دينا جوني (دبي)

 تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، استضاف «إكسبو 2020 دبي»، أمس، منتدى قدوة (PISA للكفاءة العالمية 2022) تحت شعار «جيل واعد لعالم مترابط»، بحضور المعلمين وخبراء السياسة الدوليين وصناع القرار، ويهدف المنتدى لمساعدة المعلمين في الإمارات على تحقيق التطوير المهني، والعمل بشكل تعاوني وإعداد طلابهم لمواكبة عالم يتسم بالديناميكية والترابط والتنوع والتغيير. 
وناقش منتدى «قدوة -PISA» مدى الحاجة الملحة إلى تعزيز الكفاءة العالمية، باعتبارها إحدى المهارات الأساسية للقرن الحادي والعشرين، وضرورة استكشاف الطرق المثلى للتعليم، وصولاً إلى أعلى مستويات الكفاءة العالمية داخل الفصول الدراسية وخارجها، وتوفير الدعم للتدريس على مستوى النظام بالكامل. 

«الهايبر هجين» 
وقال الدكتور عبداللطيف الشامسي، المدير والرئيس التنفيذي لكليات التقنية العليا في دولة الإمارات، إن منتدى قدوة منصة عالمية لعرض آخر النتائج والتطورات التعليمية على مستوى العالم، وأثر «الجائحة» التي من خلالها استطاعت دولة الإمارات التحول الرقمي من أجل تحصيل علمي مثمر، وتفادياً لتأخير الدراسة، وإضافة «الهايبر هجين» نموذج المستقبل لجذب الطلبة لبيئة التعليم، ويمثل نقلة جديدة توازن ما بين التعلّم عن بعد والتعليم الحضوري لصالح الدراسة التطبيقية والتعليم المهاري.
 وشرح الدكتور عبد اللطيف الشامسي، مدير مجمع كليات التقنية العليا، على هامش المنتدى، طرحه مفهوم التعليم «هايبر-هجين» أو «ما بعد الهجين»، شارحاً أنه خلال «الجائحة» تمّ الانتقال من فترة التعلم عن بُعد بشكل كامل إلى التعلم الهجين الذي يجمع بين التعلّم عن بُعد والتعلّم الحضوري. وأضاف أن مستقبل الجامعات يقوم على تحويل المباني إلى مراكز جذب وتفاعل بين الطلبة، ومختبرات مفتوحة على التجريب والابتكار، وتعزيز التواصل الاجتماعي.
 وأكد أن التعليم الهجين مطبّق حالياً في «كليات التقنية»، فليس على الدارسين الحضور يومياً داخل مبنى الكلية، وإنما في أيام محددة بحسب طبيعة المادة التي تتطلب وجودهم. 
 وقال: «نسعى لأن يكون التحوّل إلى التعليم (هايبر-هجين) خلال فترة تتراوح من خمس إلى عشر سنوات، وإعادة هندسة الكليات لتلعب دوراً اجتماعياً يضاف إلى دورها الأكاديمي».
وعن التقرير الذي أُطلق في المنتدى والصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن الكفاءات العالمية، قال د. الشامسي، إن تقييم أداء الطلبة لم يعد محصوراً في الرياضيات والعلوم والقراءة، فالمستقبل يحتاج إلى مهارات مختلفة تمكّن الطلبة من التعامل مع عالم أكثر تواصلاً وأكثر تعقيداً. وأكد أن تضمين تلك المهارات ضمن المنظومة التعليمية أصبح أمراً ضرورياً لإعداد المواد الدراسية ومخرجاتها بناءً على تلك المخرجات.
وأكد أن طلبة الإمارات يتم إعدادهم منذ زمن ليكونوا مواطنين عالميين منفتحين على مختلف الثقافات واللغات والتنوع. وأشار إلى أن إدارة اختبارات «بيزا» أصبحت تقيس التنوع الثقافي والديموغرافي للدول على مستوى العالم نظراً لأهمية تلك المهارات في المستقبل.

تمكين الطلاب
وقالت الدكتورة ماري ماكاليز، رئيسة أيرلندا السابقة، المستشارة في TrinityCollege Dublin إن التعليم في القرن الحادي والعشرين يجب أن يركز بشكل أساسي على تمكين الطلاب من خلال فهم أنفسهم والآخرين بشكل أفضل، موضحة أن إكسابهم الكفاءة العالمية سيؤهلهم للتعامل مع القضايا العالمية المهمة، والمشاركة بفاعلية في عالم متزايد الترابط.
وأضافت في تصريح لـ«الاتحاد» أن ما يميز هذا المنتدى هو تعبيره عن إرادة تبني أفضل الممارسات من مختلف الدول والخلفيات، بناء على ثقافة راسخة القدم في الإمارات. 
وأكدت أن تحقيق التغيير يحتاج إلى استدامة التحدي والنقد الذاتيين والتعلّم من تجارب الآخرين، وهو تحديداً ما تفعله دولة الإمارات بشكل عام، وما يعبّر عنه «إكسبو 2020».
وعبّرت عن مفاجأتها عندما زارت الإمارات للمرة الأولى، وعلمت بوجود وزير للتسامح والتعايش هو معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، لافتة إلى أنه أمر لافت ومميز في بلد تتشارك فيه العديد من الثقافات والأديان عاداتها وتقاليدها بكل محبة. وأكدت أن هذا التوجّه لا يؤدي إلا إلى ترسيخ ثقافة السلام والتطور.
وأكدت أهمية الخروج من المنتدى بتوصيات تتعلق بكيفية «حفر» المهارات العالمية الناعمة في عقول الطلبة، تلك التي تعرّف الطفل على الثقافات الأخرى بانفتاح من دون خوف، وتزرع الفضول للتشبّع من حضارات العالم وأديانها.

