البلدان النامية، مثل الصين والهند، حيث يتزايد عدد كبار السن. وفي البلدان متوسطة الدخل، يشكل العلاج بغسيل الكلى أو زرع الكلى عبئاً مالياً كبيراً على غالبية الأشخاص الذين يحتاجون إليه، وفي بعض الدول حول العالم لا يستطيع الكثير من الناس تحمل تكاليف العلاج على الإطلاق، مما يؤدي إلى وفاة أكثر من مليون شخص سنوياً من الفشل الكلوي غير المعالج.

تلف
وفي هذا الصدد، أوضح الدكتور هاريش براهبو، اختصاصي أمراض الكلى في مدينة برجيل الطبية، أن أعراض أمراض الكلى تظهر عند حدوث تلف في الأوعية الدموية للكلى وبالتالي تأثر قدرتها على العمل بالشكل السليم، وتعتبر الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة والإصابة بالحصوات الأسباب الأكثر شيوعاً لإصابات الكلى. كما يُعد استخدام المسكنات بكثرة من الممارسات الخاطئة التي تؤدي لأمراض الكلى.
وقال: «مع وجود معدل مرتفع للأمراض المصاحبة التي تساهم بشكل كبير في انتشار أمراض الكلى، هناك احتمالية تزايد معدلات الإصابة بها؛ لذلك فإن المتابعة المستمرة والفحوص الدورية من أهم العوامل التي تسهم في الكشف المبكر عن الإصابة بأمراض الكلى، وبالتالي تجنب المضاعفات الناتجة عنها».
وأضاف: «إن أمراض الكلى هي كل ما يؤثر على الأداء الطبيعي للكلى، حيث تقوم الكلى بالعديد من الوظائف في الجسم، بما في ذلك إزالة المواد السامة من الدم، والحفاظ على الشوارد وتوازن القاعدة الحمضية، والحفاظ على مستوى الهيموجلوبين الطبيعي والعناية بصحة العظام، وتؤثر الأمراض التي تصيب الكلى على وظائف الكلى المذكورة أعلاه، مما يؤدي إلى تراكم الفضلات في الجسم».

  • هاريش براهبو

وأشار إلى أن وظائف الكلى في جسم الإنسان هي إخراج نفايات الجسم الذائبة في الماء الناتجة من عملية الهضم وضبط وتنظم محتويات الدم، وتعمل الكلى على تنظيم كمية الماء والأملاح في الجسم وتنظيم نسبة الأحماض إلى القواعد الكيميائية في الجسم. كما تقوم الكلى بتنقية الدم والتخلص من المواد السامة نتيجة عملية الهضم مثل مادة الـ urea، حيث تقوم الكلية بإفرازها مذابة في البول، كما تحافظ الكلى على توازن الماء والأملاح في الجسم فإذا زاد أو نقص أحدها عن الحد المعين حدث المرض وأحياناً الموت.

فحص منتظم
ولفت إلى أن أمراض الكلى تُعد تحدياً كبيراً للمريض وعائلته، وذلك لنمط الحياة الذي يتوجب عليه التعايش معه، خصوصاً في فترات العلاج والتي تعتبر ذات مدى طويل نسبياً، حيث يحتاج المريض لزيارات متعددة للأطباء وجلسات الغسيل الكلوي والفحوص والتقييمات والاستشارات المنتظمة. وقال: «يُعد التحدي الأكبر لمرضى الكلى هو أن أعراض أمراض الكلى تبدأ في الظهور بمجرد فقدان وظيفة الكليتين بنسبة 60-70% على الأقل، لذلك في معظم الأوقات عندما يأتي المريض إلى الطبيب مع ظهور الأعراض، فإن أكثر من نصف الكلية تالف بشكل دائم، ولسوء الحظ، فإن خيارات العلاج المتاحة في المراحل اللاحقة محدودة للغاية».
وأكد أن أهمية الفحص المنتظم للأفراد ذوي الخطورة العالية، وزيادة الوعي بين عامة الناس حول أهمية الفحوص الدورية، باعتبارها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها اكتشاف أمراض الكلى في مرحلة مبكرة والعلاج الفوري.
وحول أعراض أمراض الكلى، أشار الدكتور براهبو إلى تنوع الأعراض والتي قد تشمل، تورم القدمين وتورما حول جفون العين، والأعراض البولية مثل البول الأحمر أو الملون المرتفع، زبد البول، والألم أثناء التبول. بالإضافة لضيق التنفس، وفقدان الوزن والغثيان والقيء وفقدان الشهية.
وفيما يتعلق بطرق التعايش مع مرض الكلى، ذكر أن المتابعة المنتظمة مع طبيب الكلى تُعد من أهم الطرق لمنع تطور مرض الكلى، مشيراً إلى بعض الخطوات التي تساهم في عيش حياة صحية مع أمراض الكلى، وهي التقيد الصارم بالدواء الموصوف من قبل الطبيب، اتباع نظام غذائي كلوي - قليل الملح، قليل السكر، نظام غذائي منخفض البروتين مع تناول الماء على النحو الذي اقترحه الطبيب، ممارسة الرياضة العادية - يومياً 30-40 دقيقة، تجنب تناول المسكنات والمضادات الحيوية غير الضرورية من دون استشارة الطبيب والفحص المنتظم حسب نصيحة الطبيب.

