د. محمد مسعود الأحبابي* يأتي تمرين «درع الإمارات المشترك 50» في بداية هذا العام ضمن خطة مرسومة وسلسلة تمارين مجدولة على مدار السنة، وفي إطار خطة استراتيجية محددة الأهداف تحت قيادة العمليات المشتركة بشكل استباقي لأغراض التدريب والتأهيل ورفع مستوى الجاهزية القتالية للقوات المسلحة الإماراتية في ظل أحلك الظروف وبشكل فوري. والحق أنّ «درع الإمارات المشترك» غير موجهٍ تجاه أطرافٍ معينة، بل ويندرج في سياق التمارين المجدولة بين جميع الوحدات الرئيسة للقوات المسلحة لرفع مستوى قدراتها، فدولة الإمارات نهجها الخارجي سلمي، وتؤدي قواتها المسلحة دوراً حيوياً في عمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية والإغاثية حول العالم، بيد أنّ التمرين، في الوقت نفسه، يحمل رسالةَ ردعٍ مفادها قدرة القوات المسلحة الإماراتية على حماية مقدرات ومكتسبات البلاد في مختلف البيئات العملياتية وتأمين حدودها من أي تهديدات أو تحديات مستقبلية. وقد أثار بعضهم وجود علاقة بين تنظيم تمرين «درع الإمارات المشترك 50» والإنذار الذي وجهته قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن مؤخراً للحوثيين بضرورة إخلاء السفينة الإماراتية المختطفة «روابي»، وبكامل حمولتها ذات الطابع الإنساني غير القتالي. وأعتقد أنّ الذي أثار وجود هذه العلاقة هو تزامن الحدثين فقط، وأنّ تنفيذ التمرين، بالإضافة إلى أنّه مجدول مسبقاً، في هذا التوقيت يحمل مغزى عسكرياً يتعلق بأنّ هذا الوقت من العام يشهد تقلبات في حالة الطقس ووجود التيارات البحرية بالاتجاه الغربي في المياه الإقليمية لدولة الإمارات، ما يعد بحد ذاته اختباراً حقيقياً لما وصلت إليه القوات المسلحة الإماراتية من تطور في تنفيذ العمليات العسكرية في ظروف مناخية صعبة تعكس مدى الانسجام والتنسيق العالي الذي وصلت له قدرات العمليات المشتركة الإماراتية اليوم، وهي محط وتقدير واهتمام القيادة السياسية بالدولة. كما أنّ هذا التمرين يُظهر مدى ما وصلت إليه القوات المسلحة للدولة، بجميع أفرعها، من تطور وتحديثٍ. فقد استثمرت دولة الإمارات في تطوير قدراتها العسكرية على مدى الخمسين عاماً الماضية في التجهيزات العسكرية والبشرية لقواتها المسلحة، وتتابع برنامجاً شاملاً لتحديث وتطوير قدرات هذه القوات منذ عدة سنوات. ويتمثل أهم برنامج التحديث في تزويد كافة أفرع القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية بأحدث الأسلحة المتطورة. وتمتلك دولة الإمارات اليوم قدرات عسكرية نوعية براً وبحراً وجواً من حيث التسليح والخبرات الميدانية القتالية على مستوى عالٍ من الجاهزية، اكتسبتها عن طريق الاستثمار في تدريب وتأهيل العنصر البشري من منتسبي وزارة الدفاع، في مختلف التضاريس والبيئات القتالية الصعبة. فقد أصبحت القوات الجوية الإماراتية واحدة من أكثر القوات تطوراً، ومن أفضلها تسليحاً على الصعيد الإقليمي، خاصةً فيما يتعلق بالمقاتلات متعددة المهام، والقدرة على تنفيذ ضربات دقيقة طويلة المدى، وأصبح الطيارون الإماراتيون من أفضل الطيارين تدريباً وكفاءةً في منطقة الشرق الأوسط. كما تحركت الدولة لتطوير قدرة إنذار مبكر، وتركز على تطوير دفاعات جوية وصاروخية متطورة. وهذه الأولوية المعطاة للقوات الجوية تعزز قدرة دولة الإمارات على الدفاع عن أراضيها وسيادتها وترابها الوطني، وعلى حماية حقول النفط والغاز، ولاسيما الحقول البحرية منها، ضد أي هجمات معادية، والقيام بدور حيوي في عمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية والاغاثية حول العالم. وقد تمكنت دولة الإمارات من بناء نظامٍ شامل للدفاع الجوي والصاروخي، يعتمد على أحدث نظم الدفاع الجوي من طرازات باتريوتPAC-3 وثاد THAAD، وأدق النظم الرادارية. كما أنّ قواتنا البحرية مجهزةٌ ومدربة جيداً، وتنخرط قيادة القوات البحرية في برنامج لتوسيع قدراتها، وتحديث لأسطولها من السفن الحربية. وثمة تركيز توليه القيادة الرشيدة على تعزيز قدرات مشاة البحرية، ولاسيما منذ افتتاح القاعدة البحرية في الفجيرة بالقرب من المدخل الشرقي لمضيق هرمز على شواطئ بحر العرب عام 2010. والأهم من ذلك، تركز القوات المسلحة على تحسين أدائها العملياتي إلى أقصى حدود، من خلال اعتماد نهج يرتكز على الشبكية، من أجل التحول إلى قوة قائمة على الشبكات، يشكل فيها الإدراك الظرفي المتفوق، وشبكة الاتصالات الآمنة أساساً للإنذار المبكر بعيد المدى والرد السريع والقدرة على الاستهداف الدقيق. وهناك عدد قليل من دول العالم يمكنه القيام بمثل هذا التحول في مجال الدفاع، بيد أنّ الاستراتيجية الدفاعية لقواتنا المسلحة تضع جيشها على مسار مشابه لمسارات التطور المعتمد لدى الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتستفيد دولة الإمارات في متابعة برنامجها الطموح للتحول في مجال الدفاع وبناء القدرات من الشراكات الدولية التي نسجتها على الصعيدين الاستراتيجي والتقني، ومن التطور النوعي في قطاع صناعة الدفاع الوطنية، ومن تطوير مراكز للتعليم والتدريب في الداخل، وابتعاث أعداد كبيرة من الضباط إلى دورات متقدمة في الخارج، والمشاركة المنتظمة للقوات المسلحة في تدريبات عسكرية مع حلفاء دوليين. والخلاصة أنّ «درع الإمارات المشترك50» يؤكد أنّ دولة الإمارات أصبحت اليوم قوة عسكرية ضاربة بالمنطقة، ولديها القدرة على العمل العسكري المشترك على مستوى جميع الوحدات العسكرية بشكل استثنائي وممنهج.