المهارات اللازمة
وقالت رابعة السميطي، المديرة العامة لمؤسسة الإمارات للتعليم، إن هدفنا في قطاع التعليم هو تزويد الطلاب في دولة الإمارات بالمهارات اللازمة التي تسمح لهم بالنمو والازدهار في عالم مترابط، مضيفة أن إطلاق نموذج الكفاءات العالمية في منتدى قدوة 2022 يوجه رسالة مهمة لقادتنا ومعلمي المدارس، تعكس الأهمية التي توليها الدولة لتقديم تعليم شامل لجميع طلابنا من خلال ضمان حصولهم على فرص تساهم في تطوير مجموعة من المهارات المتفق عليها كجزء لا يتجزأ من الحياة المدرسية.
وساهمت المناقشات خلال «قدوة -PISA» في إبراز الكفاءة العالمية باعتبارها مهارة أساسية للقرن الحادي والعشرين، واستكشاف طرق التعليم لتحقيق الكفاءة العالمية داخل الفصول الدراسية وخارجها، ودعم التدريس على مستوى النظام بأكمله.
وقدم أندرياس شلايشر، مدير شؤون التعليم والمهارات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، العرض الرئيسي في منتدى «قدوة - PISA» للكفاءة العالمية 2022، بالإضافة إلى إطلاق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضاً تقرير PISA الجديد حول التدريس لتحقيق الكفاءة العالمية في سياقات مختلفة. 

الكفاءات العالمية
يشير التقرير الذي أطلقه منتدى «قدوة» والصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بعنوان «الكفاءات العالمية» إلى أنه في عالم اليوم، لم يعد التعليم يدور حول تعليم الطلاب، بل يتعلق بمساعدتهم على تطوير بوصلة وأدوات للتنقل ببراعة عبر عالم متزايد التعقيد والتقلّب وعدم اليقين.
فالنجاح في التعليم اليوم يتعلق بالهوية، وبناء الفضول، وفتح العقول والقلوب وترسيخ الرحمة، كما يتعلق بالشجاعة وحشد الموارد المعرفية والاجتماعية والعاطفية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. كل ذلك يعدّ سلاحاً ضد أكبر تهديدات العصر وهي العقل والقلب المنغلقان واللذان يولّدان الجهل والكراهية والخوف. وأضاف: في عصر التسارع التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، تبرز الحاجة إلى التفكير بجدية أكبر فيما يجعلنا بشراً، وقياس تلك المهارات بعيداً عن قياس الرياضيات والعلوم والقراءة.
ففي مدارس اليوم، يتعلم الطلاب عادةً بشكل فردي. لكن كلما أصبح العالم أكثر ترابطاً، احتجنا إلى أفراد على درجة عالية من التعاون والتنسيق. 
وخلال جائحة «كورونا»، تبيّن كيف تعتمد رفاهية البلدان بشكل متزايد على قدرة الناس على اتخاذ إجراءات جماعية مشتركة. لذلك، تحتاج المدارس اليوم إلى مساعدة الطلاب على تعلم الاستقلال الذاتي في تفكيرهم وإدراك تعددية الحياة الحديثة. وسيحتاج الناس إلى فهم واسع لكيفية عيش الآخرين في ثقافات وتقاليد مختلفة.
وقد أدت هذه الاعتبارات إلى تضمين اختبارات «بيزا» الدولية ما يسمى «الكفاءة العالمية»، في أحدث تقييم لـ66 نظاماً مدرسياً. ولتنفيذ هذا التقييم بشكل جيد، كان على الطلاب إثبات قدرتهم على الجمع بين المعرفة حول العالم والتفكير النقدي، وأنهم قادرون على تكييف سلوكهم وتواصلهم للتفاعل مع الأفراد من مختلف التقاليد والثقافات.
 وفي استعراض نتائج البلدان، يشير التقرير إلى أنه ليس من المفاجئ أن البلدان التي تحقق أداءً جيداً بشكل عام في مجال التعليم تميل أيضاً إلى إظهار مستويات عالية في «الكفاءات العالمية» مثل كندا وسنغافورة. لكن اللافت أن بلداً مثل كولومبيا يعاني فيه الطلاب في كثير من الأحيان صعوبات في القراءة والرياضيات والعلوم، حقق أداءً أفضل بكثير في «الكفاءات العالمية»، كذلك أداء اسكتلندا وإسبانيا وإسرائيل وبنما واليونان وكرواتيا وكوستاريكا والمغرب حققوا أداء أفضل من المتوقع. في المقابل، كان أداء الطلاب في كوريا وروسيا أقل من المتوقع. وبالتالي، فإن «الكفاءات العالمية» لا تعدّ نتيجة ثانوية تلقائية للتعلّم الأكاديمي، وإنما مهارة تحتاج إلى تدريب وتعلم ورعاية.