طرق العلاج
وأوضح الدكتور براهبو أن طرق إدارة وعلاج أمراض الكلى تعتمد على نوع كل مرض من أمراض الكلى على السبب الدقيق للإصابة، فعلى سبيل المثال، إذا كان المريض مصاباً بمرض الكلى بسبب خيارات علاج مرض السكري بما في ذلك السيطرة على مرض السكري، والتحكم في ارتفاع ضغط الدم والأدوية المضادة للبروتين، وما إلى ذلك. كما سيحتاج المريض المصاب بأمراض الكبيبات «التهاب المرشحات الصغيرة في الكلى» إلى مثبطات المناعة والأدوية المضادة للبروتين، منوهاً بأنه يتم تخصيص خيارات العلاج لكل مريض بناءً على أمراض الكلى التي يعانيها، ولكن بمجرد وصول المريض إلى مرحلة أمراض الكلى المزمنة لن يتبقى سوى خيارين هما غسيل الكلى أو زرع الكلى.

  • بلسم أحمد

من جانبها، أشارت الدكتورة بلسم أحمد، اختصاصي أمراض الكلى في مدينة الشيخ شخبوط الطبية بالشراكة مع «مايو كلينك»، إلى أهمية اليوم العالمي للكلى للتوعية بأمراض الكلى والعمل على تقليل مخاطر الإصابة بها والحفاظ على صحتها، وزيادة الوقاية بأمراض الكلى وكيفية التعايش معها، مؤكدةً أن الكلى من أهم أعضاء الجسم وتؤدي وظائف أساسية مهمة عدة للحافظ على حياة الإنسان وصحته.
وأشارت إلى أن أمراض الكلى تعتبر غير معدية، وتتعرض فيها الكلى لأنواع مختلفة من الأمراض التي تؤدي بشكل جزئي أو كلي إلى إضعاف وظائف الكلى، مما يُؤدّي إلى تفاقم الضرر الواقع على الكلى على مدار شهور أو سنوات عدة.
ولفتت إلى أن معظم أمراض الكلى ليست كبقية الأمراض في مراحلها الأولى، فمرض الكلى ليست له أعراض ويعرف عادةً بالمرض الصامت، وأن الدراسات أثبتت أنه عندما تقل وظائف الكلى بنسبة 30 إلى 60% تزداد مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ويعد الاكتشاف المتأخر لمرض الكلى المزمن أحد أسباب الإصابة بالفشل الكلوي ويحول دون نجاح تدابير تحسين وظائف الكلى وقد يؤدي في النهاية إلى الخضوع لغسيل الكلى أو زراعة الكلى. وأكدت أهمية متابعة بعض الممارسات التي تسهم بالحفاظ على الكلى، وهي ممارسة الرياضة، شرب كمية كافية من المياه، الإقلاع عن التدخين، قياس الضغط والحفاظ على مستوى طبيعي لضغط الدم، قياس وضبط مستوى السكر في الدم، تجنب تناول أدوية دون وصفة طبية، خاصة أدوية الآلام المضادة للالتهابات وزيارة الطبيب والخضوع لفحص وظيفة الكلى للأشخاص الذين يعانون  مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة.

إجراءات حاسمة 
قالت بيلين إنجيسو، نائب الرئيس لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى «أسترازينيكا»: يُعَدُّ مرض الكلى المزمن أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يكون من بين الأسباب الخمسة الأولى للوفاة بحلول عام 2040. ومن المؤسف حقاً أن قلة من الناس على دراية بهذا المرض الصامت، حيث يمكن أن يفقد المرضى ما يصل إلى 90% من وظائف الكلى قبل ظهور أي أعراض. وأضافت: يُمكن لمرض الكلى المزمن، الذي تم تشخيصه بشكل متأخر أو تُرِك دون علاج، أن يتطور ويتحول إلى فشل كلوي، ويحدث تغييراً هائلاً في حياة المرضى، حيث يتوجب عليهم حينها إجراء غسيل للكلى أو إجراء عملية لزرع الكلى. وعلى الرغم من العبء العالمي الهائل الذي يفرضه مرض الكلى المزمن على المرضى والأنظمة الصحية، إلا أنه نادراً ما يُعطي صانعو القرار الأولوية لهذا المرض، وقليل من البلدان لديها استراتيجية وطنية لتحسين الرعاية المقدمة لمرض الكلى المزمن، وتقل نسبة الدول المهتمة بالتصدي لهذا المرض عن 20% في منطقة الشرق الأوسط. وتابعت: في منطقة الشرق الأوسط، لا يزال عبء مرض الكلى المزمن والفشل الكلوي المرتبط به مرتفعاً، ويتزايد ويؤثر حالياً في 5 إلى 10% من السكان.

  • بيلين إنجيسو

وأشارت إلى اختيار شركة أسترازينيكا اليوم، الذي يصادف اليوم العالمي لمرض الكلى المزمن، للمساعدة في تعزيز الجهود العالمية التي تُبذَل للحد من الأعباء المتزايدة لمرض الكلى المزمن، وذلك من خلال استضافة قمة مرض الكلى المزمن في «إكسبو 2020» في دبي. حيث وجدت «أسترازينيكا» أنه من الواجب وضع هذا المرض الصامت على رأس جدول أعمالها في هذه المنصة العالمية الفريدة، انطلاقاً من كونها شركة استثمرت في إنقاذ الأرواح من أمراض الكلى، وفي البحث عن العلاجات المستقبلية لأمراض الكلى المزمنة.